بلومبرغ
لم تفعل أنغيلا ميركل، رئيسة الحكومة الأطول خدمة في العالم المتقدِّم، سوى القليل لتحسين أوضاع النساء العاملات في ألمانيا.
برغم ارتفاع مشاركة النساء بالقوى العاملة في ألمانيا بالمقارنة مع متوسط الدول الصناعية، إلا أنَّ جزءاً كبيراً منهنَّ يعملن بدوام جزئي، وهي نسبة لم تتزحزح بشكل كبير في عهد ميركل. انخفضت نسبة النساء العاملات بدوام جزئي من 38.8% في العام 2005 عند انتخاب ميركل إلى 36.3% في عام 2019، وفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في حين بلغت النسبة 17.3% في السويد، واستقرت عند 20.4% في فرنسا.
وكحال جارتيها النمسا وسويسرا الناطقتين بالألمانية؛ فإنَّ النظام الألماني يحوي الكثير من التفاصيل المناهضة للمرأة، وخصوصاً اللواتي يملكن أطفالاً. يقول النقاد، إنَّ النظام الضريبي لا يشجع العائلات العاملة في مهنتين، إلى جانب النقص في الرعاية اليومية المتيسرة التكاليف، والتقاليد التي تستهجن إرسال الأطفال إلى رياض الأطفال ليوم كامل.
معوقات
في الوقت الذي تستعد فيه للتنحي بعد الانتخابات الألمانية بتاريخ 26 سبتمبر، تترك ميركل وراءها بلداً يصعب على النساء فيه السعي وراء مهن طموحة. برغم البحث المستفيض الذي يُظهر فوائد القوى العاملة المتنوعة، تُعتبر"ميرك كيه جي أيه أيه" (Merck KGaA) الشركة الوحيدة المدرجة في مؤشر "داكس" للشركات الكبرى، والتي تقودها سيدة في منصب الرئيس التنفيذي.
في الوقت نفسه، كانت مرتبة ألمانيا أقل من المتوسط في مؤشر التنوّع بين الجنسين في المجالس الأوروبية للعام 2020، فقد احتلت المرتبة 12 من أصل 18 بعد بريطانيا، وهولندا، وإسبانيا، في حين جاءت النمسا في المرتبة 14، وسويسرا في المرتبة قبل الأخيرة.
مونيكا شولتز ستريلو، رئيس مجموعة التأييد للنساء من أجل مجالس الشركات، ومقرّها برلين: تقول "أراها فرصة ضائعة، لأنَّه كان من الممكن أن يتطوَّر الأمر أكثر بكثير في ظل وجود هذه المستشارة العظيمة. غالباً لا ترغب النساء بالمناصب العليا الارتباط بقضايا المرأة".
برغم أنَّ ميركل ماتزال تحظى بشعبية كبيرة، حتى بين السيدات التنفيذيات، إلا أنَّها لم تدافع عن قضايا التنوّع إلا بشكل متقطع على مدار 16 عاماً في المنصب، بل وتطرَّقت إليه في العرض الأول لفيلم خلال هذا العام، وقد أقرَّت أنَّه "ما يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به" لمعالجة عدم المساواة بين الجنسين في ألمانيا".
في غضون ذلك، أشار تقرير لمؤسسة "برتلسمان" إلى أنَّ إنجاب الأطفال يقلل من دخل المرأة الألمانية مدى الحياة بنسبة تصل إلى 62% لعدَّة أسباب، ليس أقلها الاضطرار إلى العمل بدوام جزئي، في حين لا يوجد أي تأثير عملي على الرجال. يظهر التناقض أيضاً في مواجهة تحليل مجلس العلاقات الخارجية الذي خلص إلى أنَّه إذا تساوت مشاركة المرأة للرجل في القوى العاملة الألمانية والسويسرية، لتقدَّم الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تزيد عن 20% في كل بلد.
قالت جوتا ألميندينغر، رئيس مركز العلوم الاجتماعية في برلين: "إنَّنا ببساطة نتخلى عن العديد من السلع، والعديد من الموارد، وهذا حتماً يضرُّ بالاقتصاد. يحدث التغيير فقط عندما تمارس النساء الضغط في الواقع، ولا يحدث من تلقاء نفسه".
وتمكَّنت رئيسة المفوضية الأوروبية أوروسلا فون دير لاين، الطبيبة والأم لسبعة أطفال، من الصعود إلى صفوف السياسة الألمانية في عهد ميركل التي ليس لديها أطفال.
لكن يعدُّ صعودها استثنائياً، ويخفي حقيقة أنَّ ألمانيا، والنمسا، وسويسرا تشترك جميعها في الهياكل التي تمنع السيدات من السعي المهني، ناهيك عن الاندفاع إلى المراتب العليا في أماكن العمل. تشمل تلك الهياكل القواعد الضريبية التي تعاقب الأسر ذات الدخل المزدوج، ومرافق الرعاية اليومية المتخلِّفة عن الدول الأخرى، والقواعد التي تمنح الأزواج غير العاملين مزايا الضمان الاجتماعي المجانية، فضلاً عن معاشٍ سخيٍّ للأرامل.
تلعب الثقافة دوراً أيضاً؛ إذ يشير مصطلح باللغة الألمانية إلى السيدات اللواتي يهملن أطفالهن بـ "الأم الغراب".
جيسيكا فاي، البالغة من العمر 34 عاماً، التي تعمل بدوام جزئي في أحد البنوك في الريف الألماني، حيث لا تتوفَّر خيارات الرعاية اليومية الكافية لابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات، تقول : "يفترض الناس أنَّك تعطي الأولوية لمسيرتك المهنية على حساب طفلك، دون معرفة الأسباب الحقيقية التي قد تدفعك إلى قرارك ذلك".
في حين يتمُّ إرسال الأطفال الفرنسيين إلى دور الرعاية اليومية المدارة من قبل الدولة منذ سن مبكرة، إلا أنَّ هذه الخيارات محدودة، أو باهظة الثمن في البلدان الناطقة بالألمانية.
ورثة الأثرياء بآسيا يدعمون النساء في الأعمال التجارية
سيحقُّ للوالدين الألمان الحصول على رعاية ليوم كامل لأطفالهم في المدارس الابتدائية فقط، وذلك اعتباراً من العام 2026، في حين وجد تقرير لـ"كريدي سويس" أنَّ الأسر ذات الدخل المتوسط في كانتون زيورخ السويسري، قد تتعرَّض إلى دفع فاتورة سنوية تزيد عن 20 ألف فرنك ( 21.700 دولار) ليومين برعاية الأطفال أسبوعياً. ووجدت دراسة استقصائية نمساوية من العام 2018 أنَّ النفقات كانت السبب وراء ترك ربع الآباء لخدمات رعاية الأطفال.
حثَّت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في سويسرا عام 2017 على زيادة الإنتاجية من خلال جعل رعاية الأطفال ميسورة التكلفة، والتحوُّل إلى نظام ضريبي فردي بدلاً من نظام ضريبي أُسري. علماً أنَّه لم تتم معالجة المسألتين.
في الوقت نفسه، اتخذت ألمانيا خطوات ظاهرية لمساعدة النساء، شملت رفع الحد الأدنى للأجور، لكن ما يزال نظام ضريبة الدخل والمزايا المشتركة لمعاقبة الأسر التي يعمل بها شخصان سارياً، مع الإشارة إلى أنَّ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد انتقدته. قد يؤدي التحوُّل إلى الضرائب الفردية إلى زيادة التوظيف بمقدار 200 ألف وظيفة بدوام كامل، وفقاً لتقديرات معهد "آي إف أو" (Ifo)، ومقرَه ميونيخ.
إصلاح بطيء
برغم أنَّ السيدات يمثِّلن حوالي نصف خريجي الجامعات في جميع أنحاء المنطقة الناطقة بالألمانية، إلا أنَّ دلائل ضئيلة تشير إلى عودة مشكلة قلة عدد السيدات في قيادة الأعمال. وجدت دراسة منشورة في شهر يونيو من قبل مؤسسة "أول برايت فاونديشين" عن أكبر الشركات المدرجة في ألمانيا، أنَّ الرجال يهيمنون على الشركات التي تمَّ إنشاؤها مؤخَّراً بشكل أكبر من الشركات الأقدم.
حاولت الحكومة معالجة عدم التوازن من خلال تشريع نظام الحصص للمديرين التنفيذيين للشركات الكبرى، وستبدأ تطبيق قواعد جديدة هذا العام.
لكن يرى بعضهم، من أمثال ميريام بيبلو، أستاذة الاقتصاد بجامعة هامبورغ، أنَّ إدارة ميركل لم تقم بفعل ما يكفي. وقالت، إنَّ ميركل "شجَّعت السيدات بشكل فردي، لكن لم يتم القيام بالكثير من التغييرات الكاسحة في القانون. من المحتمل أن يستغرق الأمر أربع سنوات أخرى لتغيير نظام ضريبة الدخل".