سوندار بيتشاي يعرض خارطة طريق "غوغل" للذكاء الاصطناعي

الرئيس التنفيذي لشركة "ألفابت" يشرح كيف أنه يراهن على المدى الطويل، وأنه لن يرقص على أنغام أي شخص آخر

time reading iconدقائق القراءة - 20
سوندار بيتشاي، على اليمين، في لقاء مع برنامج \"ذا سيركيت\" مع إميلي تشانغ  - المصدر: بلومبرغ
سوندار بيتشاي، على اليمين، في لقاء مع برنامج "ذا سيركيت" مع إميلي تشانغ - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يزعم الرئيس التنفيذي لشركة "ألفابت" سوندار بيتشاي أن الذكاء الاصطناعي كان محور التركيز الرئيسي للشركة المالكة لـ"غوغل" منذ عام 2016، عندما كانت "أوبن إيه آي"، التي طورت تطبيق "تشات جي بي تي" في أولى مراحل تكوينها. وعلى أي حال، كان الباحثون في شركة "غوغل" هم من اخترعوا المحول الذي يمثله حرف "T" في "GPT" –وهي اختصار عبارة "المحول التوليدي المدرب مسبقاً" (Generative Pre-trained Transformer). وكان ذلك ابتكاراً حاسماً جعل عملية البحث عبر المحادثة باستخدام نماذج لغوية كبيرة أمراً ممكناً.

ومع ذلك، فقد فاتت "غوغل" هذه اللحظة الحاسمة في تطور "روبوت الدردشة" وأصبحت تحاول اللحاق بالركب منذ ذلك الحين. لكن بيتشاي الذي أجرى هذه المقابلة الحصرية لبرنامج "ذا سيركيت" مع إيميلي تشانغ (The Circuit with Emily Chang) لا يبدو عليه أي شعور بالقلق. إذ يقول: "لم نكن أول شركة تقدم خدمة البحث على الإنترنت، ولم نكن أول شركة توفر خدمة البريد الإلكتروني، كما لم نكن أول شركة تطور متصفحاً للويب. لذلك فأنا أنظر إلى هذا الذكاء الاصطناعي على اعتبار أننا مازلنا في مراحله الأولى".

بعبارة أخرى، يراهن بيتشاي على المدى الطويل، ويقول إن "غوغل" –التي تهيمن على الأصول الرئيسية على الويب– لديها متسع من الوقت حتى تنتصر.

إعادة بناء "جيميناي"

ومع ذلك، تعرضت جهود "غوغل" لاستعادة المبادرة في مجال الذكاء الاصطناعي لكثير من العثرات. وعندما كشفت الشركة عن تطبيق "جيميناي" لتوليد الصور في فبراير الماضي، سرعان ما اكتشف المستخدمون نقاط الضعف بالبرنامج. فعند طلب هؤلاء المستخدمين مشاهد تاريخية أنتج لهم البرنامج صوراً غريبة لنازيين آسيويين وآباء مؤسسين في أميركا من ذوي البشرة الداكنة! ويبدو أن محاولة الشركة لأن تضمن عدم وقوع أنظمة الذكاء الاصطناعي في التحيزات البشرية جاءت بنتائج عكسية.

يقول بيتشاي، الذي يبلغ من العمر 51 عاماً: "لقد أخطأنا"، مؤكداً أن ما حدث كان حالة من حالات حسن النية التي انحرفت عن مسارها. وقامت "غوغل" فوراً بإلغاء خاصية توليد الصور للأشخاص في برنامج "جيميناي"، وصدرت أوامر من بيتشاي بإعادة بناء التطبيق من جديد. ويوضح: "نحن نعيد تدريب هذه النماذج من الألف إلى الياء، حتى نتأكد أيضاً من تحسين المنتج. وما أن يصبح جاهزاً سنقوم بطرحه على الناس". وتوقع إعادة توفير هذه الخاصية في غضون أسابيع قليلة.

خدمات البحث على الإنترنت

ومع ذلك، مازال الغموض يحيط بمستقبل خدمة البحث على الإنترنت، وإمكانية استمرار هيمنة "غوغل" على هذا المجال. في الأسبوع المقبل، سيطرح بيتشاي رؤيته لمستقبل الشركة في مؤتمر "غوغل" (Google I/O)، وهو مؤتمر المطورين السنوي الذي تعقده الشركة. ولكن في مقابلته مع برنامج "ذا سيركيت"، أعطانا نبذة عامة عن تلك الرؤية.

هل نقترب من نهاية تلك "الروابط الزرقاء العشرة"، كما تنبأ بعض النقاد، لأن النتائج التي ترجع من المحادثة مع "تشات جي بي تي" و"كلود" من شركة "أنثروبيك" وغيرهما من روبوتات الدردشة الآلية تصبح أكثر شيوعاً؟ يقول بيتشاي إن أفضل شكل من أشكال البحث سيتضمن مزيجاً من الإجابات السردية وروابط لمواقع إلكترونية أخرى للسماح بمزيد من الاستكشاف.

يوضح بيتشاي: "ابني مصاب بداء البطن، لذلك قمنا بسؤال سريع عن أشياء خالية من الغلوتين". وغالباً ما يؤدي البحث عن استفسار واحد إلى "مزيد من الأشياء التي يجب الاستفسار عنها، ومن ثم ترغب في استكشاف المزيد". مضيفاً أن تلبية مجموعة متنوعة من احتياجات الباحث هو ما يجعل "غوغل" فريداً بين أقرانه.

إجراء البحث بطريقة صحيحة ضروري لمستقبل "غوغل"، نظراً لأن الإعلانات التي توضع بين نتائج البحث هي التي تقود إيرادات سنوية قيمتها 300 مليار دولار لشركة "ألفابت". ويوضح بيتشاي قائلاً: "لقد اكتشفنا دائماً أن الناس يريدون اختيارات متعددة، بما في ذلك في المجالات التجارية، وهذه حاجة أساسية. ونحن نجري تجارب واختبارات على الإعلانات، وتظهر البيانات التي نراها أن تلك المبادئ الأساسية ستظل صحيحة".

كذلك فإن نشاط البحث هو محور دعوى قضائية لافتة تتعلق بمكافحة الاحتكار، تتهم فيها وزارة العدل الأميركية شركة "غوغل" بإساءة استخدام قوتها في السوق للحفاظ على احتكارها بشكل غير قانوني لنشاط البحث على الإنترنت والإعلانات المرتبطة به. ومن المتوقع أن يصدر قاضٍ فيدرالي حكماً في هذه القضية في وقت لاحق من هذا العام، وقد يكون لقراره عواقب كبيرة جداً على نشاط شركة "ألفابت" وغيرها.

ولكن إذا كان بيتشاي يشعر بالقلق إزاء خطر تفتيت شركة "ألفابت"، فإنه لا يُظهر ذلك. ويقول: "يحاول الناس حل المشاكل في حياتهم اليومية. إن الكثير من منتجاتنا تتكامل بطريقة تقدم قيمة لمستخدمينا"، موضحاً أن الطريقة التي تتعامل بها "غوغل" مع الذكاء الاصطناعي "تشجع الابتكار، وتضيف فرصاً للاختيار في السوق. وهذه هي الطريقة التي أفكر بها في الأمر".

تصنيف محتوى الذكاء الاصطناعي

في الوقت نفسه، هناك كثير من العقبات التي سيتعين على "غوغل" اجتيازها للوصول إلى مستقبل الذكاء الاصطناعي. ذلك أن قدراً كبيراً ومتزايداً من المحتوى الذي يتم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي يظهر على الإنترنت، وسوف يتعين على جميع محركات البحث معرفة كيفية تتبعه وتصنيفه وإظهاره للمستخدمين، أو حجبه.

على سبيل المثال، في العام الماضي، جعلت خوارزميات "غوغل" صورة "سيلفي" من إنتاج الذكاء الاصطناعي عن غير قصد هي الصورة الأولى لعمليات البحث عن "رجل الدبابة"، وهو الرجل الصيني الذي وقف أمام الدبابات في ميدان تيانانمن في عام 1989. أزالت "غوغل" تلك الصورة من الرسم البياني المعرفي (Knowledge Graph) ولوحات المعرفة (Knowledge Panels) الخاصة بها، ولكن ليس قبل أن تمنح الناس للحظات تحريفاً جديداً للتاريخ.

يقول بيتشاي: "التحدي الذي يواجه الجميع هو كيف يكون لديك فكرة عما هو موضوعي وحقيقي في عالم سيشهد كثيراً من المحتوى الاصطناعي؟ وهو التحدي الذي يمثل فرصة أيضاً". ويستطرد: "أعتقد أن هذا جزء مما سيحدد ماهية البحث على الإنترنت في العقد القادم".

يتطور الذكاء الاصطناعي التوليدي بسرعة كبيرة حتى أن النماذج اللغوية الكبيرة التي تستمد المعلومات من الإنترنت ستنفد قريباً من المحتوى الذي تتغذى عليه. سيؤدي ذلك إلى وضع تتجه فيه هذه النماذج إلى البيانات التي يولدها الذكاء الاصطناعي للتدريب عليها.

ومع ذلك، يقول بيتشاي إن هناك طرقاً يمكن أن تؤدي فيها النماذج التي يتم تدريبها على البيانات الاصطناعية إلى اختراقات بحثية مفيدة. على سبيل المثال، قامت "غوغل" بتصميم "ألفا غو" (AlphaGo)، وهو نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بها الذي تم تدريبه على إتقان لعبة "غو" اليابانية، وفعلت ذلك جزئياً من خلال السماح لبرامج الكمبيوتر باللعب مع بعضها البعض. ويوضح بيتشاي: "في هذا المجال، نسمي هذا اللعب الذاتي. ومع مرور الوقت، تنشأ تلك الفكرة المتعلقة بإمكانية أن تدفع النماذج إلى إنشاء مخرجات تستخدمها نماذج أخرى في التعلم؟ هذه كلها مجالات للبحث والدراسة في الوقت الحالي".

شكوك داخل صفوف "غوغل"

وسط كل هذه التحديات الاستراتيجية التي تواجهها شركة "ألفابت"، يواجه بيتشاي أيضاً بعض الشكوك من داخل صفوف "غوغل". فقد انتقد الموظفون الحاليون والسابقون أسلوبه في القيادة باعتباره أسلوباً يغالي في الحذر ومبنياً على الإجماع، مشيرين إلى أن ذلك كان سبباً في تنازل "غوغل" عن الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي لصالح تطبيق "تشات جي بي تي"، على الأقل في البداية.

يرد بيتشاي على ذلك قائلاً: "أعتقد أن الواقع مختلف تماماً. وأعتقد أنه كلما كان حجم الشركة أكبر، انخفض عدد القرارات وليدة الظروف، ولكن يجب أن تكون واضحة ويجب أن توجه الشركة بأكملها إلى ذلك". ويؤكد على أهمية بناء توافق في الآراء لأن "هذا هو ما يتيح لك تحقيق أقصى قدر من التأثير من وراء تلك القرارات".

اتخذ بيتشاي مؤخراً عدة إجراءات لتحسين أداء الشركة للتركيز بشكل أكبر على الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تسريح عدد من الموظفين. وأجرت "ألفابت" عدة جولات من تسريح العاملين في أقسامها المختلفة، ومنها قسم الأجهزة والهندسة وفريق مساعد "غوغل".

في الشهر الماضي، فصلت "غوغل" أيضاً عشرات المهندسين الذين احتجوا على عقد الشركة لخدمات الحوسبة السحابية مع الحكومة الإسرائيلية، فيما وصفه بيتشاي بأنه تعطيل غير مقبول للأنشطة اليومية. وقال: "الموضوع ليس له علاقة بالقضية التي يناقشونها. بل يتعلق بسلوكهم في التعامل معه. ففيما يخص الذكاء الاصطناعي في هذه اللحظة، أرى أن الفرصة التي أمامنا هائلة، لكنها تحتاج إلى تركيز حقيقي على مهمتنا".

المعركة مع "مايكروسوفت"

تقدمت شركة "مايكروسوفت"، باستثماراتها الكبيرة في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة مثل "أوبن إيه آي" و"إنفليكشن" و"ميسترال إيه آي"، بوصفها المنافسة الكبرى لشركة "ألفابت" في أكثر دورات التكنولوجيا جنوناً منذ طفرة الدوت كوم. تتنافس الشركتان على الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي، وهما تدركان أن هذه التكنولوجيا شديدة الأهمية بالنسبة إلى مستقبل البحث على الإنترنت، وهو بدوره ضروري جداً بالنسبة لمستقبل الذكاء الاصطناعي.

كان لدى الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت" ساتيا ناديلا بعض الكلمات الصدامية تجاه "غوغل" أيضاً. فخلال قضية مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة، شهد ناديلا بأن صفقات "غوغل" الحصرية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات مع شركات مثل "أبل"، تسببت بالضرورة في حجب واستبعاد محرك "بينغ" الخاص بـ"مايكروسوفت". وقال ناديلا إن "غوغل" استطاعت تحسين محرك البحث الخاص بها لأنها تستبقل استفسارات أكثر من المستخدمين، والتي بدورها تؤدي إلى نتائج أفضل في أعمال البحث على الويب، وذلك لأن محرك "غوغل" هو محرك البحث الافتراضي على الهواتف الذكية وبرامج التصفح.

في الوقت نفسه، يقول بيتشاي إنه يحاول الحفاظ على تركيزه وعلى ألا "يرقص على أنغام شخص آخر"، (أي لا يسمح لشخص آخر بتوجيه قراراته وأفعاله).

ويختتم بيتشاي قائلاً: "يميل الناس إلى التركيز على هذه اللحظة الصغيرة، ولكنها صغيرة جداً في سياق ما هو قادم. عندما أنظر إلى الفرص التي تنتظرنا، في كل ما نقوم به، فإنني أعلق الكثير من الرهانات على (غوغل)، على الأقل من وجهة نظري".

تصنيفات

قصص قد تهمك