ستشهد العقود القادمة تحولاً هائلاً في الثروات، إذ من المتوقَّع أن يرث جيل إكس (الجيل الذي وُلِد بين منتصف الستينيات وبداية الثمانينيات)، وجيل الألفية تريليونات الدولارات.
وتقول بعض التقديرات، إنَّ المبلغ قد يصل إلى 68 تريليون دولار، كإرث من جيلِ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وأما بالنسبة إلى الأهل، أو أفراد العائلة الآخرين، الذين يخططون بالفعل لترك إرث ماليٍّ خلفهم، فقد يكون إهداؤه مبكِّراً أكثر فاعلية من انتظار وقوع حدث محرِّض كالوفاة لنقل الثروة.
وأصبحت هذه الفكرة مؤخراً تستقطب بعض ردود الفعل السلبية، وفي النهاية، فإنَّ توريث المال في وقت مبكِّر، أو توريثه أصلاً، سيؤدي إلى خطر تنشئة أبناء مدلَّلين دون أيَّة حوافز للنجاح. ومع أنَّ هذا سبَّب مبرراً للقلق؛ فإنَّ إهداء الثروة مبكراً أيضاً قد يساعد أحدهم على الازدهار، وبناء إرثه الخاص، نظراً إلى أنَّ امتلاك رأس المال يولِّد مزيداً من الفرص.
مصير الثروة بين 3 أجيال
وعند مناقشة الثروة المتناقَلة عبر الأجيال؛ يبرز أحد الأقوال الشائعة: "الجيل الأوَّل يصنعها، والجيل الثاني ينمّيها، والجيل الثالث يضيّعها". مثل هذه الأفكار أصبحت قائمة كونها تحتوي على جزء من الحقيقة، فالثروات العائلية تُبنى، وتُفقد في بضعة أجيال، ولعل هذا هو السبب في تردُّد بعض الآباء بتوريث ثرواتهم في وقت مبكِّر.
ويواجه نمط التفكير هذا بعض الضغوط، فالفكرة هي أنَّك إن احتفظت بالإرث لنفسك؛ فسيُجبَر أبناؤك على جمع شتات أنفسهم، وصُنع شيءٍ ما بمجهودهم الخاصّ، وسينخفض احتمال تبذيرهم للمال أو عبثهم به.
كذلك لعل الأهل يفكرون: "لم يعطني أحد مالاً لأبدأ به، أو دفع عني رسومَ تعليمي الجامعي، أو اشترى لي منزلي الأوَّل، ومع ذلك انظروا إلى ما صنعته يداي". لكن هل هذا صحيح؟ هل يمكن لأحد أن يكرر مستوى نجاحك؟ ألم يكن ذلك مزيجاً من التوقيت الجيِّد، والموهبة، فضلاً عن كثير من الحظ (أو سوق عمل قوية، أو منازل معقولة الكلفة، إلخ)، قد دفعك إلى الأمام؟"
من المتوقَّع بالفعل أن يكون جيل الألفية أوَّل جيل "أسوأ" من أهله من ناحية تجميع الثروات. ولا يعود ذلك إلى غياب الهمَّة للانضباط بالنظام الواعد بالنجاح، فوفقاً لتقرير صدر عن مركز "Pew" للأبحاث، فإنَّ 39 % من جيل الألفية في الفئة العمرية بين 25 و37 عاماً يحملون إجازة جامعية، أو درجة أعلى من التعليم، بالمقارنة مع 35 % تقريباً من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية. ووفقاً لتقرير أمريكيٍّ جديد صدر حول الفجوة الناشئة في ثروة الألفية، فإنَّ "جيل الألفية الآن يملك ثروة أقل بـ41 % من الشخص البالغ في مثل سنِّه خلال عام 1989".
إنَّ استراتيجية "الحب الصارم" قد تشجِّع بعضهم على بذل مجهود أكبر، إلا أنَّها
لا تضمن أولاداً ناجحين، فبدلاً من حجب الإرث عن ابنك حتى وفاتك، إذ سيكون قد أصبح في الأربعين أو الخمسين أو حتى الستّين من عمره، لماذا لا تهديه إياه مبكِّراً لتشجِّعه على البدء في بناء حريته، أو حريتها المالية؟
رؤية الأثر الذي أحدثه إرثك بأمِّ عينيك
من ميزات البدء في إهداء المال مبكراً للأبناء أنَّك ستكون على قيد الحياة لترى بنفسك كيف استفاد أبناؤك منه؟. يمكنك المشاهدة وتقديم النصح إليهم حول المخاطر، والقيام بالمشتريات الرئيسية (مثل امتلاك منزل، أو عقار استثماريٍّ)، وإغناء حياتهم، إذ كثيراً ما شكَّل الوصول إلى الموارد، ورأس المال فرقاً كبيراً في القدرة على البناء والابتكار.
إنَّ العديد من الأثرياء الحاليين المشهورين، سواء كانوا من الرجال أو النساءً على حدٍّ سواء، حصلوا على البذور الأُولى لثرواتهم من أحد أفراد العائلة، أو من جهة مجانية أخرى في أثناء بنائهم لعملهم، أو وصولهم إلى شبكة من المعارف والموارد. ومع ذلك، فإنّنا لا نزال نشير إلى مثل هؤلاء الأشخاص بالعصاميين.
إنَّ معظمهم ليسوا كذلك، أجل، هناك قصص نجاح، وتوقُّعات لهذه الحالات التي يبني فيها الشخص ثروته من الصفر تماماً، لكنَّها نادرة.
ونحن نركِّز عادةً على ذوي الثراء الفاحش، لكن هناك أساليب كثيرة للغاية لإيصال الإرث. فليست جميع أنواع الإرث تتعلَّق بتوريث الأموال، فبعضها يتعلَّق ببساطة بتخفيف المعاناة الاقتصادية، وتوفير دعم مثل دفع الديون الطبية، أو دعم تكاليف التعليم الجامعي، أو الإسهام في خطة حكومية معيَّنة، أو ما يشبه ذلك، لتخصيص أموال جانبية لتعليم الأحفاد. كل ما سبق يمثِّل طرقاً مختلفة لتمرير إرثك، ولا يُعَدُّ هِبَة مبكرة.
هذه ليست هدايا نقدية تُسلَّم باليد كما نفكِّر غالباً عند مناقشة توريث الثروة، لكن تمكين أبنائك من الخروج (أو البقاء) خارج دائرة الديون، يعدُّ هدية تساعدهم على بناء أمانهم المالي.
لستَ مستعداً للإهداء مبكِّراً أو على الإطلاق؟ كن منفتحاً
إنَّه امتياز يتمتَّع به الأهل حول كيفية إنفاق ثروتهم وإهدائها. يمكن التبرع بها كاملة لقضية مهمة، أو منحها لأحد أفراد العائلة، أو إنفاقها بالكامل قُبيل الوفاة، فكون المرء ابنك ببساطة؛ فهذا لا يعطيه الحق بالضرورة في الحصول على مالك عندما يصبح بالغاً، لكن إن كنت تخطط لترك ابنك بلا شيء، فمن الحكمة أن تخبره بذلك، خصوصاً إن كان يعرف بثروتك، ويفترض أنَّه سيرث بعضاً من تلك الأموال على الأقل. أعرف أنَّه من المهمِّ لابنك التأكُّد أنَّ تخطيطه المالي غير مبنيٍّ على فرضية ما سيحصل عليه من ميراث.
إن كنت تخطط لتوريث الثروة من خلال صندوق ائتمانيٍّ أو في وصيتك بعد وفاتك، فقد ترغب عندها في مناقشة ذلك مع أبنائك، ليضعوا ذلك في حساباتهم المالية المستقبلية.
وقد يشكِّل ذلك فرقاً في خياراتهم المهنية أو الاستثمارية، وتقييمهم للمخاطر بناءً عليها، بالإضافة إلى كيفية توفيرهم أو استثمارهم في حياتهم الخاصة، أو في قرار تأسيس عائلتهم الخاصة، وتوقيت ذلك.