بلومبرغ
لا أستطيع أن أفكر في طريقة أفضل للاحتفال بأجواء "الهالوين" دون الاستماع إلى قصة "سليبي هولو" بصوت شبح الممثل الراحل جيمس دين. رغم أن مسيرة هذا الممثل انتهت بشكل مأساوي عام 1955، إلا أن ورثته ما يزالون يجنون أرباح موهبته بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي.
لقد وقّع ورثة دين، وكذلك ورثة مشاهير آخرين أمثال جودي غارلاند ولورنس أوليفييه وبيرت رينولدز، اتفاقية مع شركة ناشئة متخصصة في استنساخ الأصوات هي "إيلفن لابز" (ElevenLabs) ضمن مشروع "الأصوات الأيقونية". وهكذا، يمكنكم اليوم أن تستمعوا لقراءة كتب ومقالات ومختلف النصوص بأصوات نجوم راحلين عبر تطبيق "ريدر" من "إيلفن لابز". مثلاً، يمكنك أن تجعل الممثلة جودي غارلند تقرأ لك رواية "ساحر أوز العجيب" أو حتى تقريرك الضريبي، ولك أن تختار.
أعمال جديدة بعد الوفاة
لقد ثبت أن قطاع المشاهير الراحلين أشبه بمنجم ذهب، فقد كان مايكل جاكسون مديناً بنحو 500 مليون دولار حين وفاته، إلا أن ورثته كسبوا ثروة تقدر بملياري دولار، حسب مجلة "بيبول"، بفضل عدة مشاريع منها مسرحية موسيقية مستندة إلى أغانيه وألبومات صدرت بعد وفاته تتضمن أعمالاً أنجزها أثناء حياته. إلا أن التطور في مجال الذكاء الاصطناعي يعني اليوم أن فناناً راحلاً مثل جاكسون بإمكانه الاستمرار في إنتاج أعمال فنية جديدة.
مثّل المحامي مارك روزلر، المتخصص بحقوق الملكية الفكرية، أكثر من 3 آلاف من المشاهير، معظمهم من الراحلين، وقد أبرم حوالي 30 ألف صفقة نيابة عنهم منذ تأسيسه لشركة "سي إم جي وورلد وايد" (CMG Worldwid) قبل أكثر من أربعة عقود.
وتضمّ قائمة عملائه أسماء لامعة من أمثال روزا باركس ومالكوم إكس، كما تفاوض مع ورثة جيري غارسيا لإبرام صفقة له مع "إيلفن لابز". وفي العام المقبل، ستتوفر دورات تعليمية متخصصة بأصوات شخصيات منها ألبرت أينشتاين وآلان تورينغ ومايا أنجيلو.
يوضح روزلر أن دخل المشاهير الأحياء يأتي عبر مسارين رئيسيين، أولهما النشاط الشخصي، مثل ما يجنيه فنان مثل برينس من حفلاته وأغانيه. أما ثانيهما فيأتي من حقوق الملكية الفكرية، التي لا ترتبط بأنشطتهم المباشرة، وتشمل كل شيء من حقوق نشر موسيقاهم إلى استخدام صورهم.
عند وفاة أحد المشاهير، تتوقف إيرادات أنشطته الشخصية، لكن تبقى لورثته إيرادات حقوق الملكية الفكرية. لاحظ روزلر أن هذه الإيرادات تنخفض بمتوسط 10% سنوياً، لكنها الآن أصبحت قابلة للزيادة. قال: "ساعدتني كل هذه التحولات التقنية، ومنها الذكاء الاصطناعي... إن لها استخدامات واسعة في مجال الملكية الفكرية".
انتقادات أخلاقية
على سبيل المثال، اختار ترافيس كلويد، مؤسس ومدير شركة "وورلد وايد إكس آر" (Worldwide XR)، التي يرأس روزلر مجلس إدارتها، جيمس دين، لأداء دور في فيلم (Return to Eden) وهو قيد الإنتاج حالياً. بيّن لويد أن لدى صانعي الأفلام اليوم خياران بشأن التعامل مع المشاهير الراحلين "يمكنهم استخدام ممثل حقيقي لمحاكاتهم، أو استخدام التقنية الحديثة لإنتاج نسخة رقمية من جيمس دين".
يبدأ تصميم النسخة الرقمية بجمع المواد المصدرية، المعروفة بالأصول الإرثية، والتي قد تشمل حتى مقاطع مصورة عائلية. ثم تعالج هذه المواد بواسطة التعلم الآلي بغرض إنشاء نموذج رقمي للممثل، ويُستعان بممثل بديل لتصميم بعض التفاصيل مثل طبيعة البشرة والحركات، ومن ثمّ تُضاف الأصوات.
تشبه هذه العملية إظهار بول ووكر في فيلم (Furious 7) وبيتر كوشينغ في فيلم (Rogue One: A Star Wars Story) باستخدام تقنية صور ينتجها حاسوب، وقد أثارت جدلاً قبل حوالي عقد. في صيف هذا العام، أثار دور كبير لإيان هولم، الذي توفي عام 2020، في فيلم (Alien: Romulus) النقاد رغم موافقة أرملته وأبنائه ومسؤولي تركته على ظهوره في الفيلم، وزادت هذه الانتقادات الطين بلّةً في سياق الجدل الأخلاقي المتعلق بالذكاء الاصطناعي.
بدأت هوليوود تنفتح تدريجياً على هذا الأمر بعدما تسبب إضراب للممثلين والكتاب العام الماضي على خلفية عدّة قضايا أبرزها الذكاء الاصطناعي بشلل القطاع. أبرمت نقابة ممثلي الشاشة في أغسطس اتفاقية تسمح باستنساخ أصوات ممثلين أحياء في الإعلانات الصوتية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي على أن يكون التعامل مع كلّ مشروع على حدة.
موضة عابرة
أمّا فيما يخصّ الممثلين الراحلين، فيرى كلويد أن حجم الإقبال الضخم هو ما سيحدد الشروط. فهو يعتقد بوجود إمكانيات هائلة لتصبح مشاريع الذكاء الاصطناعي المحرك الأساسي لدرّ الدخل على ورثة المشاهير خلال السنوات الخمس المقبلة. وقال: "مع نموّ المنصات الرقمية، وخدمات البث، والتجارب الافتراضية، تزداد الفرص المتاحة للمشاهير لإتاحة استثمار إرثهم بطرق جديدة ومبتكرة".
لنأخذ على سبيل المثال العرض الافتراضي "أبا فوياج" (ABBA Voyage) الذي بدأ في لندن في مايو 2022، ويحقق أرباحاً تتجاوز مليونَي دولار أسبوعياً من خلال حفلات نجومها نسخ افتراضية شابة لمغنيي فرقة البوب السويدية الشهيرة.
برغم أن نجوم الفرقة الأربعة كانوا قد تعاونوا معاً لإعداد هذا العرض، وهم ما يزالون أحياءً، فإن صورهم المنتجة حاسوبياً يمكن أن تستمر نظرياً في درّ الأرباح لورثتهم حتى بعد وفاتهم.
لكن ليس الجميع مقتنع بجدوى استخدام الذكاء الاصطناعي. اعتبر جيف جامبول الذي يدير أعمال "فنانين غير نشطين" مثل جانيس جوبلين وفرقة "دورز" أن الذكاء الاصطناعي "لن يكتب له النجاح". وقد سبق له أن رفض عروضاً لاستنساخ صوت جيم موريسون، لأنه يعتبر هذه التقنية مجرد موضة عابرة كما كان حال الرموز غير القابلة للاستبدال.
وقال جامبول: "سيحلّ مكانها شيء آخر قريباً"، مشيراً إلى أنه خلال خبرته الطويلة في المجال، شهد على عدة "موجات ما تكاد تعلو حتى تنحسر". وبيّن أن السبب الأساسي لرفضه هذه الظاهرة هو: "لا يمكنني جعل جيم موريسون يبدو وكأنما قال شيئاً لم يقله فعلاً، إن ذلك من قبيل الافتراء".
عرض تفاعلي لملك الروك
يقارن جامبول إدارة إرث الفنانين باستخدام ستة أعواد ثقاب لإيقاد مدفأة. يرى أن كل مشروع يوافقون عليه يشبه إشعال عود من تلك الأعواد. قال: "يستخدمون عود ثقاب لإشعال المدفأة، فينيرها ثم ينطفئ بعد تسع ثوانٍ، والناتج يكون مدفأة باردة ومظلمة وعود ثقاب محترق. كرر ذلك خمس مرات، وستجد أن إرثاً عمره 25 عاماً يتلاشى... إن حياتهم، وما قالوه، وما أبدعوه هو إرثهم... لا يمكنني تغيير ذلك".
من جهتها، ترى سفانا غيسلا، المنتجة المشاركة في عرض "أبا فوياج"، وهي مرشحة لجائزتَي "إيمي" و"غرامي"، أن هذه التقنية الجديدة تعتريها نقطة ضعف أساسية. قالت: "سنظل نبحث دائماً عن ذلك الرابط العاطفي الناشئ عن الفنّ، فلن يتمكن الذكاء الاصطناعي يوماً من توفير هذا الرابط أو أن يحلّ مكان الفن بأيّ شكل".
سيطرح عرض "إلفيس إيفولوشن" (Elvis Evolution) المرتقب على مسرح إكسيل في لندن الاختبار الأكبر للذكاء الاصطناعي، إذ سيطلّ ملك الروك الراحل للمرة الأولى منذ ما يفوق 45 سنة. يمتد العرض الوثائقي التفاعلي ساعتين، وخلاله سيفعم الهواء الذي يتنفسه المشاهدون برائحة حقول القطن كما ستكون الرطوبة عالية، لاستحضار أجواء ولاية ميسيسيبي الريفية.
ويرى أندرو مكغينيس، مؤسس ومدير شركة "لايرد رياليتي" (Layered Reality) منتجة العرض، أن تقديم أيقونة مثل إلفيس بتقنية الهولوغرام ليس مهمةً يسيرةً. وقال: "إن هذا ليس مجرد ابتكار أو عملاً ينتجه فنان رقمي. بل هو مستوحى من أدائه الحقيقي وحركات وجهه وتركيبة صوته الحقيقية".
يتطلب إنتاج ذلك معالجة مئات الساعات من مقاطع مصورة له على المسرح ومقاطع منزلية بواسطة برامج الذكاء الاصطناعي لإنتاج نسخة رقمية. كما حصلت شركة "لايرد ريالتي" على إمكانية استخدام الأرشيف الكامل لمنزل إلفيس المسمى "غريس لاند"، الذي تحول إلى متحف.
وقال مكغينيس: "إن رغبت، يمكنك حتى أن تطلع على ما تناوله للغداء في يوم معيّن قبل 45 سنة"، حتى أن طبق إلفيس المفضل قد يقدم في الحانة التي تستحضر أجواء الستينات ويمكن للحضور ارتيادها بعد انتهاء العرض.
هل سيكون سندويش زبدة الفستق والموز واللحم المقدد الغريب الذي تناوله بريسلي ذات يوم مدرجاً على قائمة الطعام؟ لم يجب مكغينيس عن ذلك السؤال.