بلومبرغ
لأول مرة لن يكون الأثرياء والأقوياء الذين يتدفقون إلى قمة دافوس العام الجاري مجبرين على تحمُّل رياح الشتاء الجليدية، لكن ما سيكون واضحاً هو حالة البرود تجاه روسيا، التي لطالما أحيَت نخبتُها الثريةُ بعضاً من أشهر الحفلات البراقة في المنتدى الاقتصادي العالمي.
في أول تجمُّع مباشر بعد عامين من التوقف المرتبط بـ"كوفيد"، يبدأ المنتدى في جبال الألب السويسرية، وهو الاجتماع الذي تأخر عن جدوله الزمني المعتاد في أواخر يناير. ويختلف المنتدى من نواحٍ أخرى أيضاً، إذ تخيّم حقيقة الحرب المستعرة على بُعد مئات الأميال على الاجتماعات والخطب والسهرات المسائية، بعدما وضع قرار الرئيس فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا نهاية مفاجئة لعقود من الوجود والنفوذ الروسي في دافوس.
من المتوقع أن تكون هناك نغمة أكثر هدوءاً بشكل عامّ، مع حضور المنتدى الاقتصادي العالمي مجموعة من المسؤولين الأوكرانيين الذين يسعون إلى إبقاء الاهتمام العالمي بمحنتهم مع دخول الحرب شهرها الثالث، وسيلقي الرئيس فولوديمير زيلينسكي كلمة رئيسية عبر الفيديو كونفرنس.
أول منتدى دون مسؤول روسي
سيكون هذا أول منتدى اقتصادي عالمي في سويسرا منذ سقوط الشيوعية دون حضور مسؤول روسي واحد أو قائد أعمال روسي واحد، واستُبعدت الشركات الروسية بوصفها شركاء استراتيجيين، وهي مجموعة من الشركات الدولية كانت تلعب دوراً بارزاً في جدول الأحداث وتدفع مقابل رعاية بنحو 600 ألف فرنك سويسري (615 ألف دولار) سنوياً، ولن يشارك حتى مطعم "روسيا هاوس" -المشهور بالفودكا المبردة- في الفعاليات.
يُعَدّ هذا المشهد بعيداً كل البعد عن أيام سخاء موسكو في دافوس، عندما كانت حفلات الفودكا والكافيار برعاية الروس تشتهر باستضافتها مجموعات كبيرة من الشابات اللاتي زُعم أنهن مترجمات.
شهدت حرب بوتين عقوبات غير مسبوقة على روسيا، بدءاً من قادتها السياسيين إلى الأوليغارشية والشركات الكبرى، وانسحبت الشركات الدولية بشكل جماعي من البلاد، وتبخرت التجارة والاستثمار من أوروبا والولايات المتحدة مع روسيا.
كل شيء "روسي" محرَّم
يبحث المليارديرات الروس الخاضعون للعقوبات عن ملاذ آمن في مناطق مختلفة من العالم، ويرسلون يخوتهم الضخمة من ميناء إلى آخر لاستباق تنفيذ القانون، وفجأة أصبح يُنظر إلى أي شيء "روسي" على أنه من المحرمات. ولم يكن المنتدى الاقتصادي العالمي استثناءً من ذلك.
في الاجتماع الأخير في دافوس في عام 2020، كان كبار رجال الأعمال الروس يحتلون ثالث أفضل تمثيل من حيث عدد المليارديرات، لكن مستقبلهم في دافوس بدأ في الانهيار بعد ثلاثة أيام فقط من هجوم موسكو على أوكرانيا، عندما أصدر مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، كلاوس شواب، والرئيس بورج بريندي، بياناً يُدين "عدوان روسيا على أوكرانيا، والهجمات والفظائع".
يتناقض ذلك مع المعاملة التي تلقتها روسيا بعد أن استولى بوتين على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، فرغم تضاؤل الوجود الرسمي لروسيا في دافوس فإنّ أصحاب المليارات وقادة الأعمال لم يقللوا حضورهم.
قال رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لبنك "في تي بي" (VTB)، أندريه كوستين، فيما كان في طريقه إلى جبال الألب للاستمتاع بسياسة الحياد طويلة الأمد لسويسرا عام 2015: "لدينا أصدقاء هنا. أصدقاء أوكرانيون، أصدقاء أوروبيون، أصدقاء أمريكيون". في ذلك الوقت، أكد كوستين أنه رغم تضرر بعض العلاقات التجارية جراء العقوبات فإن ذلك "لا يؤثر في العلاقات الشخصية".
في ذلك العام، أقام بنك "في تي بي" حفلة سهر في فندق "إنتركونتيننتال" في منتجع التزلج، حيث استقبلت الضيوفَ نساءٌ بملابس مخروطية مرقطة بالذهب مع أشرطة من مصابيح "نيون ليد" (neon-LED) ملفوفة حولهن، وقُدم الكافيار، وغنَّى رواد الحفلات مثل عازف الجيتار آل دي ميولا، والعازف الروسي ليونيد أغوتين، بالإضافة إلى المخرج أمير كوستوريكا وأوركسترا "ذا نو سموكينغ" (The No Smoking).
في حين أن الحفلة لم تُضاهِ بذخ الفعاليات التي استضافها قطب المعادن أوليغ ديريباسكا على مر السنين (صُمِّمت إحداها على غرار منزل خشبي روسي)، فإنها اجتذبت حشداً قوياً ومن بينهم شواب، وبينما يبتعد عادة عن المناسبات الخاصة فإنه قال عندما حضر الحفل إن السبب هو إظهار "أن أصدقاءنا الروس مرحب بهم في دافوس" وأنه "بعد كل شيء، روسيا دولة أوروبية مهمة للغاية".
دور مهمّ
بالنسبة إلى تاريخ روسيا بعد الشيوعية، لعب المنتدى الاقتصادي العالمي دوراً مهماً للغاية. ورسَّخ المؤتمر سمعته بوصفه حدثاً أساسياً للنخبة الروسية في عام 1996، عندما وافق عديد من كبار رجال الأعمال على حشد مواردهم الإعلامية وقوّتهم المالية لدعم الحملة المتعثرة لإعادة انتخاب بوريس يلتسين، في ما أصبح يُعرف باسم "ميثاق دافوس".
زاد الوفد الروسي من حيث الحجم والظهور على مدى ما يقرب من عقدين، وجذب شخصيات ذات ثقل كبير مثل الرئيس آنذاك، ديمتري ميدفيديف، وفي عام 2009 خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء.
اقرأ أيضاً: التأثير البطيء للعقوبات منح بوتين "حتى الآن" فرصة للصمود
في عام 2011 قدم بنك استثماري روسي ما سماه "عرض الجليد المذهل" الذي أداه نجوم التزلج على الجليد.
في عام 2018 هددت روسيا بالمقاطعة بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على رجال الأعمال فيكتور فيكسيلبرج وديريباسكا وكوستين، وقال الكرملين إنّ منظمي المنتدى تراجعوا عن خطة لمنعهم من الحضور.
حرب الكل ضد الكل
ألقى بوتين كلمة في المنتدى الافتراضي المحدود في عصر "كوفيد" العام الماضي، وقال إنّ بين التوترات الدولية الحالية وثلاثينيات القرن الماضي في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية أوجه تشابه، واستخدم خطابه لتحذير العالم من خطر الانزلاق إلى صراع "الكل ضد الكل".
الآن، أدى هجومه على أوكرانيا إلى نقل الصراع إلى حدود الاتحاد الأوروبي، وقتل الآلاف ونزوح الملايين من ديارهم. وأيَّد بعض أباطرة المال الروس موقف الكرملين، فيما سعى آخرون إلى النأي بأنفسهم عن دعاية الرئيس للحرب.
ووصف ديريباسكا، الذي وضعت صلاته ببوتين اسمه على قوائم العقوبات، في أواخر مارس، الحرب بأنها "جنون"، وحذّر من أن القتال قد يستمر "لعدة سنوات أخرى".
لكن ذلك لن يكون كافياً لدعوته إلى أي مكان مثل دافوس مرة أخرى قريباً، وفي غضون ذلك يُعَدّ عديد من وجبات الإفطار، وحلقات النقاش، والفعاليات المسائية التي يشارك فيها مسؤولون أوكرانيون.
أما بالنسبة إلى "روسيا هاوس" فإن الخطة الآن هي إعادة تسميته، إذ تعتزم مؤسسة "فيكتور بينشوك"، وهي مجموعة خيرية سُميت باسم داعمها الملياردير، تحويل الموقع إلى "دار جرائم الحرب الروسية"، وستضم معرضاً عن جرائم الحرب التي يُزعم أن القوات الروسية ارتكبتها في أوكرانيا.