بلومبرغ
لم تكن غريتشن ويتمر، حاكمة ولاية ميشيغان سعيدة عندما أعلنت شركة "فورد موتور"، التي يرتبط اسمها بديترويت، عن اختيارها لولايتين جنوبيتين، هما تينيسي وكنتاكي، كموقعين لمشروع صناعة السيارات الكهربائية الذي يُقدّر بـ11 مليار دولار.
كسبت الولايتان "فورد" في صفهما بعدما عرضتا حوافز ضخمة، وكانت ويتمر تعرف أنَّه يتوجب على ميشيغان بذل المزيد من الجهد لتستطيع المنافسة. لذا ناشدت المشرّعين في خطاب بأكتوبر الماضي لإضافة "مزيد من المزايا إلى مجموعة أدواتها الاقتصادية لجذب الاستثمارات الخاصة".
بعد شهرين، حقق المشرّعون المراد، إذ قدّموا لها تمويلاً تبلغ قيمته مليار دولار لدعم الشركات. وبعد شهر من ذلك التوقيت، أنفقت ويتمر من التمويل لتحصل على صفقة عملاقة من "جنرال موتورز" تبلغ قيمتها 6.6 مليار دولار لبناء مصنع شاحنات كهربائية وآخر للبطاريات.
دعم السيارات الكهربائية
ما جعل سخاء ميشيغان – وتينيسي وكنتاكي – ممكناً بشكل جزئي هو ضخ مئات المليارات من الدولارات في شكل مساعدات فيدرالية للولايات الأميركية، كجزء من خطة الإنقاذ الأميركية التي يقودها الرئيس جو بايدن. كان الهدف من المساعدات المالية تخفيف وطأة كارثة مالية كانت متوقَّعة بسبب أزمة جائحة كورونا، لكنَّها لم تحدث.
عوضاً عن ذلك، أصبح لدى الولايات سيولة مالية كبيرة مما أشعل فتيل المنافسة للفوز بالوظائف المستقبلية في مجال السيارات وحصن صافي الدخل لشركات مثل "فورد موتور" و"جنرال موتورز"، بالإضافة إلى "باناسونيك" التي تورد البطاريات لشركة "تسلا".
هناك خطر يتمثل في أنَّ كل الأموال التي تتدفق وسط موجة تطوير السيارات الكهربائية ستموّل مشروعات لا ضرورة لها، مثل مصنع "فوكسكون تكنولوجي غروب" (Foxconn Technology Group) لصنع أجهزة التلفاز المُدعّم بقوة في ويسكنسن الذي لم يرَ النور أبداً.
مخاطر صناعة السيارات الكهربائية
لمواجهة ذلك الخطر، يقول مسؤولو الدولة والمسؤولون المحليون، الذين يساهمون في تمويل ازدهار صناعة السيارات الكهربائية، إنَّهم وضعوا تدابير حماية للحفاظ على أموال دافعي الضرائب من النهب. لكنَّ المخاطر تكبر، إذ إنَّ تكلفة الوظيفة الدائمة في بعض المشروعات أعلى 8 مرات الآن من المتوسط الذي كانت عليه منذ أقل من عقد.
اقرأ أيضاً: "فورد" تبني أكبر مصنع للسيارات والبطاريات في تاريخها بـ5.6 مليار دولار
سيتكلف مركز "فورد" في تينيسي قرابة 414 ألف دولار لكل وظيفة مباشرة، أما ميشيغان؛ فتساهم بـ450 ألف دولار للوظيفة الواحدة في "جنرال موتورز"، فيما التزمت جورجيا بالتخلي عن إيرادات تبلغ 212 ألف دولار للوظيفة للفوز بمشروعات عملاقة من شركتي "ريفيان" و"هيونداي موتور" في العامين الماضيين، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ".
بلغ متوسط تكلفة الحوافز الاقتصادية عن كل وظيفة في الولايات المتحدة نحو 52 ألف دولار في 2015، بالقيمة الدولارية اليوم، بحسب دراسة أجراها تيم بارتيك، الاقتصادي بمعهد "دبليو إي أبجون" لأبحاث العمالة في كالامازو بميشيغان.
حوافز مصانع السيارات الكهربائية
تتنافس الولايات لجذب الشركات منذ الكساد الكبير على الأقل. لكنَّ نطاق وشراسة المنافسة الآن لمصانع السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات ومشروعات عملاقة أخرى غير مسبوقة.
قال مايكل فارين، باحث كبير في مركز "ميركاتوس" (Mercatus) بجامعة جورج واشنطن وأحد المنتقدين لحوافز الشركات: "لم أر أبداً نفس القفزة في الدعم في كل مكان بالولايات المتحدة تحدث كلها في الوقت نفسه. من الواضح بشكل كبير أنَّ هناك عامل تحفيز يتمثل في أموال المساعدات في خطة الإنقاذ الأميركية".
وفّرت الشركات التي تتلقى حوافز 30% في المتوسط من الضرائب المحلية وضرائب الولايات اعتباراً من 2015، وارتفع هذا المعدل ثلاثة أضعاف منذ 1990، وفقاً لدراسة بارتيك. وجدت نفس الدراسة أنَّ الحوافز لا ترتبط ارتباطاً قوياً بمستويات البطالة الحالية أو السابقة في الولايات ولا بالنمو الاقتصادي المستقبلي.
شكوك وتساؤلات
بالنسبة للشكّاكين، الذين ينتمي الكثير منهم إلى الأوساط الأكاديمية أو دوائر صنع السياسات؛ يعد هذا الدعم استخداماً سيئاً لموارد الولاية، التي يمكن من ناحية أخرى أن تُخصَص للمستشفيات أو المدارس. تنتج هذه الحوافز تأثير السباق نحو القاع، حيث تحاول الحكومات بشراسة التفوق على بعضها في المنح التي تحقق مردوداً غير مؤكد.
اقرأ أيضاً: خطة لتخصيص أرباح بيع احتياطي النفط الأميركي للاستثمار في المركبات الكهربائية
هناك تساؤل أيضاً عما إذا كانت مصانع السيارات الكهربائية والبطاريات ستُعيّن نفس العدد أو ستدفع مرتبات جيدة مثل تلك التي ستدفعها مصانع السيارات ذات محرك الاحتراق.
قال غريغ ليروي، المدير التنفيذي لـ"غود جوبز فرست" (Good Jobs First)، الذي كتب تقريراً عن الموضوع: "بررت الولايات حزم المساعدات الضخمة لمصانع التجميع جزئياً لجذب وظائف المنبع الأكثر عدداً، لكن من الواضح أنَّ هذه الوظائف ستتضاءل بشكل كبير".
تحولات صناعة السيارات الكهربائية
تتزامن الحزمة، التي خصصها الكونغرس للولايات والبلديات في مايو 2021 وتبلغ قيمتها 350 مليار دولار، مع التحول الذي يحدث مرة كل قرن في صناعة السيارات، إذ يستعد صانعو السيارات لإيقاف السيارات التي تعمل بمحرك احتراق لصالح تلك التي تعمل بالبطاريات.
برغم أنَّ هناك قيوداً صارمة على كيفية استعمال الحكومات المحلية للأموال المخصصة للإغاثة بعد جائحة كورونا؛ فإنَّ المساعدات ساهمت في إتاحة السيولة النقدية لحوافز الشركات.
تختلف الإفصاحات المالية من ولاية لأخرى، وتحجب بعضها البيانات بناءً على طلب شركة أو كي تحتفظ بقدرتها على منافسة ولايات أخرى. يجعل ذلك الصورة الكاملة لحوافز الشركات ناقصة.
الشركة | الولاية | الاستثمار | الدعم | الوظائف |
جنرال موتورز | ميشيغان | 6.6 مليار دولار | 1.8 مليار دولار | 4,050 |
فورد | تينيسي | 5.6 مليار دولار | 2.4 مليار دولار | 5,800 |
هيونداي | جورجيا | 5.5 مليار دولار | 1.8 مليار دولار | 8,100 |
ريفيان | جورجيا | 5 مليار دولار | 1.5 مليار دولار | 7,500 |
المعروف هو أنَّ صانعي السيارات العالميين وصنّاع البطاريات المخضرمين أعلنوا خططاً لاستثمار 50 مليار دولار على الأقل في 10 ولايات على الأقل لبناء مصانع البطاريات وتجميع السيارات الكهربائية منذ بداية 2021. كما قدمت الولايات تعهدات تصل قيمتها إلى 10.8 مليار دولار على الأقل لجذب تلك الاستثمارات، وفقاً لحصرٍ للحوافز المعلنة قامت به "بلومبرغ" و"غود جوبز فرست". ذلك الرقم لا يضاهي الرقم الحقيقي في الغالب.
"بلو أوفال سيتي"
إنَّ مركز السيارات الكهربائية الذي اختارت "فورد" وشريكتها لتصنيع البطاريات، شركة "إس كيه إنوفيشن" (SK Innovation)، تينيسي موقعاً له؛ هو مثال جيد يُظهر لنا كيف أنَّ التكلفة الكاملة لحزمة الحوافز لا يجري الكشف عنها عادةً لعامة الناس.
اقرأ أيضاً: "فورد" توسع مصنع الشاحنات الكهربائية في ميشيغان مع زيادة الطلب
"بلو أوفال سيتي" (Blue Oval City)، وهو موقع تبلغ مساحته 6 أميال مربعة وعلى بُعد ساعة بالسيارة في شمال شرق ممفيس، سيضم مصنع تجميع ينتج الشاحنة الصغيرة الكهربائية الجديدة "إف-150"، فضلاً عن مصنع بطاريات، وهما يَعِدان معاً بتوفير 5,800 وظيفة. قال مسؤولون بالولاية إنَّ أعمال البناء ستوفر 33 ألف وظيفة مؤقتة. كما أضافوا أنَّه بمجرد استكمالهما، سيدعم المصنعان 27 ألف وظيفة بشكل مباشر أو غير مباشر، كما سيضيفان 3.5 مليار دولار سنوياً لاقتصاد تينيسي.
عند الإعلان عن المشروع، أفصح مسؤولون بالولاية عن منحة نقدية قدرها 500 مليون دولار لتوافق عليها الهيئة التشريعية. قدرت تقارير صحفية لاحقاً أنَّ التكلفة بلغت 884 مليون دولار.
في الواقع، تُظهر مستندات عقود حصلت عليها "بلومبرغ" أنَّ قيمة الحزمة تبلغ على الأقل 2.4 مليار دولار، وتشمل إعفاءات ضريبية بالإضافة إلى أراضٍ تبرع بها أصحابها، وتحسينات في البنية التحتية، وإعانات أجور قصيرة الأجل من الحكومة الفيدرالية.
كما أنَّ ذلك الرقم كان أقل من الحقيقي. فهو لا يشمل دعماً للكهرباء تقدمه هيئة وادي تينيسي، وهي أكبر شركة فيدرالية للخدمات.
قال مسؤولون في تينيسي إنَّ حسابات "بلومبرغ" للحوافز "مضللة"، لأنَّ بعض تحسينات البنية التحتية جرى القيام بها منذ سنوات، وبعض تكاليف تدريب العمالة ما هي إلا تقديرات. يجادل المسؤولون أيضاً بأنَّ إيرادات الضرائب الجديدة على الممتلكات، حتى بسعر مخفض، أكثر مما ستحصل عليه الحكومات المحلية من دون المشروع.
ريادة أميركية للسيارات الكهربائية
قالت ليندسي تيبتون، متحدثة باسم إدارة التطوير الاقتصادي للولاية: "(بلو أوفال سيتي) سيمثل تحولاً لغرب تينيسي. بالنسبة إلى المشروعات المستقبلية؛ فسنطرح منح مساعدة، لكن بتكلفة أقل بكثير لكل وظيفة، وتتماشى بشكل أكبر مع حزمة حوافز معتادة من إدارتنا".
اقرأ أيضاً: الشراكات سبيل مصنعي السيارات الكهربائية لتأمين المعادن الأساسية
قالت "فورد" إنَّ عدة عوامل غير الحوافز المالية أثرت على قرارها. ذكرت الشركة في بيان: "الشراكات بين الشركات العامة والخاصة أساسية لكي تصبح الولايات المتحدة رائدة في التحول العالمي إلى السيارات الكهربائية".
أوضح دينيس كونيو، مدير سابق في شركة "تويوتا" ومستشار موقع ساعد صنّاع السيارات على اختيار مواقع تصنيع، أنَّ الولايات التي حاولت الابتعاد عن الحوافز استسلمت لضغوط التنافس على الوظائف أيضاً.
كما أضاف: "الحوافز مثل التمثيل الحر في رياضة البيسبول لا أحد يحبها، لكن عليك القيام بها إذا أردت الفوز".
جورجيا و"ريفيان"
حصلت جورجيا، التي برزت كفائز كبير في موجة الاستثمارات الحالية، على صفقتين للسيارات الكهربائية من "ريفيان" و"هيونداي"، بقيمة 5 مليارات دولار، تَعِدان بتوفير أكثر من 15 ألف وظيفة. طرحت الولاية حوافز بقيمة 3.3 مليار للفوز بالمشروعات.
قال بات ويلسون، المفوض الاقتصادي للولاية، إنَّ جورجيا تتنافس من خلال مساعدة الشركات على التحرك السريع بمواقع جاهزة لبدء العمل فيها وإجراءات رسمية محدودة، بدلاً من طرح أكبر قدر من النقد. أضاف ويلسون أنَّ حسابات "بلومبرغ" للحوافز لكل وظيفة "مضللة بشكل كبير"، لأنَّها تشمل إعفاءات ضريبية ليست اختيارية ومذكورة في قوانين الولاية.
ذكر ويلسون في مقابلة: "أرى الحوافز التي طرحناها وسيلة تصبح بها جورجيا شريكاً استثمارياً في هذه المشروعات. نحن نعلم أنَّ أجور هذه الوظائف والفوائد التي ستتيحها ستتحقق وتفيد رخاء التجمعات السكانية والأسر في كل أنحاء الولاية".