بلومبرغ
في أحد أكثر الأسواق تنافسية في العالم، يضطر صانعو السيارات الكهربائية في الصين لدفع إيجارات أعلى قيمة، لافتتاح صالات العرض في مراكز التسوق الفاخرة.
وتحتوي أكثر من نصف مراكز التسوق في شنغهاي صالة عرض واحدة للسيارات الكهربائية على الأقل. ويتمُّ التخطيط لإنشاء المزيد منها، بحسب مقدِّم الخدمات العقارية "جونز لانغ لاسال" الذي أوضح في تقرير حديث أنَّ صالات عرض السيارات أصبحت الآن جزءاً من تكوين مراكز التسوق الموجودة في المدن المتوسطة إلى الكبيرة في البلاد.
و يتنافس عادةً العشرات من صانعي السيارات الكهربائية في مختلف مراحل التطوير للاستحواذ على شريحة من سوق السيارات الكهربائية الأكبر في العالم. وفي ظلِّ ذلك، بدأت علامات تجارية ناشئة، مثل: "نيو" (Nio Inc)، و "إكس بنغ" (Xpeng Inc)، بالإضافة لأذرع الطاقة الجديدة لشركتي "سايك موتور" (SAIC Motor)، و"غيلي أوتوموبيل" (Geely Automobile Holdings)، بافتتاح صالات عرض خاصة في مراكز التسوق لإبراز نفسها كمقدِّم فاخر لسيارات الطبقة الوسطى، وبغرض التميُّز عن صُنَّاع السيارات الأكثر قدماً.
إيجارات باهظة
وبحسب "جونز لانغ"، يصل إيجار صالة عرض تتراوح مساحتها بين 200 إلى 300 متر مربع في أفضل المناطق التابعة لأكبر مدن الصين، إلى نحو مليون دولار سنوياً.
ويقول زينو هيلمينغر، رئيس قسم مبيعات التجزئة في شرق الصين بشركة الخدمات العقارية "سي بي آر إي غلوبال" إنَّ: "شركات صناعة السيارات تدفع إيجارات باهظة لجذب الانتباه". وأضاف: "تضمُّ الصين علامات تجارية عديدة للسيارات الكهربائية التي تتنافس على حصة سوقية صغيرة جداً، وتُطرح في السوق سيارة جديدة كل شهرين إلى ثلاثة أشهر، إنَّه وضع جنوني".
ويعدُّ توافد صانعي السيارات الكهربائية إلى مراكز التسوق أمراً إيجابياً بالنسبة لمالكي مراكز التسوق الذين باتوا يبحثون عن جيل جديد من المستأجرين مع تحوُّل مبيعات الملابس، والأحذية، والإلكترونيات، من المتاجر الفعلية إلى الإنترنت.
و يميل عادةً صانعو السيارات الكهربائية للحصول على مساحة في الطابق الأرضي-وهو الأعلى أجراً- لجذب المتسوقين المارّين في الطرقات، وأيضاً لسهولة الوصول إلى السيارات المعروضة، وإجراء اختبارات القيادة.
وتقول فيفيان تشو، مديرة البيع بالتجزئة لدى "جونز لانغ لاسال": "هناك تداخل بين مجموعات المستهلكين المستهدفة للسيارات الكهربائية والمطوِّرين التجاريين المتميزين". وأوضحت: "متسوقو الطبقة المتوسطة الذين يميلون إلى التسوق في قسم مستحضرات التجميل، أو وسائل الرفاهية في الطابق الأرضي، هم مشترون محتملون لسيارات تسلا أو نيو ".
طلب مرتفع
من المتوقَّع ارتفاع الطلب على السيارات الكهربائية في أكبر سوق للسيارات في العالم خلال الأعوام القادمة، مع تبني المستهلكين لفكرة السيارات الأكثر صداقة للبيئة، وانخفاض تكلفة السيارات الكهربائية.
وأفادت شركة الأبحاث "كاناليس" (Canalys)، في تقرير صدر الشهر الماضي، أنَّ مبيعات السيارات الكهربائية في الصين قد ترتفع بأكثر من 50% في عام 2021.
ومن المؤكَّد أنَّ شركات مثل "نيو" تنسحب من صالات عرض "نيو هاوس" المبهرجة، التي كانت تسعى لدمج صانع السيارات في حياة العميل بعد إنفاقه مبالغ كبيرة من الأموال. واُفتتح المنفذ الرئيسي لصانع السيارات في مركز التسوق "إتش كيه آر آي تايكو هوي"في شنغهاي عام 2017، أي قبل بدء الإنتاج الشامل للسيارات. وهو يضمُّ مكتبة، ومعرضاً للفن، ومطبخاً مفتوحاً، لعرض نمط حياة راقٍ على العملاء، ويمكن الاستمتاع به بمجرَّد شراء واحدة من سياراتها.
وقد وقَّعت "نيو" عقد إيجار مدَّته خمسة أعوام، بسعر بدأ من 1.1 مليون يوان (170 ألف دولار) شهرياً، ثم ارتفع إلى 1.7 مليون يوان في عام 2021، وفقاً لوثيقة المحكمة العامة.
ومنذ ذلك الحين، ركَّز صانع السيارات الصيني على افتتاح "مساحات نيو" (Nio Spaces) الأصغر حجماً، التي يبلغ حجمها حوالي عُشر مساحة صالات عرض "نيو هاوس"، وتشبه صالة العرض النموذجية دون وجود مزايا إضافية لمحاكاة أنماط الحياة. وتخطِّط الشركة لافتتاح نحو 120 من هذه الصالات هذا العام. وذلك بعد أن علَّقت مؤقتاً تطوير المزيد من صالات عرض "نيو هاوس" خلال أزمة نقدية هدَّدت بإغراق الشركة، وتخطِّط "نيو إنك" الآن لافتتاح 20 صالة عرض أخرى هذا العام.
وفي عرض الأرباح الأخير التي أعلنت خلالها الشركة خسارة أكبر من المتوقَّع، قال مدير الشؤون المالية للشركة ستيفن فينغ: "لقد خفَّضنا بشكل كبير تكلفة تشغيل صالات عرض نيو هاوس، لتصبح 40% فقط من التكلفة الأصلية".
التركيز على الكَيْف
تقول تشو من "جونز لانغ لاسال"، إنَّ توسُّع وجود صالات العرض في مراكز التسوق يتماشى مع تطوير منتجات صانعي السيارات. وقد تلاشى وجود الشركات التي لم تحقق أهدافها الأصلية لإطلاق المنتجات، أو الإنتاج الضخم، من الصالات في المدن الرئيسية.
وما كان في السابق صالة عرض بمدينة شنغهاي لشركة "بيتون" (Byton)، التي أجلت خطط الإنتاج عدة مرات، أصبح الآن يضمُّ المتجر الرئيسي لشركة "إكس بنغ"، التي سلَّمت أكثر من 27 ألف سيارة العام الماضي.
ويقول هيلمينغر، من "سي بي آر إي" إنَّ: "شركات صناعة السيارات الكهربائية أصبحت الآن أكثر حذراً تجاه أي موقع تقوم بافتتاحه. قبل ثلاثة أعوام، كانوا يحاولون اختراق السوق، لكنَّهم أصبحوا الآن انتقائيين للغاية لمراكز التسوق. وبات الكيف يفوق الكم".