خلال جلسة استماع جرى عقدها بالكونغرس الأمريكي الثلاثاء الماضي، لم تكن فرانسيس هوغن، مديرة المنتجات السابقة لشركة "فيسبوك" تحتاج إلى إقناع الأعضاء المشرعين بوجود مشكلة كبيرة لدى الشركة.
كان النواب الجمهوريون والديمقراطيون يقفون صفاً واحداً، لمرة واحدة، بجانبها، لدرجة أنهم أطلقوا عليها لقب "بطل" في العديد من نقاط النقاش. ما كانوا يحتاجونه هو تحديد الاتجاه. ومن حسن الحظ، أعطت "هوغن" لهم ما يحتاجونه.
أثناء الجلسة، لجأت "هوغن" إلى استخدام مصطلح تقني وهو "ترتيب الأولوية بحسب المشاركة" لتجمع بذلك تعقيدات مشكلات شركة "فيسبوك" من خلال مصطلح واحد غير مُلون. سعى المشرعون للتعبير عن ذلك بأنفسهم، حيث قال السيناتور جون ثون في سؤاله الذي طرحه على نحو متردد: "لقد علمنا.. أن شركة "فيسبوك" تعمل من خلال ما يسمى بـ"ترتيب الأولوية بحسب المشاركة".
كان على حق في سؤاله، حيث يمكن اختصار نجاح شركة "فيسبوك" كنشاط تجاري في استخدام الخوارزميات التي تضع المحتوى الأكثر تشويقا في صدارة ملفات أخبار المستخدمين. يُعد الاعتماد على هذه الصّيَغ أمرا أساسيا في تحقيق شركة "فيسبوك" النجاح على صعيد إشراك المستخدمين، غير أنها تساعد أيضا على الترويج لنظريات المؤامرة على الموقع الإلكتروني وتعريض فتيات في سن المراهقة إلى اضطرابات الطعام من خلال موقع التواصل الاجتماعي "انستغرام".
في إحدى هذه اللحظات المُفعمة بالقوة، حذرت "هوغن" من أنه مع مرور سنوات من الوقت الحالي، ستجد النساء معاناة على نحو مؤثر جراء إصابتهن بهشاشة العظام والعقم مع تعرضهم لخيارات موقع "فيسبوك".
أبدت "هوغن" مصداقيتها باعتبارها شاهدة، وذلك عندما رفضت التورط في هجمات شخصية تستهدف الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك" مارك زوكبيرغ أو التعرض للمسائل الشائكة الخاصة بحماية حرية التعبير، علاوة على أنها أقرت بعدم وجود رد في حال حدوث ذلك مع استخدامها للغة خطاب واضحة المعني.
يعتبر الشيء الأشد فتكاً بشركة "فيسبوك" هو كيف صار تقديم هذه الشهادة التي تميزت ببرودة الأعصاب يبدو كأنه نوع من التدخل في عملها. أوضحت "هوغن" أن شركة "فيسبوك" كانت تحرص على إخفاء مشكلاتها، "وكما يحدث للعديد من الناس في أحيان كثيرة عندما يكون لديهم القدرة على إخفاء مشاكلهم، فإنهم يسقطون في مواقف صعبة. وتابعت أنه كان من الضروري أن يتدخل الكونغرس ويقول، "يمكننا معا تحديد سبل إصلاح هذه الأمور".
اقرأ أيضا: "فيسبوك" ملك وسائل التواصل الاجتماعي أمام تحديات مقلقة للمستثمرين
فرّقت فضائح "فيسبوك" السابقة الأعضاء المُشرّعين في مسارات متباينة، كان منها الدخول في شجار مع "زوكربيرغ"، على سبيل المثال لا الحصر، حول من سيخضع لإشراف فعلي، وأدى ذلك في نهاية الأمر إلى رد فعل ضعيف، لكن ما يقدمونه الآن من دعم وتفهم بطريقة موحدة يعتبر نقطة فاصلة.
وفقاً لذلك، نستعرض أربعة أمور يستطيع الكونغرس الأمريكي فعلها بناء على توجيهات "هوغن":
إصدار أمر لـ"فيسبوك" بوقف العمل بخوارزميات "ترتيب الأولويات بحسب المشاركة" أو تقليلها بشكل كبير
يجب التخلص من مادة الإدمان الشبيه لمادة النيكوتين والتي تقود الناس لتكرار العودة إلى منصتي "فيسبوك" و"إنستغرام". قدمت "هوغن" بديلاً، وهو الاعتماد على "الترتيب الزمني مع الحد من الرسائل غير المرغوب فيها نسبياً". في حال تحقق ذلك فإنه يعني العودة إلى ما كان موقع "فيسبوك" يبدو عليه خلال الأيام الأولى، حيث جرى ترتيب ملفات الأخبار بحسب التوقيتات.
ولا يزال في الإمكان الاعتماد على الخوارزميات للتخلص من الرسائل غير المرغوب فيها، على الرغم من أن ما يتطلبه فعل ذلك سيكون موضع جدل، لكن الاعتماد على عنصري التوقيتات والبشر -بدلا من الآلات– سيجعل منهما المُنسقين النهائيين لما سيشاهده الجمهور المتلقي.
سيتسبب ذلك بشدة في الإضرار بأرباح شركة "فيسبوك"، ومن المحتمل أن يرفض "زوكربيرغ" مثل هذا التحرك نظراً لما لديه من التزام ائتماني بحماية مصالح المساهمين. يحتاج الكونغرس الأمريكي وفقا لذلك السبب إلى أن يتدخل.
إصدار أمر لـ"فيسبوك" لكي تنفق المزيد على مهمة الإشراف على المحتوى
تعتقد "هوغن" أنه يجب ألا يجري تفكيك شركة "فيسبوك". سيؤدي هذا العمل إلى إضعاف فرق السلامة في جميع أنحاء إمبراطورية الموارد، كما سيُضعف القدرة على العمل الجماعي، وسيُسفر عن تقسيم المشكلة إلى مشكلات ذات حجم أصغر.
تقترح "هوغن" بدلاً من ذلك الاعتماد على "وسائل التواصل الاجتماعي الخاضعة للقياس البشري". في ظل قصور أداء تقنيات الذكاء الاصطناعي في شركة "فيسبوك" غالباً، فيما يتعلق بالعثور على المحتوى الضار، يتحمل العنصر البشري بالفعل الكثير من مهام اكتشافه وإيقافه.
تستمر شركة "فيسبوك" في تنفيذ هذا العمل من خلال طرفين غرباء عن بعضهما بعضا، حيث تَعْهد به لمصادر خارجية من بائعي الطرف الثالث. جاء من بين الحلول المقترحة من قبل دراسة حديثة أجرتها كلية "ستيرن للأعمال" في جامعة نيويورك، العمل على مضاعفة عدد مشرفي المحتوى في شركة "فيسبوك" إلى 30 ألفا وجعل الكثير منهم موظفين بنظام الدوام الكامل.
إصدار أوامر بإنشاء وكالة لتدقيق الخوارزميات وخصائص موقع "فيسبوك"
طالبت "هوغن" بإنشاء وكالة تنظيمية فيدرالية تستطيع إجراء تحليل لـ"تجارب" شركة "فيسبوك" الداخلية من خلال برمجيات وإرسال هذه المعلومات إلى "مجلس الإشراف على محتوى فيسبوك" التابع لها.
يمتلك "مجلس الإشراف" بالفعل نظاما يسمح له بتقديم المشورة لصالح شركة "فيسبوك"، لكنه كان يشتكى من أن شركة "فيسبوك" لا توفر له البيانات الضرورية المطلوبة في عملية اتخاذ القرارات.
يُمكن أن تعطي نتائج البحث الداخلي الأولي، مثل النوع الذي جرى الكشف عنه من خلال ملف يحتوى على تفريغ مستندات مقدمة من "هوغن"، أهمية أكبر لتوجيهاته (أو الطلبات التي ستقدم من قبل الوكالة الجديدة) بهدف جعل مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لشركة "فيسبوك" أكثر صحة.
من الممكن إصدار أمر لشركة "فيسبوك" برفع مستوى مصادر الأخبار التي تتمتع بموثوقة، مثلما حدث على سبيل المثال في أعقاب انتخابات شهر نوفمبر الماضي، بجانب إضافة خاصية تتطلب من مستخدمي الموقع النقر فوق رابط قبل نشر شيء ما أو تقديم مطالبات بفترة استراحة مؤقتة لأكثر المستخدمين إدمانا.
إعطاء تفويض بالإفصاح للباحثين على نحو منتظم
يجب إلزام شركة "فيسبوك" بنشر بيانات حول ما يجري داخل موقعها (مع توفير سبل حماية الخصوصية على نحو صحيح) مثل المنشورات الأكثر مشاركة أو الإعلانات ذات الطابع السياسي التي يجري النقر عليها. عندها فقط يمكن للخبراء الأكاديميين من خارج الشركة القيام بتحليل أنظمتها وعمل تقرير حول النتائج التي جرى التوصل إليها من قبلهم.
لا يُعد أي من هذه الأفكار جديدا من نوعه، وسيلقى ذلك بظلاله على دُعاة الحقوق المدنية وحماية الخصوصية الذين لم تجد اقتراحاتهم حتى الآن سوى الصمت والتراخي من جانب الساسة. غير أن جهودهم ساهمت في وضع أساسا بطريقة حاسمة لشهادة "هوغن"، ما جعلها تكتسب زخما في النهاية.
سيكون لدى المشرعين رغبة في الإنصات لرأيهم تجاه أفكارها، كما أنه لدينا أمل في أن يجدوا شيئاً من إجماع الآراء عندما يتواصلون مع هذه الجماعات للتعرف على رد فعلهم.