
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الثلاثاء أنه يعتزم اقتناء سيارة "تسلا" جديدة تعبيراً عن ثقته بالشركة، وذلك بعد يوم واحد على انخفاض قيمة أسهمها بما فاق 15%، وهو أسوأ تراجع في جلسة تداول واحدة منذ سبتمبر 2020. أتى التخارج من أسهم "تسلا" بشكل رئيسي بسبب نفور من إيلون ماسك ومخططه لخفض التكاليف عبر وزارة الكفاءة الحكومية.
كانت هذه الخطوة لافتة من الرئيس الذي يمنعه القانون من قيادة سيارة على الطرقات طيلة حياته. لكن يبدو أن قانون الرؤساء السابقين لم يأخذ في الاعتبار احتمال ظهور سيارات ذاتية القيادة في المستقبل، فربما يأمل ترمب أن سيارة "تسلا" التي سيقتنيها ستقود نفسها.
هجمات تستهدف سيارات "تسلا"
وربما الأفضل من ذلك أن يتمكن من تأجير السيارة لاستخدامها ضمن شبكة سيارات الأجرة ذاتية القيادة (روبوتاكسي) التي يروّج لها ماسك، وقد وعد بطرحها في عدد من الأسواق الأميركية هذا العام، بدءاً من مدينة أوستن في تكساس التي صوتت بنسبة 69% لصالح كامالا هاريس.
ربما مثل هذا التفصيل ما كان ليهمّ في السابق، ولكنه اكتسب أهمية اليوم مع تدهور سمعة ماسك، وهو يقرع ناقوس خطر لدى المستثمرين الذين يرون بأن قيمة "تسلا" تكمن في استراتيجيتها المتعلقة بالـ"روبوتاكسي".
تأييد ماسك لترمب حوّل سياراته إلى ما يشبه إعلاناً على عجلات لحركة "لنعد لأميركا عظمتها". في غضون ذلك تنتشر على المنتديات الإلكترونية تعليقات قلقة من مالكي سيارات "تسلا" باتوا يشعرون أنهم مستهدفون . وكان مالك لسيارة "تسلا" في شيكاغو وجد ملاحظة كُتب عليها "سيارتك تظهرك كداعم للنازية". وفي وسط مانهاتن، رُسم صليب معقوف على شاحنة "سايبرتراك" من "تسلا"، فيما تعالت صيحات الاستهجان حين مرت شاحنة "تسلا" خلال احتفالات ثلاثاء المرفع.
اقرأ أيضاً: أكبر انخفاض يومي لسهم "تسلا" منذ 2020 بضغط من تقديرات الإنتاج
لا عجب إذاً أن يكون ملصق السيارات الأكثر مبيعاً على "أمازون" حالياً يحمل عبارة "اشتريتها قبل أن نعرف أن إيلون مجنون".
شهدت البلاد موجة من الاحتجاجات المنسقة المناهضة لـ"تسلا" تحت وسم "#TeslaTakedown"، فيما أعلن ترمب أنه سعتبر هذه الهجمات شكلاً من الإرهاب المحلي. أما ماسك، الذي يصف نفسه بمدافع عن حرية التعبير، اتهم المنظمين بارتكاب جريمة. وزعم هو والجمهوريون، دون أي دليل، أن المحتجين ممولون من المتهم الاعتيادي جورج سوروس. لم يكتفِ بذلك، بل هاجم أيضاً رجل الأعمال هربرت ساندلر المتوفى منذ قرابة خمس سنوات.
تراجع مبيعات "تسلا"
أكثر ما يقلق المستثمرين هو الانخفاض الحاد في المبيعات في دول مثل ألمانيا، حيث يبدو أن تدخل ماسك في السياسة المحلية أدى إلى تراجع مبيعات الشركة بنسبة 76% خلال فبراير، رغم ارتفاع تسجبل السيارات الكهربائية الجديدة بنسبة 31% خلال الفترة نفسها.
حتى دان آيفز من شركة "ويدبوش" (Wedbush) الذي يجوز وصفه بأكثر الأشخاص المتفائلين في وول ستريت، أقرّ بأن الصبر "ينفد سريعاً" بسبب الارتباط الوثيق بين ماسك وترمب. ومع ذلك، لا يزال يراهن على تجاوز "تسلا" للأزمة بفضل النسخة المحدّثة من "موديل Y" وخطة المركبات ذاتية القيادة.
لكنني لا أوافقه الرأي. فبحسب مركز "بيو"، ينظر نحو نصف الأميركيين إلى ماسك بصورة سلبية، والمفارقة أن هذا النصف تحديداً هو جمهوره الأساسي، أي الفئة التي عادة ما تشتري سياراته والتي يعوّل عليها لإنجاح استراتيجيته المتعلقة بسيارات الأجرة ذاتية القيادة.
أقله في المستقبل القريب، لن يكون تشغيل أسطول سيارات الأجرة ذاتية القيادة مجدياً إلا في المدن الكبرى عالية الكثافة السكانية وفي أوساط المستهلكين ميسوري الحال. بعد أوستن، تخطط الشركة لتوسيع الخدمة إلى إحدى مدن كاليفورنيا، رغم أنها لم تحصل بعد على التصريح اللازم.
اقرأ أيضاً: إنفوغراف: "تسلا" تفقد 360 مليار دولار من قيمتها السوقية
أزمة العلامة التجارية
سلطت دراسة استقصائية شملت ربع مليون من مشتري السيارات في الولايات المتحدة أعدتها مجموعة "ستراتيجيك فيجن" (Strategic Vision) المتخصصة بأبحاث السوق الضوء على تدهور صورة " تسلا". في عام 2022، قبل استحواذ ماسك على "تويتر"، كان 22% من المشاركين في الاستطلاع "يفكرون جدياً" في شراء سيارة "تسلا" مستقبلاً. لكن بعد استحواذه على موقع التواصل الاجتماعي، انخفضت هذه النسبة إلى 16%، ثم تراجعت في بنهاية العام الماضي إلى 8% فقط.
كان الديمقراطيون يشترون "تسلا "بمعدل ضعف الجمهوريين تقريباً، لكن النسبة أصبحت اليوم متساوية بين الطرفين، ليس بسبب زيادة مبيعات المحافظين، بل نتيجة تراجع المبيعات في أوساط الناخبين اليساريين.
بطبية الحال، شراء سيارة قرار أعقد من مجرد استدعاء سيارة أجرة ذاتية القيادة، مع ذلك يلعب الانطباع العام عاملاً مهماً. قال ألكسندر إدواردز، رئيس "ستراتيجيك فيجن" إن "السيارات تمكّن الشخص من أن يقول هذا ما يمثلني وهذا ما أؤيده. على (تسلا) أن تفهم أن علامتها التجارية في أزمة".
اقرأ أيضاً: إمبراطورية ماسك تروي قصتها الخاصة مع إدارة الكفاءة الحكومية
مشكلة السيارات ذاتية القيادة
بصرف النظر عن المشكلات المحيطة بصورة العلامة التجارية، فإن المبالغة كانت سمةً وعود ماسك حول القيادة الذاتية منذ البداية. حتى الآن، لم تعلن الشركة أن سياراتها ذاتية القيادة اجتازت أي مسافة على الطرقات العامة بلا إشراف. وقد فضل ماسك استخدام منهج "نظر" أرخص رغم تحذير العديد من الخبراء من أنه غير كاف لضمان الأمان مقارنة بما تستخدمه "وايمو" وشركات أخرى. وسبق للهيئات الناظمة في الولايات المتحدة أن انتقدت "تسلا" في السابق لمبالغتها في التسويق لقدرات تقنية السائق المؤتمت.
لكن إذا كان الرأي العام تجاه ماسك في الحضيض الآن، انتظر إلى حين تبدأ سياراته ذاتية القيادة في عرقلة السير، أو سلوك المسار غير المتاح أو ما قد يكون أسوأ من ذلك. في المقابل، نجاح "وايمو" التي اجتازت أقله 53 مليون كيلومتر، بما في ذلك مسافات على الطرقات السريعة، جاء نتيجة تواصلها المجتمعي والسياسي الحذر، وهذا يتطلب نوعاً من الدبلوماسية يفتقر إليها ماسك.
ارتفع سهم تسلا بناءً على الاعتقاد بأن قرب ماسك من إدارة ترمب سيخفف العقبات التنظيمية التي تعترض طموحاته. لكن ما لم يتوقعه المستثمرون هو ظهور قوة مضادة هي عدم تقبل الناس.