لطالما كانت عملية التحقق من هويتك في غاية البساطة، إذ عليك أن تبرز صورة من رخصة القيادة أو جواز السفر، وهما غالباً معك في جيبك أو في درج في المنزل. أما اليوم فيمكن التعرف عليك من خلال مجموعة من العمليات الرقمية لوجهك عبر أمثال "ابل" و"مايكروسوفت"، وأسماء أقل شهرة كشبكة (ID.me)، التي ستقوم قريباً بفحص وجوه المواطنين الأمريكيين الذين يرغبون في تدبر أمر ضرائبهم عبر الإنترنت مع "خدمة الإيرادات الداخلية" (IRS).
اقرأ أيضاً: تقنية التعرّف على الوجه.. المعركة الجديدة للاستثمار وفق المعايير الاجتماعية
ظاهرياً، هذه الخدمات بسيطة، لكن عدد الشركات التي تعالج بصمات الوجه آخذ في الازدياد أيضاً، مما يثير بعض الأسئلة الصعبة حول كيفية تحديد هويتنا - وحتى تصنيفنا - في المستقبل.
تتمثل إحدى طرق تخيل شبكة اليوم المعقدة لبائعي تقنية التعرف على الوجه في التفكير في الإنترنت على أنه مثل معرض اللوحات القومي الذي يتخذ من لندن مقراً له.
طالع المزيد: "فيسبوك" توقف استخدام تقنية التعرُّف على الوجوه
الصور المعروضة بحرية
تشبه الصور العامة المعروضة بحرية إلى حدٍ ما مليارات الصور التي ينشرها الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يجمِّعها مع مرور الوقت بائعو تقنيات التعرف على الوجه.
تعد "كلير فيو إيه آي" (Clearview AI) إحدى الشركات التي تقوم بذلك علانية. إذ تستخدم الوكالات الحكومية الأمريكية وإدارات الشرطة أداة البحث الخاصة بها لمسح أكثر من 10 مليارات صورة عامة لمعرفة ما إذا كانت ستطابق بعض المشتبه بهم. من جهة أخرى، يعتبر "بيم آيز" (PimEyes) محرك بحث آخر استخدمه المحققون والمطاردون لفحص وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن تطابق في الوجه.
ثم إذا ذهبت إلى "معرض اللوحات القومي"، ستجد معارض خاصة يتعين عليك الدفع لمشاهدتها. إن الأمر مشابه على الإنترنت، حيث تم تعيين شركات مثل (ID.me)، و"أبل"، و"مايكروسوفت" وغيرها لمعالجة الوجوه والتحقق منها بشكل خاص، لتعمل بشكل أساسي كمراقب لتلك البيانات. على سبيل المثال، قامت العديد من الولايات الأمريكية، بما في ذلك ماريلاند وجورجيا، بالاستفادة من "أبل" مؤخراً لتخزين هويات سكان الولاية ورخص القيادة على هواتف "أيفون" الخاصة بمواطنيها. يتم تحويل وجوه الأشخاص إلى بصمات وجوه، التي هي تمثيل رقمي يشبه سلسلة من الأرقام.
أخيراً، يحتوي المعرض في لندن على محل لبيع الهدايا به الحلي التي يمكنك اصطحابها إلى المنزل وفعل ما تريد بها.
بائعو التعرف على الوجه
المكافئ عبر الإنترنت هو بائعو التعرف على الوجه الذين يبيعون فقط أدوات لتحليل صور الوجوه. تبيع شركة "إني فيجن إنتراكتيف تكنولوجيز" (AnyVision Interactive Technologies) الإسرائيلية برامج مطابقة الوجه لأقسام الشرطة وتترك لهم -على سبيل المثال - إمكانية إنشاء قواعد البيانات الخاصة بهم.
ربما يكون النموذج الأكثر شهرة من بين الثلاثة هو نموذج "المعرض الخاص" لشركات مثل "أبل". لكن هذا المجال هو المكان الذي تصبح فيه الأشياء فوضوية بعض الشيء. لدى الشركات المختلفة بصمات وجه مختلفة لنفس الأشخاص، بنفس الطريقة تظل بصمات أصابعك ثابتة لكن حبر البصمة التي تصنعه سيكون دائماً مختلفاً قليلاً. لدى بعض الشركات درجات متفاوتة من ملكية البيانات. لا تتدخل "أبل" وتخزن بصمات الوجوه على هواتف العملاء؛ وكذلك الحال بالنسبة لـ"مايكروسوفت"، التي تعالج وجوه سائقي "أوبر" للتحقق منها وإثبات أنهم يرتدون الكمامة، لكنها تحذف البصمات بعد 24 ساعة.
فيديو سيلفي لإنشاء حساب
على النقيض من ذلك، تتعامل (ID.me)، وهي شركة للتحقق من الوجه تتخذ من فرجينيا مقراً لها، مع مجموعة ضخمة من بصمات الوجوه – 16 مليوناً، أو أكثر من سكان ولاية بنسلفانيا - من الأشخاص الذين حمَّلوا فيديو سيلفي لإنشاء حساب. قريباً، ستطلب مصلحة الضرائب الأمريكية من الأمريكيين التخلي عن بيانات اعتماد تسجيل الدخول الخاصة بهم لموقعها على الإنترنت، وإثبات هويتهم باستخدام بصمة (ID.me) لإدارة سجلاتهم الضريبية عبر الإنترنت.
لدى هذه الأنظمة بعض الثغرات، لكنها تعمل بشكل عام. يقوم سائقو "أوبر" بمسح ضوئي لوجوههم باستخدام تقنية "مايكروسوفت" منذ بضع سنوات حتى الآن، وتستخدم (ID.me) من قبل العديد من وكالات البطالة الأمريكية في ولايات عدة للتحقق من هويات مقدمي الطلبات.
علامة الاستفهام الكبيرة تدور حول ما سيحدث عندما تبدأ المزيد من الشركات في معالجة وجوهنا وتخزينها بمرور الوقت.
عدد قواعد البيانات التي تحتوي على بصمات الوجه آخذ في الازدياد، وفقاً لآدم هارفي، الباحث ومدير "في آر فريم" (VRFRAME)، وهي منظمة غير ربحية تحلل البيانات العامة، بما في ذلك تلك التي تحتوي على وجوه. ويشير إلى أنه أصبح من السهل إنشاء متجر مختص بالتحقق من الوجه، مع وجود الكثير من التكنولوجيا الأساسية مفتوحة المصدر وأقل تكلفة في التطوير، وتوفر مليارات الصور التي يمكن التنقيب فيها. كما يشير إلى أن الشركات الخاصة التي تعالج وتخزن الملايين من بصمات الوجه لا يتعين عليها أيضاً أن تخضع للتدقيق بالطريقة نفسها التي تخضع لها الوكالة الحكومية.
بصمة وجهك هدف للمحتالين
نظراً لأن المزيد من الشركات تتعامل مع المزيد من بصمات الوجوه، فليس من المعقول أن يبدأ بعضها في مشاركة بيانات الوجه مع الآخرين لتحليلها، بالطريقة نفسها التي تتبادل بها اليوم شبكات الإعلانات رزماً من البيانات الشخصية للإعلانات المستهدفة. لكن ماذا سيحدث عندما تصبح بصمة وجهك طريقة أخرى لتحليل المشاعر؟ أو تجعلك هدفاً للمحتالين؟
لدى تقنية التعرف على الوجوه القدرة على جعل مواقع الإنترنت مثل "خدمة الإيرادات الداخلية" تعمل بشكل أكثر أماناً، لكن نمو قواعد البيانات هذه يثير بعض المخاطر نفسها التي تأتي مع كلمات المرور - بالنسبة لتلك الهويات التي تزور أو تسرق. على عكس كلمات المرور، تعد الوجوه رموزاً شخصية أكثر بكثير تتم مشاركتها مع الشركات.
اليوم، يعد مراقبو بيانات بصمات الوجه بأمن صارم. إذ يقول الرئيس التنفيذي لشركة (ID.me)، بلايك هول، الذي يشرف على قاعدة البيانات الكبيرة لبصمات الوجه لصالح مصلحة الضرائب الأمريكية والوكالات الحكومية الأخرى: "لن نمنح أي كيان خارجي حق الوصول إلى قاعدة البيانات الخاصة بنا، لا تتم مشاركة البيانات البيومترية إلا عندما تكون هناك عملية احتيال أو سرقة واضحة للهوية".
لكن لدى هارفي وغيره من المدافعين عن الخصوصية سبباً وجيهاً للقلق. في الماضي، حدثت أخطاء في تقنية التعرف على الوجوه، كما تم التنقيب عن البيانات الشخصية بشكل عديم الضمير. ومع نمو سوق التعرف على الوجه في التمويل والمشتركين الجدد، سيكون من الصعب تتبع مجموعة مراقبي البيانات، ناهيك عن فهمها، وهذا عادةً لا يبشر بالخير.