بلومبرغ
مع توفر الكثير من المعلومات بلمسة لوحة مفاتيح أو شاشة، أصبح من السهل أكثر من أي وقت مضى أخذ عمل الآخرين وتمريره على أنه عملك الخاص. تصدرت السرقة الأدبية، كما تُعرف أيضاً بالانتهاك الفكري، معركة ثقافية تضم شخصيات بارزة في الأوساط الأكاديمية والمالية والسياسية الأميركية. وتوفر أدوات الذكاء الاصطناعي فرصاً جديدة لإعادة استخدام العمل الذي أنجزه الآخرون، لكنها قد توفر أيضاً طرقاً جديدة لاكتشاف متى قام شخص ما بذلك.
1. ما هي السرقة الأدبية؟
غالباً ما تستخدم الكلمة للإشارة إلى المواد المكتوبة غير المقيدة بشكل كافٍ، لكنها تنطبق أيضاً على الصور والفيديو والموسيقى. في المواد المكتوبة، تشمل السرقة الأدبية نسخ كلمات شخص آخر حرفياً دون ذكر المصدر، والفشل في وضع علامة على الاقتباسات المباشرة وحتى استنساخ تركيبة جملة شخص ما. تقول سياسة وكالة "أسوشيتد برس" (Associated Press) التي تحظر السرقة إن على مراسليها "استخدام المحتوى الأصلي واللغة والصياغة".
الذكاء الاصطناعي يلتهم واجباتي المدرسية وعملي المدرسي أيضاً
كما توصي بعض الجامعات باستخدام ما لا يزيد عن ثلاث كلمات متتالية - دون احتساب أدوات الربط وحروف العطف- من مصدر آخر دون ذكر المصدر. بينما توصي الجامعات الأخرى بخمس كلمات. تميل معايير الانتحال في الأوساط الأكاديمية إلى التشديد على نسب الفضل إلى الأفكار وكذلك الكلمات المأخوذة من الآخرين.
2. لماذا تتصدر السرقة الأدبية عناوين الأخبار؟
استقالت كلودين غاي من منصب رئيسة جامعة هارفارد في 2 يناير بعد اتهامها بالسرقة الأدبية، حيث خضعت دراستها السابقة، التي تركز على أهمية شغل مناصب الأقليات في السياسة الأميركية، للتدقيق من قبل نشطاء محافظين بعد أن تعرضت لانتقادات بسبب شهادتها القانونية أمام الكونغرس حول "معاداة السامية" في الحرم الجامعي.
هل استعددنا لتأثير الذكاء الاصطناعي على مرحلة الطفولة؟
اعترفت "غاي" بذلك، وقالت: "وردت في كتاباتي الأكاديمية بعض المواد حيث كُررت لغة علماء آخرين، دون إسناد مناسب"، لكنها وصفت استقالتها القسرية بأنها "مجرد مناوشة واحدة في حرب أوسع لتفكيك الثقة العامة في ركائز المجتمع الأميركي". كان بيل أكمان - مدير صندوق التحوط - والملياردير الذي تخرج من جامعة هارفارد وكان مانحاً رئيسياً للجامعة- أبرز منتقدي "غاي". بعد يومين من تنحي "غاي"، ذكرت "بزنس إنسايدر" (Business Insider) أن زوجة "أكمان"، نيري أوكسمان، قد سرقت فقرات متعددة في أطروحة الدكتوراه لعام 2010 في معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا (Massachusetts Institute of Technology)، واعترفت بهذه الزلة وقدمت اعتذارها. كما اتُهمت النائبة الأميركية إليز ستيفانيك، وهي من الجمهوريين عن ولاية نيويورك - ومن أبرز منتقدي غاي- بسرقة عمل زميل لها خلال رسالة أرسلتها تحث فيها "غاي" ورئيسي جامعات أخرى على الاستقالة.
3. ما هي تداعيات السرقة الأدبية؟
تعتمد تداعيات السرقة الأدبية على الوضع ومدى خطورتها وتأثيرها. فلا تعتبر السرقة جريمة جنائية في الولايات المتحدة، لكن يمكن لمالكي حقوق الطبع والنشر والعلامات التجارية مقاضاة أولئك الذين يستخدمون عملهم دون إذن. أما في حرم الجامعات، حيث تعتبر السرقة الأدبية جريمة خطيرة، تختلف السياسات المتبعة، حيث يمكن أن تتراوح العقوبات المفروضة على الطلاب الذين يتم الإمساك بهم بشكل غير صحيح وهم يستخدمون عمل أشخاص آخرين من خفض درجاتهم الدراسية (عند الاستشهاد بمصدر دون وضع علامات الاقتباس) وصولاً إلى الطرد (عند تقديم الطالب عمل شخص آخر باسمه).
حتى بعد انتهاء الوباء.. تطبيق "زووم" يدخل في صميم النماذج التعليمية
أما خارج الأوساط الأكاديمية، تسببت السرقة الأدبية في الإضرار بسمعة الشخص. على سبيل المثال لا الحصر، تعرضت ميلانيا ترمب لانتقادات واسعة عندما استخدمت كلمات السيدة الأولى ميشيل أوباما في خطاب خلال حملة زوجها دونالد الرئاسية لعام 2016. وقامت صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) بإصلاح سياسات إعداد التقارير والتحرير في عام 2003 بعد أن أُمسك بالصحفي جيسون بلير، وهو يكتب كلمات أخذها من صحف أخرى. كما استقالت المؤرخة دوريس كيرنز غودوين من منصب لجنة تحكيم جائزة "بوليتزر" (Pulitzer) في عام 2002 بعد أن اعترفت باستخدام أجزاء من مواد لمؤلفين آخرين بالخطأ. وخرج أول ترشح لجو بايدن للرئاسة عن مساره في عام 1987 بعد أن أُمسك به وهو يسرق مقاطع من سياسيين آخرين، واعترف بسرقة مقال مراجعة القانون في كلية الحقوق.
4. هل تأخذ السرقة الأدبية في التوسع؟
هذا الأمر ليس واضحاً بعد. ففي استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث (Pew Research Center) عام 2011 لرؤساء الجامعات، أشار أكثر من نصف المشاركين إلى ارتفاع نسبة السرقة الأدبية من قبل طلابهم خلال العقد الماضي، حيث ألقى 89% منهم باللوم على الإنترنت.
ماذا تعرف عن تكنولوجيا روبوتات الدردشة؟
لكن توصلت دراسة أُجريت عام 2019، قارنت بين أربعة استطلاعات للطلاب الذين تم فصلهم عن خمس سنوات في جامعة واحدة، إلى تراجع نسبة السرقة الأدبية المبلغ عنها، حيث استقرت من 2014 إلى 2019. ويعتبر النقاش مطروحاً حول ما إذا كان التحول إلى التعلم عبر الإنترنت خلال جائحة كوفيد-19 قد رفع معدلات السرقة الأدبية. أشارت شركة "كوبي ليكس" (CopyLeaks)، وهي شركة تصنع برامج الكشف عن السرقة، في تقرير عام 2022 إلى ارتفاع السرقة الأدبية بنسبة 126% في الولايات المتحدة، و124% في فرنسا خلال الأشهر الـ12 التي بدأت في أبريل 2020 مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة لها. كما توصلت دراسة أُجريت للطلاب في الولايات المتحدة ورومانيا إلى أنه على الرغم من ارتفاع معدلات الغش في الاختبارات مع التحول إلى التعلم عبر الإنترنت، إلا أنه قد لا يكون الحال نفسه بالنسبة إلى السرقة الأدبية.
5. ما هو دور الذكاء الاصطناعي في السرقة الأدبية؟
تقوم خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل "تشات جي بي تي" بإنشاء الصور ومقاطع الفيديو والنصوص والمحتويات الأخرى عن طريق استيعاب كميات هائلة من المواد من مختلف أنحاء الإنترنت واستخدامها كدليل لإنتاج شيء جديد. تُعرف أدوات الذكاء الاصطناعي بأنها متساهلة في تسمية مصادر المواد التي تستشهد بها، ما يعرض مستخدميها لاتهامات بالسرقة الأدبية، حتى لو كانت الصياغة الدقيقة جديدة. على الرغم من أنه يُستبعد أن يكتشف المؤلفون أجزاء من كتاباتهم في جزء من المحتوى الذي تم إنشاؤه عبر أدوات الذكاء الاصطناعي إلا أنهم قد يجدون أفكارهم أو أبحاثهم. هناك أيضاً أدلة على أن ما يسمى بـ"مصانع المقالات" -التي تقدم أعمالاً مكتوبة مسبقاً للطلاب مقابل رسوم- تستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد للتعامل مع ضغط العمل وتلبية الطلب الكبير، ما يسهل إنتاجها. أصدرت العديد من الجامعات إرشادات للموظفين حول كيفية اكتشاف متى استخدم الطلاب أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "تشات جي بي تي" للقيام بالعمل المطلوب نيابة عنهم.
6. كيف يتم الكشف عن السرقة الأدبية؟
صُممت أدوات مثل "تورنيتين.كوم" (Turnitin.com)، التي أُطلقت في عام 2000، لمواجهة ما يسمى بسرقة الملفات في الأندية الطلابية أو "frat file"، حيث شارك الطلاب مقالات كاملة لإعادة استخدامها. بحثت البرامج اللاحقة عن مناطق التداخل بين النص المعني والمحتوى الموجود على الإنترنت، وهو نهج يشير إلى الاقتباسات المستشهد بها بشكل صحيح وغير صحيح على حد سواء. منذ ذلك الحين، أضافت الأدوات القدرة على مقارنة بناء الجملة والبحث عن "اللمسات" الأسلوبية. كما يمكنها التحقق من المحتوى المنسوخ من ملفات الفيديو والصوت. يشدد الخبراء الأكاديميون على أن القرارات المتعلقة بالإجراءات التأديبية يجب أن يتخذها الأشخاص الذين يُقيّمون الظروف ومدى تأثير السرقة بشكل عام، بدلاً من الاعتماد فقط على "نسبة" السرقة التي تولدها الخوارزمية.
7. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في اكتشاف السرقة الأدبية؟
نعم. في حين أن أدوات الكشف عن السرقة الأدبية التي تقارن النص بقواعد البيانات الكبيرة للمحتوى المنشور موجودة منذ سنوات عديدة، إلا أن الذكاء الاصطناعي يجعلها أكثر مصداقية. فباستخدام معالجة اللغة الطبيعية والتعلم العميق وغيرها من الأدوات، يمكن لهذه الأنظمة رصد السرقة حتى عند اقتباس اللغة الأصلية أو إعادة صياغتها أو إنشائها باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.