بمرور عام بعد عام، نسمع عن طموحات الصين في أن تصبح منافساً رائداً في سباق الرقائق عالمياً. ومع ذلك، تتخذ شركاتها وحكومتها مراراً وتكراراً قرارات يبدو أنها تهدف إلى ضمان بقاء الأمة في حالة إخفاق.
أحدث الخيارات المربكة هو توقيع حكومة شنغهاي لامتلاك ما يصل إلى 25% من مصنع ضخم جديد تعتزم "المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات" (SMIC) إقامته.
تضاف الميزانية البالغة 8.9 مليار دولار لذلك المصنع، إلى مصنع آخر بقيمة 2.35 مليار دولار تخطط ( إس إم أي س) لإقامته بالفعل على بعد 800 ميل جنوباً في شينزن. سيكون هذا المشروع السابق أيضاً عبارة عن أقلية تحتفظ بها وتمولها الحكومة المحلية.
تقنيات قديمة
الأمر المذهل في هذه الخطط أنها ستخلق قدراً هائلاً من القدرة التصنيعية للتقنيات التي مضى عليها أكثر من 10 سنوات.
سيتم تخصيص مصنعي شنغهاي وشينزن لصناعة الرقائق ذات عقد 28 نانومتر وما فوق، وهو النوع المستخدم للتطبيقات الأقل حساسية للطاقة والموارد مثل التحكم في النوافذ الكهربائية أو تشغيل مسَّاحات الزجاج الأمامي.
بالمقارنة، فإن شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة (تي إس إم سي) الرائدة عالمياً تصنع رقائق لشركة "أبل" و"إنتل كورب" عند 5 نانومتر، وستقدم 3 نانومتر الأكثر تقدماً في العام المقبل.
إذا تمكنت "إس إم أي سي" من بدء العمل لبناء المصنعين الجديدين اليوم، فإن السعة الإجمالية البالغة 140 ألف رقاقة في الشهر ستقطع شوطاً طويلاً نحو حل النقص في الرقائق حالياً.
تخطيط سيئ
تضررت الشركات المصنعة للسيارات بشدة لأن التخطيط السيئ خلال الأيام الأولى لتفشي الوباء العام الماضي يعني أنها غير قادرة حالياً على تثبيت أجهزة الاستشعار والشاشات والإلكترونيات اللازمة لتصنيع سيارة حديثة. معظم هذه الرقائق مصنوعة عند مستوى عقدة 28 نانومتر.
لكن تتبادر إلى الذهن مشكلتان عند النظر إلى هذا التخصيص الضخم لرأس المال. أولاً، سيستغرق بدء تشغيل هذه المصانع ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات، وفي ذلك الوقت سيتم تخفيف النقص الحالي، مع احتمال حدوث انخفاض في الأسعار.
سيؤدي افتقار الصين إلى الاكتفاء الذاتي من المعدات والمواد والبرمجيات اللازمة لتصنيع الرقائق إلى زيادة تعقيد توسيع القدرات الإنتاجية.
ثانياً، لا يتمثل حلم الصين في أن تكون قوة عالمية في المكونات التي تنظف سيارتك بالماء. إنها تريد تصميم وتصنيع الرقائق التي توجه السيارة بشكلٍ مستقل.
إمبراطور الرقائق
في يونيو، عينت بكين نائب رئيس مجلس الدولة (مجلس الوزراء)، ليو خه، ليكون إمبراطور الرقائق الجديد، في خطوة تُسلط الضوء على مدى جدية الرئيس، شي جين بينغ، في الاعتناء بإنشاء قطاع أشباه موصلات رائد في الصين.
على الرغم من ضخ ما لا يقل عن 51 مليار دولار في صندوقين منفصلين منذ عام 2014 لمساعدة الشركات المحلية على اللحاق بالشركات المنافسة في الخارج، لم يكن هناك تقدم كبير في سد الفجوة.
لذلك تحتاج إلى أن يركز المهندسون على المنتجات الرائدة والمتخصصة التي تباع بمئات الدولارات، وليس مكونات السوق الشاملة التي تباع مقابل أجر ضئيل.
على سبيل المثال، تستخدم شركة "إكس بنغ" الصينية الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية رقائق ذكاء اصطناعي من الشركة الأمريكية "إنفيديا كورب" والتي تباع بما يصل إلى 999 دولاراً للقطعة الواحدة ، بينما تكلف الأجزاء التي تتحكم في شاشة عرض السيارة دولاراً واحداً فقط.
إنفاق غير كافٍ
تقوم شركة "تي إس إم سي" بتصنيع أفضل أشباه الموصلات لصالح "إنفيديا" وتنتج "إس إم أي سي" مكونات مثل أجهزة التحكم في الشاشة، من بين منتجات أخرى أقل تقدماً.
بالتالي، فإن إنفاق 11 مليار دولار على مصانع ضخمة لإنتاج قطع غيار شاملة أو عامة لن يسد الفجوة بين "إس إم أي سي" و"تي إس إم سي".
لن يضيع المال فقط، فلا تتوافر المواهب الهندسية.
كتب تشارلز شوم، المحلل في بلومبرغ إنتليجنس، أن حجم الأعمال لدى الشركات الصينية المصنعة للرقائق هو من بين أعلى المعدلات في الصناعة، في حين أن "إس إم أي سي" تدفع لموظفيها أقل بكثير من المستويات المقدمة في "تي إس إم سي"، وأقرب شركة منافسة لشركة "يونايتد ميكرو إلكترونيكس كورب".
إن تركيز القوى العاملة لديك على الضغط على مكاسب الكفاءة سيعزز بالتأكيد الهوامش ويزيد الأرباح، ولكن هذا يعني أيضاً أن الموهبة ليست مهيأة لحل التحديات البارزة التي تواجه تصنيع أشباه الموصلات.
التركيز على المنتجات الرخيصة
ربما تكون "إس إم أي سي" ونظيراتها مثل "هوا هونغ سيميكوندكتور ليمتد" في ظروف أفضل على الأرجح.
يعني العالم المترابط بشكل متزايد وقاعدة المستهلكين المتنامية بالصين أنه سيكون هناك دائماً طلب على المنتجات منخفضة التكلفة التي قرروا أنهم يريدون السيطرة عليها.
ستواجه تلك المنتحات منافسة شديدة من جانب "غلوبال فاوندريز"، وهي شركة أمريكية منافسة، أعلنت في وقت سابق من هذا العام عن توسعها في سنغافورة بقيمة 4 مليارات دولار، بهدف استهداف نفس الفئة الواسعة من المنتجات التي تسعى " إس إم أي سي" لإنتاجها.
لكنها على الأقل لن تتعامل مع "تي إس إم سي" بشكلٍ مباشر، ولا مع قادة الصناعة الآخرين، مثل "سامسونغ" و"إنتل". هذه خطوة آمنة. لن تضطر الشركة الصينية للقلق أبداً بشأن خسارة معركة الرقائق عالمياً إذا لم تدخل السباق.
هيمنة محلية فقط
لن تواجه الشركة الصينية أي مشكلة في الحفاظ بشكل مريح على هيمنتها المحلية مع الحصول على أوجه الدعم والاستثمارات من الحكومات المحلية الحريصة على صقل قدراتها التقنية.
لسوء الحظ بالنسبة للصين، فإن تقديم اعتمادات مالية كبيرة لتمويل التحركات الخجولة لن يجعل الدولة قوة عالمية في صناعة أشباه الموصلات ولن يعزز أهدافها المتمثلة في الاستقلال التكنولوجي. لكي تحقق بكين ذلك، ستحتاج إلى إيجاد بطل قومي جديد.