بلومبرغ
قبل أيام اضطرُ ّبيتر بيك إلى سحق قبعة بيسبول سوداء في خلاط كهربائي، ثم وضعها في كأس مشروب "ماريتيني" وتناولها، وقال: "مذاقها سيئ. بكل صدق، مذاقها يشبه الإمساك بحفنة من المواد الكيمائية ووضعها في فمك. إنه كريه".
وكان هذا الفعل غير الطبيعي دليلاً على محاولة المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "روكيت لاب" التكفير عن عدم التزامه تعهداً سابقاً يفيد بأن شركته ستتجنب صُنع صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام وصواريخ كبيرة.
بعد ذلك، تحديداً يوم الاثنين الماضي، كشف بيك النقاب عن بدء شركته صُنع صاروخ كبير قابل لإعادة الاستخدام يسمى "نيوترون" (Neutron)، وهي الخطوة التي وضعته في منافسة مباشرة مع شركة "سبيس إكس" (SpaceX) التابعة لإيلون ماسك.
وبالإضافة إلى إطلاق صاروخ جديد، أبرمت "روكيت لاب" صفقة اندماج مع شركة "فيكتور أكويزيشن" (Vector Acquisition)، لتُطرح بذلك للاكتتاب العام من خلال شركة استحواذ ذات أغراض خاصة. ونتيجة لهذا الاندماج، ستحصل "روكيت لاب" في النهاية على 750 مليون دولار نقداً، وسيُقيَّم الكيان المندمج بقيمة 4.1 مليار دولار، وستبدأ التداول في بورصة ناسداك في الربع الثاني من عام 2021 تحت رمز (RKLB)، وذلك حال إتمام الصفقة كما هو متوقع.
وتخطط "روكيت لاب"، التي تأسست في نيوزيلندا، لاستخدام الأموال النقدية لتمويل مصنع صواريخ "نيوترون" جديد في الولايات المتحدة وإطلاق الصاروخ بحلول عام 2024.
وتبنت صناعة الفضاء التجارية نموذج شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة بحماس كبير في الأسابيع الأخيرة، إذ تأتي شركات مثل "أسترا" (Astra) و"مومنتوس" (Momentus) و"فاير فلاي إيروسبيس" (Firefly Aerospace) و"سبير جلوبال" (Spire Global)، ضمن أكثر من نصف درزينة من شركات الصواريخ والأقمار الصناعية التي طرُحَت للاكتتاب العام عبر شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة أو أعلنت عن خطط لذلك.
وبشكل عام، لم يثبت معظم الشركات كفاءته بعد، لكنها تتطلع إلى إغراء المستثمرين بآمال وأحلام بدلاً من الأرباح في هذه المرحلة، مما يجعل نموذج شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة مغرياً. ويمكن للشركات جمع رأس المال لتمويل الجهود المكلفة ذات المخاطر المرتفعة على خلفية البيانات الاستشرافية التي تمهد الطرقكافة إلى القمر.
وفي ظل أحلام اليقظة المالية العالمية، التي تتضمن أسهم "ميمز" (أسهم تلقى إقبالاً من قبل صغار المستثمرين وتتسم بطفرات سعرية عالية) و600 ألف دولار من المركبات الفضائية المدعومة من شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة و"صور جيه آي إف" (GIFS)، تبدو مهمة "روكيت لاب" شبه عادية.
فعلى مدى أعوام، كانت شركة الفضاء الأمريكية ترسل أقماراً صناعية إلى الفضاء على متن صاروخ صغير يُعرف باسم "إلكترون" (Electron) من ميناء فضائي خاص في الجزيرة الشمالية في نيوزيلندا. وتُعتبر "روكيت لاب" و"سبيس إكس" شركتَي الصواريخ الفضائيتين الجديدتين الوحيدتين اللتين تُجرِيان عمليات إطلاق منتظمة وتقدمان منافسة حقيقية لصانعي الصواريخ المدعومين حكوميّاً.
موجة جديدة من العملاء
وتحيا شركتا "روكيت لاب" و"سبيس إكس" بصورة سلمية حتى الآن دون كثير من المنافسة المباشرة. وقد صُمّم صاروخ "إلكترون" لنقل حمولة وزنها 500 رطل تقريباً من البضائع إلى المدار مقابل 12 مليون دولار تقريباً لكل عملية إطلاق، في حين أن صاروخ "فالكون 9"، التابع لـ"سبيس إكس"، بإمكانه نقل حمولة وزنها 50 ألف رطل إلى نفس المدار مقابل 60 مليون دولار.
وكان هدف "روكيت لاب" المعلن هو إطلاق كثير من الصواريخ الرخيصة كل ثلاثة أيام أو نحو ذلك سعياً لإفساح المجال أمام موجة من العملاء الجدد. مع ذلك، فإن "روكيت لاب" تضع نفسها في منافسة أوثق مع "سبيس إكس" بإطلاقها صاروخ "نيوترون". ويجب أن يكون الصاروخ الذي يبلغ طوله 131 قدماً قادراً على نقل حمولة تقدر بنحو 18 ألف رطل إلى المدار.
ومثل "فالكون 9"، سيكون صاروخ "نيوترون" قابلاً لإعادة الاستخدام وقادراً أيضاً على حمل البشر، حسبما قال المدير التنفيذي بيك. وقد رفضت "روكيت لاب" الإفصاح عن تكلفة عمليات الإطلاق، كما أنها لا تمتلك سوى رسوم لـ"نيوترون" حتى الآن.
ويبدو أن تشابه صاروخ "نيوترون" مع "فالكون 9" جذب انتباه المدير التنفيذي لـ"سبيس إكس" ماسك، الذي غرد على موقع تويتر قائلاً: "يبدو هذا الصاروخ مألوفاً، لكنها خطوة جيدة. تهانينا لـ(روكيت لاب)".
وفي المقابلة التي أُجرِيَت، في السطور التالية، تحدث بيك عن اعتياده قول شيء ما لن يحدث، ودخول لعبة الصواريخ الكبيرة القابلة لإعادة الاستخدام، وكيف أنه يخطّط لمتابعة إنجاز هندسي هائل يتمثل في إكمال هذه الآلة الجديدة بحلول عام 2024.
هل هذا الصاروخ الجديد شيء كنت تشعر بالخوف تجاهه من قبل وخطّطت له سراً، أم هو فكرة توصلت إليها بمرور الوقت؟
لست متكبراً لدرجة عدم الاعتراف حينما أكون مخطئاً. نحن نسعى دائماً وراء الفرص السوقية كلما توافرت واحدة، فقد كان الإطلاق الصغير طريقة مناسبة لبدء أعمالنا، وكان الوصول إلى الفضاء طريقة مناسبة أيضاً، لكننا انتقلنا سريعاً بعد ذلك إلى الأقمار الصناعية، وأصبح لدينا بعثات إلى القمر مخطَّط إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام، ومن ثم المريخ والزهرة. ومن الأشياء الرائعة جداً في الطيران تَعلُّم كثير عما يريده العملاء، فقد حُدّد مستوى تطور "نيوترون" بشكل جيد من خلال ما نراه حولنا وما نراه مستقبلاً.
أيضا مشكلة "الدجاجة أم البيضة؟" مع برنامج بهذا الحجم، فلن يكون لتخصيص الموارد لمتابعة ذلك الأمر جدوى إذا لم يكن لديك التمويل اللازم.
شهِدَ بعض صفقات شركات الفضاء الناشئة، التي تتم عبر شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، شركات ذات سجلات متابعة بين محدودة وغير موجودة تجذب استثمارات كبيرة جداً. هل جمعت ما يكفي من الأموال، بالنظر إلى وضع عملك ومدى الإثارة التي تتمتع بها السوق الآن؟
لن أتحدث عن توقعات الآخرين، لكن يمكنك استخلاص نتائجك الخاصة حول تلك الشركات. بالنسبة إلينا، يمكن أن تضرّ "روكيت لاب" تماماً إذا وضعنا أرقاماً وتنبؤات لا تعكس ما نؤمن حقّاً أننا نستطيع تقديمه. وإذا كانت النتائج تشير إلى تقييم أقل، فليكن كذلك، فإننا سنفوز بذلك.
لقد كنا على طريق بطيء وثابت لطرح عامّ أوليّ تقليدي، لكننا واجهنا لحظة من الزمن فكرنا خلالها وقُلنا: لماذا لا ننتهز الفرصة لإنجاز مزيد في مثل هذا الإطار الزمني الأقصر؟ إذا نظرت إلى شركة "الشيكات على بياض" الخاصة بنا وأوضاعنا المالية، فلن تجد تعدين الألماس على بعض الكويكبات أو بعض الأشياء الخيالية المجنونة، وهذا ينعكس في تقييمنا، إذاً هذه شركة حقيقية.
لقد كنت تتحكم في مصنعك الخاص بالصواريخ وموقعك الخاص بالإطلاق في نيوزيلندا، إذ يمكن مراقبة كل شيء من كثب، لكنك تتحدث الآن عن بناء مصنع صواريخ في الولايات المتحدة وإطلاق الصواريخ من موقع ناسا. لذا يبدو أن المرحلة القادمة قد يطغى عليها مزيد من البيروقراطية والأعباء.
نعم، ولا. عليك أن تدرك أن عملنا على صُنع صاروخ "إلكترون" جعلنا نبدأ كل شيء من الصفر، فقد كان علينا التفاوض على اتفاقية ثنائية مع حكومتَي الولايات المتحدة ونيوزيلندا، والتفاوض على قوانين كثيرة، والمساعدة على تشكيل وكالة فضاء وكل ما يتعلق بها.
وإذا نظرت إلى العقبات التي كان علينا تجاوزها لإتمام العمل في "إلكترون"، والعقبات التي نواجهها الآن مع "نيوترون"، فإنها مثل الليل والنهار، أي إنها متباينة تماماً. لقد عانينا من كل الندوب الممكنة، وندرك كل الأمور الصعبة التي يمكن أن تظهر وتصفعك على وجهك. أنا متحمس حقاً، وأكاد أتحرر تماماً، فنحن نتخلص من بعض القيود التي واجهناها في الماضي.
هل ستنتقل شخصياً إلى الولايات المتحدة للإشراف على هذا المشروع؟
سأعيش حيثما يجب أن أعيش. أنا لست قلقاً تجاه مدى فاعليتي في المشروع.
لقد قلت إن "روكيت لاب" ستطلق الصاروخ الجديد بحلول عام 2024، هل سيُصنَع صاروخ بهذا الحجم في هذا الوقت القياسي؟
ربما لصاروخ بهذا الحجم، مع "إلكترون"، جمعنا رأسمالنا الأول في عام 2014 وأجرينا رحلتنا التجريبية الأولى في 2017، وأنا أقدّر تماماً أنه كان صاروخاً صغيراً، لكننا لم نكن نعلم شيئاً آنذاك. أما هذه المرة فنحن لسنا بحاجة حتى إلى إنشاء موقع إطلاق، ويمكننا في الصاروخ الجديد إعادة استخدام نحو ثلث التكنولوجيا التي استخدمناها في "إلكترون". ربما كانت الفكرة جريئة، لكننا سنرى ما سيحدث.
للعمل مع شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة نقمة ونعمة. من الناحية العملية كان وضعكم جيداً، ومعظم منافسيكم كانوا يكافحون للنجاة حتى هذا العام. والآن، يمتلك عدد من منافسيكم كميات كبيرة من النقدية، ولديهم أيضاً فرصة أفضل للحاق بكم، أليس كذلك؟
رأس المال مجرد عنصر واحد فقط وسط عناصر أخرى، فهو الوقود، لكن وقود دون موقد وأكسيجين هو مجرد وقود. أسوأ ما يمكنك فعله لشركة لا تزال في مراحلها الأولى هو المبالغة في زيادة رأسمالها، لأنها ستصبح كسولة وبطيئة. نحن نعمل دائماً في ظلّ وجود قليل من الوقود، هذه هي ثقافتنا هنا في "روكيت لاب".
أنت حريص جداً على الاحتفاظ بالتفاصيل الفنية للصاروخ الجديد.
نحن لا نزال في بداية المشروع، وليس من عادتنا التحدث عن أي شيء ما دام بعيداً للغاية عن المسار الصحيح، لكنني لن أخيّب ظنك، فلدينا أشياء جيدة في الطريق.