بلومبرغ
تباشر واحدة من آخر وجهات السياحة العالمية في المنطقة العربية فتح أبوابها تدريجياً، حيث يمنح برنامج التأشيرات الجزائرية الجديد المزيد من الوافدين فرصة للاستمتاع بالمعالم الطبيعية القمرية وفنون ما قبل التاريخ على امتداد صحرائها الشاسعة.
على العكس من مصر وتونس والمغرب، فإن أكبر دولة في أفريقيا لم تكن تولي الأولوية للسياحة على الرغم من قربها من أوروبا. ربما تحتضن آثاراً رومانية مهيبة، ومدناً بإطلالة خلابة على البحر الأبيض المتوسط وجبال الأطلس الشاهقة، لكن الدولة المصدّرة للطاقة المستقلة بشكل مكثف كانت غالباً ما تحتفظ بكنوزها لنفسها.
لن يتغير هذا الوضع بين عشية وضحاها-فتأشيرة الدخول إلى الجزائر لا تزال صعبة المنال بالنسبة إلى معظم الأجانب. لكن المبادرة التي أُطلقت في يناير 2023 يسّرت استخراج التأشيرة على مسافرين من عشاق المغامرات الذين لا يطلبون أقصى قدر من وسائل الراحة للقيام بجولة في الصحاري الجنوبية الوعرة التي تشكل 80% من إجمالي مساحة البلاد، وقد بدأت تكتسب زخماً.
قال وزير السياحة مختار ديدوش، في مقابلة بالعاصمة الجزائر: "هذا الأمر معني به الأشخاص الذين ينشدون استكشاف فخامة الطبيعة. وللسياح الذين يبحثون عن فندق خمس نجوم، أقول لهم ستجدون في الصحراء مليون نجمة".
هدف بحلول 2030
من المؤكد أن هذا لا يزال مسعى فئة محدودة من السائحين- إذ يقول ديدوش إنه تم إصدار 10 آلاف تأشيرة لزيارة الصحراء في العام المنتهي في فبراير 2024. ومع ذلك، بلغ إجمالي عدد السائحين إلى الجزائر 3.3 مليون خلال الـ12 شهراً هذه، مدفوعاً إلى حد كبير بالأشخاص الذين يزورون الأصدقاء والعائلة في الجزائر؛ فهو المستوى الذي قال ديدوش إنه "لم يكن متصوراً على الإطلاق" سابقاً. فالبلاد لديها هدف للوصول بعدد السائحين إلى 10 ملايين شخص بحلول عام 2030.
تعليقاً على المبادرة الأخيرة، قال ديدوش: "على أقصى تقدير، لديك أسبوع إلى 10 أيام لإصدار التأشيرة"، وهي أقصر بكثير من السابق عندما كانت تُمنح التأشيرات عبر القنصليات.
يتعين حجز الرحلات من خلال وكالات السفر المعتمدة في الجزائر، وعادة ما تصطحب الزائرين قوة أمنية مرافقة. بالإضافة إلى استكشاف الصحراء، أفاد بعض منظمي الرحلات السياحية أنهم بإمكانهم تنظيم زيارات إلى مواقع في الشمال أيضاً لمجموعات السائحين، على الرغم من أنه ليس من الواضح مدى الإقبال على هذه الوجهات.
تبلغ تكلفة الرحلة المتوسطة التي تستغرق أسبوعاً والتي ينظمها مشغلون محليون وتشمل مركبات الطرق الوعرة والتخييم البسيط، ما يصل إلى 800 يورو (863 دولاراً) للفرد الواحد، ولا تشمل الرحلات الجوية الدولية والمحلية، وفقاً لوكلاء السفر الجزائريين. تدرج وكالة "يريز دا أفنتور" (Terres d’Aventure)، وهي وكالة فرنسية تتعاون مع نظيراتها الجزائرية، جولات تبدأ مدتها من تسعة أيام مقابل 1850 يورو، شاملة الرحلات الجوية.
آخر الحدود العربية لسياحة المغامرات
يأتي هذا التغيير البطيء بعد أن اتخذت المملكة العربية السعودية الخطوة التاريخية باستقبال السياح في عام 2019، مما جعل الدولة الواقعة في شمال أفريقيا واحدة من آخر حدود المنطقة الأوسع لسفر المغامرات. ربما تساهم العملة الصعبة أيضاً في دعم خطط الجزائر لتنويع الاقتصاد الذي يمارس منذ فترة طويلة سياسات حمائية، ولا يزال يعتمد بشكل كبير على احتياطيات النفط والغاز التي بدأت استغلالها في الخمسينات من القرن الماضي.
لم يتجاوز عدد الوافدين 2.7 مليون سنوياً خلال العقد الماضي، وتساهم صناعة السياحة بنسبة 2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفقاً لديدوش. غالبية الزائرين المسجلين هم من الوافدين الذين يرتبطون بروابط عائلية بالجزائر، حيث يُسمح لهؤلاء الزوار بالدخول بسهولة.
قال الوزير إن هناك خططاً لتوسيع سياسة التأشيرة الأسرع لتشمل البلاد بأكملها "قريباً"، دون تقديم تفاصيل إضافية في هذا الصدد.
في شمال الجزائر، التي يعيش الغالبية العظمى من سكانها البالغ عددهم 47 مليون نسمة، تشمل مناطق الجذب السياحي منطقة ساحلية بطول 1200 كيلومتر (746 ميلاً) ومواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو مثل الآثار الرومانية في تيبازة وتيمقاد وجميلة، بالإضافة إلى الأزقة مترامية الأطراف على السفح الجبلي لمنطقة القصبة في قلب الجزائر العاصمة.
في فبراير الماضي، افتتحت العاصمة "المسجد الأعظم" الجديد، الذي وُصف بأنه ثالث أكبر مجمع ديني في العالم، وهو معلم يمكن رؤيته من أي مكان في المدينة.
لكن إذا أرادت الجزائر جذب السياح، فقد تحتاج إلى موجة بناء أخرى.
قال ديدوش إن هناك حالياً 1600 فندق تقدم خدمات مناسبة للمسافرين الدوليين بسعة تتراوح بين 150 ألفاً إلى 160 ألف سرير، مضيفاً: "هذا لا يكفي لاستيعاب تدفق أعداد كبيرة من السائحين".
أراضٍ للمستثمرين
قال الوزير إن السلطات تتخذ حالياً الخطوة التالية المتمثلة في إتاحة الأراضي للمستثمرين في قطاع السياحة، حيث تم تخصيص 58 ألف هكتار في جميع أنحاء الجزائر. بينما تم منح الأرض سابقاً كشكل من أشكال الامتياز، فإنه بموجب القوانين الجديدة سيتم نقل الملكية إلى المستثمرين بعد اكتمال المشروع.
قال ديدوش إن السلطات بحاجة إلى "إبراز صورة الجزائر كوجهة سياحية. نريد أن نظهر للرأي العام العالمي أن لدينا وجهة جيدة، وأننا شعب له تاريخ وتقاليد وتراث وفن الطهو والفنون الحرفية".