بلومبرغ
حين اشترى، ديمتري أوناغاييف، سيارته الكهربائية الأولى منذ خمس سنوات، أذهلت مركبته الجديدة أصدقائه وجيرانه حيث يعيش، في مدينة خاباروفسك الروسية. إلا أن الأمور تغيرت كثيراً منذ ذلك الحين. فاليوم، باتت هذه المدينة الواقعة في الشرق الأقصى الروسي، تزخر بالمركبات العاملة على البطاريات.
يقول أوناغاييف البالغ من العمر 31 عاماً، والذي يملك ورشة لإصلاح السيارات: "هذه المركبات تنتشر في كلّ مكان تقريباً". وبالفعل يمكنك رؤيتة هذه السيارات بسهولة على امتداد شوارع المدينة وساحاتها، حتى أنك ترى المقابس الكهربائية متدلية من الشرفات، لشحن هذه السيارات.
بعيداً عن الوعي البيئي
أكثر من خُمس إجمالي السيارات الكهربائية التي تم استيرادها في روسيا، بين شهريّ يناير ومايو الماضيين، كانت قد بيعت في مدينة خاباروفسك، وفي مناطق أخرى شرقي البلاد. ذلك على الرغم من أن هذا الإقليم يضمّ 4% فقط من سكان روسيا، بحسب البيانات الصادرة عن وكالة "أوتوستات" الإحصائية في موسكو. في المقابل، فإن العاصمة موسكو التي تضمّ ضعفيّ عدد السكان على الأقل، سُجل فيها 14% فقط من إجمالي مبيعات المركبات الكهربائية.
تجدر الإشارة إلى أن المنطقة المعروفة بتسمية الشرق الأقصى الروسي، لا تتمتع بالثراء بالضرورة، كما أنها ليست معقلاً للوعي البيئي، ويرجع تبني المركبات الكهربائية إلى الواقع الاقتصادي الفريد لهذه المنطقة المعزولة، بسبب بعدها عن غرب البلاد.
مع ذلك، فإن هذه المنطقة تقدم لمحة عن بعض التوجهات، التي قد تقود إلى توسع تبني المركبات الكهربائية، على امتداد البلاد، وحول العالم. وهذه التوجهات هي ارتفاع أسعار النفط، وانخفاض سعر الكهرباء، وانخفاض تكلفة امتلاك مركبة كهربائية.
آسيا... الجارة القريبة
ومن حيث الموقع الجغرافي، تقع هذه المنطقة على بعد مرمى حجر من القارة الآسيوية، وهو ما يسهّل على السكان المحليين الحصول على سيارات كهربائية مستعملة يتم استيرادها من اليابان بأسعار مخفضة. فالمركبة الأولى العاملة على البطارية، التي امتلكها أوناغاييف، كانت عبارة عن سيارة "نيسان ليف" مستعملة. وفي العادة تتراوح أسعار السيارات الكهربائية المنتجة بين عاميّ 2011 و2013، بين 400 و600 ألف روبل (بين 5500 و8200 دولار)، ذلك بحسب الإعلانات المدرجة على موقع إلكتروني خاص بالسيارات، يحظى بشعبية واسعة في روسيا. وقد انتقل أوناغاييف لاحقاً، من سيارة "ليف" إلى سيارة "تسلا" مستعملة.
كذلك، تستفيد منطقة الشرق الأقصى الروسي من انخفاض فاتورة الكهرباء، بما أن الطاقة الكهربائية هناك مدعومة من الحكومة، بهدف تحفيز النموّ الاقتصادي في المنطقة. وفي الوقت نفسه، نظراً لعدم كفاية سعة محطات التكرير، فإن أسعار النفط في هذه المنطقة، عادة ما تكون أعلى من المعدل العام في البلاد، حيث كان سعر النفط في منطقة الشرق الأقصى الروسي أعلى بنسبة 6% في نهاية يوليو الماضي، بحسب دائرة الإحصاءات الفدرالية.
هذه العوامل اجتمعت لتجعل السوق في هذا الجزء من روسيا، تحقق أمراً تطمح السياسات الحكومية، والتطورات التكنولوجية، لإنجازه في أنحاء أخرى من العالم، ألا وهو طرح مركبات عاملة على البطاريات، بتكلفة أقل من السيارات العاملة على الوقود.
يقول أوجين تيرتوف، كبير الاستشاريين في شركة "فيغون" الاستشارية في موسكو: "الدافع هو نفسه في كافة أنحاء العالم"، وأضاف: "سوف يقبل المستهلكون بشكل جماعي على السيارات الكهربائية، ويدفعون بأموالهم سواء كانت روبل روسي، أو يورو، أو دولارات، حين تصبح هذه السيارات أكثر اقتصادية من السيارات التقليدية".
تكلفة أقل
بالنسبة لأولغا إيفانوفا، 41 عاماً، وهي رئيسة شركة إنشاءات في إيركوتسك في شرق سيبيريا، فإن الأرقام واضحة. فهي تدفع نحو 500 روبل (7 دولارات) شهرياً، لشحن سيارتها الكهربائية المستعملة، فيما تبلغ تكلفة الوقود للسيارة الثانية التي تملكها عائلتها، حوالي 10 آلاف روبل شهرياً.
تقول إيفانوفا: "أجرينا حساباتنا أنا وزوجي، وتبين أننا قد نوفر 200 ألف روبل سنوياً"، وذلك على صعيد سعر الوقود، والتكاليف الأخرى الناجمة عن امتلاك سيارة عاملة على الوقود. وأضافت: "لا أدّعي أنني بحاجة للمال، ولكن حين تعرف أنه يمكنك الحصول على نفس الراحة، والمتعة، وتوفر 200 ألف روبل في الوقت ذاته، فإن هذا أمر سارّ".
وبحسب شركة "فيغون" الاستشارية فإن استخدام سيارة "نيسان ليف" مستعملة في الشرق الأقصى الروسي، يوفّر ما بين 40 إلى 50 ألف روبل سنوياً، مقارنة بتكلفة قيادة سيارة "لادا غرانتا" المصنوعة محلياً، والمعروفة باسم "سيارة الشعب". وهذا مبلغ يقارب ما يتقاضاه موظف شهرياً في المنطقة.
وقال أليكسي زوكوف، 28 عاماً، وهو اختصاصي تسويق في خاباروفسك: "لدينا سيارة أخرى تعمل على الوقود، ولكننا لا نستخدمها كثيراً، بما أننا لا نحتاج للقيادة لمسافات بعيدة". وكان زوكوف قد اشترى سيارة "نيسان ليف" مستعملة في وقت سابق هذا العام، متبعّاً خطى بعضاً من أقاربه.
واقع مُختلف
إلا أن هذا العالم المصغّر في الشرق الأقصى الروسي، يختلف كثيراً عن الواقع السائد في بقية أنحاء البلاد. فنسبة السيارات الكهربائية في روسيا لا تتجاوز الـ0.2% من إجمالي أسطول السيارات في البلاد، بحسب "فيغون". وبالطبع تعتبر التكلفة العالية لشراء سيارة كهربائية جديدة، العائق الرئيسي أمام الراغبين في ذلك.
إلا أنه مع تراجع أسعار البطاريات، فإن أسعار السيارات الكهربائية مرجح للانخفاض. ففي عام 2020، بلغ متوسط السعر المرجح بحسب الحجم، لرزمة بطارية ليثيوم إيون، 137 دولار لكلّ كيلوواط-ساعة، فيما كان هذا السعر يبلغ ألف و191 دولار للكيلو واط-ساعة في عام 2010، بحسب أرقام "بلومبرغ إن إي أف". ويتوقع أن تستمر الأسعار في الانخفاض، لتصل إلى ما دون عتبة الـ 100 دولار للكيلوواط-ساعة، بحلول عام 2024، وهي نقطة التحول التي ستتيح أن تصبح أسعار السيارات الكهربائية، موازية لأسعار السيارات العاملة على الوقود، على أن تواصل أسعار البطاريات انخفاضها، لتصل إلى حوالي 58 دولاراً للكيلوواط-ساعة بحلول عام 2030، ذلك بحسب ألسكندرا أودونافان، كبيرة المحللين في "بلومبرغ إن إي أف". وقالت أودونافان: "نتوقع أن يصبح سعر السيارات الكهربائية موازياً لسعر السيارات التقليدية، وربما أقل، في نهاية عشرينيات القرن".
انتشار السيارات الكهربائية
أمّا العوامل الخارجية الأخرى التي يتوقف عليها انتشار المركبات الكهربائية، مثل تكلفة الكهرباء مقابل الوقود، فهي ترتبط بالسياسات الحكومية، وسياسات الدعم، وأسواق الكربون التي يختلف حجمها وطموحاتها من دولة إلى أخرى. مع ذلك، فإن انتشار السيارات الكهربائية حتى في منطقة صغيرة مثل خاباروفسك، يسهم في توسيع نطاق التوعية حول مزايا هذه التكنولوجيا، والتي لا تقتصر فقط على توفير التكلفة والحدّ من انبعاثات الكربون.
وعلّقت إيفانوفا قائلة: "ديناميكيات السيارة الكهربائية والطريقة التي تزيد فيها تسارعها"، تشكل ميزات إضافية إلى جانب توفيرها للأموال، وتابعت: "هذا شعور لا مثيل له".
من جهتها، رأت ستايسي نوبليت، المديرة العليا لشؤون التحوّل نحو المركبات الكهربائية في قطاع النقل في شركة "أي سي أف" الاستشارية في واشنطن، أن إقبال المستهلكين سوف يستمر في النموّ. وتابعت: "سائقو المركبات الكهربائية يتشاركون قصصهم معها، ويخبرون جيرانهم عن تجربتهم".
بالفعل، بدأ الكلام المتداول بين الناس عن الموضوع يكتسب زخماً في روسيا. فمناصرو المركبات الكهربائية يتحدثون عنها عبر المنصات الإلكترونية، ويبذلون جهدهم لإقناع المواطنين الآخرين بمدى جمال "القيادة بجانب محطات الوقود، وتجاوزها مع ابتسامة".