كيف يفسر محللون تأثير "DeepSeek" على شركات التكنولوجيا الأميركية؟

الشركة الصينية الناشئة تهز عرش أباطرة التكنولوجيا الأميركية وتفقد "إنفيديا" أكثر من نصف تريليون دولار

time reading iconدقائق القراءة - 9
شعار تطبيق \"ديب سيك\" على هاتف ذكي وتظهر في الخلفية لوحة مفاتيح لأحد حواسيب \"أبل\" - رويترز
شعار تطبيق "ديب سيك" على هاتف ذكي وتظهر في الخلفية لوحة مفاتيح لأحد حواسيب "أبل" - رويترز
المصدر:

الشرق

تسببت شركة الذكاء الاصطناعي الصينية الناشئة "ديب سيك" (DeepSeek) في إحداث هزة في أسواق التكنولوجيا العالمية يوم الاثنين، بسبب طرحها نموذجاً متطوراً تقول الشركة إنه يُضاهي ما أنتجته شركات أميركية عملاقة لكن بتكلفة أقل، مما أثار شكوكاً حول هيمنة الولايات المتحدة على هذا القطاع، والتقييمات المرتفعة لأسهم أكبر شركاتها التكنولوجية.

أكبر الخاسرين كان سهم "إنفيديا"، أكبر شركة في العالم، حيث انخفض بنحو 18%، ما أدى إلى خسارة حوالي 560 مليار دولار من قيمتها السوقية، ليصبح أكبر هبوط لسهم شركة بيوم واحد في تاريخ سوق الأسهم الأميركية. جاءت خسائر عملاقة التكنولوجيا الأميركية ضمن 8 من أكبر 10 تراجعات يومية للقيمة السوقية بمؤشر "S&P500" الذي هبط 2.3%.

خلال يوم واحد، أصبحت الشركة الصينية الناشئة حديث العالم، حيث قدمت لمحة مغايرة للاعتقاد السائد بأن مستقبل تطوير الذكاء الاصطناعي سيحتاج لكميات متزايدة من الكهرباء والطاقة، وأن كلفة تطويره تصل إلى مليارات الدولارات. كانت الشركة وتأثيرها الضخم على الأسواق موضوع حلقة خاصة على قناة "الشرق" بمشاركة محللين وخبراء.

الصين متفوقة؟

يرى روبرت سافج، رئيس قسم استراتيجية الأسواق في "بنك أوف نيويورك"، أن ما حدث الاثنين، يؤكد أن الصين باتت أقرب إلى التفوق على الولايات المتحدة في الذكاء الاصطناعي.

تعتبر "ديب سيك" شركة ناشئة صينية تأسست على يد ليانغ ونفنغ، رئيس صندوق التحوط الكمي الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي "هاي فلاير" (High-Flyer). وتطور الشركة نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر، ووصل تطبيق الهاتف الذي يحمل الاسم نفسه إلى صدارة قوائم التحميل على متجر "أبل" في الولايات المتحدة بعد إطلاقه أوائل يناير.

اقرأ أيضاً: ما هو "DeepSeek" الصيني ولماذا يقلق عمالقة الذكاء الاصطناعي؟

يرى سافج أن الصين باتت على قدم المساواة مع الآخرين، وتعمل على إنفاق المال والوقت في جهود التكنولوجيا، لكنه شكك في كلفة روبوت الدردشة، ملمحاً إلى إمكانية وجود دعم حكومي له، بعدما أشارت بعض التقارير إلى أن كلفة هذا النموذج تناهز 6 ملايين دولار، بينما استثمرت شركات التكنولوجيا الأميركية مليارات الدولارات في تطوير نماذجها.

إعادة النظر في استراتيجيات الاستثمار

تأثرت أغلب أسهم شركات التكنولوجيا في أميركا، وقادت "إنفيديا" عمليات بيع واسعة النطاق في الأسهم، بعدما تفاقمت المخاوف من الإنفاق الهائل لهذه الشركات على هذه التقنية.

تطرح هذه المخاوف سؤالاً عن مستقبل استراتيجيات الاستثمار لديها، وإمكانية إعادة النظر فيها بناءً على مراجعة توقعات النمو. نوه يواخم كليمينت، محلل استراتيجي للاستثمار والأسهم في "ليبريوم" (Liberum) أن ما حدث الاثنين، يفرض إعادة تقييم توقعات النمو طويلة الأمد لاستثمارات الذكاء الاصطناعي.

كلينيمت رأى أن الخاسر الأكبر مما وقع هو شركات مثل "إنفيديا" و"أوراكل" التي طورت البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وتوقع أن يظهر التأثير عليها خلال إعلانات النتائج خلال الأسبوع الحالي، إذ قد تلجأ إلى تعديل توقعات النمو، ما سينتج عنه إعادة تقييم لسعر الأسهم في اتجاه التخفيض.

يتوقع المحللون أن تستمر الموجة البيعية لأسهم الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي على مدى الأسابيع المقبلة، لكن شركات مثل "أوراكل" و"أمازون" و"مايكروسوف" قد لا تخسر كثيراً، نظراً إلى أنها قادرة على التركيز على منتجات أخرى، مثل بيع مساحات الحوسبة السحابية للنماذج اللغوية المصغرة، ما يمكنها من أن تكون أكثر مرونة مقارنة بشركات الرقائق، بحسب كليمينت.

جدوى الاستثمارات الضخمة

لطالما استثمرت شركات التكنولوجيا في أميركا مليارات الدولار لتوفير البنى التحتية اللازمة للذكاء الاصطناعي، لكن نموذج "ديب سيك" خلط الأوراق. تقول إيرين تونكل، كبيرة استراتيجيي الأسهم الأميركية في "بي سي إي ريسرتش" (BCA Research) إن "ما حدث الاثنين، أثار قلقاً لدى المستثمرين حيال الاستثمارات التي يقوم بها قطاع التكنولوجيات، وأدى إلى أسئلة بشأن الفائدة والجدوى من استثمار مليارات الدولارات من أجل التوصل إلى نماذج ذكاء اصطناعي يمكن تطويرها ببضعة ملايين".

تأسست "ديب سيك" الصينية برأس مال يبلغ 10 ملايين يوان (نحو 1.4 مليون دولار) عام 2023. وتقول الشركة إن تكلفة تدريب نموذجها للذكاء الاصطناعي تبلغ 5.6 مليون دولار، لكن هذا الرقم أقل بكثير عند المقارنة بالمبالغ التي أنفقتها بعض الشركات الأميركية على تطوير نماذجها، والتي تتراوح بين 100 مليون دولار إلى مليار دولار.

الهزة التي عاشتها السوق الأميركية أعادت النقاش بشأن تقييمات أسهم الشركات التكنولوجية، وتشير تونكل في هذا السياق، إلى أن "تقييمها كان مثالياً بناء على التوقعات، لكن القطاع يشهد اليوم المزيد من التنافس، وهو أمر طبيعي في حلقة التكنولوجيا".

اقرأ أيضاً: أميركا تلجم طموحات الصين في الذكاء الاصطناعي بقيود جديدة

يخالف إطلاق الصين لنموذج "ديب سيك" الفكرة السائدة بأن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الصين متأخرة بسنوات عن الولايات المتحدة، كما يطرح شكوكاً بشأن القيود التجارية التي فرضتها واشنطن والتي هدفت لمنع الصين من الحصول على الرقائق الأكثر تقدماً الضرورية لتطوير الذكاء الاصطناعي، وذلك على رغم أن نموذج "ديب سيك" تم بناؤه باستخدام تقنية مفتوحة المصدر يسهل الوصول إليها.

يرى نِك بيشنس، مدير الأبحاث في "فيوتوروم" (The Futurum) أن القيود الأميركية التي فرضت على الصين دفعتها إلى تدريب هذه النماذج، وتوفيرها كبديل للتكنولوجيا الأميركية. لكنه لا يعتقد أن هذا الأمر سيؤثر على الشركات الأميركية، ويدفعها لسحب الاستثمارات المخطط لها.

التأثير على العملات

لم تقتصر التأثيرات على سوق الأسهم الأميركية وشركات التكنولوجيا، إذ تأثر عدد من العملات بما حدث في السوق، حيث تم تسجيل طفرة في الين الياباني والفرنك السويسري.

يُفسر كمال شارما، محلل استراتيجي عملات في "بنك أوف أفريكا" هذا الأمر بأن المستثمرين يسعون لتجنب المخاطر في قطاع التكنولوجيا، من خلال زيادة شراء عملات الملاذ الآمن.

وبخصوص إمكانية لفت انتباه الفدرالي الأميركي، يرى شارما أن الفيدرالي "سيراقب عن كثب ما يحدث، لكن دون أن تكون له أي مخاوف عميقة"، مضيفاً: "في حال بقي التأثير مترسخاً، قد نترقب ردة فعل مغايرة من الفيدرالي".

التأثير السلبي طال سوق العملات المشفرة أيضاً، حيث انخفضت "بتكوين" أكثر من 5%، وباتت تتداول دون 100 ألف دولار. 

يشير إيلان سولوت محلل استراتيجي أول للأسواق في "ماركس سولوشنز" (Marex Solutions) إلى أن تراجع بعض العملات المشفرة أمر طبيعي، نظراً لارتباطها بتطورات شركات التكنولوجيا، بالإضافة إلى التقلبات التي تعتبر سمة من سمات هذه العملات.

العزوف عن المخاطرة امتد إلى عدة فئات من الأصول، إذ تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأدنى مستوياتها في 3 أسابيع، كما سجل مؤشر الدولار الأميركي أقل مستوى منذ منتصف ديسمبر الماضي.

تصنيفات

قصص قد تهمك