بلومبرغ
أكثر من ثلثي الأطفال في الولايات المتحدة يحصلون على هاتف ذكي بحلول عامهم الثالث عشر، لكن انتشار هذه الأجهزة يقلق أولياء الأمور والمعلمين وكذلك المسؤولين المحليين الساعين لتنظيم استخدامها في المدارس.
تعتزم أكبر منطقتين تربويتين في الولايات المتحدة، أي مدينتي نيويورك ولوس أنجلوس، حظر الهواتف ابتداءً من العام الدراسي المقبل، فيما تدرس ولايتا نيويورك وكاليفورنيا فرض قيود على مستوى الولاية.
حثّ الجراح العام الأميركي فيفيك مورثي المدارس في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في يونيو على منع الهواتف في قاعات التدريس وخلال أوقات الفسحة، متحدثاً عن أزمة صحة نفسية تطال المراهقين. كما كشف استطلاع رأي من "مركز بيو للأبحاث" هذا العام أن أكثر من 70% من معلمي المدارس الثانوية يعتبرون أن تشتت الانتباه الناجم عن الهواتف "مشكلة كبيرة".
لكن تطبيق حظر الهواتف يواجه عدّة تحديات. فقد بيّن استطلاع للاتحاد الوطني لأولياء الأمور في فبراير، أن معظم أولياء الأمور يرون أنه يجب السماح للطلاب باستخدام هواتفهم في بعض الأوقات خلال الدوام المدرسي. كما أظهر استطلاع "بيو" أن 60% من معلمي المدارس الثانوية، يرون أن تطبيق السياسات المتعلقة بالهواتف صعب أو صعب جداً.
في ثمانينيات القرن الماضي، حظرت مدارس مدينة نيويورك أجهزة الاتصال حين بدأ الطلاب بإحضار أجهزة المناداة إلى قاعات التدريس. وسبق للمدينة أن طبقت سياسات أشد في ما يتعلق بحظر الهواتف الذكية تحت إدارة العمدة السابق مايكل بلومبرغ (وهو مؤسس وأكبر مساهمي شركة بلومبرغ، مالكة بلومبرغ بيزنسويك وداعية لحظر الهواتف في المدارس).
لكن هذه السياسة أُلغيت في 2015 في عهد العمدة السابق بيل دي بلاسيو الذي رأى أن هذه القوانين تمنع الأسر من التواصل مع أولادها، وهو اعتراض شائع بين أولياء الأمور، خاصةً في ظل تزايد حوادث إطلاق النار في المدارس. كما كان يعتبر أن تطبيق هذه السياسة غير عادل، بما أنها تُفرض بشكل رئيسي في مدارس أبناء الأسر ذات الدخل المنخفض، التي بها أجهزة كشف المعادن.
إلا أن المشهد تغير كثيراً خلال العقد الماضي. إذ بات الأطفال يحصلون على الهواتف في سن أصغر، كما تفشت حالات الاكتئاب والتفكير الانتحاري واتساع الفجوة الأكاديمية. على الرغم من تعدد أسباب ذلك، فإن كبار علماء النفس يرون أن وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام الهواتف الذكية عوامل رئيسية تدفعه. إذاً بعدما أصبحت الهواتف جزءاً ثابتاً من حياتنا، هل يمكن التوصل إلى حل وسط؟
الحجج الداعمة
مثلنا جميعاً، يقضي الأطفال وقتاً طويلاً قبالة شاشات هواتفهم. فقد أظهرت دراسة في 2023 أن المراهقين يتلقون في المتوسط 237 إشعاراً عبر الإنترنت يومياً، ويقضون نحو أربع ساعات ونصف الساعة يومياً على هواتفهم، وقد يصل وقت استخدام بعضهم للهاتف إلى 16 ساعة في اليوم.
وضعت مقاطعة لوس أنجلوس التربوية الموحدة سياسة لاستخدام الهواتف المحمولة في 2011، لكنها لم تُطبقها بشكل فعّال، بما أنه لم تكن هناك رغبة جادة في تشديد القوانين خلال السنوات الماضية. لكن نيك ميلفوين، عضو مجلس المقاطعة التربوية، يقول إن الوضع تغير اليوم بالأخص بعد نشر كتاب "الجيل القلِق" (The Anxious Generation) لجوناثان هايدت في مارس.
لقد ربط الكتاب، الذي حقق نجاحاً فورياً، بين الهواتف الذكية ومشكلات نفسية لدى الأطفال، ما أسهم في بلورة الإرادة السياسية نحو تبني إجراءات أشد، بحسب ميلفوين، الذي قاد عملية صياغة القوانين الجديدة، والتي ستدخل حيز التنفيذ في يناير.
اتخذت حوالي ربع دول العالم إجراءات لحظر الهواتف في المدارس وفقاً لتقرير صادر عن اليونسكو في 2023. منها فرنسا، التي أصدرت قانوناً في 2018 يمنع الطلاب الأصغر سناً من استخدام الهواتف النقالة في حرم المدرسة، فيما سمحت للمدارس الثانوية بوضع سياساتها الخاصة. في 2021، حظرت الصين على الأطفال إحضار الهواتف إلى المدرسة من دون موافقة أولياء أمورهم.
يأمل مؤيدو هذه الحظر أن يساعد منع الهواتف في المدارس على تحسين الأداء الأكاديمي، وهو أمر يثير قلقاً متعاظماً في ظلّ تباطؤ تعافي الطلاب في الولايات المتحدة من آثار الجائحة. (في العام الماضي، أظهرت اختبارات الرياضيات الوطنية التي أجراها المركز الوطني لإحصاءات التعليم أكبر تراجع على الإطلاق في الأداء الأكاديمي للطلاب في عمر الثالثة عشرة).
كما يرى مؤيدو فرض ضوابط أكثر صرامة أن هذه الإجراءات ستعزز التفاعل الاجتماعي الصحي بين الأطفال. فقد أظهرت دراسة أجراها المعهد النرويجي للصحة العامة في يناير، أن حالات التنمر انخفضت بعد فرض حظر الهواتف، بينما تحسنت صحة الفتيات النفسية وارتفعت درجاتهن، خاصةً من يتحدرن من خلفيات اجتماعية واقتصادية متدنية.
الأصوات المعارضة
يقلق منتقدو فرض حظر تام على الهواتف من فقدان أولياء الأمور القدرة على التواصل مع أطفالهم، سواء لمتابعة شؤونهم العادية، مثل تغيير موعد تدريبات كرة القدم، أو في حالات الطوارئ مثل الأزمات الطبية.
يرى آرون بالاس، أستاذ علم الاجتماع والتعليم في كلية المعلمين بجامعة كولومبيا، أنه على الأطفال أن يتعلموا كيفية التحكم بطريقة استخدامهم للهواتف بأنفسهم. كما أشار إلى أن معظم المناطق التعليمية لم تعالج التحديات اللوجستية المرتبطة بالحظر.
على سبيل المثال، تبرز مسألة كلفة الحقائب المغناطيسية المستخدمة لحفظ الهواتف، التي قد يصل سعر كل منها إلى 30 دولاراً، بالإضافة إلى أن جمع الهواتف من الطلاب في بداية اليوم الدراسي ثم إعادتها لهم في نهايته سيأخذ وقتاً من الحصص الدراسية. قال: "أفهم الدافع وراء فرض الحظر، لكنني قلق من أن صانعي السياسات لم يفكروا بعمق بما سيواجهونه من تحديات".
كما أن تطبيق هذه السياسة بشكل غير متساوٍ على جميع الطلاب، قد يشعر بعضهم بالعزلة، فيما يكاد يكون حتمياً وقوع استثناءات لتسهيل الأمور على الطلاب الذي يحتاجون بعض الخدمات مثل الترجمة أو برامج النطق.
حل وسط
ربط عدد متزايد من البحوث بين زيادة استخدام الأجهزة الإلكترونية وتدهور الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين، مع ذلك ما نزال بحاجة لمزيد من المعلومات من أجل تقييم تأثير حظرها في المدارس.
في تعاون نادر بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، قدم عضوا مجلس الشيوخ الجمهوري توم كوتون عن أركنساس والديمقراطي تيم كين عن فيرجينيا مشروع قانون في نوفمبر، يلزم وزارة التعليم بإعداد دراسة حول موضوع الهواتف وتخصيص 5 ملايين دولار سنوياً لعدد مختار من المدارس، بحيث تُخصص لتغطية بعض النفقات مثل تركيب خزائن وشراء جعب لحفظ الهواتف.
جربت بعض المدارس أن يسلّم الطلاب هواتفهم للإدارة، بحيث تعيدها لهم في الحصة ما قبل الأخيرة، ما يمنحهم ما يكفي من الوقت للتنسيق مع أولياء أمورهم حول أي تغيير بشأن اصطحابهم من المدرسة أو الأنشطة بعد الدوام. هناك أيضاً من يفضّل أن تسمح المدارس باستخدام الأجهزة البسيطة مثل الهواتف البسيطة التي كانت شائعة في أوائل الألفية، بما أنها لا تسبب الإدمان مثل الأجهزة الحديثة التي تحتوي على كثير من التطبيقات.
في حالة أولياء الأمور القلقين من حصول حالات طوارئ، يرى بعض الخبراء أن وجود الهواتف بين أيدي الطلاب في مثل هذه المواقف قد يزيد من المخاطر على سلامتهم. مثلاً. في حال وجود مهاجم مسلح، قد يكشف رنين الهاتف موقع الطفل، كما أن اتصالات الطلاب المذعورين قد تسبب سوء تواصل مع فرق الإنقاذ.
من جهة أخرى، تبرز مسألة حساسة إضافية تتعلق برأي شركات التقنية باحتمال فقدان زبائنها من صغار السن. على سبيل المثال، تعمل شركة "أبل" على الترويج لساعتها الذكية كبديل للهواتف الذكية للأطفال. وهي توفر منذ 2020 خاصية تتيح للأطفال إجراء المكالمات وإرسال الرسائل النصية إلى ذويهم بواسطة هذه الساعة المتصلة بهاتف الأيفون الخاص بأحد الوالدين. مع ذلك، قد لا تكون هذه الأجهزة الصغيرة الحل الأمثل الذي يبحث عنه الجميع، إذ أظهرت إحدى الدراسات مثلاً أن من شأنها أن تشتت الانتباه أكثر من الهواتف أثناء القيادة.