قد يكون مصطلح الذكاء الاصطناعي أنجح عبارات التسويق، فهل يليه "الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر" في المرتبة الثانية؟ ثمة توقع شائع بشأن مسار التقنية في 2024 مفاده أن نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر ستضاهي النماذج التي تملكها شركات مثل "تشات جي بي تي"، و"بارد" من "غوغل".
يبدو هذا واعداً لأول وهلة. إذا ما أصبح لأدوات الذكاء الاصطناعي المجانية نفس مستوى التقنية التي تقدمها الشركات المحتكرة في القطاع، سيعني ذلك أن هنالك من سيتحدى هيمنة الشركات العملاقة في ما قد تكون أكثر التقنيات ثوريةً في العالم.
لكن هناك موجب للتنويه بأن بعض نماذج الذكاء الاصطناعي الواعدة مفتوحة المصدر ليست "مفتوحة حقاً" وليست بعيدةً عن سيطرة كبريات شركات التقنية.
مفتوح المصدر حقاً؟
يُستخدم تعبير "مفتوح المصدر" وصفاً للبرمجيات المتاحة دون مقابل لأي شخص كي يطّلع عليها أو يعدّلها أو يوزعها كما يشاء. خارج مجال الذكاء الإصطناعي، لا يداني هذا النوع من الأدوات ألق ما قد تشتريه من شركات مثل "غوغل" و"أبل"، ومن أمثلة ذلك منصة التدوينات "وورد برس" (WordPress) أو برنامج تعديل الصور "جي آي إم بي" (GIMP)، مع ذلك فقد أتاح استخدام خدمات رقمية جديدة للجميع، إذ مكنت منصة "وورد برس" ملايين الشركات الصغيرة من التواجد على الإنترنت بتكلفة ضئيلة.
يبدو الآن أن الذكاء الاصطناعي يسلك ذات المسار، فهو يقدم عدداً من المشروعات مفتوحة المصدر من شركات مثل "ميسترال" (Mistral) و"هغينغ فيس" (Hugging Face) كبدائل مجانية لنماذج أنشأتها شركات الذكاء الاصطناعي الراسخة. لكن بعض أكبر تلك المشاريع تدعمها شركات التقنية العملاقة، التي أضافت قيوداً تنافي معايير المصادر المفتوحة، وقد حدّ ذلك من إتاحتها دون قيود وجعل توصيفها مضللاً إلى حد ما.
على سبيل المثال، أصدرت "ميتا بلاتفورمز" نموذج لغة كبير مفتوح المصدر اسمه "لاما 2" (Llama 2) في 2023، لكن رخصته تحظر أن يستخدمه المطورون في تدريب نماذج لغة أخرى. لدى البرامج مفتوحة المصدر محددات معينة بشأن كيفية استخدام برمجياتها، وقد تتغير هذه المحددات فيما يتعلق بالتأكد من أن البرنامج يظل مفتوح المصدر عند توزيعه. لكن فرض قيود على استخدام البرمجيات لأغراض أخرى، مثل تدريب نماذج ذكاء اصطناعي أخرى، يُعد أقل تحرراً من المعتاد.
عقبات إضافية
إن كانت شركة ناشئة تأمل بأن تحقق ما حققته "فيسبوك" أو "غوغل"، فعليها أيضاً أن تتخطى عقبات إضافية لكي تستخدم نظام "ميتا" وأن تحصل على رخصة منفصلة من الشركة إن استقطبت أكثر من 700 مليون مستخدم يومياً.
كما أن هذا النموذج ليس بنفس القدر من شفافية المشاريع مفتوحة المصدر، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالبيانات التي استخدمتها "ميتا" لتدريب "لاما 2"، وفقاً لدراسة أجراها باحثون من جامعة كارنيغي ميلون و"إيه آي ناو إنستيتيوت" (AI Now Institute) و"سيغنال فاونديشن" (Signal Foundation) في 2023. لقد توصل الباحثون إلى أن كبرى شركات التقنية كانت تستخدم مصطلح "مفتوح المصدر" كوسيلة دعاية لتحسين صورتها أمام الهيئات التنظيمية والمجتمع.
لا ينطبق التوصيف المتعارف عليه لمصطلح "مفتوح المصدر" على "لاما" كما طرحته "أوبن سورس إنيشياتيف" (Open Source Initiative)، وهي منظمة غير هادفة للربح تحدد المعايير للبرامج التي تُعتبر مفتوحة المصدر. بل إن المنظمة قالت إن استخدام "ميتا" للمصطلح خطأ، وإنها طلبت من الشركة "تصحيح هذا التعبير المضلل".
وقال متحدث باسم "ميتا" إن الشركة كانت تهدف "لمساعدة شركات ومطورين قد يكونون محدودي الموارد على أن يظلوا قادرين على الوصول إلى نماذج لغة كبيرة مثل (لاما 2)، لذا فهو متاح دون مقابل لأغلبية المستخدمين". لم يتناول المتحدث باسم الشركة أسئلة عن حدود الترخيص.
هيمنة كبرى الشركات
استُخدم مصطلح "مفتوح المصدر" بما يتجاوز معناه الحرفي فبات يبدو أن ثمة التباس واسع النطاق بشأنه. حين أطلقت "أبل" حديثاً نموذجاً للذكاء الاصطناعي اسمه "فيريت" (Ferret)، وصفته تقارير صحفية بأنه "مفتوح المصدر"، لكن رخصته تضمنت بنوداً بيّنت أنه ليس مفتوح المصدر، كما أن النموذج نفسه مخصص لأغراض بحثية فقط، وقد رفضت "أبل" التعليق على ذلك.
إذا وجّهت شركات التقنية العملاقة مشروعات الذكاء الاصطناعي "مفتوحة المصدر" نحو مصالحها التجارية، فإن ذلك سيزيد من صعوبة التنافس على الشركات الأصغر، وسيربط كثيراً منها بتقنية تتحكم فيها كبريات الشركات، وهي مشكلة ماثلة في مجال الحوسبة السحابية. تلك المحدوديات الإضافية ليست مألوفةً في الموارد مفتوحة المصدر، وقد تساعد شركات التقنية العملاقة على أن تحافظ على هيمنتها.
سيحقق الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر تقدماً كبيراً في 2024، لكنه قد يفيد كبرى شركات التقنية أيضاً بأكثر مما قد نتوقع.