المكان الأفضل في العالم لتصبح مواطناً رقمياً

time reading iconدقائق القراءة - 12
المباني التاريخية التي تقف في المدينة القديمة  في تالين ، إستونيا - المصدر: بلومبرغ
المباني التاريخية التي تقف في المدينة القديمة في تالين ، إستونيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

أدت الجائحة إلى انتشار البيروقراطية الرقمية، مما زاد من مضايقات الحياة اليومية والسفر.

في الواقع، ربما لم تزعج جميع التطبيقات الجديدة، ورموز الاستجابة السريعة، والنقر اللامتناهي خبراء الويب. ولكن ماذا عن ملايين المتحجرين رقمياً مثلي الذين لا تُغريهم أدواتنا؟ وإذا كان أبنائي الأذكياء يواجهون صعوبة في ملء نموذج تحديد موقع الركاب عبر الإنترنت التابع للحكومة البريطانية، ويفشلون في العثور على المزودين المناسبين لاختبار "بي سي آر" لفحص كوفيد بسبب سوء تصميم تكنولوجيا المعلومات، فما هي الفرصة المتاحة لي؟

مواطن رقمي

إحدى الإجابات هي الذهاب إلى إستونيا، جمهورية البلطيق التي يبلغ عدد سكانها (أكثر قليلاً من 1.3 مليون شخص فقط)، وهي الدولة التي حققت إنجازات فائقة في مجال التكنولوجيا وتملك المزيد من الطموحات الدولية؛ حيث يمكنك هنا أن تصبح مواطناً رقمياً متجنساً، مع إمكانية الوصول الفوري إلى جميع خدمات الدولة، دون الحاجة إلى امتلاك خبرة الخبراء المتخصصين.

في هذا الصدد، تقول كاجا كالاس، رئيسة وزراء إستونيا، التي زرتها في تالين، عاصمة "الجمهورية الرقمية" في بحر البلطيق، الأسبوع الماضي: "تأتي التكنولوجيا الرقمية بشكل طبيعي لكل من تقل أعمارهم عن 35 عاماً".

السويد عاصمة "يونيكورن" التكنولوجيا في أوروبا

كما تُجيب كالاس، التي غالباً ما تُقارن برئيسة الوزراء الودودة بيرجيت نيبورغ في الدراما التلفزيونية الدنماركية "بورغن" (Borgen)، على الأسئلة باللغة الإنجليزية بطلاقة أكثر من بوريس جونسون في مجلس العموم. وفي حين يتحدث رئيس وزراء المملكة المتحدة عن أفكار تشرشل، فهي تقتبس من كتاب "دليل المسافر إلى المجرة" (The Hitchhiker’s Guide to the Galaxy).

وبالرغم من أن عائلتها لعبت دوراً رائداً في كل من حركات استقلال إستونيا عن روسيا المجاورة بين عامي 1919 و1991، إلا أن كالاس تركز عينيها على المستقبل بشدة. فهي تدعم مشروعاً وطنياً للتغلب على الفجوات الرقمية الكبيرة التي تنشأ عن الاختلاف بين الأجيال (لم تتمكن أمي المتوفاة مؤخراً في التسعينيات من عمرها من تشغيل هاتف محمول) وكذلك الاجتماعية والاقتصادية. كما أن هدفها هو تضييق الفجوة بين الجيل التناظري القديم والشباب الرقمي.

في الواقع، يمكنني أن استفيد من مساعدة كالاس أيضاً؛ ولا سيما أنني أشعر بالملل بسرعة من ملء النماذج، وأرتكب أخطاء متكررة على لوحات المفاتيح الصغيرة.

الحكومة الإلكترونية

لكن خلال الجائحة، كانت التكنولوجيا هي الطريقة الوحيدة للملايين منا للتواصل مع أصدقائنا وعائلاتنا وزملائنا ومجتمعاتنا؛ حيث يبدو المستقبل الرقمي أقرب من أي وقت مضى. إلا أن معظمنا يريد تبسيط معاملاتنا مع الحكومة، وخدمات الرعاية الاجتماعية، والأعمال التجارية، بحيث لا تبدو كلمة المرور المنسية أو ضغطات المفاتيح الخاطئة وكأنها كارثة تلوح في الأفق.

مع ذلك، يوجد في المملكة المتحدة أكثر من مائة موقع مختلف لتسجيل الدخول للوصول إلى الخدمات الحكومية - سواء كانت بوابة الخدمات الصحية الوطنية للمخاوف الطبية، أو بوابة الحكومة للضرائب والمزايا. ويمكنك قضاء يومك في محاولة البحث عن تفاصيل تسجيل الدخول وفرزها. فالواقع هو جحيم من كلمات المرور.

وبالمقارنة مع إستونيا، التي لديها محطة رقمية شاملة واحدة للخدمات؛ يمكنك بسهولة تقديم ضرائبك عبر الإنترنت (تمازحنا كالاس بالقول: "محامو الضرائب عاطلون عن العمل هنا")، والحصول على وصفات الأدوية، وحجز موعد للعلاج في المستشفى، وتصحيح تفاصيل الإقامة والهوية رقمياً دون الحاجة إلى بطاقة هوية فعلية. كما يمكنك حتى التصويت عبر الإنترنت - وهو إنجاز وجدته الديمقراطيات الأخرى محظوراً.

ماذا عن الأمور الأكثر تعقيداً، مثل تجديد جواز السفر؟ في إستونيا، لا تحتاج حتى إلى تذكر أن تتقدم بطلب تجديد؛ حيث تُذكرك السلطات قبل ستة أشهر من انتهاء صلاحية جواز سفرك، وتقوم بملء نموذج التجديد نيابة عنك - وكل ما عليك فعله هو تحميل صورة جديدة. وهو مثال رائع على "مبدأ مرة واحدة فقط" حيث يتعين على المواطنين العاديين والشركات تقديم المعلومات مرة واحدة فقط.

مجتمعة، توفر هذه التدابير ما يقرب من 2% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني في إضاعة الوقت في البيروقراطية - وهي نسبة تتوافق بسهولة مع التزام إستونيا الدفاعي بحلف الناتو (ما يزال الروس يمثلون التهديد القديم لهذه المدينة الرقمية الناشئة الفاضلة). كما أن البيانات الخاصة آمنة بفضل تقنية "بلوكتشين". ولا توجد قاعدة بيانات مركزية، وإنما أنظمة قابلة للتشغيل المتبادل، حيث يكون لجميع المواطنين الحق في رؤية معلوماتهم الشخصية كما يتم تسجيلها واستخدامها من قبل الحكومة.

كما أنك لست مضطراً إلى الهجرة شخصياً للتمتع بهذه المزايا. حيث يمكن للأشخاص أن يصبحوا مواطنين إلكترونيين للجمهورية الرقمية أينما كانوا. والجدير بالذكر أن ما يصل إلى 54,000 أجنبي تقدموا بطلب للحصول على هوية رقمية حكومية بموجب مخطط الإقامة الإلكترونية، والذي يسمح للأشخاص بممارسة الأعمال التجارية في الدولة والوصول إلى جميع الخدمات الرقمية المبسطة في البلاد.

القطاع الخاص

في الحقيقة، هذا مفيد للشركات البريطانية الصغيرة التي تبيع منتجاتها في أوروبا، وكذلك للشركات الأمريكية العملاقة. حيث أدى خروج المملكة المتحدة من السوق الموحدة إلى تراكم الصادرات على الحدود بسبب النماذج والتأخير والروتين. كما حصل العديد من رواد الأعمال على الإقامة الإلكترونية في إستونيا لتجنب الأخطاء التي تصدرت عناوين الأخبار مؤخراً في المملكة المتحدة، مثل نقص الدجاج في سلسلة مطاعم "ناندوس" (Nandos)، ونقص الحليب المخفوق في سلسلة مطاعم "ماكدونالدز" (McDonalds).

فضلاً عن ذلك، قدم القطاع الخاص في إستونيا، المدعوم بنجاح شركة "سكايب" (Skype)، التي تُعد أول شركة ناشئة محلية إستونية مملوكة للقطاع الخاص تقدر قيمتها بأكثر من 1 مليار دولار، خبراته للدولة للمساعدة في إحداث العديد من هذه التغييرات؛ وهي الآن تتحرك بسرعة لجعل الحياة اليومية أكثر راحة أيضاً.

كيف سمحت "مايكروسوفت" بخسارة "سكايب" أمام "زووم"؟

على سبيل المثال، واحدة من أكثر الطرق إزعاجاً لبدء عطلة بعد رحلة طيران طويلة هي الانضمام إلى طابور الانتظار الطويل في كشك خدمات تأجير السيارات لاستلام سيارة. بينما في تالين، قمتُ أنا وزوجتي بتحميل تطبيق "بولت" (Bolt) لتحديد موقع سيارة قريبة، وتوجهنا إليها، حيث لمسنا تطبيق "بولت" مرة أخرى لفتح الباب وإدارة المفتاح الموجود في السيارة. وفي غضون أقل من عشر دقائق، تمكنا من القيادة دون جهد.

"بولت" الناشئة في الدفع عبر الإنترنت تسعى للتحوّل إلى "يونيكورن"

ما من شكٍ في أن القفزات الكبيرة في التكنولوجيا الرقمية خلال العقدين الماضيين جعلت حياتي وحياة الآخرين أكثر ثراءً وتنوعاً؛ ولكن حان الوقت للتخلص من أوجه الجهد والعناء في الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن إستونيا الصغيرة تتخطى وزنها الرقمي. وصحيح أن الدول الكبرى تملك أنظمة أكثر تعقيداً وتحديات أكثر تعقيداً؛ ولكن في حال كانت الطاقة الكامنة وراء الطموحات الرقمية لدولة البلطيق قد وصلت إلى شخص متردد مثلي في الأمور التقنية، فقد يستحق الأمر اهتمام المزيد من الحكومات على جانبي المحيط الأطلسي.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تالين

-1°C
ثلوج
العظمى / الصغرى -2°/-1°
22.2 كم/س
82%
الآراء الأكثر قراءة