بلومبرغ
في حين يدخل العالم عام 2022، ويصارع أحدث متحول من الفيروس؛ كشفت الصين عن نسخة منقحة من مخطط سياسة "صنع في الصين 2025". وربما قد وتّرت سابقاتها العديد من الدول مثل الولايات المتحدة، لكن هذه النسخة جديرة بالمتابعة عن كثب.
أصدر مخططو الدولة خطة تطوير التصنيع الذكي لمدة خمس سنوات في أواخر ديسمبر، و هي تهدف لرقمنة 70% من الشركات الكبيرة في الدولة. ستركز الصين الآن على بناء وامتلاك الروبوتات الصناعية، وتحديث المعدات، وعمليات الإنتاج في قطاع التصنيع.
قد لا يكون لهذا ضجة تقنية النانو نفسها، أو المواد الجديدة، أو الروبوتات التي تسرق الوظائف البشرية، وهي القطاعات المستهدفة في خطة "صنع في الصين" الماضية. مع ذلك؛ فإنَّ المخطط الأخير لديه القدرة على مساعدة بكين على أن تصبح أرضية مصانع المستقبل، مع كفاءة عالية وآلات دقيقة، في وقت تعد فيه أكبر عقبة أمام القدرة التنافسية للولايات المتحدة. في ظل الفوضى التي تعم سلاسل التوريد العالمية؛ فإنَّ عزم الصين على تحديث قطاع الإنتاج الصناعي الضخم، والنظام البيئي المحيط به لتعزيز دورها كمورد للعالم هو أمر فطن ومتبصر؛ ستصنع بكين بشكل أفضل ما تصنعه بالفعل بشكل جيد.
أتمتة القطاع برمته
يتمثل جوهر أحدث خطة للتصنيع الذكي بزيادة إيرادات قطاع الروبوتات الصناعية في البلاد بمعدل سنوي يبلغ 20% خلال السنوات الثلاث المقبلة، ومضاعفة كثافة الروبوتات كوسيلة لاعتماد الأتمتة. لا يتعلق الأمر فقط بالمصانع؛ بل يشمل المستودعات، والوظائف اللوجستية، وغيرها من المجالات ذات الصلة التي تجعل القطاع بأكمله يعمل بطريقة أكثر إنتاجية، مما يعني المزيد من السيارات الكهربائية، والبطاريات، والإلكترونيات الأفضل.
كما تعتزم بكين إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة تركز على قطاعات محددة للغاية، وهو ما تسميه "العمالقة الصغار"، إذ تكون قادرة على المنافسة عالمياً، وهي ضرورية للتقنية الصناعية، وبذلك هي تريد أيضاً تقليل الاعتماد على الشركات الأجنبية. دعت وزارة الصناعة وتقنية المعلومات الصينية لإدخال تحسينات في مجالات مثل مخفضات السرعة عالية الدقة، وأنظمة المؤازرة، وأجهزة التحكم في الروبوت، والمفاصل الذكية المتكاملة، وفقاً لمحللين من "دايوا كابيتال ماركتس هونغ كونغ" (Daiwa Capital Markets Hong Kong). كل هذه مكوّنات رئيسية تستخدم في معدات الأتمتة الصناعية التي تساعد في التحكم في الحركة والوظائف الأخرى للآلات.
تبدو الأهداف طموحة، لكنَّها تتماشى مع الاتجاه العالمي نحو أتمتة المصانع؛ ففي 2021، كان هناك 126 روبوتاً لكل 10 آلاف موظف في جميع أنحاء العالم، بارتفاع من 66 قبل خمس سنوات. الصين هي أكبر سوق لهذا بفارق كبير عن تاليتها، إذ تملك 44% من مرافق تصنيع الروبوتات، وتحتل المرتبة التاسعة من ناحية الكثافة على مستوى العالم، مقارنة بالمركز 25 قبل خمس سنوات فقط، وفقاً للاتحاد الدولي للروبوتات، في حين تأتي الولايات المتحدة بحصة 8% في المرتبة السابعة.
هل تنفذ الخطة؟
مع ذلك، لا يعني مجرد وجود خطة أنَّ تنفيذها مؤكّد. ونمت شركات مثل "إستون أتوميشين" (Estun Automation)، أكبر مصنّعة للروبوتات الصناعية في الصين، عبر الاستحواذ على الشركات الأجنبية، وليس عبر تحقيق قفزات في التقنية، ثم توسعت هذه الشركات لإنشاء سلاسل التوريد حولها. كما يظهر الدعم الحكومي بقوة في أرباح الشركة. وقال المسؤولون أخيراً، إنَّهم سيشجعون الاندماج والاستحواذ في القطاع.
سيكون من الخطأ القول، إنَّ هذه مجرد محاولة أخرى من قبل صانعي السياسة الصينيين للتحرك نحو الابتكار التقني، أو نحو تطوير مخطط مثل العديد من الخطط الأخرى على النمط السوفيتي، والتي تضعها الدولة منذ الخمسينيات. بدلاً من ذلك؛ أقرت بكين أَّنه من أجل البقاء في المقدمة، والحفاظ على دورها الرائد كمركز تصنيع عالمي؛ فهي ستحتاج إلى التحديث. قال مسؤول في الوزارة، إنَّه "ما تزال هناك فجوات، وأساس صناعي ضعيف، كما أنَّ جودة واستقرار وموثوقية المكونات الرئيسية لا تستطيع مقابلة احتياجات الآلات الكاملة عالية الأداء"، بحسب ما ذكرت وسائل الإعلام الحكومية.
تتحدث الولايات المتحدة ودول أخرى عن التصنيع المتقدم أيضاً، ومع ذلك؛ فقد أحرزت تقدّماً محدوداً. يتضح ذلك في عقبات سلاسل التوريد العالمية، التي تركت الشركات في جميع أنحاء العالم تتدافع لإنتاج السلع مع إيجاد جميع الأجزاء المناسبة في الوقت المناسب. كما سلّطت الضوء على الدور المرهق للمصانع وعمالها، والشحن، والخدمات اللوجستية، والمستودعات، مما كشف عن أوجه القصور في المجمع الصناعي الأمريكي.
إن نظرنا للأمر من هذه الزاوية؛ فإنَّ خطة بكين على صواب، وستبقي العالم معتمداً على الصين لأطول فترة ممكنة.