بلومبرغ
تقترب شركة "تي-موبايل يو إس" (T-Mobile US)، التي ظهرت فجأة كرائد في تقنية الجيل الخامس اللاسلكية، من الكشف عن خدمة النطاق العريض المنزلي، التي ستدفع شريحة عريضة من المستهلكين الأمريكين إلى إيقاف خدمات الخط الأرضي، التي تربط الإنترنت لديهم بالهواتف التقليدية أو شركة الكابلات.
وتتوقَّع شركة الاتصالات اللاسلكية، وهي ثاني أكبر شركة بعد استحواذها على "سبرينت كورب" قبل عام، تسجيل ما بين 7 إلى 8 مليون منزلاً للحصول على خدمات النطاق العريض من الجيل الخامس على مدار خمس سنوات.
وبفضل هذا الاستحواذ، الذي بلغت قيمته 26.5 مليار دولار، تفوَّقت شركة "تي-موبايل" بمقدار عام على منافسيها في شبكات الجيل الخامس، وهما؛ " فرايزن كوميونيكيشنز"، أكبر شركة في الصناعة، و"إيه تي آند تي" التي تحلُّ ثالثاً.
سوق متعطش للبيانات
ولكن إذا كان الأمر ليس مألوفاً بشكل كبير، فهذا لأنَّه كذلك؛ فقد فشل المنافسون المحتملون حتى الآن في زعزعة قبضة صناعة الكابلات على خدمة الإنترنت فائقة السرعة، بدءاً من شركات التكنولوجيا التي تعهَّدت بإطلاق خدمة النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية إلى شركات الهواتف التي تعهدت بمدِّ الألياف البصرية إلى باب منزلك.
وقالت تامي باركر، المحللة في "غلوبال داتا": "في حدِّ ذاتها، لا تمثِّل خدمة الجيل الخامس اللاسلكية لإنترنت المنازل تهديداً وجودياً لخدمات النطاق العريض المنزلية التقليدية حالياً".
ولا تُمثِّل الأهداف الأولية لـ"تي-موبايل"، التي تمَّ تحديدها للمستثمرين في وقت سابق من هذا الشهر، سوى جزء صغير من التفاحة الكبيرة، إذ يتمتَّع مزوِّدو خدمات الكابلات والهواتف في الولايات المتحدة بحوالي 106مليون مشتركاً في النطاق العريض للإنترنت.
إلا أنَّ وصول تقنية النطاق العريض قد يساعد في تلبية احتياجات أمة متعطِّشة للبيانات في الوقت الذي لا تزال تتعلَّم فيه، وتعمل فيه من المنازل بسبب وباء كورونا، خصوصاً إذا خفَّضت شركة الاتصالات متوسط سعر الصناعة البالغ حوالي 65 دولاراً في الشهر.
وقال مايك سيفيرت، الرئيس التنفيذي لشركة "تي-موبايل"، في مقابلة هذا الشهر، إنَّ الهدف الأولي لشركة "تي-موبايل" فيما يختص بتقنية الجيل الخامس للمنازل، يتمثَّل في تلبية احتياجات المناطق التي يندر فيها النطاق العريض بشكل كبير، وتمتلك فيها الشركة سعة كبيرة، مشيراً إلى أنَّه باستخدام مزاياها في ترددات معينة بالجيل الخامس، ستتمكَّن الشركة من تمديد الخدمة سريعاً.
نفس طول الموجة؟
وقال سيفيرت: "نعتزم أن نكون اللاعب الصائب في النطاق العريض بجميع الأسواق الثلاثة؛ وهي المحرومة، والمخدومة بشكل معقول، والمجهَّزة جيداً. وستكون لدينا خيارات جيدة جداً للنطاق العريض عالي السرعة"، إلا أنَّ الجهود السابقة قد فشلت. فقد قالت شركات الاتصالات اللاسلكية، إنَّها ستتمكَّن، باستخدام إشارات الموجات المليمترية الجديدة العالية التردد، من تقديم خدمة الإنترنت، والتلفزيون للمنازل بسرعة أو أسرع من الكابلات.
لكن هذه الترددات لا يمكنها تحمُّل العبء بمفردها، فهي تصارع من أجل اختراق أوراق الأشجار والنوافذ أو حتى الرطوبة العالية.
وخلال الشهر الماضي فقط، قدَّمت شركات الاتصالات، بقيادة "فرايزن"، و"إيه تي آند تي" عرضاَ بقيمة 81.2 مليار دولار لموجات البثِّ من الجيل الخامس، بهدف ملء الفراغ، وتقديم مجموعة من الخدمات الجديدة بدءاً من السيارات ذاتية القيادة، والروبوتات الجراحية إلى النطاق العريض اللاسلكي المنزلي.
وتُثمِّن موجات الأثير المتوسطة النطاق بفضل قدرتها المزدوجة على السفر بعيداً، وعلى حمل الكثير من البيانات. واستطاعت "تي-موبايل" اكتساب وفرة في تلك الترددات عبر استحواذها على شركة "سبرينت"، مما منح "تي-موبايل" ترسانة كبيرة لقيادة سباق الجيل الخامس.
جهود "فرايزن"
وتتبع مجهودات "تي-موبايل" خطوة "فرايزن" قبل ذلك بأكثر من عامين، التي أطلقت أوَّل خدمة منزلية من الجيل الخامس في الولايات المتحدة، فقد بدأت بتقديمها في أربع مدن قبل التوسع إلى 12 منذ ذلك الحين.
إلا أنَّ التقدُّم كان بطيئاً نظراً للتحدي الدائم الذي تواجهه "فرايزن" في شأن توصيل المنازل باستخدام الترددات العالية.
ويقدِّر بيتر سوبينو، المحلِّل في شركة "سانفورد سي بيرنستاين آند كو"، أنَّ خدمة "فرايزن" المنزلية من الجيل الخامس كانت متاحة لأقل من 600 ألف منزل، وسجَّلت أقل من 100 ألف مشترك حتى نهاية العام، وهو ما يعدُّ "تقدماً بطيئاً ووجيزاً"، على حد قوله.
وفي الوقت نفسه، تقلل "إيه تي آند تي" من أهمية تقنية الجيل الخامس كخيار أساسي للنطاق العريض المنزلي، وبدلاً من ذلك، تؤكِّد على استخدام مزيج من الألياف، إذ تكون الخدمات اللاسلكية الثابتة والمتنقلة قابلة للتطبيق.
ويمكن للوضع أن يتغير. ففي محاولة لتحسين مكانة الجيل الخامس، أنفقت "فرايزن" حوالي 45 مليار دولار حتى الآن على الموجات المتوسطة النطاق من أجل تغطية البلاد بالجيل الخامس.
وتقول الشركة حالياً، إنَّها ستمتلك ما يكفي من الموجات الهوائية ذات النطاق "سي" الجديدة، وترددات الموجات المليمترية المستخدمة، لكي توفِّر خدمة الجيل الخامس إلى 15 مليون منزل بحلول نهاية العام، على أن تضاعف ذلك في غضون عامين.
حرب الأسعار
وبرغم أنَّ طيف النطاق المتوسط يعدُّ مثل الفتاة الصغيرة "غولديلوكس" في القصة الخرافية الشهيرة، في فئة الموجات الهوائية، إلا أنَّه لا يوفِّر سرعات تبلغ 1 غيغابت في الثانية، أو أسرع مما يقدِّمه موفِّرو الكابلات فعلياً. ولهذا، سيكون أفضل خيار لـ "تي-موبايل" هو تقديم خدمة منخفضة السعر لضرب مزوِّدي الكابلات.
وقال سوبينو:"إنَّ تحديد موضع الشبكات اللاسلكية في الخطط التسويقية لـ"تي-موبايل" يتطابق مع طريقة تسويق الموجات المتوسطة النطاق، وهي؛ تقديم خدمة جيدة بما يكفي للحصول على سعر أفضل".
وقد يكون هذا هو التوجُّه الذي تسير نحوه الشركة. ففي يوم الإثنين، أوقفت "تي-موبايل" خدمتها المعروفة باسم "تي فيجين"، وهي عبارة عن قنوات تلفزيونية مدفوعة عبر الإنترنت، قائلة إنَّها ستقدِّم عوضاً عنها خدمة تلفزيون "يوتيوب" التابع لـ"غوغل" بسعر مخفَّض قدره 54.99 دولاراً.
وتعتمد الكثير من القرارات حول المكان الذي سيتمُّ فيه تقديم الجيل الخامس للمنازل على المواقع التي تمتلك فيها الشركات سعة الشبكة.
وقالت باركر من "غلوبال داتا": "يمكن تطبيق تقديم الإنترنت اللاسلكي الثابت في المناطق غير المخدومة، بما في ذلك الأسواق الريفية، ومناطق حضرية معينة لا تتوفَّر فيها خيارات واسعة من النطاق العريض. يمكن أن تستوعب "تي-موبايل" مستخدمي النطاق العريض المنزلي في المواقع التي تملك فيها سعة زائدة، وما هو أبعد من ذلك. إنَّها مسألة اقتصادية".
وقالت باركر: "هذا أمر يجب أن يراعيه جميع مزوِّدي الخدمة اللاسلكية عند قيامهم بتخصيص موارد الشبكة والتشغيل".
وتتوقَّع "إيه تي آند تي" أن تستخدم المنازل أكثر من تيرابايت من البيانات شهرياً في المستقبل، وهو أكثر مما تستطيع أن تفي به خدمة الجيل الخامس المنزلية، وفقاً للشركة.
وقال جيف ماكلفريش، الرئيس التنفيذي للاتصالات في "إيه تي آند تي"، في "يوم المستثمر" للشركة بوقت سابق من هذا الشهر: "لأكون صادقاً معكم، سيكون من الصعب مواجهة الاستهلاك الكبير الذي نتوقَّعه خلال السنوات الخمس المقبلة بواسطة حلٍّ لاسلكي واحد فقط".