هل أحلام بريطانيا التكنولوجية مبنية على وعود فارغة؟
يتفاخر رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، بأنَّ المملكة المتحدة ستتحول قريباً إلى "قوة علمية عظمى"، ووسط سباق لا يخلو من المبالغة؛ ادّعى زعيم المعارضة، كير ستارمر، الخميس، أنَّ أي حكومة يقودها حزب العمال قادرة على تحقيق أعلى معدل نمو مستدام بين دول مجموعة السبع بنهاية ولايتها الأولى.يبدو أنَّ الوعود الفارغة التي قامت عليها الثورة الصناعية البريطانية القائمة على البخار ما تزال تغذّي السياسة الصناعية حتى يومنا هذا.قد تتساءل، مثل العديد من البريطانيين الذين ينتابهم القلق ويعيشون في اقتصاد ضعيف منذ الأزمة المالية في 2007-2008؛ كيف يمكن أن تصبح بريطانيا "قوة عظمى في مجال الطاقة النظيفة"؟، هكذا وعد ستارمر، وهو ما قد يحدث أو لا، لكنَّه مع ذلك؛ لم يقدم حُجة مقنعة قوية حول الكيفية التي ستتصدر بها بريطانيا الدول من حيث النمو.الشركات البريطانية تسجل أول نمو للإنتاج منذ 7 أشهريتعين عليّ الاعتراف بارتياحي بوصول القيادة السياسية للبلاد أخيراً للحقيقة الدامغة التي طالما تجاهلتها، وهي الأداء البائس للشركات البريطانية منذ وقت طويل، فقد بلغ معدل نمو الإنتاجية سنوياً نحو 0.5% منذ 2008، مما يتطلب معالجة المعدلات المتدنية للاستثمار التجاري والإنفاق على البحث والتطوير، بينما فشلت السياسة الاقتصادية الكلية في تحقيق النتائج المرجوة.بقلم: Martin Ivensاسترازينيكا بي ال سي
9,867.00 GBp+0.93
استرازينيكا بي ال سي
9,867.00 GBp+0.93
المحافظون يجب ألا يتجاهلوا "أفكار تروس الاقتصادية" بعد
قد تستغرق المنافسة على قيادة حزب المحافظين أسابيع، لكن رأي النخبة قد وقع بقوة بالفعل على ريشي سوناك، وزير الخزانة السابق ومصرفي "غولدمان ساكس"، كخيار لها.أيّدت صحيفة "تايمز أوف لندن" سوناك يوم الخميس، ومن المتوقع أن تحذو صحيفتا "فاينانشال تايمز" و"ذا إيكونوميست" حذوها، وهذه نعمة مختلطة لمرشح يمثل رأي وزارة الخزانة التقليدي.وبفعل بعض السحر الغريب، أصبح سوناك، الذي بدأ دعمه لبريكست عندما كتب مقالاً مدرسياً في السادسة عشرة من عمره يدين الاتحاد الأوروبي، محبوباً لدى مؤيدي البقاء في عام 2016، وفي غضون ذلك، قد تحصل منافسته، وزيرة الخارجية ليز تروس، التي صوّتت لصالح البقاء في استفتاء عام 2016 وفي سن المراهقة دعت إلى إلغاء الملكية في مؤتمر للحزب الديمقراطي الليبرالي، على دعم صحيفة "ديلي ميل" الملكية المشككة في اليورو.تروس تتعهد بإقامة مناطق استثمار منخفضة الضرائب في بريطانيابقلم: Martin Ivensالجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأميركي
1.2589 USD+0.0079
الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأميركي
1.2589 USD+0.0079
بوريس جونسن لديه إرث حقيقي.. وعلى خليفته أن يدرك ذلك
في وصفه النهاية المشرّفة لأحد السياسيين لحظة إعدامه، كتب شكسبير: "لم يفعل في حياته ما يعبّر عن قيمته الحقيقية سوى تركه لها". في حالة بوريس جونسون، جاءت استقالته المتأخرة متطابقة مع فترة حكمه المتسم بالفوضى في 10 داوننغ ستريت، مقر الإقامة الرسمية ومكتب رئيس الوزراء في المملكة المتحدة.كذلك، فإن خطاب خلفائه المحتملين، وخصومه على حدّ سواء، لم يكن مشجعاً. فهم ظلّوا يرددون، وبشكل مثير للاشمئزاز، أن الإطاحة بجونسون مسألة مرتبطة بـ"النزاهة" و"الشخصية". لكن زملاءه في الواقع، كانوا يقصدون أن الرجل أصبح خاسراً، وبالتالي، ما من داعٍ للتمسك به لفترة أطول. أما حزب المحافظين الذي يعدّ أقدم الأحزاب السياسية في اللعبة الديمقراطية في الغرب، فشهيته مفتوحة على السلطة، في حين أن رئيس الوزراء لم يعد يؤّمن له الفوز في صناديق الاقتراع.اقرأ أيضاً: وزيرا المالية والنقل أبرز المتنافسين على خلافة "جونسون" في بريطانيامع تراكم التراب على قبره السياسي، من السهل أن ننسى أن ولاية جونسون التي استمرت ثلاث سنوات في رئاسة الوزراء، كانت حافلة بالأحداث، على عكس أسلافه تعيسي الحظّ. بعض إنجازاته، مثل توزيع اللقاحات مبكراً، سوف تبقى راسخة. وعلى الشخص الذي سيخلفه في 10 داوننغ ستريت، أن يتعامل مع إرث حقيقي، بحسناته وسيئاته.اقرأ المزيد: مصير مجهول يهدد ضريبة الأرباح الاستثنائية لشركات توليد الطاقة البريطانية بعد استقالة سوناكأولاً، هل سيتمكن خلفه من استعادة حظوظ الحزب الحاكم؟ ففي المرّة الأخيرة التي تمت فيها الإطاحة بزعيم غير مهزوم لحزب المحافظين لديه غالبية كبرى من قبل زملائه، أي مارغريت تاتشر، أدى ذلك سريعاً إلى شعور بالندم لدى من قاموا بإقصائها، وأشعل حرباً داخلية استمرت حتى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما تلا ذلك. إلا أن حلفاء رئيس الوزراء في البرلمان أقلّ من عدد حلفاء تاتشر، كما أن الدعم الذي يحظى به هو دعم شخصي أكثر منه أيديولوجي.في أرجاء البلاد، الوضع يبدو مختلفاً. فتحالف جونسون الانتخابي من المحافظين التقليديين في الضواحي الراقية وناخبي حزب العمال السابقين المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في وسط وشمال إنجلترا، يبدو هشاً. أدركت المجلات الشعبية المعروفة بنقدها القاسي، ما يدور في بال قرائها الطامحين: لقد أيّدوا رئيس الوزراء حتى النهاية المريرة.يتعين على خلفه أن يتعامل مع هذه المصالح القادرة على شقّ الصفّ، بالإضافة إلى نواب الحزب صِعاب المراس. على الورق، يبدو أن الغالبية الواسعة التي يتمتع بها المحافظون في مجلس العموم منيعة. ولكن على أرض الواقع، واجه جونسون انتكاسات في كلّ من السياسات الداخلية والخارجية الكبرى، نتيجة تمرّدات متكررة داخل الحزب. فحكومته كانت ضعيفة.العلاقات مع الصينمنذ بداية عهد جونسون، أجبره المتمسكون بالأخلاقيات السياسية ومحاربو الحرب الباردة من اليمين واليسار، على التخلي عمّا كان يُعرف بـ"الحقبة الذهبية" من العلاقات البريطانية - الصينية، واتخاذ مواقف أكثر صدامية مع بكين. تعلّم جونسون درسه جيداً. يمكن إرجاع دعمه المبكر المطلق للقضية الأوكرانية في الحرب مع روسيا، وترحيبه السخي بلاجئين من هونغ كونغ، إلى مشكلته الصينية. سيكمل كلّ من المحافظين وحزب العمال – الذي يخسر بعض الشيء كلّما لعب جونسون الورقة الوطنية – بحربه الباردة الجديدة مع الدكتاتوريين.كان جونسون قد تراجع عن مسار خطته لمعالجة أزمة الإسكان حين ثار نواب محافظون ضدّ مخطط رفع الضوابط التنظيمية. وفي حين من المؤكد أن يواجه خلفه الذي سيكون رئيس الوزراء المحافظ الرابع خلال ستّ سنوات، تحديات في البرلمان، من المستبعد أن يستنفد رأسماله على مسألة "جيل الإيجارات"، فيما يحتاج إلى أصوات جيل طفرة المواليد الأكثر ثراء.ثانياً، المسألة الأوروبية تحتاج إلى حلّ. أنجز جونسون انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمعظمه، في حين لم تتمكن تيريزا ماي من التوصل حتى إلى المرحلة الأولى من اتفاقية الانسحاب، فيما أخطأ سلفها ديفيد كامرون في توقع نتائج الاستفتاء، فخسر التصويت ومنصبه أيضاً. أطيح بتاتشر كذلك بسبب خلافات حول أوروبا. إلا أن خسارة جونسون كانت بسبب سلوكه في منصبه، بعد أن كانت المسألة الأوروبية قد صنعت قوته.صنع رئيس الوزراء المناخ السياسي المتعلق بأوروبا، ولن يجرؤ أي خلف له على إعادة عقارب الساعة إلى توقيت بروكسيل، لسنوات. حتى زعيم حزب العمال، كير ستارمر، الذي كان طالب في السابق بإجراء استفتاء ثان للحصول على نتيجة معاكسة، أعلن الأسبوع الماضي أنه في حال فوزه بمنصب رئيس الوزراء، لن تعود المملكة المتحدة إلى السوق الأوروبية المشتركة، ناهيك عن العودة كعضو كامل في الاتحاد.قضايا عالقةمع ذلك، لا تزال هناك قضايا عالقة في ما يخصّ الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. فعلاقات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي - أكبر حليف تجاري وإستراتيجي لها - في الحضيض، في ظلّ النزاع بين الطرفين حول الوضع التجاري لإيرلندا الشمالية. يمكن لرئيس الوزراء المقبل أن يرفع منسوب المواجهة، أو التوصل إلى تسوية مع بروكسيل. كما إن إيرلندا الشمالية - التي تفتقر إلى حكومة مفوضة حالياً - لا تزال موضوعاً شائكاً يحتاج إلى علاج فوري من قبل الزعيم الجديد.لم يكن مسار جونسون الاقتصادي ثابتاً أيضاً. ففي البداية، أعرب عن تأييده لنموذج ما يُعرف بـ"سنغافورة على نهر التايمز" قولاً بدون أن يقرن ذلك بالأفعال. وكان هذا النموذج سيحوّل المملكة المتحدة إلى منافس محرر من القيود الناظمة حيث تنشط التجارة الحرة وتنخفض الضرائب تخشاه بروكسيل ويتمناه الاقتصاديون الليبراليون. إلا أن سجل الإنتاجية في بريطانيا، كان قاتماً منذ الانهيار المالي.على أرض الواقع، كان رئيس الوزراء دائماً أكثر سروراً في الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والأمور السطحية لكسب رضا الشعب. باتت بريطانيا تفرض رسوماً جمركية على واردات الصلب، مثل كافة الدول الأخرى. وتضخم الإنفاق الحكومي خلال الوباء، كما تعدّ نسبة الموظفين الذين يعملون من المنزل من أعلى المعدلات في العالم الغربي. وللمفارقة، زادت المملكة المتحدة محاكاتها للنموذج الديمقراطي الاجتماعي الأوروبي.التضخم أم النمو؟ما المسار الذي سيتخذه القائد التالي؟ هل سيسعى أولاً إلى كبح جماح التضخم والعجز المتسارعين، أم أنه سيركز على النموّ وخفض الضرائب بغض النظر عن عواقب ذلك طويلة المدى؟ أو كما هو مرجّح، سوف تسير المملكة المتحدة تحت الحكم الجديد مع التيار متفائلة على أمل أن يحدث أمر ما؟كان إرث جونسون الدستوري مبهماً. فاستقالته حرمت القوميين الاسكتلنديين من الحجة الأكثر فاعلية لاستقطاب المؤيدين. وفيما كان تصرفه كقائد "مهرج" مسلياً للإنجليز، إلا أنه أزعج الاسكتلنديين المتزمتين. وبسبب إخراجه المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، جعل استقلال اسكتلندا الواقعة في الشمال أمراً صعب المنال اقتصادياً. فمن شأن فرض رسوم جمركية بين إنجلترا واسكتلندا، أن يشلّ الشريك الأصغر لأجيال مقبلة، حيث سيترافق ذلك أيضاً مع إلغاء الدعم الاقتصادي الهائل من ويستمينستر.هذا الأسبوع، أتى أتباع جونسون السابقون لدفن قيصر لا لتمجيده. بالفعل شكل جونسون كابوساً دستورياً، فكان كاسراً متمرساً للقواعد، ومزدرياً بالتفاهمات الشرفية غير المكتوبة. ولكن حين ينتهي النزاع على وراثة تاجه، هل سيكون المنتصر أفضل منه؟بقلم: Martin Ivensكيف ستتعامل النخبة في "دافوس" مع تداعيات الحرب في أوكرانيا؟
عندما تلتقي نخبة العالم في منتجع دافوس السويسري هذا الأسبوع، لحضور اجتماع الربيع للمنتدى الاقتصادي العالمي، ستفرض الحرب نفسها بقوة على جدول الأعمال.فقد أدى الوباء إلى توقف هذا الاجتماع الصاخب السنوي الذي يضم القادة والأثرياء. وسيكون الغائبون عنه هم النخبة الروسية الذين يتجولون "خارج دافوس" غير مدعوين غالباً، إلا أنهم منهمكون بكثافة في الاجتماعات الخاصة أو قابعون في منازلهم. فهم حالياً تحت وطأة العقوبات الغربية وقيد المراقبة.لقد أنهى ذلك قدراً من أكثر الفعاليات صخباً في المدينة، ولكن سيكون هناك ظهور بارزاً عبر الوسائل الافتراضية للرئيس الأوكراني الشجاع فولوديمير زيلينسكي. كما سيطلب فيتالي كليتشكو، عمدة كييف، المساعدة من أجل إعادة إعمار مدينته المدمّرة. كذلك دعا الملياردير الأوكراني فيكتور بينشوك ضيوف المنتدى لمشاهدة جرائم الحرب الروسية.أبرز القضاياستكون هناك جلسات تتناول موضوعات مثل "العودة إلى الحرب" و"الحرب الباردة 2.0" و"إلى أين تتجه روسيا؟" و"العقوبات" وآفاق "الستار الاقتصادي الحديدي" المنسدل بين الغرب المتحد حديثاً وخصومه. ولكن هل ستتعلق قلوب وفود الأعمال بهذا المنتدى؟سيطلق العبقري كلاوس شواب، مؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، "مبادرة تاريخية لتعزيز التعاون العالمي". يبدو هذا أكثر قبولاً بالنسبة إلى التجمع المعتاد، الذي يبشر بالثقة في قوة الاقتصاد العالمي ويحتفي بالثروة التي ينتجها. (فهو مؤتمر نادر حيث يطُلب تحديد ما إذا كنت سأصل في رحلة تجارية أم طائرة خاصة)قبل النسخة الافتراضية للقمة التي عقدت في يناير الماضي، مع تفشي موجة متحور "أوميكرون" في جميع أنحاء العالم، كشفت نتائج استطلاع أجري بين الوفود المشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي عن مخاوفهم. وقد تحولت الأولويات من القضايا السياسية والاقتصادية إلى المشكلات الاجتماعية والبيئية وقضايا الصحة النفسية.بيد أن اندلاع الحرب بالأسلوب العتيق لغزو الأراضي في فبراير، وهي الأخطر في أوروبا منذ عام 1945، كان بمثابة صدمة.وهذا لا يعيد إحياء الاتهام القائل بأن "رجل دافوس" لا يتوقع دائماً التطور الكبير التالي، حيث أخطأت العديد من الحكومات أيضاً في فهم نوايا الكرملين. لكن ذلك يسلط الضوء على عقلية دولية جماعية لا تنسجم مع الحقائق القاسية لسياسات القوة والنزعة القومية. إساءة التقديرينصب اهتمام الرؤساء التنفيذيين للشركات وقادتهم السياسيين على تطور حالة الازدهار الذي جلبته العولمة والتجارة الحرة والسلام، لكنهم يتناسون أن الحرب هي أيضاً سمة من سمات النظام العالمي. وكما هي الحال بالنسبة إلى فقاعات سوق الأسهم، فإن الأمر نفسه ينطبق على الدبلوماسية: إذ أن أولئك الذين يعتقدون أن "الأمور ستكون مختلفة هذه المرة" يتبيّن أنهم مخطئون بالمعنى القاسي للكلمة.قبل خمس سنوات من الحرب العالمية الأولى، ألّف الاقتصادي والصحفي النابه نورمان أنغيل كتاباً ثرياً في مدح السلام، بعنوان "الوهم العظيم"، والذي يستهدف من خلاله إثبات أن "التكلفة الاقتصادية للحرب كانت كبيرة للغاية بحيث لا يمكن لأحد أن يأمل في كسبها من خلال بدء الحرب التي ستكون عواقبها كارثية". لقد أصبحت الدول مترابطة اقتصادياً من خلال التجارة، لدرجة أنه لا يمكنها شن حرب ضد بعضها البعض، فقد كانت ألمانيا وبريطانيا، في نهاية المطاف، شريكين تجاريين رئيسيين.غرقت ألمانيا وبريطانيا والقوى العظمى الأخرى في الحرب عام 1914. لكن أطروحة أنغيل الأكثر انتشاراً لم تفقد مصداقيتها. وغالباً ما كان الدمار والأضرار الاقتصادية الدائمة التي سببها الصراع يثبت وجهة نظره، وهي أن: في الحرب الحديثة يخسر الجميع. وقد نال أنغيل جائزة نوبل للسلام في عام 1933، وهو عام صعود هتلر إلى السلطة. وشرعت القوى العظمى، بقيادة الديكتاتوريات الفاشية والشيوعية، في جولة ثانية من الحرب العالمية، والتي كانت أكثر تدميراً من سابقتها.بقلم: Martin Ivensهل اقتربت نهاية النظام الملكي البريطاني؟
في 31 يوليو من كل عام، وفي موقع مزرعة للبن تعود إلى القرن الثامن عشر في قرية وودسايد في جامايكا، يُعاد تمثيل يوم تحرير العبيد في عام 1838 بموجب إعلان ملكي؛ حيث يؤدي الناس مسرحية تذكارية، ويستشهدون بالإعلان، ويناقشون معناه. وهنا تسأل الشخصيات: "لماذا ينقذ الله الملكة وليس الشعب؟" و"لماذا لم يكن هناك اعتذار عن استعبادنا؟".هذا هو الإرث المظلم للإمبراطورية البريطانية، لكن هناك جوانب أكثر إشراقاً أيضاً.اقرأ أيضاً: بريطانيا تبدأ التفكير فيما لا يُمكن تصوّره: الحياة بعد الملكةفي الواقع، اصطدم عالم وودسايد بالجولة الملكية لدوق ودوقة كامبريدج في منطقة البحر الكاريبي هذا الأسبوع؛ وهما الزوجان الشابان اللذان يتوقان إلى إرضاء الناس، ويتّسمان بالنظرة الحداثية والليبرالية، إلا أنهما يمثلان امتيازاً قديماً. فما هو النظام الملكي أيضاً؟في خطاب ألقاه أمام كبار الشخصيات في جامايكا يوم الخميس، أدان الأمير وليام، الرجل الثاني في ترتيب ولاية العرش، بشدة تاريخ العبودية "المقيت" الذي عرفت به بريطانيا؛ ولكن جاء ذلك بعد فوات الأوان. فقد كانت هناك بالفعل مظاهرات حديثة في العاصمة كينغستون، ومحطات أخرى في جولتهما، تُطالب بتعويضات من المملكة المتحدة عن العبودية.اقرأ المزيد: ملكة بريطانيا تساعد الأمير أندرو على تمويل تسوية فضيحة جنسيةكانت الطوالع لا تُبشِّر بالخير منذ البداية. ففي وقت سابق في بليز، تم التخلي عن زيارة ملكية وسط الكثير من الأضواء المسلطة على اعتراض الناس، وذلك بعد أن نسيت حاشية الأمير ويليام أداء واجباتها الدقيقة المعتادة - ولم يطلب أحد الإذن من المضيفين لهبوط طائرة هليكوبتر وسط ملعب لكرة القدم.بالعودة إلى لندن، أعلن كتاب الأعمدة في الصحف، أن أيام الزيارة الملكية الكبيرة باتت معدودة بالتأكيد؛ كما إن لقطات من الحشود المبتسمة، وركلة مع لاعب كرة القدم الجامايكي المولد رحيم سترلينغ، وجلسة موسيقية في منزل بوب مارلي، لم تُفلح أيضاً مع النقاد: "الركوع والتمجيد هما سخافة متزايدة"، أشار أحد المعلقين.علاوةً على ذلك، أبلغ رئيس وزراء جامايكا، أندرو هولنس، ضيوفه الملكيين بنيته إجراء استفتاء على قطع العلاقات مع النظام الملكي وإعلان الجمهورية. كما تناقش عوالم الكومنولث الأخرى تبني موقف على غرار باربادوس التي أطاحت بالملكة مؤخراً من منصب رئيسة الدولة.هل حان الوقت لملكية عالمية؟ربما كانت المفاجأة الوحيدة هي أن الأمر استغرق وقتاً طويلاً. لماذا تريد الأراضي التي تبعد آلاف الأميال ارتباطاً دستورياً بلندن والعائلة المالكة؟ ألا تتحمل المملكة المتحدة مسؤولية تاريخية عن مؤسسة العبودية في جزر الهند الغربية؟رياح التغييرمع ذلك، فإن رياح التغيير لا تهب بنفس القوة التي توحي بها التقارير، حيث يقول روبرت هاردمان، مؤلف كتاب "ملكة زماننا" (Queen of Our Times): "يتحدث الجمهوريون أحياناً عن (تشبث الملكة)؛ ويا له من تشبث بعد أكثر من 65 عاماً".قبل خمسين عاماً، تنبأت مذكرة صادرة عن وزارة الخارجية بثقة، بأن جامايكا على وشك أن تصبح جمهورية. وبعد خمسة عقود، لا تزال الملكة هي رئيسة دولة الجزيرة؛ حيث أثبت التاج في جامايكا، وفي عوالم أخرى، أنه دائم، لأنه ظل فوق السياسات المحلية الحزبية.بعد الاستقلال، احتفظ الجامايكيون بالصلة مع التاج، لأنهم رأوا أنه حصن ضد طموحات السياسيين الأقوياء، ولم يكن تعديل الدستور أبداً أولوية للناخبين أيضاً. كما إن الجمهورية هي قضية طوطمية للطبقة السياسية فقط، والعائلة المالكة تحظى بشعبية كبيرة. فحتى مسألة إلغاء العبودية ترتبط بالملكة فيكتوريا.لكن إذا استاء رعايا الملكة إليزابيث الثانية البعيدون أحياناً من الهراء الملكي، فإنهم يكرهون ادعاءات سياسييهم أكثر. وخلال التسعينيات، سجلت استطلاعات الرأي في أستراليا أغلبية جمهورية قوية. ومع ذلك، رفض الناخبون بشكل مقنع قيام جمهورية في استفتاء أجري في نهاية العقد، على الرغم من الدعم الساحق من الصحف من جميع الأطياف السياسية والنخبة الثقافية. وقد ثار الأستراليون على فكرة أن النواب سينتخبون واحداً منهم ليكون رئيساً لهم.كاسترو.. والملكيةفي عام 2009، طرح رالف غونسالفيس، رئيس الحكومة في سانت فنسنت وجزر غرينادين وصديق فيدل كاسترو الكوبي، موضوع الجمهورية للتصويت؛ حيث جرى الاستفتاء لجذب الانتباه قبل يوم واحد من قمة الكومنولث في منطقة البحر الكاريبي التي كانت ستترأسها الملكة، وقد تفاجأ غونسالفيس بأن 56% من الناخبين يعارضونها. أما فيدل فكان متفاجئاً بدرجة أقل، حيث حذر غونسالفيس من هذه الخطوة، قائلاً إن التاج مفيد للاستقرار. وعلى الرغم من كونه ثورياً، إلا أن "كاسترو كان براغماتياً"، كما وصفه وزير الكومنولث السابق سوني رامفال، و"لهذا السبب استمر". وربما تكون البراغماتية هي السبب وراء بقاء إليزابيث الثانية في منطقة البحر الكاريبي أيضاً.خلال الستينيات، لم يكن النظام الملكي يحظى بشعبية كبيرة في كندا، وكانت هناك أعمال شغب في كيبيك خلال إحدى الجولات الملكية. ولكن بعد رؤية استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون المهينة بشأن ووترغيت، قرر الكنديون أن الفصل بين رئيس الدولة والرئيس التنفيذي للحكومة له مميزاته، وهم رعايا مخلصون للتاج حتى يومنا هذا.أما في بربادوس، فلم يكن هناك استفتاء عندما تم إنزال العلم البريطاني، حيث لم يثق السياسيون في وصول الناخبين إلى الحكم "الصحيح".القدرة على التأقلمفي الواقع، لا شيء يبقى على حاله إلى الأبد. ومما لا شك فيه أن وفاة الملكة ستجعل "التدبير المنزلي" الدستوري أكثر جاذبية للعديد من عوالمها. فإليزابيث الثانية هي الملكة الوحيدة التي ستعرفها المستعمرات السابقة، وكما يعلم وريثها الأمير تشارلز جيداً، فهناك خطر "التجرؤ على التاج" عند وفاتها.لكن لا أحد يقترح مغادرة الكومنولث، وهو نادي البلدان التي كانت تشكل ذات يوم الإمبراطورية البريطانية. وبدلاً من ذلك، تمكّن الأمير تشارلز بذكاء من ضمان أنه القائد الفخري المنتظر.لا شك في أن القصر سيضطر إلى العمل بجدية أكبر قبل الجولة الملكية التالية، ويجب أن تكون الحاشية الملكية أكثر تنوعاً عرقياً أيضاً. لكن لا تتسرعوا الآن بشطب "الشركة" كما يُطلق عليهم. إذ لا تزال جاذبية النظام الملكي قوية، كما إن قدرته على التكيف مع الأوقات المتغيرة، هي سمة وراثية.بقلم: Martin Ivensالجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأميركي
1.2589 USD+0.0079
الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأميركي
1.2589 USD+0.0079