لماذا تثير برامج التعرف على الوجوه مخاوف بشأن الخصوصية؟

تزايد استخدام التقنية أثار مخاوف المدافعين عن الحريات المدنية بشأن التمييز وتقييد حرية التعبير

time reading iconدقائق القراءة - 13
عرض لأحد برامج التعرف على الوجوه خلال المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي بمدينة شنغهاي  - المصدر: بلومبرغ
عرض لأحد برامج التعرف على الوجوه خلال المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي بمدينة شنغهاي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تُستخدم تقنية التعرف على الوجه لفتح هواتفنا الذكية وتسريع حركة المسافرين في المطارات والعثور على الأطفال المفقودين. مع ذلك، أثار تزايد استخدامها من قِبَل جهات إنفاذ القانون والشركات الكبرى مخاوف المدافعين عن الحريات المدنية، الذين يشعرون بالقلق إزاء فقدان الخصوصية وتقييد حرية التعبير. كما دقّت شركات التقنية الكبرى ناقوس الخطر بشأن تزايد استخدام التقنية الناشئة، إذ وصف مؤسس "أمازون"، جيف بيزوس، التقنية بأنها "نموذج مثالي للمجالات التي تفتقر إلى التنظيم".

كيف تعمل تقنية التعرف على الوجوه؟

تعمل تقنية التعرف على الوجوه عبر مسح ملامح الوجه البشري وتحليلها، مثل قياس المسافات بين العينين والأنف والفم وشكل الخدين والشفتين والأذنين. فتشكل ملامح كل شخص مجتمعةً "بصمة وجه" رقمية فريدة نوعاً ما. يمكن للتقنية تحديد هوية الشخص عبر مضاهاة صور وجهه مع الصور المنشورة على الإنترنت أو في قواعد بيانات الحكومة أو الشرطة، مثل صور السجلات الجنائية أو جوازات السفر.

لماذا تثير الجدل إلى هذا الحد؟

أصبحت برامج تقنية التعرف على الوجوه أرخص وأكثر انتشاراً. تعتمد جهات إنفاذ القانون حول العالم هذه التقنية بوتيرة متسارعة بهدف مضاهاة وجوه المشتبه بهم في الجرائم مع الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ورخص القيادة وصور السجلات الجنائية.

في هذا السياق، تُفرِط الصين في استخدام تقنية التعرف على الوجه. يمكن استخدام التقنية المثيرة للجدل كأداة لمسح الحشود الكبيرة في الوقت الفعلي بحثاً عن المجرمين. مع ذلك، حذرت منظمات الدفاع عن الحريات المدنية من مخاطر التمييز والانتهاكات الأخرى التي يمكن أن ترتكبها جهات إنفاذ القانون باستخدامها لتقنية التعرف على الوجه.

ما الاستخدامات العامة التي أثارت الانتقادات؟

تشمل أبرز الأمثلة موافقة بعض أكبر شركات التجزئة في المملكة المتحدة على السماح لشرطة العاصمة البريطانية لندن بالولوج إلى أنظمة كاميرات المراقبة الخاصة بمتاجرها، وذلك في إطار عملية جديدة فائقة التقنية للقبض على مرتكبي جرائم السرقة الكبرى بعد ارتفاع معدل جرائم السرقة بنسبة 25% هذا العام. تطابق الشرطة الصور الملتقطة عبر الكاميرات مع قاعدة بيانات السجلات الجنائية الوطنية، حيث تستغرق عملية المطابقة 60 ثانية تقريباً، وفقاً لتقرير "بي بي سي".

في مايو، اتهمت منظمة العفو الدولية إسرائيل باستخدام أنظمة التعرف على الوجه في الخليل والقدس الشرقية كأداة لفرض "قيود تعسفية على حركة" الفلسطينيين. فكان رد جيش الدفاع الإسرائيلي أنه يقوم "بالعمليات الأمنية والاستخباراتية الضرورية". أخيراً، استخدم متطوعون إسرائيليون وبعض المؤسسات الإخبارية برامج التعرف على الوجوه، بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، لتحديد هوية المسلحين والضحايا الذين سقطوا أثناء الهجوم.

ماذا عن استخدامها في القطاع الخاص؟

اعترف جيمس دولان، قطب الإعلام الذي يسيطر على حصة الأغلبية في شركة "سفير إنترتينمنت" المسؤولة عن إدارة قاعات ومسارح "ماديسون سكوير جاردن" و"راديو سيتي ميوزيك هول" في نيويورك، بأنه يستخدم برامج التعرف على الوجوه لمنع بعض محامي خصومه القانونيين من دخول المواقع الخاضعة لإدارته. بررت شبكة "إم إس جي" (MSG Network) سياساتها، فقال "دولان" لمنصة "أثليتيك" (Athletic) الإخبارية إن الشبكة "ليست كياناً حكومياً، بل شركة خاصة"، مضيفاً: "لك حق اختيار من تزوده بخدماتك بغض النظر عن طبيعتها".

كيف تستخدمها الصين؟

تتواجد كاميرات المراقبة في شوارع العديد من البلدان على نطاق واسع، لكن الصين تتفرد بربطها بقواعد بيانات ضخمة لصور وجوه مواطنيها. لقد استُخدمت أنظمة التعرف على الوجه في الصين حتى لإرسال مخالفات عبور الشارع أثناء توقف الإشارة للمشاة المتجاوزين عن بُعد. تعلقت أبرز الاتهامات الموجهة للصين بانتهاكات حقوق الإنسان في إقليم "شينجيانغ"، حيث قالت التقارير الإخبارية ومنظمات حقوق الإنسان إن مئات الآلاف من "الأويغور"، وهم أقلية عرقية مسلمة بالأساس، حُددت هوياتهم باستخدام أنظمة مسح الوجوه ثم وُضعوا في معسكرات سرية، الأمر الذي تنفيه الصين.

كما لعبت تقنية التعرف على الوجوه دوراً رئيسياً في نظام يقيد حركة مئات الملايين من الأشخاص خلال الشهور التالية لتفشي جائحة "كورونا" في البلاد. في أغسطس، أصدرت إدارة تنظيم الفضاء السيبراني في الصين مشروعاً للمبادئ التوجيهية بشأن استخدام تقنية التعرف على الوجوه، والتي نصت على أنه لا ينبغي استخدام التقنية لتحديد العرق أو الدين أو جمع الصور في الأماكن الخاصة مثل غرف الفنادق. لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه القواعد ستطبق على وكالات الأمن الحكومية.

ما مدى دقتها؟

تتميز تقنية التعرف على الوجوه بدقة كافية ليشيع استخدامها على نطاق واسع، لكنها ليست بالضرورة دقيقة بما يكفي للاعتماد عليها في أمور مثل تحديد هوية من يجب اعتقالهم. فقد وجدت الدراسات أن هذه البرامج يُحتمل أن تخطيء التعرف على النساء وذوي البشرة الداكنة بشكل خاص، ما حدا بنشطاء حقوق الإنسان للتحذير من أن الأدوات الخاطئة بيد أجهزة الأمن يمكن أن تؤدي إلى احتجاز أشخاص أبرياء.

كان ذلك أحد الأسباب وراء التصعيد ضد استخدام هذه التقنية عقب اندلاع الاحتجاجات في الولايات المتحدة في 2020 على خلفية حوادث العنف الشرطي ضد السود. لقد أدى الاعتماد على تقنية التعرف على الوجوه، القائمة على الذكاء الاصطناعي، إلى اتهام الأشخاص بجرائم لم يرتكبونها.

لكن هناك بعض المؤشرات على تحسن دقة تلك التقنية. فقد أظهرت دراسة أجراها "المختبر الفيزيائي الوطني في المملكة المتحدة"، وهي منظمة بحثية حكومية، في مارس 2023 أن دقة نظام التعرف على الوجوه المستخدم من قبل شرطة لندن شهد "تحسناً كبيراً" خلال السنوات الأخيرة. خلصت الدراسة إلى أن نتائج النظام كانت إيجابية في 89% من الحالات، بينما وجدت أن التفاوتات الجندرية والعرقية ليست ذات دلالة إحصائية. يذكر أن دراسة أخرى حول إصدارات سابقة من تطبيقات التقنية، نُشرت في فبراير 2020، كانت قد وجدت أن نسبة التعرف الإيجابي بلغت 72%.

كيف تراها شركات التقنية الكبرى؟

شجعت شركات "غوغل" و"مايكروسوفت" و"آي بي إم" و"أوبن إيه آي" المشرعين على تطبيق قوانين الرقابة الفدرالية على الذكاء الاصطناعي، معتبرين ذلك أمراً ضرورياً لضمان السلامة. كانت "مايكروسوفت" أول من طالب بوضع قواعد تنظيمية لمنع ما وصفته بأنه "سباق تجاري نحو الهاوية" في 2018. ثم حذا جيف بيزوس، المدير التنفيذي لشركة "أمازون"، حذوها في 2019 بدعوته لتنظيم استخدامات التقنية المثيرة للجدل.

ازدادت المخاوف حول استخدام جهات إنفاذ القانون لأنظمة التعرف على الوجوه في 2020، ما دفع شركات "أمازون" و"مايكروسوفت" و"آي بي إم" إلى تعليق مبيعاتها لإدارات الشرطة. في غضون ذلك، أعلنت "ميتا بلاتفورمز" أنها لن تستخدم تقنية التعرف على الوجوه لمسح الصور والفيديوهات التي يشاركها مستخدموها على "فيسبوك"، فيما تعمل على تحديد إيجابيات وسلبيات التقنية. مع ذلك، لا تزال الشركات الأخرى عاكفة على إنتاج المزيد من برامج التعرف على الوجوه.

ما المساعي التشريعية لتنظيمها؟

· اقترح الاتحاد الأوروبي قواعد جديدة تقتضي خضوع أنظمة التعرف على الوجوه المستخدمة في المواقف عالية المخاطر، مثل مراقبة الحدود أو في المدارس، للتدقيق من قبل هيئات خارجية قبل نشرها في المنطقة لضمان أنها لن تؤدي إلى التمييز. كما ينبغي إبلاغ الأشخاص المعنيين لدى استخدام هذه الأنظمة في الحالات منخفضة المخاطر مثل تحليل المشاعر والكشف عنها.

· صوّت البرلمان الأوروبي لصالح مشروع قانون يفرض حظراً شاملاً على استخدام تقنية التعرف على الوجوه في الأماكن العامة في الوقت الفعلي. مع ذلك، لا تزال القواعد المضمنة في مشروع الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي تتطلب الحصول على موافقة الدول الأعضاء لتصبح قانوناً.

· في الولايات المتحدة، قُدمت مشروعات قوانين لتقييد استخدام برامج التعرف على الوجوه في 25 ولاية ومدينة على الأقل، والتي تراوحت بين الحظر المقترح على استخدام التقنية في الوقت الفعلي في ميشيغان إلى إلزام المتاجر في فيرمونت بإبلاغ المستهلكين ما إذا كانت تستخدم أنظمة مصممة لهذا الغرض.

كما أصدرت ولاية واشنطن قانوناً مدعوماً من شركة "مايكروسوفت" يسمح باستخدام الجهات الحكومية لأنظمة التعرف على الوجوه بضوابط معينة، بما في ذلك تمكين المسؤولين من مراجعة أي قرارات توصي بها مثل تلك الأنظمة.

· أيضاً في الولايات المتحدة، ناقش أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين الرئيسيين مشروعات قوانين لتعليق اعتماد أنظمة التعرف على الوجوه من قبل الوكالات الحكومية مؤقتاً، لكن لم يشهد أي منها تقدماً يذكر.

· حظرت بضعة مدن أميركية، بما في ذلك سان فرانسيسكو وكامبريدج بولاية ماساتشوستس، استخدام الشرطة أو الجهات الحكومية لأنظمة التعرف على الوجوه بشكل كامل.

تصنيفات

قصص قد تهمك