بلومبرغ
بعد ستة أشهر من توجيه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، ضربة قاصمة، لأعمال الهواتف الذكية لشركة "هواوي"، يتجه عملاق الاتصالات الصيني إلى بدائل أقل بريقاً، من أجل تعويض التراجع في أكبر القطاعات المساهمة في إيرادات الشركة.
فمن بين أحدث عملاء الشركة، مزرعة أسماك في شرق الصين، تبلغ مساحتها ضِعف مساحة حديقة سنترال بارك الواقعة نيويورك، وذلك لأنَّ هذه المزرعة مغطاة بعشرات الآلاف من الألواح الشمسية المجهَّزة بعواكس "هواوي" الكهربائية، المخصَّصة لحماية أسماك هذه المزرعة من أشعة الشمس الزائدة أثناء توليد الطاقة.
وعلى بعد حوالي 370 ميلاً إلى الغرب في مقاطعة شانشي الغنية بالفحم، تراقب أجهزة الاستشعار اللاسلكية، والكاميرات الموجودة في أعماق الأرض مستويات الأكسجين، وأعطال الآلة المحتملة في حفرة المنجم - وكلها مزوَّدة من قبل عملاق التكنولوجيا.
وستظهر في الشهر المقبل، سيارة كهربائية جديدة لامعة تتميَّز بمستشعر (ليدار) لأوَّل مرة في أكبر معرض سيارات في الصين.
يذكر أنَّ هذه الشركة الصينية التي كانت ذات يوم أكبر شركة لتصنيع الهواتف الذكية في العالم، قد تعرَّضت لسلسلة من العقوبات الأمريكية تقضي تقريباً على أعمالها الاستهلاكية المربحة.
ومع استمرار الضغط على شركة "هواوي" من قبل إدارة "بايدن"، قام مؤسس الشركة الملياردير "رن تشنغ فاي" بتوجيه شركته لتوسيع قائمة عملائها لتشمل مشاريع في مجالات النقل، والتصنيع، والزراعة، والصناعات الأخرى.
محاولات البقاء على قيد الحياة
وتعدُّ "هواوي" مورداً رائداً للعواكس الكهربائية في العالم، وهي الآن تعوِّل على زيادة هذه المبيعات إلى جانب خدماتها السحابية، وحلول تحليلات البيانات لمساعدة 190 ألف موظف على البقاء في وظائفهم.
وفي هذا السياق قال "رن"، الشهر الماضي، عند افتتاح مختبر ابتكار تعدين مموِّل جزئياً من قبل "هواوي": "في الوقت الحالي، من المستبعد أن تقوم الولايات المتحدة بشطب "هواوي" من القائمة السوداء للكيانات، نحن نريد فقط العمل بجدية أكبر، ومواصلة البحث عن فرص جديدة للبقاء على قيد الحياة".
وقال "رن"، إنَّ المبادرات الجديدة قد تعوِّض الانخفاض في أعمال الهواتف المحمولة، "بصورة أو بأخرى خلال هذا العام"، على الرغم من رفض الشركة تقديم أرقام محددة.
وكانت وحدة "هواوي" الاستهلاكية قد حقَّقت عائدات بقيمة 256 مليار يوان (39 مليار دولار) في الأشهر الستة الأولى من عام 2020، أي أكثر من نصف إجمالي إيرادات الشركة.
وتمكَّنت الشركة من تحقيق "نمو هامشي" في المبيعات والأرباح في العام الماضي، بفضل الطلبات القياسية على محطَّات الجيل الخامس (G5) الأساسية، والمبيعات القوية للهواتف الذكية في النصف الأول.
ومنذ سنوات، تستكشف "هواوي" فرصاً تجارية تتجاوز معدَّات الاتصالات والهواتف الذكية ، لكن هذه الجهود اتخذت طابعاً عاجلاً جديداً بعد أن تراجعت شحنات الهواتف %42 في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2020، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى أمر صادر في عهد "ترمب" قطع به قدرتها على الحصول على أشباه الموصلات الأكثر تقدُّماً.
التضيق مستمر في عهد "بايدن"
يذكر أنَّ إدارة "بايدن" أبلغت أيضاً بعض المورِّدين بشروطها الأكثر صرامة على تراخيص التصدير المعتمدة مسبقاً، وحظرت استخدام معدَّات هواوي في شبكات الجيل الخامس، وفقاً لأشخاص مطَّلعين على هذه الخطوة.
ولقد كان للحظر الأمريكي تأثير محدود على الأعمال الناشئة لشركة "هواوي"، فمعظم المكونات المطلوبة متوفرة من قبل المورِّدين الصينيين، وذلك وفقاً لمصدر مشارك بشكل مباشر في مبادرة الشركة.
ولتلبية الطلب المتزايد من المقاولين بما في ذلك "هواوي"، يسعى المورِّدون المحليون للحصول على أداء أفضل من قبل التقنيات الناضجة التي لم تحظرها واشنطن، كما قال المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته بحكم أنَّ هذه المناقشات لا تزال داخلية.
ومن الجدير بالذكر أنَّ الرقائق الأكثر تقدُّماً في العواكس الكهربائية لـ"هواوي"، تلك المستخدمة في تحويل الطاقة الكهربائية من الألواح الشمسية، تعتمد على تقنية 28 نانومتر، التي باستطاعة الشركات الصينية تصنيعها.
في حين يمكن تصنيع المكونات الأخرى، مثل وحدات الطاقة، باستخدام تقنية 90 نانومتر أو تقنية أقدم. وتعدُّ كلٌّ من شركة "يانغتشو يانغجي تكنولوجيز" (Yangzhou Yangjie Electronic Technology Co)، وشركة "تشاينا ريسورسيس مايكروالكترونكس" (China Resources Microelectronics Ltd) من بين أكبر منتجي الصمام الثنائي للطاقة في الصين.
ويمكن بيع كل عاكس كهربائي - وهو أكبر قليلاً من الوحدة الخارجية لمكيف الهواء المركزي - بأكثر من 20 ألف يوان، أي أكثر من أحدث هواتف هواوي المتطورة "ميت اكس2" القابلة للطي.
وتخطِّط الشركة لطرح المزيد من محوِّلات الطاقة الكهروضوئية، إذ تدفع بكين للحدِّ من انبعاثات كربون، والاستثمار في الطاقة المتجددة مع حلول عام 2030 في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وعلى غرار أعمالها في مجال العاكس الكهربائي، تعدُّ الرقائق المطلوبة لأنظمة السيارات في "هواوي" أقل تعقيداً من معالجات الهواتف المحمولة، ويمكن الحصول عليها جزئياً من مورِّدين أوروبيين، وفقاً لما ذكره شخص مطَّلع على الأمر.
وسمح ذلك لـ"هواوي" بمضاعفة دورها في صناعة السيارات، ونقل المهندسين من وحدات الأعمال الأخرى للعمل على أجهزة استشعار للسيارات ذاتية القيادة، ووحدات الطاقة للسيارات الكهربائية.
وفي حين كانت الشركة قد نفت أنَّها تخطط لإطلاق مركبات كهربائية تحت علامتها التجارية الخاصة، عملت "هواوي" مع العديد من الشركات المصنِّعة لاختبار تقنيات القيادة الذاتية، والتفاعل بين السائق والسيارات.
ويمكن العثور على ميزات الترفيه التي تنتجها "هواوي" في سيارات سيدان "مرسيدس-بنز"، وقد تعاونت الشركة مع صانعي السيارات الكهربائية المحليين مثل "بايك بلو بارك نيو إنيرجي تكنولوجي" (BAIC BluePark New Energy Technology) لتطوير أنظمة السيارات الذكية.
وسيتمُّ الكشف عن النموذج الأول في إطار شراكتها مع صانع السيارات الكهربائية الصيني "أركفوكس أ إس إتش بي تي" (Arcfox αS HBT) في معرض شنغهاي للسيارات 2021 في أبريل.
نشر تقنيات الجيل الخامس في الصين
وتضمَّنت مبادرة أخرى للشركة أطلق عليها اسم (5GtoB) قيام "هواوي" بنشر تقنية الجيل الخامس في مجالات تتراوح من الرعاية الصحية إلى تصنيع الطائرات، فقد ساعدت الشركة الصين في بناء أكبر شبكة للجيل الخامس، وزوَّدت أكثر من نصف الـ 720 ألف محطة التي تعمل في جميع أنحاء البلاد.
وتسعى الشركة الآن إلى استخدام اتصال الجيل الخامس في البلاد لمساعدة الشركات المتضررة من الوباء على جعل خطوط المصانع أوتوماتيكية، لتنضمَّ بذلك إلى شركات التكنولوجيا العملاقة مثل "شاومي" (Xiaomi Corp)، ومجموعة "علي بابا" في جهود تحديث التصنيع، ورقمنة الصناعات التي تتطلَّب عمالة كثيفة مثل التعدين.
وكانت شركة "هواوي" قد وقَّعت أكثر من ألف صفقة (5GtoB) -نشر تقنية الجيل الخامس- في أكثر من 20 قطاعاً بمساعدة شركات الاتصالات والشركاء، وفقاً لرئيس مجلس الإدارة بالتناوب "كين هو".
وقال "هو"، إنَّ التعليم عبر الإنترنت، والترفيه، والنقل من بين القطاعات التي تخطِّط "هواوي" لاستكشافها.
وفي يناير الماضي، أعطت الشركة قيصر الهواتف الذكية "ريتشارد يو" دوراً جديداً ليشرف على أعمال تقنية السحابة، والذكاء الاصطناعي سريعة النمو.
وحول تقنية الجيل الخامس قال "ليو ليهونغ"، وهو نائب وزير الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، في حدث صناعي في شنغهاي الشهر الماضي: "أصبح اعتماد الجيل الخامس في التعدين، والخدمات الطبية، والتصنيع أكثر وضوحاً، ويتمُّ استخدام هذه التقنية في بعض التطبيقات على الصعيد الوطني".
ويشار إلى أنَّ الرئيس التنفيذي "رن" يقود شخصياً توسُّع الشركة في التعدين، ويلتقي بالمسؤولين المحليين، ويفحص حفر الفحم في مقاطعة شانشي.
وقال الملياردير الصيني للصحفيين الشهر الماضي: "معظم شركات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لم تفكر في التعدين على أنَّه مجال يمكنهم من خلاله تحقيق اختراقات في السوق، لكنَّنا فعلنا ذلك".
وأضاف شارحاً: "لدى الصين حوالي 5300 منجم فحم، و2700 منجم خام، إذا تمكَّنَّا من خدمة هذه المناجم التي تزيد عن 8 آلاف مناجم بشكل جيد، يمكننا عندها توسيع خدماتنا لتشمل المناجم الواقعة خارج الصين".
غموض مستقبل "هواوي"
وفي حين أنَّ مراهنة "هواوي" على أنَّ العاكسات الكهربائية، وحلول التعدين الإلكترونية، وبرامج السيارات الذكية قد تعوِّضها تراجع إيرادات الهواتف الذكية، إلا أنَّ مستقبلها على المدى الطويل - وقدرتها على الاستمرار في دعم انتشار الجيل الخامس في الصين - لا يزال غير واضح.
ويذكر أنَّ شركة "هايسيليكون"(HiSilicon) الفرعية التابعة لـ"هواوي" هي المصمم الأكثر قدرة في البلاد لصناعة أطقم الرقائق، إذ تصنع المعالجات المتطوِّرة التي تعمل على تشغيل الهواتف الذكية، والمحطات الأساسية اللاسلكية لـ"هواوي"، ذلك قبل أن تقطع واشنطن إمكانية الوصول إلى أحدث برامج تصميم الرقائق، وشركات التصنيع التعاقدي، مثل: شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة" (Taiwan Semiconductor Manufacturing Co).
وفي الوقت الحالي، أخبرت الشركة عملاءها اللاسلكيين أنَّ لديها ما يكفي من رقائق الاتصالات لدعم إنشاءات المحطات الأساسية في عام 2021.
لكن من غير الواضح إلى متى يمكن أن تستمر هذه المخزونات، وما هي الخيارات التي تمتلكها "هواوي" عند نفاذ هذه المخزونات في نهاية المطاف؟.
من جهته، يقول "تشارلي داي"، المحلل الرئيسي في شركة "فورستر للأبحاث": "ألقت الخلافات السياسية المستمرة بظلالها على العمليات التجارية لـ"هواوي"، والشركات الصينية الأخرى على مدى المستقبل المنظور".
وأضاف أنَّ "الاستثمار الاستراتيجي في التقنيات الناشئة يشكِّل مفتاح نمو أعمال "هواوي" المستدام".