تتخذ الحكومات في جميع أنحاء العالم خطواتٍ رئيسيةً لتضييق الخناق على الممارسات المناوئة للمنافسة لدى شركات التكنولوجيا الكبرى، لكن السعي إلى كبح جماح قوة هذه الشركات العملاقة قد يكون له أثر جانبي سيء على المستهلكين: "خدمات أقل مجانية".
تتمثَّل أحد الموضوعات المشتركة بين الجهات التنظيمية العالمية لمكافحة الاحتكار، في أنَّ شركات التكنولوجيا العملاقة، تمكَّنت من استخدام مواردها المالية الهائلة، ومنصاتها لإعاقة الشركات المنافسة الأصغر حجماً.
وأكَّد تقرير مكافحة الاحتكار الصادر عن مجلس النواب الأمريكي الشهر الماضي، أنَّ شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى مثل شركة " آبل إنك Apple Inc" و"ألفابت Alphabet Inc" الشركة القابضة لـ "غوغل" قد أساءت استخدام قوتها السوقية لإلحاق الضرر بالشركات الناشئة، وتوسيع هيمنتها في الأسواق المختلفة.
وأصدرت هيئة مراقبة مكافحة الاحتكار بالصين هذا الشهر مجموعة من مسودات اللوائح التي تضمَّنت قواعدَ ضد منصات الإنترنت، مثل مجموعة "علي بابا القابضة المحدودة" التي تبيع السلع والخدمات بأقل من التكلفة، في حين قال الاتحاد الأوروبي، إن شركة أمازون، ربما تكون قد انتهكت قوانين مكافحة الاحتكار باستخدام بيانات البائعين المستقلين في موقعها لصالح منتجاتها الخاصة.
زيادة المنافسة
ويتمثَّل الهدف من كل هذا التدقيق في القضاء على التجاوزات، وخلق ساحة عمل أكثر تكافؤاً للسماح بزيادة المنافسة.
ويتعيَّن أن يصبَّ هذا في صالح المستهلكين على المدى الطويل، ومع ذلك، قد نضطر، على المدى القصير، أن نقبل ببعض العواقب غير السارة والمضايقات.
لقد اعتدنا جميعاً على الخدمات المجانية التي تحقق خسائر لشركات التكنولوجيا. ويحب المستهلكون خدمة الشحن المجاني التي تقدِّمها أمازون للمشتريات عبر الإنترنت، وهو عرض دعمته الشركة، مما كبدها خسائر شحن سنوية بمليارات الدولارات.
وتقدِّم شركة " الفيسبوك إنك Facebook Inc " بشكل مجاني تماما 100 مليار رسالة يومياً عبر تطبيق المراسلة الخاصة بها " واتس آب WhatsApp".
علماً أنَّ الخوادم المطلوبة لإتمام الكم الهائل من الاتصالات ليست رخيصة، لكن الأمر يستحق أن تتحمل " فيسبوك Facebook" النفقات حتى تتمكن من إبقاء المستخدمين على منصتها الأساسية، وداخل نظامها البيئي. والقائمة تطول أكثر من ذلك.
والآن، وفي ظل أجواء القواعد التنظيمية المتغيِّرة، قد تقلُّ احتمالية استمرار شركات التكنولوجيا في تقديم هذه العروض المجانية.
التوصيل ليس مجانياً
قد يحدث هذا بالفعل. في وقت سابق من هذا الشهر، صادفت إعلاناً، يبدو أنه غير ضار فيما يتعلق بصور جوجل، التي قدَّمت حتى الآن للمستخدمين خدمة النسخ الاحتياطي المجانية لعدد غير محدود من الصور، ومقاطع الفيديو الرقمية.
وقالت الشركة، إنها تخطط لفرض رسوم على الاستخدام فوق مستوى تخزين معين اعتباراً من يونيو، مشيرة إلى أن تغيير السياسة ضروري للحفاظ على استمرارية الخدمة في المستقبل.
والمعنى الضمني، هو أن استضافة أكثر من أربعة تريليونات صورة مقابل لا شيء، يكبد الشركة خسائر مالية كبيرة تدفعها لأن يتحمل المستخدمون بعض التكاليف.
ولكن للحق ، فإنَّ مجرد وجود مثل هذه الخدمة المجانية، قد يضرُّ بمستقبل الشركات الناشئة التي تتطلع إلى التنافس مع جوجل في هذا المجال.
وهل يمكن أن يكون تغيير سياسة جوجل أيضاً إشارة إلى تلقيها الرسالة ؟، فتفضِّل اتخاذ الإجراءات بنفسها بدلاً من مواجهة فرض القواعد التنظيمية؟.
وقد قالت متحدثة باسم غوغل: "إنَّ الأمر ليس كذلك، مضيفة أن المستهلكين لديهم خيارات أخرى لتخزين الصور من " آبل Apple" و"دروبوكس Dropbox" و"مايكروسوفت Microsoft".
ولا أقول بالضرورة، إنَّ هذا ما يحدث هنا أيضاً، على الرغم من أنني أودُّ أن أشير إلى أنَّ الخدمات الأخرى، تتطلب الدفع بعد مستوى معين من الاستخدام.
ولا أتوقَّع وقف أشهر العروض المجانية التي تقدِّمها شركات التكنولوجيا العملاقة. ومن المحتمل أن تتواصل خدمات الشحن والرسائل مجاناً في الوقت الحالي.
ومع ذلك، أعتقد أنَّ دليل شركات التكنولوجيا لإطلاق المنتجات دون مبررات عمل واضحة، هو بمثابة إهدار للوقت.
وتشهد الساحة تغيراتٍ عدة، ويجب أن نكون مستعدين جميعاً لدفع المزيد - أو البدء في الدفع – مقابل خدماتٍ تعوَّدنا أن تكون مجانيةً بلا منازع.