منذ عام فقط، كانت أكبر شركة ناشئة من ناحية القيمة في العالم، "بايت دانس"، تسحق من كلِّ جانب، حكومة الرئيس الأمريكي السابق ترمب التي أرادت من الشركة الصينية، التي تمتلك منصة مشاركة الفيديو المنتشرة في كلِّ مكان "تيك توك"، التخلُّص من الأصول، في حين كانت بكين تتخذ إجراءات صارمة ضد شركات التكنولوجيا، وأدرجت الهند بعض تطبيقات الشركة للتواصل الاجتماعي في القائمة السوداء.
وبرغم كل العقبات، واصلت "بايت دانس" النمو، والآن يعدُّ مؤسسها البالغ من العمر 38 عاماً، تشانغ يمينغ، من بين أغنى أغنياء العالم، وهو امتياز أصبح يحمل مخاطر متزايدة في الصين.
ثروة بـ60 مليار دولار
وتتداول أسهم الشركة في السوق الخاصة بتقييم يزيد على 250 مليار دولار، وفقاً لأشخاص على اطلاع بالتعاملات. وعند هذا المستوى، فإنَّ ثروة تشانغ، الذي يملك حوالي ربع "بايت دانس"، قد تصل إلى أكثر من 60 مليار دولار، مما يضعه في صف مؤسس "تنسينت هولدينغز"، بوني ما، وملك المياه المعبأة، تشونغ شانشان، وأعضاء عائلات "والتون"، و"كوك" في الولايات المتحدة، وفقاً لمؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات.
وتضاعفت إيرادات "بايت دانس"، التي تشتهر بتطبيق الفيديوهات القصيرة، وتطبيق الأخبار "توتياو" (Toutiao)، بأكثر من الضعف العام الماضي بعد توسُّعها بعيداً عن أعمالها الرئيسية، وهي الإعلانات في مجالات مثل التجارة الإلكترونية والألعاب على الإنترنت، والآن تدرس خيارات الطرح الأولي للجمهور لبعض أعمالها.
وقال ما روي، شريك في شركة رأس المال المغامر "سينابتيك فينتشرز" (Synaptic Ventures) : "تشانغ شخص يشتهر بتفكيره طويل الأمد، ولا تحبطه العقبات على المدى القصير بسهولة".
تقييم متزايد
و خلال أحدث جولاتها التمويلية، وصل تقييم "بايت دانس" إلى 180 مليار دولار، بحسب ما قال شخص مطَّلع على الأمر، أي بارتفاع قدره 20 مليار دولار منذ ثلاث سنوات، وفقاً لشركة "سي بي انسايتس" (CB Insights)، لكن في السوق الخاصة، طلب المستثمرون مؤخراً تقييماً يعادل 350 مليار دولار للتخلي عن حصصهم، وفقاً لمصادر مطَّلعة.
ونقلت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" أنَّ قيمة الشركة بين مستثمري الملكية الخاصة تقترب من 400 مليار دولار، مما يعني ثروة أكبر لتشانغ، ولم يستجب ممثِّلو "بايت دانس" لطلبات التعليق على الأمر.
ويعدُّ الوقت الحالي وقتاً عصيباً حال كونك ثرياً في الصين، إذ تسعى الحكومة لكبح الشركات الأكثر قوة ومؤسسيها المليارديرات، ويعدُّ جاك ما أبرز مثال، فبعد فتح تحقيق احتكار، فرض المشرِّعون غرامة قياسية على "علي بابا" بقيمة 2.8 مليار دولار، وأمر البنك المركزي بإعادة هيكلة إمبراطوريته للتكنولوجيا المالية "آنت غروب كو"، بشكل تخضع فيه للرقابة مثل بنك تقليدي، ويوم الثلاثاء الماضي، أمرت الصين 34 شركة بمجال الإنترنت بتصحيح ممارساتها غير التنافسية في الشهر المقبل.
وبرغم أنَّ "بايت دانس" لم تُستهدف حتى الآن، فإنَّ هيمنتها في مجال التواصل الاجتماعي، وذخيرتها النقدية المخصصة لعقد الصفقات بمثابة مجالات حساسة تحقق فيها الحكومة.
وقال كيرك بودري، مؤسس شركة الأبحاث الاستثمارية "ريديكس هولدينغز"، مشيراً إلى قيمة "بايت دانس" في المعاملات الخاصة: "لا توجد ألعاب سخيفة أخرى من الولايات المتحدة مع ترمب أو الحظر المحتمل أو البيع الإجباري للأصول.. ولكنَّ الضغوط على أسعار أسهم التكنولوجيا والمخاطر التي تفرضها الحكومة الصينية قد تجعل من الصعب وصول الشركة لتقييم 250 مليار دولار".
وداعاً للوظيفة
وولد تشانغ في مدينة لونغيان بجنوب الصين، وهو الابن الوحيد لموظفين حكوميين، ودرس البرمجة في جامعة "نانكاي" في مقاطعة تيانجين، وقد زاد متابعوه على منتدى الكلية عبر الإنترنت من خلال إصلاح أجهزة كمبيوتر زملائه، وعمله بشركة "مايكروسوفت" لوقت قصير بعد تخرُّجه، ووصف الوظيفة لاحقاً بأنَّها مملة لدرجة أنَّه في أغلب الأوقات "كان يعمل نصف اليوم، ويقرأ الكتب في النصف الآخر"، بحسب ما قال في مقابلة مع وسيلة إعلام صينية، ثم بدأ تطوير العديد من المشاريع، بما في ذلك منصة بحث عن عقارات.
وجاءت انطلاقته في عام 2012 عندما كان يعمل في شقة مكوَّنة من أربع غرف في بكين، وابتكر أوَّل تطبيق ناجح في " ByteDance" لمشاركة النكات، لكن أغلقه المراقبون في وقت لاحق، ثم اتجه إلى تطبيق تجميع الأخبار قبل أن يكسب أكثر من مليار مستخدم عالمي من خلال منصات الفيديو القصيرة "تيك توك"، ونسخته الصينية "دوين" (Douyin).
وخلال هذه العملية، قام بجذب مستثمرين من الأسماء الكبيرة، مثل: "سوفت بنك غروب "، و"سيكويا كابيتال"، وشركة التداول الخاصة "ساسكويهانا انترناشونال غروب" (Susquehanna International Group)، مما يجعلها شركة نادرة بين شركات الإنترنت الصينية الناشئة التي عادة ما تصبح جزءاً من الأنظمة البيئية الأوسع لـ"تنسينت"، و"علي بابا".
فكرة جديدة
وأصبحت "ساسكويهانا" واحدة من أول داعمي تشانغ، وأكبر داعم خارجي لـِ"بايت دانس" بحصة نسبتها 15%، وفقاً لتقرير نشرته "وول ستريت جورنال" في أكتوبر.
وكان أوَّل رهان لها في بداية 2012 عندما كان تطبيق الأخبار "توتياو" مجرَّد فكرة رسمها تشانغ على المناديل، وفقاً لمدونة في 2016 كتبها جوان وانغ الذي قاد هذا الاستثمار نيابة عن وحدة رأس المال المغامر الصينية في "ساسكويهانا".
ومع مواجهة "تيك توك" لتدقيق في الولايات المتحدة والهند، ركَّز تشانغ جهوده على أعمال "بايت دانس" الصينية الوليدة سريعة النمو، التي تتراوح من الألعاب إلى التعلُّم والتجارة الإلكترونية، وهو ما ساعدها على زيادة مبيعاتها إلى حوالي 35 مليار دولار العام الماضي، وحقَّقت ربحاً تشغيلياً بقيمة 7 مليار دولار، بحسب ما كشف شخص مطَّلع على نتائج أعمال الشركة.
ويتطلَّع المستثمرون إلى الطرح الأولي للجمهور لبعض شركات "بايت دانس" بعد أن جمعت منافستها الصينية "كوايشو تكنولوجي" (Kuaishou Technology) حوالي 5.4 مليار دولار في فبراير في أكبر إدراج شركة إنترنت منذ "أوبر" التي تقترب قيمتها السوقية حالياً من 140 مليار دولار.
وعيَّنت "بايت دانس" الشهر الماضي مديراً تنفيذياً سابقاً في "شاومي كورب"، هو تشيو شو زي، كمدير مالي لها، وبذلك ملأت منصبَ ظلٍّ شاغراً لفترة طويلة الذي سيلعب دوراً حاسماً في طرحها بالأخير في السوق.
و بالنسبة لتشانغ، لا يتعلَّق الأمر فقط بالمكاسب الفورية. ويُعرف المؤسس الخلوق بفلسفة تجارية تتمثَّل في "تأخير الابتهاج" لأنَّه يركِّز على النمو طويل الأجل، وهي رسالة أكَّد عليها مرة أخرى خلال حديثه مع الموظفين في الاحتفال بالذكرى التاسعة للشركة الشهر الماضي.
وقال: "اجعل عقلك عقلاً عادياً، وهذا شيء يبدو سهلاً، ولكنَّه مهم.. وببساطة عندما تجوع، تناول الطعام، وعندما تتعب، اخلد للنوم".