بعد تمكنهم من إقناع صناعة الطاقة بالحد من تأثيرها المناخي بنجاح، بدأ مديرو الأموال يحوِّلون انتباههم إلى كبح جماح التكنولوجيا.
ولكن هناك خطر يتمثل في أنه بمحاولة تغطية عدد كبير جداً من القواعد غير المالية، سينتهي الأمر بالمستثمرين إلى إضعاف نفوذهم.
وينصب تركيز مديري الأموال الأساسي، على تقنية التعرف على الوجه، والتي تتطور بسرعة كأداة لإنفاذ القانون من جانب الحكومات، وفي تطبيقات الشركات التي ترغب في استهداف العملاء الأفراد.
ويبدو أن كيفية استخدام أنظمة البرمجيات تلك- أو إساءة استخدامها- ستصبح نقطة الضغط التالية للمستثمرين، الذين يسعون إلى تخصيص رأس المال بما يتماشى مع معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.
مخاوف بشأن الخصوصية
لقد وفّر تصفحنا للإنترنت بالفعل مجموعة من البيانات، والتي سمحت للمواقع الإلكترونية بإثرائنا بإعلانات دعائية مصممة لاستمالة عاداتنا الخاصة.
حالياً جمع المعلومات يحدث بشكل متزايد في العالم المادي. تخيل لوحة إعلانات إلكترونية مزودة بكاميرا يمكنها مسح صورتك لتحديد عمرك ونوعك، ثم عرض إعلان يستهدف الشريحة السكانية التى تنتمى إليها على وجه التحديد.
وتكافح قوانين الخصوصية لمواكبة القدرة المحسّنة للبرامج على فحص مجموعات كبيرة من الأشخاص في الوقت الفعلي، وتجميع البيانات دون إذن، والمخاطرة بالاستخفاف بأبسط الحريات المدنية.
قالت إليزابيث دينهام، المسؤولة عن شؤون الخصوصية البريطانية، بصفتها مفوضة المعلومات في المملكة المتحدة، في مدونة نُشرت يوم الجمعة: "عندما يتم جمع البيانات الشخصية الحساسة على نطاق واسع دون معرفة الناس أو اختيارهم أو تحكمهم، فقد تكون التأثيرات كبيرة".
ضغوط من المستثمرين
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، تعهدت 50 شركة عالمية لإدارة الأصول تشرف على أكثر من 4.5 تريليون دولار، بالضغط على الشركات التي تستثمر فيها، لضمان تطوير تقنية التعرف على الوجه "بطريقة أخلاقية، مع التنظيم والرقابة المناسبين".
إنهم يريدون من الشركات إخضاع تقنيتها لفحصٍ مستقل للتأكد من دقتها، والكشف عن مصادر قواعد بيانات الصور الخاصة بها، وبذل العناية الواجبة قبل تزويد العملاء بأنظمتها.
وقالت "لويز بيفاوت"، كبيرة محللي الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في الذراع الاستثمارية لشركة "أفيفا" في بيان يدعم التعهد، إنه يتعين على الشركات "تقييم آثارها على حقوق الإنسان".
وقادت المبادرة شركة "كاندريام" الأوروبية لإدارة الأصول والتابعة لشركة "نيويورك لايف للتأمين"، بأصول تبلغ 140 مليار يورو (168 مليار دولار).
وفي عام 2019، سحبت "كاندريام" استثماراتها من شركة "هيكفجين للتكنولوجيا الرقمية" بمدينة "هانغتشو"، بعد مخاوف راودتها بشأن أعمال الشركة الصينية التي توفر أنظمة مراقبة "بيومترية" جماعية. الأمر الذي دفع الشركة الأوروبية إلى البدء في التحقيق في المشكلة.
وأخبرني محلل الالتزام في "كاندريام"، "بنيامين شيكرون، الأسبوع الماضي، قائلاً: "كلما حققنا أكثر، وجدنا المزيد من التناقضات".
يتعامل تحالف إدارة الأموال مع بعض أكبر الشركات التي تطور برامج مسح الوجه في العالم، مثل شركة "غوغل" التابعة لشركة "ألفابت"، و"أبل"، و"تينسنت هولدنجز"، و"علي بابا غروب هولدنجز".
التأثير على حقوق الإنسان
وفي الشهر الماضي، مددت شركة "أمازون" وقفاً اختيارياً للسماح لقوات الشرطة باستخدام خوارزميات "ريكوجنيشن" (Rekognition) الخاصة بها إلى أجل غير مسمى، والتي أظهرت دراسة أجراها باحثان في الذكاء الاصطناعي في يناير 2019، أنها ترتكب مزيداً من الأخطاء، عند استخدامها للتعرف على الأشخاص ذوي البشرة الداكنة، وخاصة النساء.
في الاجتماع السنوي للشركة في 26 مايو، صوَّت المستثمرون، بما في ذلك مجلس إدارة ولاية فلوريدا، وصندوق تقاعد المعلمين في "أونتاريو"، لصالح مقترح المساهمين الذي يطالب "أمازون" بالنظر في تأثيرات التكنولوجيا على حقوق الإنسان، على الرغم من أن الاقتراح لم يكتسب ما يكفي من الدعم ليصبح سياسة عامة.
في الأسبوع الماضي، اقترحت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية، فرض حظر على كاميرات المراقبة من قبل خمس شركات صينية، بما في ذلك "هيكفيجن" و"هواوي"، بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي.
واقترح الاتحاد الأوروبي، في أبريل، فرض قيود صارمة على استخدام تقنية المراقبة "البيومترية" داخل الكتلة، مع التهديد بتوقيع غرامات كبيرة على الشركات التي تتجاهل القوانين.
خطر اقتصادي
ويعتبر القلق بشأن تطوير التقنيات أمر منطقي. ومع ذلك، فإن مشكلة مديري الأصول هي أن المشاركة في تلك المعركة قد يؤدي إلى إضعاف جهودهم للتماشي مع معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.
ومن الواضح أن الأهمية المالية النسبية من اختصاص مديري الأصول، وفقاً للمصطلحات القائمة، أما الأهمية الاجتماعية النسبية، مهما بدت مرغوبة، فهي تقع ضمن نطاق مسؤوليتهم ولكن بصورة أقل وضوحاً.
ومن جهة أخرى، هناك حجة مقنعة مفادها أن أزمة المناخ تشكل خطراً اقتصادياً واضحاً وقائماً، حيث تتراوح المخاطر من الفيضانات الساحلية إلى أصول النفط والغاز العالقة.
وبالمثل، فإن الحالة المالية للشركات التي تعمل على تحسين التنوع بين الجنسين، والتنوع العرقي لكل من القوى العاملة والمجالس التنفيذية بها، تعتبر مقنعة في هذا الإطار، حيث سيؤدي فقدان جزء كبير من مجموعة المواهب المتاحة إلى إعاقة أي مؤسسة.
مخاطر إساءة الاستخدام
وبينما يعتبر من الصعب تحديد سعر المخاطر التشغيلية والمتعلقة بالسمعة، التي قد تلحق بالشركات بسبب إساءة استخدام تقنية التعرف على الوجه، إلا أنه أمر ممكن.
في وقت سابق من هذا العام، دفعت شركة "فيسبوك" 650 مليون دولار في تسوية مع محكمة في سان فرانسيسكو على خلفية مزاعم قيام الشركة بجمع وتخزين مسح رقمي لوجوه المستخدمين دون موافقتهم.
وغرمت محكمة فرنسية شركة "إيكيا" السويدية لتجارة الأثاث، مليون يورو، الأسبوع الماضي، لاتهامها بالتجسس على الموظفين والعملاء.
وخلال السنوات الأخيرة، حقق مجتمع إدارة الأموال نجاحات ملحوظة في إجبار الشركات على بذل المزيد من الجهد لتقليل بصماتها الكربونية وتقليل الضرر الذي تلحقه بالبيئة.
إذا كانت "التكنولوجيا هي التغير المناخي الجديد"، كما يقول "شيكرون" من "كاندريام"، فلن نقلل من قوة رأس المال لحمايتنا من الخضوع لتقنية التعرف على الوجه سراً.