حملات الانتخابات الفرنسية تضع المليارديرات تحت الحصار

خبراء يتوقعون مغادرة أثرياء فرنسيين للبلاد حال فوز أي من الحزبين المتصدرين بسبب وعدهم بفرض ضرائب موسعة

time reading iconدقائق القراءة - 20
يخوت فخمة ترسو في ميناء مرسيليا - المصدر: بلومبرغ
يخوت فخمة ترسو في ميناء مرسيليا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:بلومبرغ

استغرق الأمر أكثر من أربعة عقود لكي يبني المليارديرات الفرنسيون من عائلة "سعادة" إمبراطورية شركات شحن عالمية انطلاقاً من معقلها في مدينة مرسيليا الواقعة بجنوب فرنسا. كان المؤسس الراحل غالباً ما ينأى بنفسه عن النخبة الاجتماعية الباريسية والدعاية المصاحبة للسياسة. لكن بعد بضع سنوات من النمو غير المسبوق والأرباح القياسية، يجد ورثة الجيل الثاني من العائلة بقيادة الوريث الأكثر شهرة رودولف سعادة والشركة التي يمتلكونها "سي إم إيه سي جي إم" (CMA CGM SA)، أنفسهم الآن في دائرة الضوء على الصعيد الوطني.

ضريبة شركات الشحن الفرنسية

قد تُفرض ضرائب أعلى على شركات الشحن إذا أصبح جوردان بارديلا رئيساً للوزراء عند فوز حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان بالأغلبية في الانتخابات التشريعية المقبلة.

ولا ينوي بارديلا الاكتفاء برفع الضرائب. فعلى الرغم من الاختلافات الجوهرية، إلا أن هناك قضية واحدة على الأقل متفق عليها بين كل من "التجمع الوطني" وخصومه اليساريين في "تحالف الجبهة الشعبية الجديدة"، وهي فرض ضرائب على الأثرياء. ووعد الحزبان المتصدران في استطلاعات الرأي بإعادة فرض ضريبة أوسع على الثروة تستهدف ملء خزائن الدولة، والمساعدة في تمويل خطط الإنفاق المكلفة.

إذا فاز أي من الحزبين، يقول مديرو الثروات والخبراء الماليون إن الأثرياء المقيمين في فرنسا قد يغادرون ثاني أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو. وسترحل معهم الوظائف والاستثمار، فضلاً عن عائدات الضرائب الأخرى.

من جانبه، يرى فريدريك كروت، رئيس الجمعية الفرنسية للمكاتب العائلية، وهي مجموعة من مديري الأصول تركز على الشركات المملوكة للعائلات أن "التأثير سيكون بالغاً للغاية. فالمكاتب العائلية هي مستثمر طويل الأجل بحاجة إلى الاستقرار المالي".

لم تدلِ أي من "سي إم إيه سي جي إم" ولا عائلة سعادة بأي تعليق حول الأمر، ولا يوجد ما يشير إلى أن العائلة تخطط لمغادرة فرنسا.

مسار معاكس لمليارديرات فرنسا

ستشكّل هذه الإجراءات انعكاساً كبيراً لمسار مليارديرات البلاد البالغ عددهم 13 مليارديراً، والذين هم من بين أكبر 500 ملياردير على مستوى العالم، بثروة صافية مجتمعة تبلغ 522 مليار دولار، وفقاً لمؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات.

وبصرف النظر عن عائلة "سعادة"، تضم قائمة المليارديرات برنارد أرنو، مؤسس شركة "إل في إم إتش" (LVMH) العملاقة للمنتجات الفاخرة، وفرانسواز بيتنكورت مايرز، وريثة ثروة "لوريال" (L’Oreal SA) التي كانت أول سيدة تصل ثروتها إلى 100 مليار دولار على الإطلاق، بالإضافة إلى العائلة المالكة لـ"داسو" (Dassault) للدفاع والفضاء الجوي.

أمضى الرئيس إيمانويل ماكرون السنوات السبع الماضية في التودد إلى هؤلاء الأثرياء لكي يواصلوا استثماراتهم، ويوفروا فرص عمل بالبلاد.

وفي 2018، أي بعد عام من توليه منصبه لأول مرة، ضيّق ماكرون نطاق ضريبة الثروة الحالية بحيث تنطبق على الممتلكات وحدها، وأدخل ضريبة ثابتة بنسبة 30% على دخل المدخرات، وحافظ على ما يسمى بميثاق "دوتريل" المثير للجدل، والذي يمكن أن يقلص بشكل كبير ضرائب المواريث على الشركات المملوكة للعائلات.

أسهمت هذه الإجراءات، التي ارتبطت بإصلاحات ماكرون الأخرى الداعمة للشركات، في تعزيز الاستثمار، وفقاً للحكومة، وتعزيز مكانة فرنسا كوجهة جاذبة للشركات. أما قراره المفاجئ بحل البرلمان فقد أحدث صدمة في البلاد، وأثار فزع الأسواق المالية. وقد تؤدي الانتخابات ذات الجولتين في 30 يونيو و7 يوليو إلى تعليق البرلمان، مما ينذر بثلاث سنوات من عدم الاستقرار إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية التالية.

ملاحقة أصحاب الثروات الضخمة

بالنسبة إلى أصحاب الدخول الأعلى في البلاد، يعود تأثرهم بالمناخ السياسي إلى عام 1981. قبل أيام من أن يصبح فرانسوا ميتران أول رئيس اشتراكي لفرنسا ما بعد الحرب، حيث توعد بملاحقة "الثروات الضخمة للغاية التي تستثمر في صفقات المضاربة العقارية والمنتجات الفاخرة والألماس"، مما يعكس عدم ارتياح ثقافي بين العديد من الفرنسيين لمظاهر البذخ واستعراض الثروة.

وبمجرد وصوله إلى قصر الإليزيه، شرع ميتران بموجة تأميم شملت بنك "روتشيلد" في باريس. كما أدخل ضريبة الثروة-أو نظام "الضرائب على الثروات الكبيرة"-وهي ضريبة سنوية كانت تُطبق في ذلك الوقت على أصحاب الأصول التي تزيد قيمتها عن 3 ملايين فرنك (1.2 مليون يورو في 2023).

دفعت سياسات ميتران بعض الفرنسيين إلى فتح حسابات مصرفية في الخارج، وأثارت ما أطلق عليه تقرير صادر عن مجلس الشيوخ لاحقاً "موجة من المنفيين الضريبيين"-وهم الأشخاص الذين جمعوا الثروات ورحلوا. تلا ذلك نزوح آخر في عامي 2013 و2014 خلال عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند الذي تضمنت تدابيره فرض ضريبة فائقة قصيرة الأجل بنسبة 75% على الأرباح التي تزيد عن مليون يورو.

تعديلات الضرائب الفرنسية

على مدى السنوات الأربعين منذ تقديم ضريبة الثروة في فرنسا لأول مرة، تم إلغاؤها وإعادة فرضها وتعديلها من قبل الإدارات المتعاقبة على حكم البلاد. وكثيراً ما كانت محور نقاش محتدم، وخاصة خلال الحملات الانتخابية. أما هذه المرة، فقد جاء الصخب بسبب فرض ضرائب أعلى على الأثرياء من قبل السياسيين المعارضين بسرعة وعنف، حيث دعا كلا الفريقين المتطرفين إلى "العدالة المالية".

كان التحالف اليساري الذي يضم "الحزب الاشتراكي"، و"حزب فرنسا المتمردة"، و"الخضر"، و"الحزب الشيوعي"، الأكثر استعداداً لتقديم خططه. وللتعويض عن تكاليف الإنفاق الاجتماعي الأعلى، تقترح هذه الأحزاب تمرير قانون مالي جديد في أقرب وقت ممكن في الرابع من أغسطس والذي من شأنه أن "يلغي امتيازات المليارديرات".

وبالإضافة إلى إعادة فرض ضريبة الثروة، تخطط لاستبدال الضريبة الثابتة بضريبة خروج على الأشخاص الذين يغادرون خارج البلاد، وزيادة الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة، وإصلاح قواعد المواريث لتشمل حداً أقصى للميراث، وفقاً لبرنامجهم الانتخابي. قال إيان بروسات، عضو مجلس الشيوخ من "الحزب الشيوعي": "الأمر يتعلق بتقاسم الثروة. ولقد كان إيمانويل ماكرون رئيساً للأثرياء".

ضريبة الثروة في فرنسا

بالنسبة إلى "التجمع الوطني"، وبصرف النظر عن الوعد بسدّ ما أطلق عليه اسم "ثغرة ضريبية واسعة النطاق في صناعة الشحن"، تعهد بارديلا بتحويل ضريبة ثروة الممتلكات التي فرضها ماكرون إلى ضريبة ثروة على التمويل لن تنطبق على المسكن الرئيسي للشخص-وهو أحد وعود لوبان خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2022 التي خسرتها أمام ماكرون.

ولم يقدم بارديلا تفاصيل حول ذلك، لكن الضريبة كان مقرراً أن تشمل، على سبيل المثال، الأعمال الفنية خلال العقد الأول من الملكية.

قال بارديلا في 18 يونيو عبر قناة "سي نيوز": "قدم إيمانويل ماكرون، وهذا ما صدم الملايين من الناس، هدايا ضريبية كبيرة ليس للأثرياء فحسب، بل لفائقي الثراء أيضاً، وهم أصحاب الثروات الضخمة في مجتمعنا في وقت يُضطر فيه ملايين الفرنسيين إلى التقشف. ستكون أولويتي واختيارات الميزانية التي أتخذها دائماً لصالح الطبقتين العاملة والمتوسطة".

لكن بينما كان ماكرون يتودد إلى الأثرياء، فقد مارس أيضاً ضغوطاً من أجل الوظائف والأعمال الخيرية والاستثمار.

مساهمات المليارديرات

قدم برنارد أرنو، مالك شركة "إل في إم إتش" مساهمة كبيرة لإعادة بناء كاتدرائية "نوتردام دي باريس" بعد تدميرها في حريق. من جانبه، دعم قطب التكنولوجيا كزافييه نيل حملة ماكرون لجعل فرنسا مركزاً تكنولوجياً. واستثمر الملياردير "سعادة" الرئيس التنفيذي لشركة "سي إم إيه سي جي إم" في مرسيليا، وهي مدينة خصها ماكرون بأعمال التجديد الحضري، وقدم خصومات على أسعار الشحن للشركات الفرنسية لمكافحة التضخم. رافق الرئيس التنفيذي ماكرون في العديد من الرحلات الخارجية، كما زادت شهرته في الأوساط العامة من خلال توسعه بوسائل الإعلام الفرنسية.

وفي باريس، يقول أوليفييه جانوراي، الشريك ورئيس قسم الضرائب على الثروات الخاصة في شركة أرسان القانونية، إنه تلقى العديد من الاستفسارات من عملاء قلقين منذ إعلان ماكرون في 9 يونيو.

وأضاف: "الأثرياء أكثر رحيلاً عن فرنسا بكثير في عام 2024 مما كانوا عليه في عام 1981، ويمتلك الكثير منهم قواعد في أكثر من دولة".

قال جانوراي: "ربما يعني تعليق البرلمان تأجيلاً للزيادات الضريبية الكبيرة، على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية في عام 2027، مما سيمنح الناس بضع سنوات للتحضير لذلك، واتخاذ قراراتهم بشأن ما يريدون القيام به".

تصنيفات

قصص قد تهمك