قبل 3 أشهر، أعلن إيلون ماسك عن خدمة اشتراك شهري قيمتها 11 دولاراً مقابل منح مستخدمي موقع "تويتر" علامة التحقق الزرقاء لتوثيق الحساب الشخصي.
أعلنت شركة "ميتا بلاتفورمز"، الأحد الماضي، عن نفس الأمر بطريقة كبيرة في صورة خدمة بمقابل اشتراك شهري قيمته 15 دولاراً للمستخدمين لكي يحصلوا على شارة توثيق زرقاء، شريطة أن يقدموا بطاقة تعريف بالهوية صادرة من الحكومة.
يعد الرئيس التنفيذي لـ"ميتا" مارك زوكربيرغ شخصية مُقلدة دون خجل. استنسخ خاصية قصص "سناب شات" (لدرجة أنه أسماها "قصص فيسبوك")، وأطلق نسخة من "تيك توك" لشريط الفيديوهات تحت مسمى "ريلز" (Reels)، وحاكى تطبيق بث الفيديو المباشر "بيريسكوب" (Periscope) من خلال "البث الحي لفيسبوك" (Facebook Live).
أثبتت هذه الاستراتيجية نجاعتها، حيث حققت العديد من هذه الأدوات المستنسخة على غرار "القصص" (Facebook Stories) و"ريلز" النجاح على موقع "إنستغرام".
يُرجح أن يكون هذا هو الوضع فيما يتعلق بخدمة "زوكربيرغ" للاشتراكات الجديدة رغم أنها تبدو لأول وهلة مسألة منفرة بشدة، فمن الذي يريد الدفع مقابل تسليمه هويته لـ"فيسبوك"؟ تتمثل الإشكالية في أن هذا الأمر لا يستهدف المستخدمين العاديين لـ"فيسبوك" و"إنستغرام"، بل يستهدف صناع المحتوى، لا سيما على "إنستغرام"، وتكمن الميزة البيعية الحقيقية في الانتشار بين الجماهير.
محتوي ترويجي
من المعتاد أن يكتسب صناع المحتوى الأموال عن طريق الشراكة مع علامات تجارية ونشر محتوى ترويجي ممول. ربما يستغل أحد المؤثرين بمجال اللياقة البدنية منشوراً لامتداح منتج خاص كأسطوانة الرياضة الإسفنجية على سبيل المثال، لكن هؤلاء الأشخاص المبتكرين يعتمدون في نجاحهم تماماً على أعداد الأفراد الذين يضغطون زر "الإعجاب" بمنشوراتهم، وهو المقياس الذي عادة ما يتناسب مع وجهات النظر تجاه المحتوى، لذلك كلما ارتفع عدد مرات ضغط زر الإعجاب لديهم، كلما زاد حجم الأموال التي يمكنهم طلبها مقابل المحتوى الدعائي.
توفر خدمة الاشتراك الجديدة المقدمة من "ميتا" "توسيع معدل المشاهدة والانتشار" في عمليات البحث واقتراحات المطالعة. جعلت الشركة هذا الأمر يعتمد على خطوة توثيق الحساب، لكن المسألة مرتبطة فعلياً بإعطاء منشورات بعينها فرصة أكبر للانتشار الواسع.
عانت خدمة الاشتراك الخاصة بموقع "تويتر" من التخبط، ودفع 0.2% تقريباً فقط من مستخدمي منصة "تويتر" بالولايات المتحدة في مقابل اشتراكات على غرار "تويتر بلو" (Twitter Blue) بداية من يناير 2023، بحسب شركة "ذي إنفورميشن" (The Information). لكن هذه الاستراتيجية تحظى بفرصة أفضل كثيراً لتحقيق النجاح على "إنستغرام". ويرجع ذلك لوجود أمل في الانتشار الكبير. سيجزم مؤثرون كثيرون بأن سداد 15 دولاراً كاشتراك شهري للمساعدة على إبراز المحتوى الخاص بهم سيكون مجدياً.
قد تعزز الخدمة الجديدة مبيعات "ميتا" السنوي بما يتراوح من ملياري دولار إلى 3 مليارات دولار بحسب تقدير مانديب سينغ، محلل "بلومبرغ إنتليجنس"، ما سيمثل جزءاً بسيطاً من إيرادات "ميتا" التي تبلغ 117 مليار دولار السنة الماضية، لكنه غالباً سيفوق مما تجنيه الشركة من خدمة "ميتافيرس". أضاف "سينغ" عبر مذكرة للعملاء أن الخدمة ستسهم أيضاً في عدم تحول صناع المحتوى إلى منصة "تيك توك".
العائد من الرسوم
في حقيقة الأمر، سيكمن التأثير الأشد أهمية في الإبقاء على تواجد صناع المحتوى الأشد جذباً للاهتمام على منصات "ميتا"، وهكذا تضمن مشاهدة الملايين من المستخدمين الآخرين لـ"ريلز" عوضاً عن "تيك توك".
في البداية يجري طرح خدمة الاشتراك في نيوزيلندا وأستراليا، لكن على صعيد أوروبا والولايات المتحدة، سيختبر صناع المحتوى مدى جدوى سداد 15 دولاراً فعلياً في وصولهم للجماهير.
من المعروف عن مبتكري المحتوى هوسهم الشديد بتعقب عدد الإعجابات ومرات إعادة النشر لمنشوراتهم، وسيكتشفون خلال فترة وجيزة ما إذا كانت خدمة الاشتراك تزيد انتشار محتواهم بطريقة فعالة من عدمه.
لا تعد هذه مهمة بسيطة. أمر "ماسك" الأسبوع الماضي كبار مهندسيه بأن يهرعوا لتوسيع انتشار منشوراته بين مستخدمي موقع "تويتر" بوصفها أولوية قصوى، وفي نهاية الأمر استنفذوا جهدهم في القيام بذلك، بحسب تقرير ورد بنشرة إخبارية تكنولوجية تصدرها شركة "بلاتفورمر" (Platformer). بعد يوم من شكوى "ماسك" من استحواذ تغريدته التي تعلق على دوري كرة القدم الأميركية على مشاهدات أقل بالمقارنة مع تغريدة خاصة بالرئيس الأميركي جو بايدن، عثر مستخدمو "تويتر" العاديون على ملخصات أخبار غير مرغوب فيها تحتوي على منشورات من الملياردير الأميركي. تذمر المستخدمون، وألمح "ماسك" إلى أنه سيتخلى عن هذه الخاصية.
تحتاج "ميتا" لتفادي نفس الخطأ. في حال بدأ المستخدمون يعتقدون بأن ملخصات أخبارهم باتت مزدحمة بمحتوى دعائي أكثر، فسيتحولون إلى منصة "تيك توك".
مهارة مارك زوكربيرغ
يبرع "زوكربيرغ" في استنساخ الأفكار غير المربحة ثم يحولها إلى مصدر للأرباح. قام بذلك مع خاصية "القصص"، التي لم تثمر مع شركة "سناب" على الإطلاق عن نفس النجاح المالي الذي حققته "ميتا". وكانت فكرة جعل المستخدمين يدفعون مقابل الخصائص المتاحة تداعب "ميتا" لأعوام، لكن لم تواتها الشجاعة لمحاولة القيام بذلك.
في الوقت الراهن، وفي أعقاب وضع "ماسك" المسار بإمكان "زوكربيرغ" أن يسير عليه، ويتعين أن تكون عملية فرض رسوم على الخصائص الأخرى سهلة بالنسبة لـ"ميتا"، ما يساعد الشركة على التصدي لتراجع الإنفاق على إعلانات الإنترنت، وتعويض عشرات المليارات من الدولارات التي تنفقها على "ميتافيرس".
تعد الخدمة الجديدة أيضاً إقراراً ضمنياً من "زوكربيرغ" بأن موقعي "فيسبوك" و"إنستغرام" لم يعد أي منهما منصة تواصل اجتماعي في حقيقة الأمر. بدأ كلاهما يتحول ليصبح مساحة يستمتع فيها الأشخاص. يقلد الذكاء الاصطناعي الخاص بـ"ميتا" بطريقة متنامية "تيك توك" لوضع منشورات واسعة الانتشار من أشخاص غير معروفين في ملخصات أخبار الأشخاص، عوضاً عن التوصية بمشاهدة منشورات من الأصدقاء والعائلة.
يتعين على "زوكربيرغ" حالياً تحقيق توازن دقيق بين تقديم ما يريده المستخدمون، وتوفير وصول صناع المحتوى للجماهير بالطريقة التي يريدونها أيضاً. يواجه "ماسك" صعوبة في إنجاح ذلك الأمر على موقع "تويتر". غالباً ستكون هناك فرصة أفضل سانحة أمام "زوكربيرغ".