"ستاركي" لأجهزة مساعدة السمع.. قصة نجاح فريدة من نوعها

time reading iconدقائق القراءة - 26
تمكين الذكاء الاصطناعي من حل مشكلات السمع  - تصوير: بيببا درموند/ بلومبيرغ
تمكين الذكاء الاصطناعي من حل مشكلات السمع - تصوير: بيببا درموند/ بلومبيرغ
المصدر:

بلومبرغ

عندما بدأ براندون سواليتش العمل في شركة "ستاركي" لتكنولوجيا السمعيات (Starkey Hearing Technologies) في ضاحية مينيابوليس، كان عمره 19 عاماً، وكان حول العالم نحو 70 شركة تصنع أجهزة المساعدة السمعية. وفي عام 1994، كانت وظيفته تنظيف الأجهزة المرسلة بهدف الإصلاح، وفي بعض الأحيان بهدف الاسترجاع بعد وفاة المستخدم.

ويبلغ سواليتش من العمر حالياً 43 عاماً، وفي المجال خمس شركات فقط، وهو رئيس شركة "ستاركي"، التي توظف 6 آلاف شخص، وباعت أجهزة سمعية بقيمة 800 مليون دولار خلال العام الماضي.

البداية في قبو منزل

ويقول سواليتش وهو يمشي معي إلى مقرّ الشركة: "لقد كنا في مدينة إدين بريري منذ عام 1974"، ثم استدرك: "من الناحية الفنية، بدأ الأمر قبل ذلك ببضع سنوات، في قبو منزل السيد أوستن، إنها واحدة من قصص النجاح الأمريكية العظيمة لريادة الأعمال".

وانتقل سواليتش من تنظيف التراكم الشمعي في الأجهزة المستخدمة إلى تنظيم الفعاليات ثم إلى المبيعات، وأخيراً إلى منصب الرئيس، وهو أعلى منصب في الشركة، وقد تولاه في عام 2016 في أعقاب فضيحة احتيال هزّت شركة "ستاركي". إنه أيضًا ابن زوجة السيد أوستن المشار إليه آنفًا، ويليام أوستن، مؤسِّس الشركة الملياردير الذي بنى عملاق صُنع الأجهزة السمعية، التي يستخدمها تقريبًا كل مشهور يحتاج إليها، بما في ذلك أربعة رؤساء أمريكيين، واثنان من الباباوات، ونيلسون مانديلا، والأم تيريزا.

طفرة تكنولوجية

وتُعَدّ "ستاركي" الآن الشركة الوحيدة من الشركات الخمس الكبرى الباقية في الولايات المتحدة التي أضعفت المنافسين، بحسب سواليتش، والتي أصبحت تمثل طفرة تكنولوجية بعد أن كانت الأجهزة السمعية بسيطة نسبيًّا، وغير مكلفة، ولا تختلف من علامة تجارية إلى أخرى، بيد أنها أصبحت اليوم منتجًا رقْميًّا معقدًا على نحو متزايد، ويتطلب العمل عليها فِرَقًا من المهندسين، واستثمارات كبيرة في البحث والتطوير.

ويلتف سلك رفيع بالكاد يُرى، فوق الجزء العلوي من أُذنَي سواليتش ويختفي في قناتَي الأُذنين، حيث يصدر الصوت من سماعة أُذن حجمها يقارب حجم طرف قلم التظهير.

ويقول إنه في الحقيقة يعاني من ضعف طفيف في السمع جرّاء الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة وإطلاق النار في شبابه. كما أنه يرتدي هذه الأدوات المساعدة الصغيرة، التي هي بالكاد تُرى، لأنها أحدث وأكبر تطوّر للشركة، وهي السبب في وصول 300 من كبار خبراء السمعيات في أمريكا في غضون يومين إلى مبنى مركز "ويليام إف. أوستن التعليمي" ليعبروا السجّادة الحمراء وسط صيحات التشجيع والتصفيق لموظفي "ستاركي".

سواليتش مُغرَم بالقول إن "ستاركي" تصنع منتجًا لا يرغب فيه أحد، إذ إنّ ما يقرب من ثلثي الأشخاص في أمريكا الذين يحتاجون إلى أجهزة سمعية لا يشترونها، وأولئك الذين يتقبّلون مصيرهم ينتظرون في المتوسط ​​سبع سنوات من ظهور الأعراض الأُولى قبل طلب المساعدة.

تقنيات الذكاء الاصطناعي

ويقول سواليتش: "مع هذه الأجهزة، ستتطوّر أجهزة المساعدة السمعية، وحينئذ يجب ألا تعاني من ضعف السمع حتى تتقبل الحصول على جهاز مساعدة".

إنّ ما قرأته صحيح، تقدّم شركة "ستاركي" الآن مساعدة سمعية للأشخاص الذين لا يعانون من ضعف في السمع ولا يحتاجون إلى أجهزة سمعية.

يخرج سواليتش هاتفه "آيفون" من جيب سترته ويفتح تطبيقًا يسمى "ثرايف" (Thrive) مصممًا لمواكبة هذا التحوّل النموذجي للمنتج. ويستخدم جهازه الجديد الذي يطلق عليه "ليفيو" (Livio AI) مستشعرات صغيرة بالإضافة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي، كما يوحي اسمه، لتصفية الضوضاء بشكل انتقائيّ والتركيز على مصادر صوت محددة على غرار شخص موجود عبر الطاولة في مطعم مزدحم.

ويتعقب الجهاز في أثناء ذلك مقاييس صحّية مختلفة، بما في ذلك عدد خطوات المشي وصعود الدرَج، فضلًا عن النشاط الإدراكي، مثل مقدار حديث مرتديها والتفاعل مع البشر الآخرين. كما أنه يترجم إلى 27 لغة ترجمة شبه فورية، وسيقيس بعد التحديث القادم معدل ضربات القلب. وتُعَدّ تكلفته مفاجأة أيضًا: 2500 دولار إلى 3000 دولار لكل أداة مساعدة للسمع أو أكثر، اعتمادًا على الطبيب وخدمات الجهاز.

ويقول سواليتش: "في السنوات الخمس إلى السبع المقبلة ستكون أجهزة المساعدة السمعية مثل الحاسوب (غارفيس) في أفلام (أيرون مان)، لأنها ستصبح مساعدك الشخصي وتتعرف أكثر على ما يحدث في جسمك، مثل معدل ضربات القلب وضغط الدم ونسبة السكّر، إذ تصبح الأُذن هي رسغ اليد الجديد الذي يحمل ساعة اليد الذكية".

طلب المساعدة آلياً

ويُعَدّ هذا الشعار (الأذن هي رسغ اليد الجديد) من النوع السخيف الذي لا يمكن أن يستخدمه إلا شخص داخل فقاعة التكنولوجيا الطبية القابلة للارتداء، لكنها ليست فكرة من درب الجنون، إذ إنّ الأذن هي المكان الذي يمكن فيه لأطباء الأطفال قياس درجة حرارة طفلك، كما أنها مكان مثاليّ لقياس معدل ضربات القلب وتوازن الشخص، وهذه هي الطريقة التي يوفر بها جهاز "ليفيو" أيضًا اكتشاف حالات سقوط كبار السنّ على الأرض، خصوصًا من يعانون من عدم الاتزان، ففي حالة لم يخبر المستخدم تطبيق "ثرايف" أنه بخير في غضون ثوانٍ بعد السقوط، فسيطلب الجهاز المساعدة آليًّا.

ويرى سواليتش أنّ الشركة وُلِدَت من جديد، ليس فقط لأن التطور أمر طبيعيّ ولكن جرّاء ما حدث مع الرئيس والمدير المالي السابقين اللذين اتُّهِمَا وأُدِينا لاحقًا بتهمة التآمر لسرقة أكثر من 20 مليون دولار في قضية احتيال معقدة ضد شركة.

واستحوذت القضية، التي وصلت إلى المحكمة في أوائل عام 2018، على اهتمام وسائل الإعلام المحلية وتسببت في إحراج كبير لأوستن، الذي أدلى بشهادته في المحاكمة، ولسواليتش، الذي يرفض أن يتحدث عنها ولم يتحدث عنها من قبل. يقول: "أنا فقط أكره العودة إلى الوراء بالذاكرة والتفكير في الأمر، لأنه يجعلني أشعر بالاشمئزاز".

ويتابع: "لاحظت أن استراتيجية الدفاع في المحكمة كانت تتمثل في وضع مسؤولَي شركة (ستاركي) الكبيرَين في وحل الورطة، في محاولة لجعلهما يبدوان مفتقدَين لأيّ قدرة على التعاطف أمام هيئة المحلفين".

داخل مكتب في الزاوية نمرّ به يوجد 12 مكتبًا مكتظًّا في أماكن ضيِّقة إلى حدٍّ ما. ويقول سواليتش: "كان هذا مكتب رئيس إدارتنا السابقة". كان ذلك الرجل، جيروم روزيكا، بمثابة مُعلِّم لـسواليتش في وقت من الأوقات. ويضيف: "سميت ابني على اسمه، وبعض الناس لا يعرفون ذلك، إنه وليام جورج جيروم سواليتش"، قالها وهو يتنهد، ثم أردف: "كان هنا هؤلاء الرجال منذ عقود، وكنا مثل عائلة، وكنت معجبًا بهم، وأردت أن أكون مثلهم".

ويقول سواليتش وهو يلوِّح بيده أمام المكتب: "اعتقدَ الجميع أنني أتوق إلى الوصول إلى هذا المكان، ولكن في الحقيقة أنا لا أرغب فيه على الإطلاق. وبدلًا من ذلك، جرى إخلاء المساحة تمامًا وتسليمها للمهندسين الذين يقومون هنا بمشاريع التكنولوجيا المتقدمة".

تحديث وتركيز الأعمال

ومن الملاحَظ أن المكاتب حُدِّثَت بشكل كامل، إذ استُبدلَت أنظمة البرمجيات، وأُعيد تنظيم الأقسام وإصلاح المخطط التنظيمي للمكان، كما افتتحت الشركة مركزًا هندسيًّا في تل أبيب، وصُفِّيَت القائمة الحاليَّة المكوَّنة من 600 مشروع بنسبة الثلثين. وهناك مستشار رئيسيّ جديد من شركة "Sun Country Airlines"، ورئيس عمليات تشغيل رئيسيّ جديد من شركة "جنرال إلكتريك"، ورئيس جديد لقطاع التكنولوجيا من شركة "إنتل".

ويقول سواليتش: "على مدى العامين الماضيين، جعلنا (ستاركي) أكثر صحّة وقوّة، وقلّصنا نطاق تركيز أعمالنا، رغم أنني تمنيت عدم حدوث ذلك، لكن عندما يُغلَق باب يُفتَح آخر، أليس كذلك؟".

بيل أوستن يميل إلى أن يكون غالبًا في أحد هذه الأماكن الثلاث: إما في عيادة مؤقتة لتركيب أجهزة المساعدة السمعية للأشخاص داخل خيمة في إحدى الدول النامية، وإما على متن طائرة "غلفستريم" في أثناء التنقل بين الدول النامية، وإما واقفًا أمام آلة تفصيل تسمى "عجلة بيل" وتقبع مقابل مكتبه الذي لم يستخدمه مطلقًا في المقرّ الرئيسي لشركة "ستاركي".

قبل بضعة أيام من إجراء التقرير، عاد أوستن إلى مينيابوليس من جولة في 9 بلدان، واستمرت لمدة 3 أسابيع عبر إفريقيا، ركَّبَ خلالها فريق من مؤسسة "ستاركي"، بقيادة أوستن وزوجته تاني، أجهزة مساعدة سمعية لـ12 ألف شخص. بعدها اتجه مباشرة إلى المكتب، حيث نجده يعمل لتنفيذ طلبات في زيِّه الرسمي من حذاء رياضيّ وسروال وقميص جميعها باللون الأسود، بالإضافة إلى معطف المختبر الأبيض.

لأوستن عيون زرقاء جليدية، وتجاعيد عميقة تكسوها ابتسامة شخص متحمس، وتسريحة شعر منحوتة من الشعر الأبيض تشبه تسريحة شعر "دراكولا". يقول إنه لا يوجد شيء يفعله سوى العبث بالأجهزة السمعية. وعندما سألت زوجته لماذا لا يستمتع الملياردير البالغ من العمر 77 عامًا بسنوات عمره الأخيرة، أجابت: "لديه ما يشبه حُبّ كرة القدم"، في إشارة إلى الأجهزة السمعية، وعليها أن تذكّره بتشغيل هاتفه المحمول حتى تتمكن من الاتصال به، ودفعه إلى إطفاء الأنوار والعودة إلى المنزل. تقول: "يجب أن أقول: (بيل، أترك ألعابك. ستدمّر ظهرك تمامًا). اتصلت به الليلة الماضية في الساعة 10:30 مساء".

ويقول أوستن: "أنا أستمتع بالعمل. يعطيني معنى لمساعدة الآخرين، ولهذا السبب بدأت هذا المسعى في المقام الأول".

عيادة المشاهير

ويتدفق هنا مشاهير ذوو آذان فقدت القدرة على السمع، إذ توجد "عيادة مايو للسمع"، كما يسمّيها سواليتش. تصطفّ مجموعة من الصور داخل براويز لعدد من المشاهير الذين أتوا من أجل لمسة بيل أوستن التي يشبّهها البعض بلمسة الملك الإغريقي ميداس.

وصنع هو سماعة أذن لفرانك سيناترا، وإلتون جون، وستيف مارتن، وبول نيومان، وتشاك نوريس، وتشاك ييغر، ووالتر كرونكايت، وبوب وودوارد، بالإضافة إلى مجموعة من روّاد الفضاء. وجاء إليه منذ وقت ليس ببعيد، جين سيمونز والدالاي لاما في نفس اليوم. ومرة أخرى في نفس اليوم أيضًا جاء هيو هيفنر، مؤسِّس مجلة "بلاي بوي"، وجاء راعي الكنيسة الكبرى روجر شولر. يقول أوستن: "لم أخبر روجر بالطبع". ويضيف مازحًا: "كان سيعتقد أن هذه الأيدي قد لمست الشيطان".

وقرّرنا أنا وأوستن أن نتحدث بشكل رسميّ أكثر في اليوم التالي، كان هذا مجرّد توقُّف قصير لتبادل التحية. وبدأنا اللقاء بمجرد انتهاء مؤسِّس شركة "ستاركي" من عمله، فمن الصعب إبطاؤه.

وقال: "صنعت (آذانًا) أكثر من أيّ شخص آخر، لا أحد ينافسني. لم يقُم أحد بعُشر هذا العدد، ولا جزء منه، ولكن كل شيء على ما يرام، فلا أحد يسعى لمنافستي. يريد كثير من الناس أن يكونوا لاعبين جيدين، ويريد كثير من الناس أن يكونوا متزلجين جيدين، لكن لا يريد كثير من الناس تحمُّل المعاناة من الملاحقة بي ومنافستي". ويرد عليه سواليتش: "حسنًا يا بيل، سوف نلاحقك".

إنقاذ الأرواح

ويقول أوستن مستهلًّا قصّته الأصلية: "كنت أريد أن أفعل شيئًا آخر يتعلق بإنقاذ الأرواح بهذه الأيدي، بأن أكون طبيبًا تبشيريًّا مثل ألبرت شفايتزر، إذ كان يصلح أجهزة المساعدة السمعية ليلًا لتوفير المال لنفقات كلية الطب".

وتابع: "لكن عندما جاء رجل عجوز يطلب المساعدة تمكّنتُ من مساعدته على السماع فيما لم يستطع أحد آخر ذلك، ورأيت في وجهه ما يعنيه ذلك".

في طريقه إلى المنزل في تلك الليلة، رأى أوستن اقتباسًا على جانب إحدى الحافلات في الطريق، وهو ما فسّره كرسالة تحثّه على تلبية نداء أعلى، وقبل الذهاب إلى الفراش جلس وتحدّث مع نفسه بصوت عال. قال: "بيل، السبب في رغبتك بأن تكون طبيبًا هو مساعدة الناس، ولكن لا يمكن دائمًا علاج المرضى، وحتى في أفضل الأيام، ستكون محظوظًا بمساعدة 25 شخصًا". وأضاف: "فجأة، أدركت قيودي الشخصية، وكان لدي رؤية مرّت بسرعة لمستقبل حياتي الحقيقية، كما لو كنت أعيش أحلام اليقظة، فرأيت نفسي في قاع قبر والناس واقفون، وقال أحدهم: لقد كان طبيبًا كهلًا لطيفًا، وساعد مجتمعنا".

العمل لخدمة الناس

هُنا، فيما يومئ سواليتش إيماءات أخيرة تدعونا لنتحرك إلى الأمام، كان أوستن يضرب يديه معًا، وتابع حديثه: "هكذا خرجتُ من القبر، وكنت أعرف ما كنت سأفعله عندها. لقد تركت الدراسة وبدأت العمل. لقد كان قَدَرًا أن نصبح مقدِّمي الخدمة الرائدين في هذا المجال، لأننا لا نقوم بذلك من أجل المال، ولكن لخدمة الناس بشكل أفضل. وكان هذا هو الهدف كل يوم. وفي أثناء أعمال التأسيس كنت أسافر حول العالم لسنوات لأنني اعتقدت أنّ الفقراء بحاجة إلى فرصة كذلك".

في هذه المرحلة، لم يعُد يسترجع سيرته الذاتية فقط، بل بدأ يتحدث عن المشكلات والأحداث التي كادت أن تدمّر شركته. يقول: "عُدنا إلى طريقنا الآن، بعد أن تشوّهت رؤيتي تمامًا لتتحوّل إلى رؤية مختلفة، لكن عُدنا للاستمتاع والعمل بالطريقة التي نحب".

واشتهرت شركة "ستاركي" في مينيابوليس بحفلها السنوي، وهو حفل ساحر يجذب المشاهير من الفئة الأُولى إلى توين سيتيز كل صيف لجمع الأموال للمؤسَّسة، لكنّ لوائح الاتهام التي أعلنها المدّعي العام الأمريكي أندرو لوجر في 21 سبتمبر 2016 زادت من شهرة الشركة إلى مستوى أعلى.

تهم بالتآمر وسرقة ملايين الدولارات

وتم توجيه الاتهام بالتآمر لسرقة أكثر من 20 مليون دولار من الشركة ومالكها لخمسة أشخاص، بما في ذلك روزيكا والمدير المالي سكوت نيلسون. وثبت أن روزيكا ودبليو جيف تايلور، الرئيس السابق لأحد موردي شركة "ستاركي"، مذنبون. وصدر حكم بالسجن سبع سنوات على روزيكا، و18 شهرًا على تايلور، و24 شهرًا على نيلسون الذي تعاون معهم. ومن المتوقع أن يستأنف كل من روزيكا وتايلور الأحكام التي صدرت ضدهم.

في المحكمة، وبينما كان روزيكا يحدّق في رئيسه الذي عمل معه فترة طويلة وسُئل كم أخذ، قال أوستن حينها: "نحو 10 ملايين دولار".

ويبدو أوستن بصراحة مغتاظًا إزاء الوقت الضائع أكثر من سرقة الأصدقاء المقربين منه. ويقول إنه تساءل أحيانًا عن سبب عدم تطوُّر الابتكار بالمعدّل الذي كان يتوقعه، لكنه وثق بالأشخاص الذين يديرون الشركة فيما كان يسافر أكثر من 200 يوم في السنة في مرحلة التأسيس للشركة.

في الماضي، كانت هناك علامات على وجود مشكلة، إذ كان من الصعب إنجاز الأمور بحسب قوله. وتابع: "كنت أقول للناس إنه يمكننا القيام بذلك، فكانوا يردّون: لا يمكننا لأنّ لدينا كثيرًا من الأعمال المتراكمة، أو أن الأمر سيستغرق عامًا. والحقيقة أنني اعتقدت فعلًا أنّ هذه هي الطريقة التي تسير بها الحياة".

وتلقَّى أوستن في يوليو 2015، خبرًا يفيد بأن روزيكا كان يتواصل مع الموظفين بشأن الانضمام إليه في شركة مساعدات سمعية كان يخطط لبدء عملها عند مغادرته شركة "ستاركي" في عام 2016.

يقول أوستن: "لم أصدّق الأمر حينئذ". ورغم أن أوستن لا يرسل بريدًا إلكترونيًّا أو حتى يعرف كيفية استخدام الكمبيوتر، لكنه طلب من بعض الموظفين الموثوق بهم إلقاء نظرة خاطفة على البريد الإلكتروني للشركة الخاص بروزيكا. وما لبث أن كشف هذا التحقيق الهادئ عن مزيد من الاحتيال.

مكافآت مقنَّعة للموظفين

لم يكن روزيكا يقوم بمجرد إقناع الموظفين للانضمام إلى شركة تنافس شركة "ستاركي"، بل يبدو أنه كان يسرق المال. ويقول أوستن: "كان الأمر أشبه بسحب طرف الخيط وكشف سلسلة أمور لا تصدَّق، ولم يكن لديّ أدنى فكرة أنني سأكتشفها".

ومن بين هذه الأمور كانت مكافآت مقنَّعة في شكل مدفوعات أقساط التأمين، وكانت دليلًا على وجود مدفوعات، عرف أوستن أنه لم يأذن بها، بما في ذلك حصول الرجل الذي يدير قسم عمليات البيع بالتجزئة الصغيرة غير المربحة للشركة على مليونَي دولار، فضلًا عن سرقة سيارة الشركة.

بحلول الثامن من سبتمبر، كان أوستن قد رأى ما يكفي، فاستدعى روزيكا للاجتماع الذي سُجِّل صوتيًّا بالسرّ، واستمعت إليه المحكمة. ويقول أوستن في التسجيل: "أنت تعرف مقدار الوقت الذي قضيته في تقصّي حقيقة ما تفعل يا جيري، وحاولت تجاهل كل هذا، لكن حقًّا لم يكن الأمر جيدًا لي مطلقًا".

في وقت لاحق من ذلك اليوم، التقى أوستن مع روزيكا مرة أخرى لتناول العشاء، وكان ينظر إلى رئيسه الذي عمل معه لفترة طويلة، وسأله كم أخذ من المال. وأبلغ أوستن المحكمة أنّ جيري طأطأ رأسه وقال: "نحو 10 ملايين دولار". وفي الواقع، كان ما أخذه يقرب من 19 مليون دولار.

قرر أوستن إقالة كل من روزيكا ونيلسون وعديد من المديرين التنفيذيين الرئيسيين الآخرين، ثم أحال الأمر إلى السلطات. وأوضح قائلًا: "لم أتمكن حقًّا من إجراء مزيد من التحقيق، ولم أتمكن من الحصول على السجلات المصرفية، ولذلك سلّمت الأمر برُمّته إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، ومِن ثَم نسيته، وعُدت إلى العمل".

ويزعم أوستن أنه لا يحمل ضغائن تجاههم، بل يشعر بالأسف على روزيكا على حدّ قوله، لكنه سعيد من أجل شركته. وتابع: "لهذا السبب، كان علينا إجراء كثير من التغييرات للوصول إلى حيث نريد لتحقيق طموحاتنا. وجلبنا أشخاصًا جُددًا كنّا بحاجة إليهم للارتقاء إلى المستوى الذي وصلنا إليه حاليًّا. وأنا لا أشعر بالضيق مما حدث".

ويقول أيضًا إنه ليس غاضبًا من هذه المحاكمة القبيحة، "فأنا لستُ مرشحًا لمنصب سياسيّ ولا أسعى لأجل الظهور بمظهر القداسة. كان يمكنهم أن يقولوا أيّ شيء يريدونه، فأنا كنت أعلم أنه يتعيَّن عليهم فعل أيّ شيء في وسعهم لإنقاذ أنفسهم من الذهاب إلى السجن، وربما كنت سأفعل ذلك أيضًا لو كنت مكانهم".

وابتداءً من 9 فبراير 2018، أمضى أوستن ثلاثة أيام أمام منصة المحكمة، وكان معظم ذلك الوقت يساعد سُلطة الادّعاء في بناء قضية احتيال معقدة ومملّة في كثير من الأحيان. لكن عندما تولّى الدفاع المسؤولية لاستجواب الشهود، أخذت الأمور منعطفًا آخر.

انتقد محامو الدفاع شخصية أوستن، واتهموه باتخاذ مقرّ إقامة في تكساس للتهرّب من الضرائب، وقدموا أوراق تسوية بقيمة 66 مليون دولار كان قد توصّل إليها مع زوجته الثانية في عام 1988. وسألوه عن عملية "اللعق واللصق"، وهو استخدام المتخصص في أجهزة المساعدة السمعية لعاب الفم للصق الأجهزة قبل إدخالها في الأذن، وهو أمر كان يفعله أوستن بانتظام بحسب ادّعاءات محامي ميلر، وموكله أيضًا.

أجاب أوستن: إنها ليست عادة متكررة.

قال المحامي: حسنًا، إنه شيء بشع، أليس كذلك؟

ردّ أوستن: حسنًا، هذا هو رأيك الذي يحق لك أن تتبنّاه.

سأل محامٍ آخر عمّا إذا كان صحيحًا، كما ادّعى أوستن في مقابلة، أنّ "رئيس الملائكة ميخائيل" تجلّى في جسده وتحدّث إلى صبيّ صغير في مدينة تولوكا بالمكسيك، في عام 2011.

أجاب بهدوء: نعم، ادّعيتُ هذا.

ماذا حدث في المحكمة؟

ويتحدث أوستن بصراحة عن مشاهدته لرؤى منامية على مَرّ السنين، بالإضافة إلى تلقّي إشارات توجيهية استجابة لصلواته، مثل تلك التي تلقّاها في عام 1980. قال في قاعة المحكمة: "قيل لي إنّ الأمر لا يتعلّق بأجهزة المساعدة السمعية".

وأضاف: "كان الأمر يتعلق بإظهار محبة الله لخلقه، وكانت السماعات هي الوسيلة التي يمكنني استخدامها لفعل ذلك".

وكان سواليتش أيضًا محورًا رئيسيًّا في استجواب محامي الدفاع. كان البعض منها بذيئًا، لا سيّما تأكيدات المدير المالي السابق نيلسون بأن سواليتش لديه علاقات جنسية متعددة مع مرؤوسيه، وهو ما ينفيه. لكنّ جزءًا كبيرًا من التشهير ركّز على مؤهلات سواليتش لقيادة شركة "ستاركي"، وهو مسار استجواب غريب في محاكمة احتيال لشخص لم يكُن ضحية ولا متهمًا.

وقال المحامي: لقد أصبح رئيسًا لأنه ابن زوجته، أليس هذا صحيحًا؟

أجاب نيلسون: بلى، أعتقد أنّ هذا صحيح.

عندما سألت سواليتش عن هذا التأكيد أبدى انزعاجه قائلًا: "إمّا أن تكون قادرًا على القيام بهذه المهمّة وإمّا لا". وتعتبر شركة "ستاركي" طفل بيل الذي يعتني به، ولن يسلّمها ببساطة لأيّ شخص دون مؤهلات.

بالنسبة إلى أوستن، كان الأمر مجرّد شيء آخر يجب القيام به. لم تكن لديه خطة رئيسية لتعيين صهره، ولكن القرار كان وليد الموقف ثم تطوّر الأمر. يقول أوستن: "قام براندون بمجهودات هائلة، وكان أفضل بكثير مما كنت أتوقعه، أوجِّه إليه التحية حقًّا، لأنه لم يكُن العبقري الذي يعمل منفردًا، ولكن سعى إلى تكوين فريق عمل، مع العلم بأنه بحاجة إلى كل هذه السمات المختلفة لتحقيق هذا النجاح. كان جيري يدير العمل مثل الديكتاتور. كل شيء يعود إليه. لكن سواليتش، من ناحية أخرى، عمل فقط بنسق الفريق وكأنه مدربًا لفرقة رياضية".

وتولى أشين بوميك، الذي كان يعمل سابقًا في شركة "إنتل"، وهو الآن رئيس قطاع التكنولوجيا في "ستاركي"، بعد تنظيف الشركة من المسؤولين المحتالين (المصور: أكرمان + غروبر لـ"بلومبرغ بيزنسويك")

ويبدو أن الجميع في شركة "ستاركي" يتّفقون على أنّ أهمّ شيء فعله سواليتش كرئيس هو تعيين أشين بوميك في منصب رئيس قطاع التكنولوجيا، إذ كانت وظيفته السابقة في وادي السيليكون مقرّ كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية.

وكان يدير مجموعة الحوسبة الإدراكية في شركة "إنتل"، وهي وحدة مثيرة للفخر تضمّ 1400 مهندس يعملون على أنظمة ذكية مستقلّة مثل الروبوتات ذاتية التنقل، والطائرات دون طيار، أو كاميرات التعرف على الوجه.

عندما كانت شركة "ستاركي" تحاول جذبه، سافر بوميك إلى مينيابوليس ليقضي يومًا كاملًا من المقابلات، وفي أثناء الاجتماع الأول اقتحم أوستن الغرفة وبدأ يتحدث عن الأمل الجديد، ولم يتوقفوا عن الكلام لساعات.

قال السيد أوستن: "لقد بحثت في طبيعة عملك في مجال الحوسبة الإدراكية، وهذا مثير جدًّا للاهتمام"، ويجيب بوميك: "هل تعتقد أنه قد تكون هناك فرصة لاستخدام نفس التقنيات المتقدمة لمساعدة البشر؟".

لم يكن بوميك يفكّر في الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة تحديدًا، ففي شركة "إنتل" كان يفحص الأنظمة البشرية ليرى كيف يمكن محاكاتها في سيارة، على سبيل المثال، على أمل أن تتمكن هذه السيارة يومًا ما من قيادة نفسها بنفس الطريقة التي يقود بها الإنسان.

وقال: "تنفق (إنتل) المليارات على ذلك، لكن تناول السيد أوستن كان مختلفًا تمامًا، إذ قال إنه بدلًا من استخدام المستشعرات والذكاء الاصطناعي لصنع آلات ذكية، لماذا لا تستخدمها لمساعدة الناس على فهم العالم على نحو أفضل؟".

في زيارة لاحقة، وفي أثناء تناول البيتزا في قبو منزل سواليتش، تناقش بوميك وأوستن مرة أخرى. ويتذكر أنّ أوستن طلب منه النظر إلى العمل من زاويتين، الزاوية الأُولى كانت ألا ينظر إلى هذا العمل على أنه مجرّد أداة مساعدة للسمع، بل يجب النظر إليه كمنصّة، بمعنى آخر كجهاز لمساعدة البشر على تحسين اتصالاتهم، وهذا هو المعنى الأعمق لوظيفة الترجمة، إنها تمكّن الناس من التحدث بعضهم مع بعض على الرغم من حواجز اللغة.

يقول بوميك: "الزاوية الثانية كانت مساعدة الناس على العيش بشكل أفضل". كان التحدي الذي يواجه أوستن هو إمكانية الاستفادة من تقنيات الاستشعار الأكثر تقدمًا والذكاء الاصطناعي، لجعل الجهاز يساعد الناس على العيش بطريقة أفضل، ويقوم بأكثر من مجرد مساعدتهم على السمع. بالطبع يمكن ذلك، فالأذن هي أفضل مكان لوضع أجهزة استشعار".

الوضع الحالي للشركة

على مدار الشهرين الماضيين، كان بوميك يرتدي مجموعة من أجهزة "ليفيو" القائمة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، على الرغم من أنه يتمتع بقدرة جيّدة تمامًا على السمع. والنتيجة هي أنه شعر بأنه بَشَر "فوق العادة"، بحسب وصفه. ويوضح قائلًا: "يمكنني رفع مستوى الصوت فوق مستوى العالم. كم كان ذلك الأمر رائعًا".

ويزور إخصائيو السمعيات اليوم مقرّ الشركة، ويستأذن بوميك للانصراف ليستعدّ لعرضه التقديمي، فبعد عشرين دقيقة يقف وراء الكواليس فيما يقدّم سواليتش عرضًا تمهيديًّا لحشد أغلبه من الرجال البيض، وينادي بعضهم باسمه. يقول وهو يصرخ مناديًا سكوت ثم بوب: "إنه شعور يشبه اجتماع العائلة. كل مَن في هذه الغرفة أسهم عمليًّا في صعودي".

وأضاف قائلًا: "هذه شركة (ستاركي) الجديدة والمتطورة والأقوى من قبل". وتابع يقرأ نص كلمته: "لقد كنتم مع (ستاركي) في السرّاء والضرّاء، وخلال فترات الصعود والهبوط. نحن على وشك الانطلاق في رحلة على متن صاروخ لا تسأل فيها عن مقعدك، عليك فقط أن تصعد على متن الرحلة".

يتصاعد التصفيق في القاعة مع صيحة أو صيحتين، قبل أن يترك سواليتش المسرح لـبوميك الذي بدأ شارحًا استخدام الذكاء الاصطناعي وأحدث المستشعرات وعمر البطارية الذي يصل إلى 45 ساعة، مضيفا أنّ الجهاز خفيف وصغير لدرجة أنّ مُرتديه سينساه تمامًا.

جهاز قابل للارتداء ويتتبُّع لياقة الجسم والدماغ

ويقول بوميك: "هذه فقط النقطة الأُولى، أمّا النقطة الثانية فهي جهاز رائد قابل للارتداء ويمكنه تتبُّع لياقة الجسم والدماغ. والنقطة الثالثة أنه مترجم لغة بارع". هنا يتوقف ليرى مصدر الهمهمة، ثم يضيف: "هل يمكنكم تصديق ذلك؟ من المفترض أن يكون ذلك نوعًا من الخيال العلمي! رابعًا، الجهاز يمثل ثورة في أجهزة الأذن التي ترصد حالة سقوط الأشخاص أرضًا ويرسل التنبيه لطلب المساعدة. كل هذه الميزات كافية لنقل المنتج إلى مستوى آخر. عادةً تكون أجهزة تتبع اللياقة البدنية ضخمة، ومَن منا لا يرغب في سماع عبارة مترجمة (أريد مزيدًا من النبيذ) بالفرنسية تهمس في أذنه؟ مع الأخذ في الاعتبار أنه كل 11 ثانية يدخل شخص بالغ إلى الطوارئ نتيجة السقوط على الأرض، وفقًا لبيانات المجلس الوطني للشيخوخة. وعلاوة على ذلك يموت 50 في المئة منهم في غضون عام".

وأضاف: "هل تعتقد أنه يمكنك أقناع مرضاك بهذه القيمة؟".

يتجوّل إخصائيو السمع داخل الغرفة.

في اليوم التالي، سيعودون إلى ممارساتهم لبدء بيع جهاز "ليفيو" للمرضى. وهو ليس بالأمر الصعب. وفي غضون أربعة أشهر فقط سيشكل الجهاز 50 في المئة من إجماليّ مبيعات منتجات شركة "ستاركي" في أنحاء العالم، ليزيد الجهاز الجديد على نحو كبير من مبيعات الشركة التي تتمتع بأرباح كبيرة للغاية، بالإضافة إلى إثبات أنّ رؤى بيل أوستن ليست كلّها سخيفة.

كان مؤسِّس "ستاركي" يشاهد من غرفة التحكم عندما شرح بوميك الجهاز الذي وضعه أوستن في مؤتمر للهندسة عام 1988 في ألمانيا، عندما قال للحاضرين حينئذ: "هذا هو مستقبلنا"، وبعد 20 عامًا مع بضعة مطبّات وانقلاب فاشل داخل الشركة، وصل المستقبل أخيرًا.

تصنيفات