تتراوح المشاهد المنتشرة في دولة الإمارات العربية المتحدة هذا الأسبوع بين السريالية إلى المروعة، فهناك سيارات "رولز رويس" و"أستون مارتن" تطفو في مياه الفيضانات، وطائرة تسير على مدرج أشبه بالبحيرة، وأثاث يتطاير من شرفة شقة شاهقة الارتفاع. لكن إلقاء اللوم على تغير الطقس في الأمطار الغزيرة التي وقعت يوم الثلاثاء، والتي تسببت في فيضانات مفاجئة وأودت بحياة 18 شخصاً على الأقل في عمان المجاورة، على الأرجح أمر خاطئ.
تشير التقارير إلى أن الأمطار هطلت على دبي بمعدل يقترب من ست بوصات (15.2 سم) خلال 24 ساعة، أي ما يعادل نحو عام ونصف من متوسط هطول الأمطار السنوي في الإمارة. ومن شأن هطول الأمطار مرة واحدة كل 100 عام في المنطقة، مما يعني طقساً احتمالية حدوثه تبلغ 1% كل عام، أن ينتج نحو 2.4 بوصة في اليوم. بالتالي فإن ما حدث هذا الأسبوع كان أكثر من ضعف كمية الأمطار المتوقعة.
من السهل نسبياً تفسير أسباب الفيضانات، فعادة ما تظهر نقاط ضعف في المجتمعات قبل أن يصبح الطقس سيئاً. وباعتبارها منطقة جافة في الغالب مع أمطار متقطعة في أشهر الشتاء، فإن الشرق الأوسط لم يصمم مدنه لتحمل الأمطار الغزيرة. عندما كنت في دبي لحضور قمة المناخ "كوب 28"، شعرت وكأنني في غابة خرسانية ذات طرق سريعة إسفلتية ضخمة ومبانٍ زجاجية شاسعة وساحات مرصوفة. وبالنظر إلى وفرة الأسطح غير المنفذة للماء والصرف غير الكافي، لم يكن هناك مكان لتصريف كل تلك الأمطار.
أسباب غزارة الأمطار
لكن ما الذي أدى إلى غزارة الأمطار؟ تعتقد "بلومبرغ نيوز" أن هناك علاقة بين هطول الأمطار وجهود الإمارات في تلقيح السحب، والتي بدأت في 2002 كمحاولة لمعالجة قضايا الأمن المائي. ولزيادة منسوب الأمطار، تُحفز السحب عبر حقنها بجزيئات الملح أثناء الطقس الدافئ، بهدف تشكيل قطرات أكبر تؤدي في النهاية إلى هطول الأمطار. وقال أحمد حبيب، خبير الأرصاد الجوية، إن طائرات التلقيح أُرسلت يومي الإثنين والثلاثاء للاستفادة من تكوينات السحب الواعدة. ونفى المركز الوطني للأرصاد الجوية (NCM) لاحقاً تنفيذه تقنيات تعديل الطقس قبل حدوث العواصف.
تتمتع تكنولوجيا تعديل الطقس بطابع من الغموض. فحينما قالت الصين، التي استثمرت مليارات في الأساليب المتقدمة للتحكم في الطقس، إنها طهرت السماء استعداداً لمراسم أولمبياد بكين 2008 من خلال إجبار الأمطار على الهطول مبكراً، لم يشكك كثيرون في ذلك. لكن رغم استثمار مبالغ هائلة بهذه التقنية، هناك جدل حول مدى فعاليتها.
وفي دراسة تُعرف بـ"SNOWIE"، أثبت باحثون في جامعة كولورادو والمركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي أن تلقيح السحب في الطقس البارد باستخدام يوديد الفضة قد يُحفز هطول ثلوج إضافية. لكن الآليات وعوامل التحفيز والسحب مختلفة تماماً عند محاولة إنتاج الأمطار في الطقس الدافئ.
تلقيح السحب لا يحفز المطر من العدم
يمكن أن يعزز تلقيح السحب مستوى الرطوبة الموجودة بالفعل في السماء، لكن لا يمكنه تحفيز المطر من العدم. ويقول مسؤولون إماراتيون إن هذه التقنية قد تزيد معدلات هطول الأمطار بنسبة تتراوح بين 10% إلى 30% سنوياً، مما يعني أنه حتى لو حدث هذا الأمر في بداية هذا الأسبوع، فمن المفترض هطول كمية هائلة من الأمطار على أي حال.
وبدلا من ذلك، قالت فريدريكه أوتو، عالمة المناخ وكبيرة المحاضرين في معهد جرانثام لبحوث تغير المناخ والبيئة التابع لكلية إمبريال كوليدج لندن، في بيان أُرسل لي بالبريد الإلكتروني، إنه "عندما نتحدث عن غزارة الأمطار، نحتاج للحديث عن تغير المناخ".
يمكن للجو الأكثر دفئاً أن يحمل مزيداً من المياه، وهذا يعني أن هطول الأمطار حول العالم أصبح أكثر غزارة، بالتالي فإن الشرق الأوسط ليس استثناءً. ووجدت دراسة نُشرت في "مراجعات الجيوفيزياء" (Review of Geophysics) خلال 2022 أن انبعاثات الغازات الدفيئة لا تؤدي إلى موجات حر أكثر شدة وجفافاً في المنطقة فحسب، بل أيضاً إلى هطول أمطار غزيرة أقوى، حيث يُتوقع أن تشهد المناطق شبه القاحلة والقاحلة زيادة بنسبة 5% إلى 10% في شدة هطول الأمطار التي تحدث مرة كل 30 عاماً بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين إذا واصلت الانبعاثات الارتفاع.
كذلك، أشارت دراسة أجراها علماء في المركز الوطني للأرصاد الجوية ونُشرت العام الجاري، إلى أن الهطول السنوي للأمطار في الإمارات سيزداد بنسبة 30% في جميع أنحاء الدولة، مع تزايد وتيرة هطول الأمطار الغزيرة.
لذا، فمن المحتمل أن الدمار الذي حدث هذا الأسبوع ليس نتيجة محاولتنا للعب بالطقس، بل ينبع بدلاً من ذلك من ابتكار بشري آخر، وهو تغير المناخ.