تحديات هائلة أمام تخزين الطاقة لتصفير الانبعاثات
في أعلى أحد الوديان في شمال ويلز في المملكة المتحدة، بعد قرية ليانبيريس، تقع مجموعة من المباني الحجرية قرب مقلع لصخور الأردواز مهجور منذ زمن. هناك، وعلى مسافة بعيدة، تمتد سلسلة جبال ترعى فيها قطعان الماشية. باستثناء الرصيف الاسمنتي المصمّم على شكل سدّ ينحدر إلى بحيرة تحت بقايا مناجم قديمة، لا شيء يوحي بأنك تقف إلى جانب واحد من أكبر معامل الطاقة في بريطانيا.في قلب جبل قريب من هنا، تجري عملية ضخمة لتوليد الطاقة الكهرومائية، تربط ما بين البحيرة عند القمة والوادي الممتد أمامك. تخترق ستّة مداخل اسمنتية ضخمة الصخور على امتداد 600 متر نزولاً نحو توربينات قادرة على توليد 1800 ميغاواط من الطاقة، أي ما يوازي 5% من متوسط مستوى الطلب اليومي على الكهرباء في بريطانيا.اقرأ أيضاً: طاقة الرياح تسجل مستوى قياسياً في بريطانيا وتخفّض أسعار الكهرباءتم تشييد محطة كهرباء "دينورويغ" في سبعينيات القرن الماضي، للمساعدة على دعم الشبكة الكهربائية في البلاد. ففي الأوقات التي تكون فيها الطاقة وفيرة ورخيصة، يتم ضخّ المياه من الوادي نحو الخزان الأعلى، حيث يتم تخزينها من أجل استخدامها كمصدر محتمل للطاقة، على أن يتم فتح الخزان للسماح بتدفق المياه في حالات الشحّ المفاجئ بالطاقة، وحين ترتفع أسعارها.اقرأ المزيد: الطقس الدافئ يمنح بريطانيا هُدنة مؤقتة من ارتفاعات أسعار الطاقةيختبئ معمل الطاقة هذا في منتزه سنودونيا الوطني، أحد أجمل المناطق الجبلية في بريطانيا. قال مدير محطة توليد الطاقة جون أرمسترونغ: "يجب على أبنيتنا المشيدة فوق الأرض أن تكون مغطاة بالأردواز على شاكلة أبنية المقلع القديم". وأضاف: "يجب أن يكون التصميم متناسقاً، وإلا، فسوف يشوّه الجمال الطبيعي الذي يحيط بنا".تعود محطة "دينورويغ" إلى الزمن الذي بدأت فيه وحدات توليد الطاقة الأكبر حجماً تهيمن على شبكة الطاقة الكهربائية، مع افتتاح معامل جديدة عملاقة للطاقة النووية والعاملة على الفحم. كانت غاية هذه المحطة في الأساس حماية الشبكة من تأثير الارتفاع في الطلب أو الانقطاع المفاجئ للتيار الكهربائي. وسأل أرمسترونغ: "هل تذكرون مسلسل (ثورن بيردز)؟"، في إشارة إلى المسلسل القصير واسع الشعبية الذي تم عرضه على التلفزيون البريطاني في بداية الثمانينيات، إذ كانت كلّ حلقة منه تسبب ارتفاعاً في الطلب على التيار الكهربائي بعد تجمع الناس لمشاهدته في منازلهم. وقال أرمسترونغ: "يتذكر بعض الزملاء القدامى كيف كانوا يشغّلون المعمل بكامل طاقته من أجل تلبية الارتفاع في الطلب، إلا أن مثل هذه الأمور، ما عادت تحصل اليوم".اقرأ أيضاً: أسعار الطاقة المرتفعة تنال من 22 مليون أسرة في بريطانياأسهمت خدمة المشاهدة عند الطلب ومتابعة البرامج بساعات متفاوتة، في تسطيح منحى الطلب على الكهرباء، وبات من النادر أن تفرض البرامج التلفزيونية اليوم ضغطاً على الشبكة. فحالياً تجري الاستعانة بالمحطة لأسباب أخرى. قال أرمسترونغ: "الآن حين نفتح السدود، يكون ذلك عادة بسبب عوامل الطقس".أهمية التخزينفي الماضي، كان تخزين الطاقة أحد الحلول المهملة في الأنظمة الكهربائية حول العالم، لكن هذا الواقع تغير اليوم. ففيما يسعى العالم إلى التخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري، أصبحت الشبكات الكهربائية تعتمد أكثر على توليد الطاقة من مصادر متجددة، ما يحتاج إلى توفير احتياطي للأيام التي لا يتوافر فيها ما يكفي من الرياح وأشعة الشمس. في هذا الإطار، يعدّ التخزين من بين الطرق القليلة الصديقة للبيئة، إلا أن العالم لا يملك ما يكفي من هذه الخزانات، ويواجه إنشاء المزيد منها عقبات تقنية ومالية ضخمة، بدأ يدركها صنّاع السياسات أخيراً.بحسب الأرقام الأخيرة، يمتلك العالم القدرة على تخزين حوالي 9 آلاف غيغاواط/ساعة من الكهرباء، كلّها تقريباً على شكل طاقة كهرومائية مخزنة بالضخّ، كما الحال في محطة دينورويغ. وبحسب المراجعة الإحصائية للطاقة حول العالم الصادرة عن شركة "بريتيش بيتروليوم" (BP)، استهلك العالم 27 ألف تيرا واط/ساعة من الطاقة في عام 2020، ما يعني أن الطاقة المخزنة تكفي فقط لتغطية ثلاث ساعات من الاستهلاك.من شأن انتشار التخزين أن يسهم في توسيع نطاق استخدام الموارد المتجددة وتسريع الانتقال إلى شبكة الطاقة الخالية من الكربون. وتقول بيرناديت ديل كيارو، المديرة التنفيذية لرابطة الطاقة الشمسية والتخزين في كاليفورنيا، إن "تخزين الطاقة، هو الجسر الحقيقي نحو مستقبل الطاقة النظيفة".حاجة متزايدةعلى الرغم من التوسع الكبير في استخدام الطاقة المتجددة في السنوات الماضية، إلا أن بريطانيا لم تلبِّ ما يكفي من حاجتها إلى التخزين. فهي تملك أربع منشآت كهرومائية للتخزين بالضخ (اثنتان في ويلز واثنتان في اسكتلندا) قادرة على تخزين حوالي 24 غيغاواط/ساعة من الطاقة وإعادتها إلى الشبكة بمعدل 2.3 غيغاواط، ما يعني أن بإمكانها أن تعمل بقدرتها الكاملة لنحو 10 ساعات قبل استنفادها. تمتلك أيضاً بطاريات تخزين بسعة 1.1 غيغاواط/ساعة، متصلة بشكل رئيسي بشبكة مزارع الرياح والطاقة الشمسية المتنامية في البلاد. وهذا يكفي فقط لإضاءة الأنوار لـ45 دقيقة في يوم عادي.إلا أن بريطانيا ستحتاج إلى المزيد من السعة التخزينية في إطار سعيها إلى تصفير صافي انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، وهو هدف كانت حكومة بوريس جونسون قد سرعته خلال مؤتمر الأطراف السادس والعشرين "كوب 26" (COP26) الذي عقد في غلاسكو، حيث تعهدت بتصفير الكربون في الشبكة الكهربائية في البلاد بحلول عام 2035، أي قبل عقد ونصف ممّا كان مقرراً سابقاً.إلا أن البعض يتساءلون ما إذا كانت مثل هذه الأهداف واقعية. بحسب السير ديتر هيلم، الخبير الاقتصادي في مجال الطاقة في جامعة أوكسفورد، "لا توجد أي تكنولوجيا قادرة قبل عام 2035 على تأمين احتياطي للموارد المتجددة بشكل كاف، باستثناء الغاز".الطاقة المتجددةتعمل بريطانيا حالياً على تحويل شبكتها الكهربائية التي تهيمن عليها الطاقة الحرارية "القابلة للتمدد" (مثل التوربينات العاملة على الوقود الأحفوري) إلى طاقة مولدة بشكل متنام من الرياح وأشعة الشمس.بقلم: Jonathan Fordانبعاثات الكربون
67.12 EUR-1.81
انبعاثات الكربون
67.12 EUR-1.81