نقاط ضعف في استعراض بوتين قوته الاقتصادية
وعد الكرملين بأنَّ ظهور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اليوم الثالث من منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدّولي سيكون تدخلاً "بالغ الأهمية". وقد كان. إذ قدّم الزعيم الروسي من خلال خطابه الطويل، وهو أمر نادر الحدوث منذ غزوه لأوكرانيا، عرضاً هجومياً ساخناً مليئاً بالتحدي وإلقاء اللّوم على الآخرين. ومن جهة، كان خطابه بمثابة لقطة لافتة لحالة ذهنية لا تدع مجالاً للأمل في التوصل إلى حلٍّ وسط بين الأطراف المتنازعة. ومن جهة أخرى؛ كان استعراضاً مذهلاً للضعف الذي لم يستطع حتى التهديد الرئاسي الصاخب أن يخفيه.خطابٌ لا بُدّ منهأولاً، على مستوى السياق: تجنّب بوتين الخطابات العامة رفيعة المستوى على مدى الأشهر الأربعة الماضية، وأبقى خطابه بمناسبة يوم النصر موجزاً، كما قام بتأجيل عدد من الحوارات المدرجة على جدول أعماله، مثل جلسة الأسئلة والأجوبة المباشرة على شاشات التلفاز، وهي بمثابة سباقٍ يستغرق عدة ساعات، وتشكّل الجلسة جزءاً أساسياً من المسرح السياسي للكرملين والجهود المبذولة سعياً إلى تلميع صورة الرئيس الروسي كبطريرك خيّر وعطوف. لذلك؛ فإنَّه لأمر مهم أن يتقدم بوتين ويلقي خطابه الرئيسي في تجمع استثماري لطالما وصفته روسيا بأنّه يمثل ردّها على منتدى دافوس، الذي يجمع نخبة من قادة العالم في جبال الألب، حيث استهزأ بوتين في خطابه بالغرب.ومع ذلك، فمن الصعب الهروب من حقائق الواقع. لم يكن المنتدى هذا العام ("عالم جديد ، فرص جديدة") باهتاً فحسب؛ بل اعتُبر سيئاً لدرجة أنَّ الحاضرين سعوا إلى عدم إظهار المعلومات الشخصية على شارات المشاركة. ورداً على التساؤلات المطروحة حول الحضور؛ أشار الكرملين إلى أنَّ المستثمرين الأجانب يوجدون خارج الولايات المتحدة وأوروبا. ولكنَّ وجود ممثلين عن قيادة طالبان الأفغانية والبنك المركزي في فنزويلا، بالكاد يشير إلى قائمة ضيوف مكتظة بالمستثمرين المحتملين الذين ينتظرون استثمار أموالهم في اقتصادٍ معزول بشكلٍ كبيرٍ. ربما لم يكن من المفيد أن يُطلب من الحاضرين القادمين من الخارج إحضار أموالهم نقداً بسبب القيود المفروضة على بطاقات المصارف الأجنبية.ألقى كلٌّ من الرّئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أبرز المتحدثين الحكوميين من خارج الدول السوفيتية السابقة، كلمةً افتراضية عبر رسائل الفيديو خلال المنتدى الذي انعقد يوم الجمعة. وقد يكون ذلك ضرورياً، لكنَّه لا يقارن مع الزيارات الشخصية التي سيقوم بها قادة فرنسا وإيطاليا وألمانيا ورومانيا إلى كييف يوم الخميس وبحضور رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في اليوم التالي. كما تمت التوصية أيضاً بترشيح أوكرانيا للاتحاد الأوروبي، وهي خطوة مبكرة في طريقٍ طويلة للانضمام، لكنَّها تُظهر الدّعم في الوقت المناسب.وزيرة الاقتصاد الأوكرانية لـ"الشرق": 5 مليارات دولار نفقات الجيش شهرياًبقلم: Clara Ferreira Marquesالدولار الأميركي مقابل الروبل الروسي
100.0000 RUB+0.7696
الدولار الأميركي مقابل الروبل الروسي
100.0000 RUB+0.7696
كيف يمكن للعالم أن ينتصر على بوتين في معركة الغذاء؟
قصفت القوات الروسية صوامع الحبوب والمزارع، ونهبت القمح الأوكراني الذي يقول دبلوماسيون أمريكيون إن موسكو تحاول الآن بيعه. أُغلقت موانئ أوكرانيا على البحر الأسود بالألغام لحماية الخط الساحلي من هجوم البحرية الروسية، التي تقوم أيضاً بتعبئة الشحنات.ومع ذلك، إذا أراد المرء تصديق الرئيس فلاديمير بوتين، فإن الأنانية والعقوبات الغربية هي المسؤولة عن أزمة الغذاء الحالية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار - وليس الغزو الروسي لدولة من أكبر مصدري القمح والذرة وزيت عباد الشمس في العالم.يحاول بوتين ابتزاز الغرب لرفع الإجراءات العقابية، وهذا أمر متوقع، لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو تضخيم الكرملين للأكذوبة القائلة بأن الدول الغنية تتدخل وتعاقب دون أدنى اهتمام بالدول الأفقر.في العالم الناشئ، تنتشر بين السكان شكوك بالفعل بشأن الدوافع الغربية، ناهيك عن الحساسية الشديدة لارتفاع تكاليف الغذاء، وتخشى الحكومات أن يؤدي مزيج آثار الوباء وارتفاع أسعار السلع إلى احتجاجات. قال وزير الدفاع الماليزي، هشام الدين حسين، أمام تجمع أمني في سنغافورة نهاية هذا الأسبوع، في خطاب شدد على المخاطر المقبلة، مع إشارة واضحة إلى الاضطرابات في سريلانكا والتضخم المرتفع في باكستان إن: "الصراع يدور في أوروبا، لكن التداعيات والأضرار عالمية".اقرأ أيضاً: روسيا تكسب في معركة أزمة الغذاء العالمية التي أحدثتهابقلم: Clara Ferreira Marquesالقمح
572.75 USD-0.66
القمح
572.75 USD-0.66
هزيمة بوتين تتطلب مزيداً من العقوبات وقدرة على التحمل
تتمتع العقوبات الاقتصادية بسمعة سيئة، وهي كسلاح يعِد بالكثير –أو "شيء أقوى من الحرب" على حدّ قول الرئيس الأميركي وودرو ويلسون في عام 1919- لم تقدّم فعلياً سوى القليل نسبياً. فالإجراءات غير المسبوقة التي تهدف إلى عزل روسيا، لم توقف القتال في أوكرانيا، ولم تجبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الخروج منها.تعافى الروبل الروسي في وقت تتزايد تكلفة الضغوط على موسكو. لكن ذلك لا يعني فشل العقوبات على روسيا، خصوصاً أن الحلّ الذي يحمي مصالح أوكرانيا والأمن العالمي، من الصعب أن يتحقق دون استمرار وزيادة الضغوط.اقرأ أيضاً: صائدو الأصول في لندن يعملون على توسيع العقوبات ضد روسيايؤكد تاريخ العقوبات الاقتصادية أنها لا تحقق أهدافها بشكل كامل عندما يتعلق الأمر بتغيير السلوك والممارسات. من بين الجهود الأكثر شهرة في هذا الصدد، عدم تحقيق نجاحات ملموسة في حالة جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري. كما لا يزال النظام الكوبي قائماً حتى الآن، وكذلك الحال بالنسبة إلى فنزويلا. وحتى العقوبات الأكثر استهدافاً، ضدّ المجلس العسكري في ميانمار على سبيل المثال، لم تحقق التأثير المأمول. والأسوأ من ذلك، ما كشفت عنه حملة حصار صدام حسين في العراق من مدى صعوبة فرض عقوبات على الطغاة، المستعدين لترك شعبهم يتضور جوعاً من أجل قضيتهم.اقرأ المزيد: بنك روسيا المركزي قاد انتعاش الروبل بعدما قلصت الحرب الخيارات المتاحةهذه المرة، هناك حقيقة أخرى، هي أن المستهدف بالعقوبات هو أحد أكبر مصدري المواد الهيدروكربونية والحبوب في العالم، ما يعني أن القيود ستتسبب في ارتفاع الأسعار بشكل يضر بالمستهلكين في أماكن أخرى.اقرأ أيضاً: الإجهاد وتراجع الروح المعنوية بشأن العقوبات يعرقلان جهود أوروبا لمواجهة بوتينمع دخول الصراع شهره الرابع، يتعين علينا أن نتذكر أن الهدف من تلك العقوبات، كان تقويض قدرة بوتين على احتلال أوكرانيا.. لكن وعلى العكس، هذا ما يحدث الآن.الروبل والمركزي الروسيتدعم الضوابط المفروضة على تدفق رأس المال أداء الروبل، ولكن حتى مع ارتفاع أسعار الطاقة، لن يمنع ذلك حدوث انكماش اقتصادي في المدى القريب، والأهم من ذلك، ما سيتبعه من ركود بعد ذلك.يتولى إدارة البنك المركزي الروسي، تكنوقراط يتمتعون بإمكانات جيدة، لكن عليهم الآن أن يخططوا لـ"تحول هيكلي" -وهو مصطلح أقل حدة من الوصف الحقيقي- يصف في نهاية المطاف التكيف مع الاكتفاء الذاتي والعزلة، في بلد يعاني من نقص في كل شيء، بدءاً من الأزرار والمواد الكيميائية المبيضة للورق، وصولاً إلى قطع غيار طائرات الركاب.يتطلب النجاح -الذي يجب أن يعني تقديم حلّ يحمي سيادة أوكرانيا ومصالحها– المزيد من الجهود لتحقيق المرونة لدى الحكومات والشعوب المتحالفة، جنباً إلى جنب مع الواقعية بشأن التوقيت والتكلفة، إذ إن الحرية ليست مجانية، والأمر سيستغرق وقتاً.العقوبات وحدها لا تكفيعلى سبيل المثال، لم يبدأ فعلياً بعد حظر واردات النفط الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي منذ أشهر، كما لم يصل بعد تأثير كافة القيود التجارية إلى الداخل الروسي، بسبب المخزونات، ما يعني ضرورة بذل المزيد من الجهود لتكثيف التنفيذ، وسدّ الثغرات، والتوجه نحو فرض مزيد من القيود على الطاقة، وكذلك التعريفات الجمركية، حتى يمكن قطع عائدات الكرملين بشكل أسرع. ويعني ذلك، المزيد من الأسلحة والدبلوماسية، لأن العقوبات وحدها لا تكفي.أما البديل، فيتمثل في التوقف والسماح ببساطة للوضع الحالي بأن يغلي ببطء، وهو أمر قد يكون مغرياً للحلفاء، في ظل تأثير التدابير التي تم تطبيقها حتى الآن، والذي بدأ في الظهور بشكل واضح، بالإضافة إلى الضرر الذي يتسبب فيه ارتفاع تكلفة الوقود.لكن الوقت في صالح روسيا، حيث يسمح للاقتصاد بضبط وتخفيف الضرر من العقوبات، ما يشجع موسكو على إطالة أمد القتال، بل وتصبح هناك فرصة في المقابل لإظهار نجاح موسكو في التعامل مع الأزمة.الأمر الأكثر صعوبة، هو أن التوقف قد يوحي بأن بوتين كان محقاً في اعتقاده بأنه مهما كانت قيم أوروبا والولايات المتحدة وحلفائهما سامية، فإنها ستنهار تحت ضغط الدورات الانتخابية. ومثل هذا الموقف، سيتعلم منه الآخرون الدرس.الموقف التفاوضيتقول ماريا شاغينا، الباحثة في العقوبات الاقتصادية والإستراتيجية في "المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية" في برلين، إن التوقف سيؤدي إلى تلاشي كل من قوة الردع وتأثير الصدمة من فرض العقوبات، ما يزيد من مخاطر فشل الحلفاء في تقديم أسلحة كافية لأوكرانيا، وكذلك الإضرار بما يكفي اقتصادياً لروسيا، ما يزيد في النهاية من احتمال ظهور الإجهاد الذي يؤدي إلى ضعف موقف كييف التفاوضي.ساعدت الإجراءات الحمائية في تصدي الاقتصاد الروسي للعقوبات بشكل أفضل مما كان يمكن أن تؤثر عليه في حالة عدم وجودها. فأداء الروبل القوي يرجع إلى الضوابط المفروضة على تدفق رأس المال، والتحويل الإلزامي لعائدات التصدير، التي أبقت ارتفاعات الأسعار تحت السيطرة. وبطبيعة الحال، لا تزال موسكو تجني الأموال من صادرات الطاقة، ما يجعل الكرملين يحقق أقصى استفادة من هذه الدعاية.لكن إذا نظرنا عن قرب، سنجد أن روسيا تتضرر من العقوبات. فتباطؤ التضخم لا يرجع فقط إلى إجراءات البنك المركزي، ولكن لأن الطلب والثقة ضعيفان. كذلك انخفاض معدل البطالة، الذي علّق عليه بوتين، يرجع إلى تركز القوى العاملة في مؤسسات الدولة، والاستعداد لخفض ساعات العمل والأجور وليس خفض الوظائف، بدلاً من التركيز على نمو الاقتصاد.ثم يأتي انخفاض الواردات، في ظل اعتماد الاقتصاد بشكل كبير على مكونات من الخارج. لا شك في أن بوتين يعطي الأولوية للحرب في المقام الأول، ومن الواضح أن روسيا قد تستطيع دعم العملة ومنع السحب من الودائع المصرفية، لكنها لا تستطيع حماية نفسها بسهولة من العقوبات التجارية عبر إيجاد أسواق بديلة.مؤشرات على التراجعكشفت دراسة للبنك المركزي الروسي نُشرت في أبريل الماضي، أن ثلثي الشركات التي شملها الاستطلاع تعاني من مشكلات في الاستيراد، وأن العقوبات تسببت بنقص في كل شيء، من السيارات إلى الزراعة، بالإضافة إلى التصفية الطوعية لأعمال الشركات الخاصة، حيث تسبب نقص الإمدادات في تراجع مبيعات السيارات بأكثر من 80% خلال شهر مايو الماضي.وصل الأمر إلى إيقاف إنتاج عملاقة تصنيع الدبابات " أورالفاغون زافود" (Uralvagonzavod)، بينما يسعى الجيش إلى حل مشكلة نقص الرقائق، في ظل وقف مبيعات كبار المنتجين. وبينما تضع الصين، الشريك الرئيسي لروسيا، حدوداً واضحة على ما يمكن أن تقدمه. لن يتعرض الاقتصاد الروسي للانهيار، لكنه يتراجع بقوة.من الواضح أن لدى الدكتاتوريين قدرة أكبر على تحمل الضرر من القادة الديمقراطيين، وهذا دافع إضافي لمواصلة الضغط، وعدم السماح لروسيا بإعادة التشكيل وتجميع قوتها، حيث يمنح عدم الضغط الوقت الكافي للنظام، والذي يمكن أن يستخدمه في مصلحته.خطوتان حيويتانتبقى هناك خطوتان حيويتان: تتمثل الأولى في بذل المزيد من الجهد لاستعداد حكومات التحالف والناخبين لصراع لن يتم التوصّل إلى حلّ سريع له، إذ إن أي حل وسط سريع لن يفيد المصالح الأمنية لأوكرانيا، ولا مصالح معظم دول العالم. لن يكون سهلاً إقناع الأوروبيين أو الأميركيين بالقبول ببعض الأضرار وتحمّل الأعباء، وإن كان الدعم المالي وتحديد الأهداف الواضحة يمكن أن يساعدا في ذلك.أما الخطوة الثانية، فتتمثل في أن الوقت قد حان لكي تصبح العقوبات الحالية والمستقبلية مرتبطة بتحقيق شروط محددة، كي لا تبدو موسكو حبيسة خيار وحيد هو المواجهة. وكما قالت، شاغينا من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، فإن هذه هي الطريقة لتعظيم أثر العقوبات وإمكانات النفوذ الغربي.بالتأكيد، هناك مخاطر في مقابل كل ذلك. فروسيا قوة نووية لا تريد أن تحشر نفسها في الزاوية. وفي نهاية المطاف سيتكيف اقتصادها مع واقع محدودية الموارد، وقد تكون هناك عقوبات مضادة، وعواقب غير محسوبة، لكن الافتقار إلى العزيمة، يبقى أكثر خطورة من ذلك.لا يمكن أن تنتهي هذه الحرب إلا على طاولة المفاوضات، وهناك، سيعتمد السلام الدائم على تقوية موقف أوكرانيا، وإضعاف قوة روسيا.بقلم: Clara Ferreira Marquesالدولار الأميركي مقابل الروبل الروسي
100.0000 RUB+0.7696
الدولار الأميركي مقابل الروبل الروسي
100.0000 RUB+0.7696
رحيل والد الأوليغارشية الروسية لن يكون الأخير
يُوصف الانشقاق الذي يتجاهله الكرملين بالفعل بأنَّه مسألة شخصية؛ لكنَّ الحقيقة هي أنَّه مع غرق موسكو في حرب أوكرانية أكثر تكلفة بكثير مما كان متوقَّعاً؛ فإنَّ الرحيل المفاجئ لشخصية مهمة في سنوات ما بعد الاتحاد السوفيتي - الرجل الذي ساعد في دفع فلاديمير بوتين إلى السلطة من خلال إعطائه وظيفته الأولى في الكرملين - سيكون مؤلماً.في الواقع، يُثير اسم أناتولي تشوبايس ذكريات الفوضى والأمل في ذلك العقد الأول من حياة ما بعد الشيوعية؛ فقد كان خبيراً اقتصادياً، ومصلحاً للسوق، ورائداً أحمر الشعر في عهد بوريس يلتسين الذي أطلق آلاف مبيعات الأصول. وبسرعة فائقة، فكك تشوبايس نظاماً اقتصادياً متهالكاً، إذ حوّل من خلال هذه العملية حفنة من الرجال إلى مليارديرات. وكثيراً ما كان يُلام بل يُستهدف حتى على التوزيع غير المتكافئ للثروة الذي نتج عن ذلك؛ إلا أنَّه وصف اختياره في ذلك الوقت بأنَّه "بين شيوعية العصابات أو رأسمالية العصابات".لم يعد متنفذو روسيا الأثرياء مهمين في عهد بوتينطابور خامسالآن، ترك تشوبايس وراءه روسيا المعزولة بشكل متزايد، متجهاً نحو تركيا على ما يبدو، في رحيل يوصف بأنَّه أعلى مستوى منذ بدء غزو بوتين المشؤوم لأوكرانيا قبل شهر. لكن لا مجال للمشككين؛ حيث تحدّث بوتين في تصعيد للهجته التهديدية عن تطهير البلاد، وحذّر من "طابور خامس" من "الخونة الوطنيين".عند تقييم ما تعنيه هذه المغادرة اللافتة للنظر لنظام تحت الضغط، من المهم التفكير فيما لا تعنيه أيضاً.في الواقع؛ فإنَّ تشوبايس ليس من الأوليغارشية، لذا فإنَّ هذا الخروج ليس علامة على تمرد بين المليارديرات - الذين لم يعودوا على أي حال يدعمون النظام السياسي كما فعلوا في عهد يلتسين. كما لم يعد في الدائرة المقربة من بوتين، والتي تتكوّن بشكل متزايد من شخصيات من الأجهزة الأمنية، أو أولئك الذين يرتبطون بالنظام من خلال إيجارات المحروقات. وكان آخر منصب شغله تشوبايس هو دور مبعوث المناخ لـِ بوتين - الرئيس الذي بالكاد يهتم بميزانية الكربون العالمية.(الأوليغارشية هي مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين يسيطرون على بلد أو منظمة أو مؤسسة، ويتّسمون بالثراء الفاحش وقدر كبير من التأثير السياسي).يُشار إلى أنَّ انشقاقه هو الأعلى مستوى حتى الآن، ولكن يمكن القول، إنَّه الأكثر توقُّعاً من بين الانشقاقات رفيعة المستوى، كما قال لي بن نوبل، الذي يبحث في السياسة المحلية الروسية في يونيفرسيتي كوليدج لندن.طائرات المليارديرات الروس ويخوتهم ما زالت تجوب العالممضطر إلى الانحيازمع ذلك؛ فقد كان أيضاً واحداً من عدة رجال في النظام ممن تمكّنوا لسنوات من الوجود خارجه، فيما يصفه نوبل بأنَّه فضاء محدود، حتى عندما كانت روسيا بوتين مظلمة؛ وهو الآن مضطر إلى الانحياز.الأهم من ذلك أنَّ تشوبايس ليس وحده؛ فقد أفادت "بلومبرغ نيوز" يوم الأربعاء أنَّ محافظة البنك المركزي المرموقة، إلفيرا نابيولينا، سعت إلى الاستقالة بعد الغزو، لكن أُعيد تعيينها الأسبوع الماضي لفترة جديدة، وتُرِكت لتدير تداعيات الحرب التي جعلت روسيا معزولة اقتصادياً، ومحت كل ما حقّقته في عملها لسنوات. كما أبدى آخرون في النخبة الاقتصادية - إن لم يكن النخبة السياسية - استياءهم.بالطبع، أولئك الموجودون في أبعد مدار حول الكرملين يتحدّثون أو يغادرون أولاً. كما أنَّ خسارة تشوبايس هي أقل من زملائه في الإدارة الليبرالية في سانت بطرسبرغ مثل أليكسي كودرين، وزير المالية السابق ورئيس غرفة المراجعة الروسية حالياً، أو هيرمان غريف، الذي يقود أكبر بنك في البلاد "سبيربنك" (Sberbank). حيث ستكون تعليقاتهم وأفعالهم جديرة بالمراقبة.لكن لا ينبغي لأي من هذا أن ينتقص من أهمية خروج تشوبايس. إذ لا تدعو الشخصيات البارزة من خارج الكرملين الآن إلى السلام فقط، كما فعل الملياردير أوليغ ديريباسكا، إلا أنَّهم يغادرون أيضاً لإبراز موقفهم بالرغم من كل التكاليف التي ينطوي عليها الموضوع. إنَّها نقطة لا عودة فيها. وفي بيئة يتوهم فيها القليلون أنَّ العملية في أوكرانيا هي النجاح السريع الذي كان من المفترض أن تُحققه؛ فإنَّ كل رحيل يجعل الآخرين أكثر جرأة.بقلم: Clara Ferreira Marquesلا يبدو وداع بوتين وشيكاً
بدأت نهاية فلاديمير بوتين حين قرر غزو أوكرانيا، فعزل وطن 150 مليون إنسان، وعاث في اقتصاده تدميراً، فيما يسعى وراء سراب، لكن رئيس روسيا لم يبلغ تلك النهاية بعد.قد يدفع تألق رئيس أوكرانيا، الممثل الكوميدي السابق، وشجاعة المدافعين عن بلادهم وأخطاء القوات الروسية، البعض للظن أن سوء تقدير على هذا النطاق سيؤدي بالزعيم الروسي إلى نهاية سريعة بعد أطول ولاية منذ عهد جوزيف ستالين.يُلحق نطاق العقوبات غير المسبوقة على روسيا الضرر بالفئة المتنقذة الثرية والأسر العادية، فيما تبرز معارضة الحرب من جهات غير معتادة. نعلم أن السلطويين غالباً ما أسقطتهم أخطاؤهم، وكانت تلك في الغالب أقل فداحة بكثير من اخطاء بوتين الحالية.وقت فلاديمير بوتين لا يتسع لواقعيتكملا مستحيل في أزمة بهذا الحجم، لكن لا يٌرجح حالياً أن تنقلب النخبة أو يتمرد الشعب بقدر ما قد يستفحل القمع لإسكات الأصوات المعارضة والحفاظ على وهم التأييد الشعبي الساحق. يعبر النظام المفتقر للخيارات عن تفكير ضيق الأفق كما لا يحظى بالولاء أو الفكر المرجعي ويعاني ميثاقه الاجتماعي من التمزق، لكن يبقى السؤال: إلى متى قد يستمر هذا الحال؟ما يزال بوتين ممسكاً بأدوات السيطرة الأساسية، وأولها هيمنته القوية على الرسالة التي تصل إلى الغالبية العظمى من الروس، فيسهل الترويج للكارثة الراهنة على أنها هجوم على روسيا، وتوجيه الغضب الشعبي نحو الغرب، وليس ضد الكرملين. يقدم التلفزيون الحكومي تغطية شاملة مؤيدة لبوتين عبر انتقادات غاضبة على "النازيين" في أوكرانيا، أو نشرات إخبارية مختارة تتجنب ذكر كلمة "حرب" أو أي خسائر روسية.بقلم: Clara Ferreira Marquesأزمة تختمر على جبهة بوتين الداخلية
هذا درس في القيادة المتناقضة. من جهة، يظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التلفزيون الرسمي وهو يوجه أوامره من بعيد إلى مسؤولين ذوي وجوه متحجرة وسمات قاسية، تفصله عنهم منضدة طويلة، يجلس هو على طرف منها وهم على الطرف المقابل؛ ومن جهة أخرى يرتدي الزعيم الأوكراني زياً عسكرياً كاملاً وهو يسير في شوارع كييف، ويتحدث مباشرة إلى مواطنيه (وإلى العالم) عبر "تيليغرام"، يدعوهم إلى التحلي بالشجاعة، متعهداً بالبقاء في المدينة وتحت القصف.اقرأ أيضاً: طوابير أمام الصرافات الآلية في روسيا لسحب دولارات وسط مخاوف من انهيار الروبلواحد مصاب بجنون العظمة، ومولع بالقتال، ويعاني من العزلة، يعمد إلى تضخيم خطر حكومة كييف، ويقول إنها تعجّ بالنازيين و"مدمني المخدرات"، وآخر ممثل كوميدي أصبح رئيساً للبلاد، وكانت شعبيته تتراجع، لكنه تحول إلى زعيم يتمتع بالشعبية في زمن الحرب، عبر لمسة ذهبية من وسائل التواصل الاجتماعي.اقرأ أيضاً: بإمكان بوتين أن يربح معركة كييف.. لكن ليس الحربيتزايد الوضوح في التناقض بين الرجلين، مع فشل الحرب الروسية في المضي وفق المخطط لها، وتضاعف عواقبها الاقتصادية الكارثية.أما النتيجة؟ فهناك زيادة مستمرة في التأييد الخارجي للتحرك ضد موسكو، فيما تظهر النخب ذاتها في الداخل، دلائل على التوتر.اقرأ المزيد: العدوان الروسي على أوكرانيا يضع أردوغان في مأزقبطبيعة الحال، يسهل أن نبالغ في هذه المسألة. مازلنا في الأيام الأولى من صراع قد يستمر طويلاً، وقد استطاع بوتين من قبل أن يصمد، وأن يمرِّر حتى أكثر تحركاته التي لاقت رفضاً شعبياً عميقاً. إذ أنه يحكم قبضته على السلطة السياسية في روسيا، وبوجه عام، يسيطر على التلفزيون الذي يعتمد عليه معظم الشعب في متابعة الأخبار.ربما يتوجه الروس إلى نشرات الأخبار التابعة للدولة بدرجة أقل حالياً مما اعتادوا من قبل، غير أنهم لا يثقون بالضرورة في البدائل الغربية. وقبل الغزو الروسي، وجَّه معظمهم اللوم إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي في تصعيد التوتر، وفق الرؤية الروسية للأحداث.حقائق واضحةغير أن هناك أيضاً مخاطرة، في ضباب هذه الأحداث، بأن نسمح للنقد بأن يغطي على الحقائق الواضحة. هذه الحرب هي بدرجة كبيرة حرب بوتين على جميع الجبهات – العسكرية والاقتصادية والدعائية – وهو يصارع فيها.كان الرئيس الروسي يأمل في أن يشن هجوماً سريعاً على أوكرانيا، يحل ما كان يراه مشكلات أمنية، عبر تصفية القوة العسكرية للدولة المجاورة، ويجبر الحكومة القائمة على الهرب، ثم يعين حكومة موالية لموسكو بدلاً منها. كل ذلك كان يمكن تسويقه داخلياً، باعتباره "عملية" بلا تكلفة وغير مؤلمة، وليست حرباً.نشرات الأخبار التابعة للدولة التزمت هذه الرواية. فقد ركزت على سرعة التقدم المزعومة، ممررة قصصاً تفتقد إلى المصداقية عن أوكرانيين يلقون السلاح، وجماهير تهتف وترحب – ورغم أنها ذكرت في النهاية وجود ضحايا، إلا أنها لم تورد أي تفاصيل بشأنهم. كلمات مثل "الغزو" ممنوعة تماماً، وكذلك أي تلميح عن وحشية حرب تدور في بلد يرتبط بها كثير من الروس بروابط قوية.غير أن استمرار ذلك يصبح صعباً أكثر فأكثر، مع استخدام حتى محارق الجثث المتحركة بوضوح في تغطية ضحايا المعارك، مع تجنب الصور المزعجة للأكياس التي تحمل جثثاً والجنازات.الرواية والصورةيعود ذلك جزئياً إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها عدد من الروس اليوم أكبر مما كان عليه الحال في عام 2014. غير أن هناك حقيقة أخرى: فرغم امتلاك روسيا المعدات المادية، فإن أوكرانيا تمتلك قوة الرواية. لقد ظهرت صور صادمة للغاية. جثة جندي روسي متروكة على الأرض ومغطاة بالثلوج، وصورة نساء أوكرانيات وقد تحولن إلى مقاتلات للدفاع عن كييف، أو عائلات تكدست في محطات قطار الأنفاق هرباً من الصواريخ الروسية.هناك قصص عن البطولة والدعابة، مثل ذلك السائق الأوكراني الذي أوقفته آلية روسية نفد منها الوقود، وسأل الجنود إذا كانوا بحاجة إلى المساعدة بأن يجرهم في طريق "العودة إلى روسيا" قبل أن يقود سيارته بعيداً. أو كما حدث مع نقطة عسكرية على جزيرة وجدت نفسها في مواجهة بارجة حربية روسية. وقد صارت إجابتهم المهينة على مطالبتهم بإلقاء السلاح، شعاراً لحشد الجماهير.لا توجد روايات روسية تعادل هذه الروايات لدعم الرأي العام محلياً أو في الخارج.على الدرجة ذاتها من الأهمية، أدرك زيلينسكي وإدارته، القوة الكامنة في التواصل المباشر مع الروس العاديين عبر الحدود، وقد فعل ذلك، وتحدث إليهم حديثاً عاطفياً بلغته الروسية الأصلية.تنشر كييف صوراً للأسرى، وكثير منهم مجندون صغار، وقد أطلقت موقعاً على الإنترنت للعائلات الروسية التي تبحث عن معلومات عن المقاتلين الذين ماتوا أو وقعوا في الأسر. هذه الآلام لن يتم إسكاتها بسهولة.ضربات اقتصاديةالأمر الحيوي على الجبهة الداخلية، أن يأتي كل ذلك وسط توالي الضربات الاقتصادية. معظم الروس ينتظرون أن يكونوا بمنأى عن التأثر بالعقوبات على الأقل في المدى القصير – غير أنهم يواجهون الآن طوابير طويلة على ماكينات الصرف الآلية لسحب العملة الأجنبية، مع انهيار الروبل، وتحول البنك المركزي نفسه -وهو الداعم ذو الأهمية الحاسمة في النظام المالي- إلى هدف للعقوبات الغربية.ارتفع سعر الفائدة الرئيسي في البلاد بما يتجاوز الضعف إلى 20%، وأصبح من الصعب احتواء زيادة الأسعار. لقد سعى بوتين منذ زمن طويل لأن يطرح نفسه في صورة منقذ البلاد وجالب الاستقرار بعد الفوضى الاقتصادية خلال تسعينيات القرن الماضي – غير أن المشاهد الحالية في مراكز التسوق في موسكو، تذكرنا بما حدث أثناء أزمة العملة في عام 1998.نعم، إن كثيراً من الغضب والانزعاج ما زال مكتوماً وغير علني. وهذا النظام لم يمت، وإن كان جريحاً ومحاصراً بدرجة خطيرة.رغم ذلك يصرِّح الروس، بأعداد غير عادية ومن جهات غير عادية، بتململهم وغضبهم. فقد حوَّلت الحرب خطراً غير محدد تمثله قيادة أوتوقراطية مستبدة إلى خطر ملموس، وتهديد حقيقي جداً يواجه البلاد والأسر العادية ومستقبل أفرادها.اعتقالات بالآلافمظاهرات الشوارع تكشف عن ذلك، بأعدادها المهمة على خلفية مستوى القمع المرتفع. يقول مرصد "أو في دي إنفو"، وهو منصة حقوقية روسية مستقلة، إن السلطات اعتقلت 5933 شخصاً. وينضم المشاهير إلى الاحتجاجات، تعلو أصواتهم التي إن لم تكن ضد بوتين، فهي ضد الحرب التي يشنها – من لاعب التنس أندري روبليف في بطولات دبي للتنس، إلى فنان الهيب هوب أوكسيميرون، الذي ألغى مجموعة من الحفلات الموسيقية قائلاً: "أعرف أن معظم الناس في روسيا ضد هذه الحرب، وأنا على ثقة بأنه كلما زادت أعداد من يعلنون عن رأيهم، كان إنهاء هذا الكابوس ممكناً بوتيرة أسرع".في مؤتمر عالمي يجمع علماء المناخ، اعتذر عضو في الوفد الروسي "نيابة عن جميع الروس" عن عجزه عن منع هذا الصراع.بدأت الشروخ تظهر أيضاً وسط قطاع الأعمال، وهو القطاع الأهم على الإطلاق بالنسبة إلى قدرة النظام على الاستمرار، وكذلك وسط النخبة، بسبب دمار أصول وممتلكات الأوليغارشية وأبنائها نتيجة العقوبات، وقد أخذوا فجأة بتحول بوتين العدواني، خصوصاً بعد أن اكتشفوا أخيراً بوصلتهم الأخلاقية.وصف الملياردير ميخائيل فريدمان المولود في أوكرانيا هذه الحرب بأنها "مأساة"، في حين أن أوليغ دريباسكا، وهو الرجل الذي تحمّل من قبل إهانة بوتين له على شاشة التليفزيون دون أن ينبس بكلمة، يدعو الآن إلى التفاوض.ربما هكذا تبدو، بداية النهاية.بقلم: Clara Ferreira Marquesالروبل الروسي مقابل الدولار الأميركي
0.0101 USD-0.8040
الروبل الروسي مقابل الدولار الأميركي
0.0101 USD-0.8040
بإمكان بوتين أن يربح معركة كييف.. لكن ليس الحرب
تابع سكان كييف القذائف وهي تنهمر على مدينتهم، تماماً كما كانوا فعلوا عام 1941 في بداية حرب وحشية تحمَّلت خلالها أوكرانيا معاناة لا توصف. وفيما ترد صور لعائلات تختبئ في الأقبية ومحطات قطارات الأنفاق بحثاً عن الأمان، بينما تنير الضربات الصاروخية السماء، من الصعب ألا نقارن بين الأمس واليوم. لكن هذه المرّة التهديد يأتي من الشرق.ربما المقارنة غير مثالية، ولكنها حيّة جداً في قلوب الكثيرين من الأوكرانيين، وهي تتعارض بشكل صارخ مع مزاعم فلاديمير بوتين المستهجنة بأنه "يكافح النازية" في أوكرانيا. بغضّ النظر عن أن سرديته تجاهلت التفصيل المزعج المتعلق بالاتفاق النازي - السوفياتي، فقد اعتبر أن أحداث عام 1941 حجة للغزو في مسعى لتفادي تكرار خطأ "استرضاء" الآخرين. وقال في خطاب متلفز يوم الخميس: "لن نرتكب هذا الخطأ مرّة ثانية".اقرأ أيضاً: ما هي العقوبات التي ستكون أكثر إيلاماً بالنسبة للرئيس بوتين؟لن يكون الكرملين حكيماً في تجاهل هذه المقارنة، حتى في حالته الواهمة الحالية. ربما تبدو الحرب الخاطفة فكرة جيدة في نظر المخططين لها، ولكنها نادراً ما تكون مقتضبة أو غير مؤلمة على أرض الواقع، حتى بالنسبة إلى الدول القوية التي تملك التفوق العسكري. قد تتمكن القوات الروسية من السيطرة على العاصمة الأوكرانية، ولكن المحافظة على هذه السيطرة في وجه قوات دفاع محفزة وسكان معادين، أو حتى تحقيق أهداف بوتين طويلة الأمد بتغيير النظام أو ترسيخ الأمن، أمر مختلف تماماً.اقرأ المزيد: بوتين قادر على قمع الروس المعارضين للحرب.. لكن ليس إلى الأبدتجدر الإشارة إلى أن أوكرانيا تمكنت بالفعل من التصدي لروسيا بشكل فعّال أكثر ممّا كان يتوقعه كثيرون. لا نزال في الأيام الأولى، إلا أن الهجوم الروسي لم يكن جراحياً، ولم نشهد استخدام تكتيكات متطورة بشكل لافت. في معركة خارج كييف يوم الخميس، هاجمت قوات روسية مجوقلة المطار، وأفيد لاحقاً بأن الجانب الأوكراني تمكن من إعادة السيطرة عليه.بين الهجوم والدفاعثم تبرز مسألة الأعداد. تشير النظريات القتالية إلى أن المهاجمين بحاجة إلى نسبة ثلاثة مقاتلين لواحد من أجل الانتصار على المدافعين في المواجهة الأولى، وهذا الأمر لا يزال ينطبق على الأعمال القتالية في عالم اليوم، في ظل التقنيات الحديثة والأنظمة المؤتمتة، بحسب ما قاله لي ميك راين، الخبير الإستراتيجي والجنرال المتقاعد في الجيش الأسترالي. في غضون ذلك، يواجه ما يقدّر بـ190 ألف جندي روسي متمركزين في داخل المنطقة الحدودية وحولها، قوة من 205 آلاف جندي أوكراني نشط. وبحسب راين، القتال على الأرض غالباً ما تكون نتيجته غير مؤكدة وغير متوقعة، وربما تكون موسكو قد أساءت تقدير الصعوبات التي ستواجهها.بالطبع، تملك روسيا عدداً أكبر يمكنها أن تنشرهم. فقد حذر المسؤولون الاستخباراتيون الغربيون من أن موسكو تخطط للسيطرة على كييف باستخدام "قوة اكتساحية". وأفادت وسائل الإعلام الأوكرانية بأن روسيا تخطط لاحتلال كييف والسيطرة على الحكومة من خلال هجمات سيبرانية وقوات مجوقلة ومخربين يقومون بإشعال الحرائق وأعمال تخريبية، ما سيؤدي إلى الفرار بحالة ذعر، وهو أمر سيكون من الصعب التصدي له في حال استخدمت روسيا عدداً كبيراً. ولكن في أحسن الأحوال سوف تربح موسكو معركة، ولكنها لن تحقق انتصاراً شاملاً، ناهيك عن تحقيق نجاح طويل الأمد وفق شروط بوتين بما يؤمِّن ولاء أوكرانيا لروسيا.جهوزية عالية.. ولكنالجيش الروسي مدرّب ومجهّز اليوم بشكل أفضل بكثير ممّا كان عليه حين كنت معهم في غروزني. فقد أنفقت موسكو مبالغ طائلة على إصلاح قواتها المسلحة تمهيداً لهذه اللحظة بالذات. القادة العسكريون جاهزون، وأيضاً المجندون التابعون لهم. مع ذلك، يهاجم الروس دولة جارة تربط بين الكثير منهم وأبناء الشعب الأوكراني أواصر عائلية، وهم على عكس الأوكرانيين، لا يدافعون عن مصدر رزقهم ومنازلهم وعائلاتهم وقيمهم السامية التي تمنحهم التحفيز، مثل الديمقراطية والحرية.لكن ثمّة سؤال أساسي أكثر يتمثل في ما إذا كان النصر الذي يتخيله بوتين، القائم على إنشاء حكومة صديقة لروسيا ووقف جنوح أوكرانيا نحو الغرب، قابل للتحقيق في ظلّ الإستراتيجية الحالية. هذا الأمر مشكوك فيه، لا بل يبدو أن الكرملين يقوم بالعكس.يقول الكرملين إنه يريد أن يحرر أوكرانيا لا أن يحتلها. يريد أن يطيح برئيس البلاد ويستبدله بآخر صديق لروسيا. لكن أوكرانيا، على الرغم من كلّ مشاكلها، هي دولة ديمقراطية وليست استبدادية، وبالتالي لا يمكن تغيير قيادتها ببساطة من خلال الإطاحة بالرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي. وفيما كان الأوكرانيون في السابق مؤيدين بشكل كبير لموسكو، تظهر استطلاعات الرأي أن الوضع قد تغير. فالإبقاء على بديل مؤيد لروسيا في السلطة سيكون مستحيلاً إذا لم يكن مدعوماً بالقوة، أي بمعنى آخر باحتلال لا تقدر روسيا على تحمل تكلفته.موارد روسية محدودةكانت موسكو تعتمد على ضعف شعبية زيلينسكي، إلا أن الممثل الكوميدي السابق تحوّل إلى زعيم في زمن الحرب، حتى إن معارضيه احتشدوا خلفه. فهو على الرغم من منتقديه الكثيرين وتعثره في العديد من اللحظات الصعبة خلال الأزمة، كان على قدر المسؤولية. فقد ألقى خطابات حماسية من القلب، وتعهد بعدم مغادرة كييف على الرغم من أنه هو وعائلته أهداف رئيسية لموسكو على الأرجح.في النهاية، هناك المسألة الأهم. سيقاتل الأوكرانيون بقدر ما يتطلبه الأمر، بما أنهم لا يملكون أي خيار آخر. سوف يتلقون أيضاً الدعم المالي والعسكري حتى لو كان الغرب متردداً في إرسال قوات على الأرض. صحيح أن روسيا ليست ضعيفة، ولكن مواردها محدودة، كما إن اقتصادها الذي يعاني أصلاً من الركود يواجه اليوم عقوبات اقتصادية واسعة، فيما الشعب، بغض النظر عن استطلاعات الرأي الرسمية، يستحيل أن يكون مؤيداً للحرب باسمه. أمّا النخبة فتشاهد مواردها تنهار.قد يستولي بوتين على كييف، وبالتأكيد سوف يزعزع الاستقرار، فقد سبق أن فعل ذلك. لكن، هل يمكنه أن يحوِّل أوكرانيا إلى جار موال وإلى المنطقة العازلة التي يحتاج إليها؟ يبدو ذلك أصعب بكثير.بقلم: Clara Ferreira Marquesالروبل الروسي مقابل الدولار الأميركي
0.0101 USD-0.8040
الروبل الروسي مقابل الدولار الأميركي
0.0101 USD-0.8040