هزيمة روسيا استراتيجياً في الحرب "نظرية حالمة"
خلال الثمانية أشهر التالية لغزو أوكرانيا، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن حربه صراع وجودي لبقاء روسيا، فهو صراع من أجل نظام عالمي جديد. والآن، يبدو أن مفكرين سياسيين مهمين في الغرب يصلون لنفس النتيجة، إذ تتحول الفكرة المحورية للحرب من مساعدة أوكرانيا على الفوز إلى تشكيل نظام عالمي ما بعد الحرب يُهمّش روسيا، بما يجعلها غير قادرة على إثارة مزيد من المشكلات.يتحدى هذا التحول الحكمة التقليدية التي تقول إن الحرب ستنتهي بنوع من التسوية التي يجري التفاوض عليها، قبل أو بعد سقوط نظام بوتين. الكثيرون في الغرب، وليس في وسط أوروبا حيث تنتشر قناعة بأن روسيا لا تتغير، سيجادلون أنه لابد من تجريد موسكو من دورها الدولي الضخم. وسيقول البعض علانية بشكل متزايد، إنه لابد من تركيعها، مثل ألمانيا النازية أو حليفتها اليابان، قبل إعادة بنائها ودمجها مع العالم.اقرأ أيضاً: روسيا تخسر مقعدها في مجلس وكالة الطيران المدنيطرح نيكولا تنزر، وهو فرنسي متخصص في العلوم السياسية والخدمات المدنية، هذه الفرضية على منصة "صبستاك" (Substack). كتب تنزر أنه كان من الخطأ محاولة إعادة التواصل مع روسيا بعد انتهاء الشيوعية، بناءً على "وهم خرج من رحم آمال 1991"، وهو خطأ ارتكبه سياسيون أغبياء وفاسدون. قال تنزر إن الغرب لا ينبغي أن يخجل من تحديد أهداف الحرب الخاصة به، حتى لو لم يكن جزءاً من حرب أوكرانيا بشكل رسمي، وهذه الأهداف القصوى لابد أن تشمل انسحاب روسيا من كل دولة ومنطقة يتواجد فيها نظام بوتين حالياً، ولا يشمل ذلك فقط أوكرانيا وجورجيا، بل يمتد أيضاً إلى سوريا وبيلاروسيا وأرمينيا ودول آسيا الوسطى ودول أفريقيا وأميركا اللاتينية التي تعمل فيها مجموعة "فاغنر" (Wagner)، وهي شركة عسكرية خاصة مرتبطة بموسكو.بقلم: Leonid Bershidskyتفكيك روسيا.. هل يكون الحل للقضاء على نزعتها الاستعمارية؟
أظهر الهجوم الذي شنّه فلاديمير بوتين على أوكرانيا للعالم أن روسيا الناهضة تعني بالضرورة روسيا الاستعمارية. كذلك فقد أعاد ذلك إلى الواجهة مناقشات حول ما إذا كان لابد من "إنهاء التوجّه الاستعماري" لروسيا، أو ربما "إنهاء النظام الاتحادي"، ودفن طموحاتها الاستعمارية وإخضاع تهديدها العسكري.يُنظر إلى تفكك روسيا اليوم، شأنه شأن تفكك الاتحاد السوفيتي، على أنه نتيجة محتملة، بل وحتى أكبر من المأمول بتحقيقه، كنتيجة لغزو أوكرانيا الفاشل. تتردد تصريحات الإعراب عن الأسف لأن الولايات المتحدة لم تجعل ذلك هدفاً في تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي في حالة خراب، وتكافح من أجل التمسك بمنطقة انفصالية صغيرة واحدة، وهي الشيشان.تثير هذه المناقشات شعوراً باستحضار شيء مألوف من الماضي عبر عمل أدبي، عندما تحولت روسيا إلى نسيج من الدويلات يكاد يتعذر للغاية تخيله منذ تفكّك الاتحاد السوفيتي بهذه السهولة الظاهرة. في رواية "تيلوريا"، التي صدرت في عام 2013، قدّم فلاديمير سوروكين، وهو أحد أكثر المتنبئين دقةً بشأن تحول روسيا إلى الفاشية، إحدى الشخصيات التي كتبت عن الإمبراطورية الروسية:لو أن هذه العملاقة الرائعة التي لا تعرف الرحمة في إكليلها الماسي وعباءتها الثلجية انهارت بشكل ملائم في فبراير 1917، وتفكّكت إلى عدة دول ذات حجم يمكن السيطرة عليه، لكان كل شيء شهد تحولاً بروح التاريخ الحديث، ولكانت الشعوب التي اضطُهدت على أيدي السلطة القيصرية ستستعيد هوياتها أخيراً ما بعد الإمبراطورية وتعيش بحرية. لكن لم يكن ذلك ما آلت إليه الأمور في نهاية المطاف.اقرأ أيضاً: 30 عاماً على التفكك.. لينين لا يزال حياً والاتحاد السوفييتي لم يمُت بعدبقلم: Leonid Bershidskyالروس يوشكون على تلقي دروس ألمانية
ستكون لحرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا عواقب وخيمة على كثيرين، خصوصاً الأوكرانيين، سواء من فروا من البلاد أو من بقوا لقتال الجيش الغازي أو لتحمل الدمار بلا حول ولا قوة. لكن أثرها في الروس سيكون هائلاً أيضاً، سواء أدركنا ذلك الآن أم لم ندركه. حان الوقت لنحاول نحن مواطني الدولة المعتدية أن نضع أنفسنا مكان الألمان في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.ستبدو المقارنة مبالغاً فيها لكثيرين، ذلك أن النازيين ارتكبوا إبادة جماعية واسعة النطاق ودمروا مدناً في بلدان عديدة كما أنشأوا معسكرات الموت. يصعب على بوتين بلوغ مستوى جنون هتلر القاتل مهما حاول، لكننا نعيش في 2022 لا في الأربعينيات.لا يبدو وداع بوتين وشيكاًوُثقت جرائم الحرب التي ارتكبها بوتين على الفور على وسائل التواصل الاجتماعي، وتغير أيضاً منطق محاكمة الجمهور العالمي ليعتبر أنه بغضّ النظر عن محدودية قصف المدنيين فإنّ أول صاروخ استهدف منطقة سكنية هو أمر لا يُغتفر. مع وفرة الأدلة، لا يتطلب الأمر أن تخسر روسيا الحرب ليتحمل شعبها -وليس بوتين شخصياً فقط- المسؤولية حتى لو كانوا في أراضٍ بعيدة عن روسيا وأوكرانيا.لا يلوم عديد من الروس أنفسهم على الحرب، خصوصاً أولئك الذين يغادرون البلاد هرباً من هستيريا الحرب الرسمية والعواقب الاقتصادية، وعلى أسلوب حياة العقوبات الغربية غير المسبوقة، فلم يعُد هناك "إيكيا" ولا "إتش أند إم" (H&M).بقلم: Leonid Bershidskyبوتين قادر على قمع الروس المعارضين للحرب.. لكن ليس إلى الأبد
في اليوم الذي سبق "الاستفتاء" المزيف، الذي سلَّم شبه جزيرة القرم إلى روسيا بقيادة فلاديمير بوتين في عام 2014، خرجتُ في مسيرة ضد ضم شبه الجزيرة مع عشرات الآلاف من سكان موسكو الآخرين. لكن غالبية الروس أيَّدوا هذه الخطوة، وارتفعت شعبية بوتين، وفق قياسات علماء اجتماع مستقلين، إلى مستويات لم نشهدها من قبل، أو حتى بعد ذلك. الآن بعد أن شن الديكتاتور هجوماً شاملاً على أوكرانيا، لن تكون هناك احتجاجات واسعة النطاق، ولا قفزة في الشعبية. بعد سبع سنوات، أصبحت روسيا دولة مختلفة.. دولة تسمح لبوتين بتجاهلها. لكن، مع ذلك، فإن هذا الوضع بالكاد يعتبر أمراً مستداماً.اقرأ أيضاً: القوة الاقتصادية هي أفضل سلاح للغرب ضد بوتينأثناء مغامرة القرم، كانت لا تزال في روسيا معارضة سياسية نشطة. كان نائب رئيس الوزراء السابق بوريس نيمتسوف لا يزال على قيد الحياة، ويحتج بصوت عالٍ على الاستيلاء على السلطة. رأى معظم أصدقائي في هذه الخطوة نهاية المسار الأوروبي المتحضر لروسيا، وهزيمة كبرى لمشروع الحرية الذي أطلقه سقوط الاتحاد السوفيتي. بحلول عام 2022، سُحقت المعارضة وطُردت إلى المنفى أو إلى الأقبية. اغتيل نيمتسوف في عام 2015. عندما تحدث أليكسي نافالني ضد الحرب على أوكرانيا، فعل ذلك من منشأة عقابية حُبس فيها لمدة عام، وهو يُحاكم بتهم ملفقة أخرى. وعندما يلعن ليونيد فولكوف، أحد مساعدي نافالني الموثوق بهم، بوتين على التلغرام، ويعرب عن أمله في أن يكون الديكتاتور قد تورط في أمر أكبر منه، فإنه يفعل ذلك من واحة الأمان النسبي في إحدى دول الاتحاد الأوروبي.اقرأ المزيد: مسؤولون أمريكيون ساهموا في صياغة العقوبات يُشككون في نجاحها ضد "بوتين"صدمة واشمئزازأعرب بعض الفنانين والشخصيات التلفزيونية والكتاب والمؤثرين على الشبكات الاجتماعية، الذين لم يعودوا جميعاً يعيشون في روسيا، عن صدمتهم واشمئزازهم. تعهد ديمتري موراتوف، الحائز على جائزة نوبل للسلام، ورئيس تحرير صحيفة "نوفايا غازيتا"، والمسموح له بالنشر بموجب اتفاق مع الكرملين، بإصدار طبعة باللغتين الروسية والأوكرانية احتجاجاً على الحرب. وقع صحفيون وأكاديميون وأكثر من 100 مشرّع محلي على نداءات مناهضة للحرب. لكن أياً منهم لن يقود مسيرة كبيرة في شوارع موسكو، حيث تعمل آلة القمع التي يستخدمها بوتين بشكل استباقي الآن لتحييد الاحتجاجات. اعتقلت الناشطة مارينا ليتفينوفيتش التي دعت إلى احتجاجات في الشوارع يوم الخميس. يحتمل أن يواجه الروس الذين يجرؤون على النزول إلى الشوارع عبر البلاد، المصير ذاته. فالتحذيرات الرسمية صدرت بالفعل.لكن، رغم عدم وجود صور لمسيرات كبيرة لإثبات أن الروس، لا يقبلون جميعهم عدوان بوتين، لن تظهر أي استطلاعات للرأي دعماً لشعبية بوتين أيضاً. لقد تخلّص النظام إلى حد كبير من منظمي استطلاعات الرأي المستقلين. لكن حتى الموالين منهم للكرملين، لا يسجلون مستويات موافقة تشبه ما حدث عند ضم شبه جزيرة القرم. على سبيل المثال، أفادت "فيتس إيوم" (VTsIOM) يوم الأربعاء، بتأييد 73% لتحرك بوتين السابق الأقل تطرفاً، أي الاعتراف بـ"الجمهوريات الشعبية" الانفصالية في شرق أوكرانيا. في عام 2014، كانت نسبة التأييد الشعبي لضم القرم لدى جهة قياس الاستطلاع ذاتها 93%.استطلاعات غير موثوقةأظهر استطلاع جديد قامت به شبكة "سي إن إن"، أن هناك دعماً بنسبة 50% في روسيا لعمل عسكري لمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو. ولكن حتى هذا الرقم يبدو مرتفعاً. ليس لدى المستجيبين الروس ثقة بمنظمي استطلاعات الرأي. فماذا لو كانوا يعملون لمصلحة السلطات؟ إنه مصدر دائم للانحرافات.في مارس من عام 2014، وصل الدعم الذي يحظى به بوتين إلى 80%، وفقاً لأحد منظمي استطلاعات الرأي القلائل المتبقيين، مركز "ليفادا" (Levada)، واستمر في الازدياد مع ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا. في الشهر الماضي، مع إطلاق الدعاية بالفعل لرسالة مناهضة لأوكرانيا، وصلت شعبية بوتين إلى 69%، قرب مستواها ما قبل ضم القرم. من غير المرجح أن ترتفع شعبيته عند تطبيق العقوبات الغربية بكامل زخمها على روسيا، والروس يعلمون أن ذلك قادم. هناك خطوط في البنوك لسحب الدولار واليورو. ونشر أكبر بنك حكومي، "سبيربنك" (Sberbank)، إشعاراً لفترة وجيزة على موقعه على الإنترنت، يفيد بأنه قد يتعرض قريباً لعقوبات، ما سيصعب الأمور على أكثر من 100 مليون عميل. لكنه سرعان ما أزال هذا الإشعار، بدعوى وجود خطأ في البرنامج.روابط وصداقاتكانت لحظة ضم القرم مليئة بالبهجة للكثيرين، إذ هناك نظرة واسعة النطاق نحو شبه جزيرة القرم على أنها روسية، تاريخياً وعرقياً. بالكاد يتحدث أحدٌ الأوكرانية هناك حتى قبل عام 2014، وكان عدم احترام السلطات الأوكرانية واضحاً. أضافت القاعدة البحرية الروسية الكبيرة، التي لها تاريخ حافل بالعديد من الحروب، إلى التصور، الذي روجته بشدة منافذ الدعاية، بأن القرم "ستعود إلى الوطن". لكن الصواريخ الروسية تمطر مشارف كييف وخاركيف، وانفجرت مستودعات الأسلحة بالقرب من المدن الأوكرانية المسالمة، وهذا يعد بمثابة كابوس بالنسبة إلى العديد من الروس أنفسهم الذين رحبوا بضم القرم عام 2014. ينظر الروس إلى الأوكرانيين على نطاق واسع على أنهم شعب شقيق؛ ووفقاً للإحصاءات الرسمية، تتصدر أوكرانيا قائمة الدول التي يرجح زواج مواطنيها من الروس. بغض النظر عما قد يقوله بوتين حول "تشويه سمعة" أوكرانيا، فإن الكثير من الروس العاديين لديهم روابط عائلية وصداقات في البلد المجاور؛ ويعرفون أن أصدقاءهم وأقاربهم ليسوا نازيين.تحدث يوري دود، أكبر نجوم روسيا على "يوتيوب"، نيابة عن العديد من مواطنيه قبل الغزو مباشرة عندما قال: "نشأت في روسيا، روسيا هي وطني الأم، وأنا فخور بوجود وشم ثلاثي الألوان على ساعدي. لكن في هذه الأيام، فإني أدعم أوكرانيا، مسقط رأس عائلتي وموطن أصدقائي".عزلة متزايدةلا يعني ذلك أن بوتين يهتم، على الأقل في الوقت الحالي. يُحتمل أن تكون كل عمليات التضييق التي قام بها النظام في العامين الماضيين، من قمع للمعارضة والمخاطر المتزايدة بشكل كبير على الاحتجاجات في الشوارع، بمثابة استعداد لهذه اللحظة. أصبح بوتين معزولاً عن الشارع الروسي الآن لدرجة أن نظامه ليس في خطر، بغض النظر عن الخطوات الجذرية وغير الشعبية التي يتخذها. تبدو الصورة طويلة المدى أقل يقيناً، مع تزايد العزلة الاقتصادية، والشلل المحتمل في الأسواق المالية، وفقدان عملاء تصدير الهيدروكربونات. يمكن أن تستمر الحماية المالية لروسيا، بما في ذلك 643 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية، لفترة طويلة، ولكن ليس إلى الأبد إذا استمر عزم الغرب على الإبقاء على العقوبات. في بلد كبير مثل روسيا، لن يكون الحفاظ على مناخ من القمع وسط التدهور الاقتصادي اقتراحاً سهلاً، حتى بالنسبة إلى ديكتاتور خبير وقاس مثل بوتين.بقلم: Leonid Bershidskyكيف فاز بوتين وبايدن وخسرت أوكرانيا في الأزمة الأخيرة؟
لم يكن إعلان وزارة الدفاع الروسية، يوم الثلاثاء، عن بدء القوات في الانتقال إلى قواعدها الدائمة بعد تدريبات على الحدود الأوكرانية، خاتمة للأزمة التي خلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد ضخمها الرئيس الأمريكي جو بايدن من خلال خطاب مثير للقلق في الأشهر الأخيرة.مع ذلك، يتركّز اهتمام العالم على احتمال شن هجوم روسي واسع النطاق على أوكرانيا لمدة كافية تسمح بالإحصاء المبكّر للمكاسب والخسائر الاستراتيجية والتكتيكية الناتجة عن التصعيد. حتى الآن، يبدو أن بوتين وبايدن استفادا من الأزمة، فيما خسرت الدول الأوروبية بشكل عام، خصوصاً أوكرانيا.يُعَدّ أكبر انتصار لبوتين هو إثباته القدرة التي ذكرها في شهر نوفمبر الماضي حيال تصعيد التوتر المتعلّق بأوكرانيا ثم تهدئته كما يشاء. لم يستغرق الأمر من بوتين وقتاً طويلاً لنشر قوة عسكرية كبيرة على مقربة من أوكرانيا، وحتى إن غادر جزء منها حالياً، مثلما قال بوتين وأعوانه يوم الثلاثاء، سيتحوّل الموقف العسكري الروسي بشكل أو بآخر نحو الحدود الأوكرانية دوماً.اقرأ أيضاً: الرئيس الأمريكي: الهجوم الروسي على أوكرانيا لا يزال محتملاًيمكن للجنود المغادرين العودة في غضون مهلة قصيرة، وهناك دائماً ذريعة التدريبات. في عام 2021 أنفق الجيش الروسي نحو 86% فقط من مخصصات الميزانية البالغة تريليون روبل (13.2 مليار دولار)، وجرى تمويله بسخاء كافٍ لمواصلة ممارسة التدريبات في جنوب غرب روسيا، وروسيا البيضاء طوال العام في حال لزم الأمر.يبدو أن بوتين أدرك أنه لا طائل من إخفاء تحركات القوات، وعدم القيام بذلك يمنحه القدرة على التصعيد دون إرسال جندي واحد عبر الحدود، وبالتالي إعطاء الغرب ذريعة قابلة للتطبيق لفرض عقوبات. سبق لروب لي، أحد المحللين العسكريين الأكثر وضوحاً وكفاءة خلال الأزمة في معهد أبحاث السياسة الخارجية، أن مال نحو التوقعات بغزو جديد، لكنه كتب في تغريدته الأخيرة على "تويتر" أنه في حال وجود خطط للهجوم فقد ترتاح القوات الروسية للغاية بشأن تصويره.بقلم: Leonid Bershidskyما زلنا قادرين على تخيّل عالمنا دون "صناعة التشفير"
التشفير في كل مكان هذا العام، فالقيمة السوقية الإجمالية لكل العملات المشفرة ما زالت أعلى من تريليونَي دولار، رغم بعض الخسائر الأخيرة. وفي عام 2021 أنفق الناس أكثر من 44 مليار دولار على الرموز غير القابلة للاستبدال، أو حقوق الملكية الافتراضية للأشياء الرقمية، وهو مبلغ اقترب من الحجم الإجمالي لمبيعات التحف والأعمال الفنية عالمياً في عام 2020. كذلك ارتبطت فكرة الجيل الثالث من الإنترنت أو "ويب 3" بقوة بالتشفير خلال العام الماضي تقريباً.مع ذلك، وبعد 13 عاماً من تعدين أول عملة "بتكوين"، لا يسعني التفكير في أنه لن يتغير كثير بالنسبة إلى الغالبية العظمى منا إذا استيقظنا ذات صباح ووجدنا أن ظاهرة التشفير بأكملها قد اختفت إلى الأبد.اقرأ أيضاً: أكبر ثروة عملات مشفرة في العالم بدأت بلعبة بوكر ودّية.. كيف؟تخيّل لو أن الإنترنت أو "الويب" (عندما كان "ويب 1"، وكانت "فيسبوك" لا تزال باسمها الأول "فيسبوك") اختفت في عام 2004، أي بعد 13 عاماً من إطلاق "تيم بيرنرز لي" للشبكة العنكبوتية العالمية الخاصة به وإتاحتها أمام الجمهور. حتى في ذلك الحين، أي قبل بدء بث "يوتيوب" (2005) و"نتفلكس"(2007)، كان انتهاء الإنترنت ليمثل صدمة كبيرة وخسارة فادحة: أيُعقل ألا يكون هناك "غوغل" أو "ويكيبيديا" أو "سكايب"؟!بالتالي، أيُعقل ألا تكون هناك عملات مشفرة في عام 2022؟ من يهتم؟ إلا إن كنت واحداً من أصحاب الملايين من جيل الألفية الذين لديهم أكثر من 50% من أصولهم في العملات المشفرة.اقرأ المزيد: رئيس بورصة لندن للمعادن يستقيل للعمل في العملات المشفرةمقارنة مع عام 2004يمكن للمرء أن يطّلع على الإحصاءات الخاصة بتبنّي واستخدام التكنولوجيا الجديدة من قِبل الجمهور، ليكتشف أن التشفير اليوم هو تماماً في المرحلة ذاتها التي كان عليها الجيل الأول من الإنترنت أو "ويب 1" في عام 2004. يوجد نحو 71 مليون عنوان لحسابات "إيثريوم"، ونحو 40 مليون عنوان لحسابات "بتكوين" بأرصدة غير صفرية. هذه الأرقام، وبالترتيب ذاته، هي نفسها التي أبلغت عنها شركة المزادات على الإنترنت "إي باي" (eBay) في عام 2004: 56 مليون مستخدم نشط اشتروا أو باعوا شيئاً ما من خلال موقع في ذلك العام، والتي أبلغت عنها "باي بال" (PayPal): 20 مليون حساب نشط في قطاع الدفع الخاص بها، جزء منها كان من "إي باي".اقرأ أيضاً: موجة بيع تضرب العملات المشفرة.. و"بتكوين" عند أدنى مستوى في 6 أشهركذلك تُعَدّ "كوين بيس غلوبال" (Coinbase Global) اليوم أكبر بورصة عملات مشفرة في الولايات المتحدة، ولديها نحو 2.8 مليون مستخدم نشط شهرياً. في عام 2004 أعلنت شركة "إي تريد فاينانشال كورب" (E*Trade Financial Corp)، وهي واحدة من أوائل وسطاء الإنترنت، عن 3 ملايين حساب وساطة نشط، فيما تفاخرت شركة "تي دي أمريترايد هولدينغ كورب" (TD AmeriTrade Holding Corp)، وهي شركة أخرى في هذا المجال، بـ2.6 مليون حساب. فضلاً عن ذلك، وصلت القيمة السوقية للشركات المدرجة على مؤشر "ناسداك 100"، وهو مرآة صناعة الإنترنت الناشئة، إلى 2.5 تريليون دولار في نهاية عام 2004، أي تقريباً ما يعادل حجم العملات المشفرة اليوم.فروق كبيرةلكن حتى أكثر التقديرات سخاءً لعدد مستخدمي العملات المشفرة -نحو 200 مليون اليوم- تبقى بعيدة كل البعد عن أكثر من مليار مستخدم للإنترنت في ديسمبر 2004. كان الناس في الواقع يشترون أشياء على "ويب 1" -الكتب وتذاكر الطيران والبيتزا– فيما بعد 13 عاماً لا يستخدم كثير منهم "ويب 3" لشراء الأشياء. تتعامل "بيت باي" (BitPay)، أحد أكبر معالجات الدفع بالعملات المشفرة، مع نحو 66 ألف معاملة شهرياً، مقارنة بـ17 مليار لـ"فيزا" أو نحو ذلك.طالع أيضاً: طفرة في عدد مبرمجي التشفير رغم هبوط العملات الرقميةهذا بالطبع هو نتيجة عدم قدرة عالم العملات المشفرة على خفض تكاليف المعاملات، بمتوسط 1.4% لكل من "بتكوين" و"إيثريوم". هذا أكثر من متوسط التكلفة الحالية للتحويل الدولي للأموال إلى أذربيجان أو جورجيا، وفقاً لـ"البنك الدولي". شركة التحويل "وايز" (Wise) التي لا تستخدم التشفير، تحوّل الأموال بتكلفة تقل عن 0.35%، حسب العملة. من هنا، لا توجد فائدة كبيرة للتحول إلى التشفير من النظام المصرفي التقليدي إلا إذا كان المرء يبحث -ربما عبثاً، في حالة اهتمام السلطات به- عن مزيد من إخفاء الهوية على حساب مزيد من المخاطر (عالم التشفير سيئ السمعة بسبب عجزه عن التصدي للاحتيال).وعد التكنولوجيامع ذلك، هناك ما هو أكثر من معدل التبنّي الأقل لـ"ويب 3" مقارنة مع "ويب 1" بعد 13 عاماً. إن الوعد التكنولوجي الذي يحمله عالم التشفير، رغم ما يقوله مؤيدوه وداعموه، يبقى محدوداً أكثر بكثير مما كان عليه الويب في مراحله الأولى. مقابل كل تطبيق واقعي من "بلوكتشين"، يمكنك تسمية عديد من تطبيقات "ويب 1" التي جرى إطلاقها، وعديد منها في مناطق تؤثر إلى حد كبير في الحياة اليومية للجميع. في بدايات عام 2004، كانت شبكة الإنترنت هي المصدر الرئيسي لأخبار الانتخابات لـ18% من الأمريكيين. من الصعب العثور على مثال مشابه يتضمنه قطاع التشفير اليوم.هذا أحد أسباب عدم انعكاس تقدم الإنترنت في جيلها الثاني "ويب 2" على العملات المشفرة. فمجالات العمل والحياة بشكل عام التي يتطلب تقنية "بلوكتشين" هي أقل بكثير من تلك التي تتطلب تطبيقات "ويب1 " و"ويب2 ". وحتى هذه المجالات الجديدة ستتبنى "بلوكتشين" فقط إذا كان بإمكانها القيام بعمل أفضل من تقنية "ويب1 " و"ويب2 " الحالية. هذا أبعد من أن يكون متاحاً في هذه المرحلة، على الأقل في الوقت الراهن الذي تكون فيه الطاقة المنفقة على معاملة "إيثريوم" واحدة كافية لتشغيل أكثر من 100 ألف معاملة "فيزا".لا تزال المعدلات الحالية لتبنّي التشفير، التي يمكن مقارنتها في بعض الحالات بالدفع عبر الإنترنت واعتماد تكنولوجيا التداول في عام 2004، مدفوعة بالمضاربة التي تحدث في نوع من الحدائق المحاطة بأسوار (مجموعة محدودة من التكنولوجيا أو معلومات الوسائط المقدمة). وعلى الرغم من الفضول الكبير في عالم التمويل التقليدي حول أصول التشفير الجديدة والمربحة في كثير من الأحيان، فإنه كان فضولاً سطحياً فقط. وُصف استثمار شركة "بلاك روك" (BlackRock) بقيمة 6.5 مليون دولار في عقود "بتكوين" الآجلة بأنه تقدم كبير، وهذا أقل من حصص "بلاك روك" في شركة الأمن السيبراني "مكافي" (McAfee) في الربع الثالث من عام 2004.استثمارات ومخاطروفقاً لـ"كوين غيكو" (CoinGecko) فإن قيمة أكبر حيازة لـ"بتكوين" من قِبل شركة مساهمة عامة، وهي تلك التي تملكها شركة "مايكروستراتيجي" (MicroStrategy)، بلغت بلغت 5.1 مليار دولار، تليها "تسلا" بقيمة مليارَي دولار، و"غالاكسي ديجيتال" (Galaxy Digital) بـ1.3مليار دولار، فيما كانت بقية حيازات "بتكوين" و"إيثريوم" أصغر بكثير. على النقيض من ذلك، كانت استثمارات شركات الإنترنت في عام 2004، والشركات الناجية من أزمة "دوت كوم" مثل "أمازون" أو "إي باي"، شرعية حتى لو كانت محفوفة بالمخاطر، كما كان الوضع عندما صُنّفت سندات "أمازون" بدرجة أقل من الدرجة الاستثمارية في عام 2004. وإذا تذكّر المرء طفرة شركات الـ"دوت كوم" نفسها فإن الهيجان في الأسواق المنظمة بالكاد يقابله الاهتمام الحذر الحالي بعالم التشفير.يمكنك أن تنحو باللائمة في شأن حالة الانعزال التي يشهدها قطاع التشفير اليوم، وبالتالي افتقاره إلى المخاطر النظامية على النظام المالي العالمي، على الحذر الذي تتوخاه الجهات التنظيمية تجاه حالة الفوضى هذه، وعلى ظاهرة القرصنة في عالم التشفير، وعلى الخطاب المناهض للحكومة. لكن روّاد الجيل الأول من الإنترنت "ويب 1" جسّدوا نفس الروح الفوضوية، إذ إنهم أيضاً أرادوا كسر وتحطيم القواعد. ربما أفادت حالات الانهيار في أوائل القرن الحادي والعشرين المستثمرين بشيء، وهي أنها علّمتهم أمراً عن شراء كثير من مما هو جديد.كيف يتحقق الاختراقلن يتحقق الاختراق الحقيقي لعالم التشفير إلا إذا كان لا يمكن تخيل العالم من دونه، أو عندما لا يمكن تخيل العالم من دونه، كما كان لا يمكن تخيله من دون الإنترنت في عام 2004. حتى بعد 13 عاماً من بدء كل شيء، هذا الإحساس بالثورة التكنولوجية التي لا رجعة فيها -ثورة تستحق لقب "ويب 3"- لا تزال تتطلب بعض القفزات التكنولوجية، حتى في المجالات التي تكون فيها استخدامات "بلوكتشين" واضحة، مثل المدفوعات أو إنشاء العقود. لكن نقطة التحوّل لن تأتي في شكل أدلة إحصائية ساحقة، أو كحدث واحد، مثل تحوّل مستثمر تقليدي رئيسي إلى "عقيدة التشفير" أو اعتماد دولة كبرى لعملة قائمة على "بلوكتشين"، بل سيأتي على شكل شعور بأن "ويب 3" قد غيّر العالم كثيراً، لدرجة أن فقدانه سيترك ندبة. فهذا الشعور هو أكبر جائزة عندما يتعلق الأمر بالثورات التكنولوجية.بقلم: Leonid Bershidskyجوجل (ألفابت)
173.84 USD-4.74
جوجل (ألفابت)
173.84 USD-4.74