ما الذي كشفه المنطاد عن عمليات التجسس الصينية؟

بكين تنفق مئات المليارات لتحديث ترسانتها التكنولوجية وحملتها الاستخباراتية أصبحت أكثر عدوانية

time reading iconدقائق القراءة - 13
صورة للمنطاد الصيني في المياه بعد إسقاطه - المصدر: بلومبرغ
صورة للمنطاد الصيني في المياه بعد إسقاطه - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

حلق المنطاد الصيني الذي أسقطته القوات الجوية الأميركية في فبراير على ارتفاع منخفض مما سمح للجميع رؤيته من الأرض، وهذا غير معتاد للمناطيد التي تطير على ارتفاع شاهق، وتحول هذا الحدث إلى رمز نادر وجريء، حيث أطلق عليه المسؤولون الأميركيون وصف حملة تجسس صينية متزايدة العداء، ومستمرة لسنوات في جميع أرجاء العالم.

ففي عهد الرئيس شي جين بينغ ضخت الصين مئات مليارات الدولارات لتحديث أسلحة جيشها، من الصواريخ النووية إلى المركبات الانزلاقية التي تفوق سرعة الصوت، والواضح أن هذا يشمل الاستثمار في ساحة "الفضاء القريب" لتحسين قدرات الرصد أيضاً.

1) ماذا نعرف عن منطاد التجسس الصيني؟

صرح المسؤولون في الصين أن المنطاد الذي يوازي وزن طائرة نفاثة صغيرة كان منطاد طقس مدني أخرجته الرياح عن مساره، بينما صرح الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه كان "يجمع معلومات فوق أميركا". فيما توضح الصور عالية الدقة، التي وفرتها طائرات التجسس يو -2 (U-2) التي حلقت قرب المنطاد، مجموعة من معدات الرصد قادرة على جمع إشارات الاتصال، وفقاً لمسؤول بوزارة الخارجية.

تنقل المنطاد فوق مناطق عسكرية حساسة وكان به محرك صغير ومراوح دافعة ما يشير إلى امتلاكه القدرة على المناورة. (حسب البنتاغون، اتخذ المسؤولون الأميركيون خطوات –لم تذكر بالتفصيل- "لمنع المنطاد من جمع معلومات حساسة")، وبعد أسبوع من تجول المنطاد في أنحاء أميركا الشمالية أسقطته طائرة رابتور إف-22 تابعة للقوات الجوية الأميركية في 4 فبراير الجاري، قبالة ساحل ساوث كارولاينا، وأُرسل جنود البحرية وخفر السواحل لاستعادة الحطام الذي سقط في مياه ضحلة نسبياً على بعد بضعة أميال من الساحل، وفي الأيام التالية، أُسقطت أجسام طائرة أخرى، رغم الغموض الذي يكتنف طبيعتها.

2) لماذا تُستخدم المناطيد بالتحديد؟

تتسم المناطيد برخص أسعارها وهدوئها وصعوبة الوصول إليها، فطالما استُخدمت في الاستطلاع، حتى في الحرب الأهلية الأميركية. أما حالياً فالمناطيد لها قدرة محدودة لجمع البيانات المهمة مقارنةً بما يمكن للصين جمعه باستخدام شبكة أقمارها الصناعية، وفقاً لما صرّح به المسؤولون الأميركيون إلى "بلومبرغ نيوز".

مع ذلك، ما زالت المناطيد قادرة على تصوير المنشآت من زوايا مختلفة وأن تطيل بقاءها فوق المناطق لمدة أطول من الأقمار الصناعية، ما يمنحها مميزات محتملة، كما يمكن نشرها على نحو مفاجئ، ما يتيح للولايات المتحدة وقتاً أقل لإخفاء المنشآت المهمة التي تأمل في الحفاظ على سريتها.

غالباً ما يوجد بالمناطيد مستشعرات أشعة تحت الحمراء توفر معلومات أخرى عما تجمعه الأقمار الصناعية. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن جريدة "بيبولز ليبراشن آرمي ديلي" (People’s Liberation Army Daily) -الصحيفة الرسمية للجيش الصيني- مقالاً في 2020 يصف الفضاء القريب بأنه "أصبح أرض معركة جديدة في الحرب الحديثة" وحثت الضباط مراراً وتكراراً على أخذ المناطيد على محمل الجد، كما صرحت بأن علماء الجيش الصيني طوروا مواد وتصميمات وأدوات ملاحة جديدة لتطيل عمر المناطيد وتصعب اكتشافها، أو حتى استخدامها باعتبارها منصات لإطلاق الأسلحة.

3) ما أنواع التجسس الأخرى التي تمارسها الصين ضد الولايات المتحدة؟

اتهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الصين بزيادة عدد عمليات التجسس وتأثيرها المحتمل، ومنها قرصنة خوادم البريد الإلكتروني لشركة "مايكروسوفت" في 2021، إلى جانب استخدام الجواسيس، والعلماء، والمطلعين على الأسرار الداخلية للمؤسسات، وشركات من الباطن لتتمكن من الوصول لأحدث التقنيات والأبحاث.

من جانبها، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية في 2020 أوامر بإغلاق القنصلية الصينية في هيوستن -عاصمة الطاقة في أميركا- بعد إدانة مواطنين صينيين بمحاولة سرقة أسرار تجارية، كما أُدين أستاذ سابق للبيولوجيا الكيميائية بجامعة هارفارد في 2021 بسبب إخفاء علاقاته ببرنامج توظيف المواهب التي تديره الصين. وأبقى بايدن على قرار أصدره سلفه دونالد ترمب بحظر تأشيرات آلاف من طلبة الدراسات العليا والباحثين، الذين اعتُبروا على علاقة بالمدارس العسكرية في الصين.

4) ما هو رد الصين؟

وصفت الصين هذه الاتهامات أنها افتراءات، ولطالما أصرت أنها ضحية- لا مذنبة- في الهجمات الإلكترونية، كما أشارت للسلوك العدواني للولايات المتحدة والخصوم الآخرين.

صرح المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية في فبراير أن المناطيد الأميركية حلقت "بصورة غير قانونية" فوق الصين أكثر من 10 مرات منذ أوائل 2022. ولطالما اشتكت الصين من عمليات الرصد الأميركي باستخدام السفن وطائرات التجسس قرب أراضيها، ما يؤدي إلى مواجهات متفرقة، كما قالت إن الولايات المتحدة هي "الدولة الأولى عالمياً في عمليات التجسس والتنصت والرصد، وهذا واضح أمام أعين المجتمع الدولي".

5) من يدير الاستخبارات الصينية؟

تلعب وزارة أمن الدولة الصينية دور وكالة الاستخبارات الرئيسية في البلاد، وتأسست عام 1983، ومقارنة بالولايات المتحدة، فالوزارة تقوم بمزيج من العمليات: فهي تنفذ العمليات الاستخباراتية في الخارج مثل وكالة الاستخبارات المركزية، وتكافح التجسس في الداخل مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، وتتنصت إلكترونياً مثل وكالة الأمن القومي، ويصنف عدد العاملين بها على أنه معلومات سرية، مثله كمثل موقع مقر الوزارة، حيث يقال إنها توجد في مبنى عادي غرب بكين، ولا تملك موقعاً إلكترونياً عاماً أو مكتباً إعلامياً. نال رئيسها السباق، تشن وين قينغ، ترقية ليصبح عضواً بالمكتب السياسي وأمانة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في أكتوبر، وهو أول مدير استخبارات يدخل الدوائر السياسية الداخلية للحزب الشيوعي منذ تأسيس الوزراة في الثمانينيات.

6) ما مدى كفاءة التجسس الصيني؟

يصعب تحديد ذلك، نشرت "نيويورك تايمز" في 2018 تقريراً عن رصد الاستخبارات الصينية -والروسية- لمكالمات ترمب الهاتفية على هواتف غير مؤمنة، ووصف ترمب التقرير بإنه غير صحيح، وفي 2017. كما نشرت الصحيفة تقريراً يكشف أن السلطات الصينية قوّضت عمليات وكالة الاستخبارات المركزية في الصين لعدة سنوات، وأودت هذه العمليات بحياة عشرة على الأقل من مصادر الوكالة فيما وصفته الولايات المتحدة بأنه أسوأ اختراق استخباراتي للوزارة منذ عقود.

اتهمت وسيلتا الإعلام الأستراليتان "فيرفاكس ميديا" (Fairfax Media) و"ناين نيوز" (Nine News) وزارة أمن الدولة الصينية بأنها مسؤولة عن موجة الهجمات على الشركات الأسترالية في 2018، رغم الاتفاق الثنائي على عدم سرقة الأسرار التجارية بين الطرفين.

خلال العام الماضي، صدر حكماً بالسجن 20 عاماً في حق أحد كبار ضباط وزارة أمن الدولة، يانجون شو، وجرى إيداعه بأحد السجون الأميركية بسبب شروعه في سرقة أسرار تجارية من شركات الطيران الغربية، وكان أول جاسوس صيني يُسلم إلى الولايات المتحدة لتوجه له الاتهامات بعد القبض عليه في بلجيكا.

7) إلى أي مدى تشعر الولايات المتحدة بالقلق؟

التقييم السنوي للتهديدات الصادر عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية في العام الماضي وضع الصين على رأس قائمة التحديات، التي تشمل أيضاً روسيا وإيران وكوريا الشمالية، كما حذر التقرير من تنامي قوة الصين العسكرية، بما فيها ترسانتها النووية، ووصف الصين بأنها التهديد الأخطر على الحكومة وشبكات القطاع الخاص.

في السياق ذاته، صاغ المركز الوطني للاستخبارات المضادة والأمن بالولايات المتحدة دليلًا للمؤسسات الأكاديمية لمساعدتهم على حماية أهم مقتنياتهم من الجواسيس الصينيين وغيرهم. حالياً تعمل الولايات المتحدة على صنع مناطيدها القابلة للنفخ التي تحلق على ارتفاع شاهق لتضيفها إلى شبكة رصدها الواسعة، وذلك وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "بوليتيكو" العام الماضي، وأشارت فيه إلى مصادرها من مستندات ميزانية البنتاغون.

8) هل ظهرت المناطيد في أماكن أخرى؟

صرح مسؤولون بإدارة بايدن أن المنطاد الصيني كان جزءاً من برنامج تجسس يقوده الجيش امتد إلى أكثر من 40 دولة. قال الجنرال غلين فان هيرك، قائد قيادة الدفاع عن المجال الجوي لأميركا الشمالية (نوراد)، إن مؤسسته فشلت في كشف المنطاد الذي حلق قرب القواعد الأميركية خلال رئاسة ترمب، وعرف بأمرها لاحقاً من مجتمع الاستخبارات الأميركي، وصرح الأمين العام للناتو، ينس ستولتنبرغ أن الصين- على مدى السنوات القليلة الماضية- "استثمرت بشكل هائل في القدرات الحربية، بما يشمل أنواع مختلفة من الرصد"، بما في ذلك أوروبا.

خلال العام الماضي بتايوان، أُبلغ عن منطاد يحوم لساعات فوق مطار سونغشان في تايبيه، الذي يستخدمه الجيش أيضاً، كما أعلنت وسائل الإعلام اليابانية عن منطادين مشابهين على الأقل يحلقان فوق البلاد منذ 2020.

صرحت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، للمراسلين في 6 فبراير أن المنطاد الذي كشفه البنتاغون فوق أميركا اللاتينية أخرجته الرياح عن مساره، كما حدث في الولايات المتحدة، وقالت ماو إن الصين تلتزم بالقانون الدولي. واختتمت:" "لن نشكل خطراً على أي دولة".

تصنيفات

قصص قد تهمك