صافرة إطلاق "مونديال" السعودية تنتظر تذليل بعض العقبات

تعهدات السعودية لاستضافة كأس العالم "استثنائي" تصطدم بواقع تخفيض الإنفاق على بعض المشاريع

time reading iconدقائق القراءة - 13
الحكم المغربي-الأميركي إسماعيل الفتح يُطلق صفارة البداية لإحدى مباريات كأس العالم - فيسبوك
الحكم المغربي-الأميركي إسماعيل الفتح يُطلق صفارة البداية لإحدى مباريات كأس العالم - فيسبوك
واشنطن -حسن يحيى

بات الأمر رسمياً، ففي عام 2034 سيتجمع محبو كرة القدم في السعودية وخلف الشاشات التي تنقل بثاً مباشراً من أراضي المملكة لمشاهدة مباريات كأس العالم. لكن القصة لا تنتهي هنا، فهناك العديد من التحديات التي يجب على المملكة تذليلها قبل انطلاق صافرة البداية. 

الإنفاق من أبرز هذه التحديات. إذ تعهدت المملكة ببناء 11 ملعباً جديداً من أصل 15 ملعباً مخصصاً لاستضافة المباريات، بالإضافة إلى تخصيص 230 ألف غرفة فندقية تتناسب مع معايير "فيفا" في المدن الخمسة التي ستستضيف المباريات، وهو ما يعني إضافة نحو 175 ألف غرفة فندقية على المخزون الموجود حالياً.

هذه التعهدات تصطدم بواقع أن المملكة تلجأ إلى تخفيض الإنفاق على بعض المشاريع، أو تأجيل إنهاء مشاريع أخرى، خصوصاً وسط عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي، وتوقعات بارتفاع عجز الميزانية من 101 مليار ريال في 2025، إلى 140 مليار ريال في 2027.

يعتبر فيجاي فاليشا، الرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة "سنشري فاينانشال"، أن "التحديات المتمثلة في خفض الإنفاق وتأجيل بعض المشاريع قد تطرح تساؤلات حول قدرة المملكة على الوفاء بهذا الهدف الطموح".

يمكن تلخيص هذه التساؤلات في 3 محاور: إمكانية بناء هذا الكم الهائل من الغرف الفندقية قبل بداية البطولة، وقدرة المملكة على الوصول إلى التمويل في ظل ارتفاع العجز وانخفاض أسعار النفط، وأخيراً الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع.

يجيب فاليشا في تصريحاته لـ"الشرق" أن قدرة المملكة على الوفاء بتعهداتها في هذا المجال تتطلب النظر إلى آفاق السياحة وإمكانية الوصول إلى التمويل.

سبق للمملكة أن حققت أهداف الرؤية بشأن عدد السياح قبل أوانها، وباتت تتوقع استقبال 150 مليون سائح بحلول عام 2030، كما أن قطاع السياحة والضيافة ساهم بنسبة تقترب من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يضع القطاع على مسار تحقيق الهدف الحكومي المتمثل في مساهمته بـ10% في الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العقد. 

هذه العوامل، وفق فاليشا، تشكل دافعاً للمملكة لإعطاء الأولوية للمشاريع الكبرى المرتبطة بهذه القطاعات، مثل "نيوم"، وهي مدينة مستقبلية ستستضيف مباريات في كأس العالم.

من جهته، يرى عبد الحميد العمري، عضو جمعية الاقتصاد السعودية في تصريحه لـ"الشرق"، أن السعودية أعلنت بالفعل عن تقليص للإنفاق على بعض المشاريع، وتأجيل أخرى، وذلك بهدف حماية الاقتصاد. لكنه شدد على أن المشاريع المرتبطة بالقطاع السياحي والأحداث الكبرى المنتظرة ليست على هذه اللائحة.

الغرف الفندقية الاقتصادية

يشير ملف السعودية لاستضافة كأس العالم إلى أنها ستخصص 230 ألف غرفة فندقية. رغم ضخامة هذا الرقم، إلا أن تحقيقه "ممكن"، بحسب جميع الخبراء الذين تحدثوا لـ"الشرق".

وقال الأستاذ الجامعي والكاتب الاقتصادي علاء الغامدي: "رغم وجود تحديات مرتبطة بإعادة هيكلة بعض المشاريع، فإن السعودية أثبتت قدرتها على إنجاز مشاريع ضخمة مثل نيوم ومشروع البحر الأحمر"، مشيراً إلى أن بعض الحلول تكمن "في تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وتطوير نماذج مبتكرة للإقامة؛ مثل فنادق الكبسولة والمساكن المؤقتة، مع تسريع العمل على مشاريع الضيافة الكبرى".

أما جيه إس أناند، المؤسس والرئيس التنفيذي لفنادق "ليفا"، فاعتبر أن الهدف ممكن "مع التخطيط الاستراتيجي"، مضيفاً أن التخفيضات الأخيرة في الإنفاق وتأجيل المشاريع تشكل تحديات، إلا أن "أجندة رؤية المملكة 2030 تُظهر قدرتها على تنفيذ المشاريع الكبرى".

لكنه لفت أيضاً إلى ضرورة "التحول نحو تطوير الفنادق ذات الفئة المتوسطة نظراً إلى أن السوق تعج حالياً بالعقارات الفاخرة، في حين أن البطولة ستجذب جمهوراً متنوعاً، بما في ذلك المسافرين ذوي الميزانية المحدودة". وقال: "الفنادق ذات الفئة المتوسطة تتميز بأنها أسرع وأوفر من حيث التكلفة في البناء" و"يمكن للمملكة تحقيق التوازن بين الجودة والقدرة المالية من خلال تعزيز الشراكات مع علامات تجارية متخصصة في الفنادق ذات الفئة المتوسطة، وتحفيز المطورين المحليين".

لم تختلف وجهة نظر راهول سينغ، المدير العام لقسم تأجير السيارات في "مجموعة مشاريع أحمد عبدالله الموسى" عن هذا الإطار، معتبراً بأنه من الضروري التركيز على "تحقيق توازن في توفير مزيج من خيارات الإقامة الفاخرة والمتوسطة والاقتصادية، لتلبية احتياجات الزوار الدوليين المتنوعة".

وفق ملف استضافة السعودية، فإن عدد الغرف الفندقية من فئة 3 نجوم والموجودة حالياً، يصل إلى 14879 غرفة، في حين أن الغرف الفندقية من فئة 5 نجوم يزيد عددها عن 20 ألف غرفة. ومع إضافة الغرف التي سيتم إنشاؤها بحلول عام 2034، فسيصل عدد الغرف الفندقية من 3 نجوم إلى 64155 غرفة، في حين أن الغرف في الفنادق من 5 نجوم ستصل إلى 87303 غرف. 

فئة الغرف الفندقية المتوفر حالياً المخطط إضافته قبل 2034 المجموع
3 نجوم 14879 49276 64155
4 نجوم 7437 57582 65019
5 نجوم 20003 67300 87303

المصدر: ملف السعودية لاستضافة كأس العالم

بدوره، أشار رئيس تحرير موقع "ميد" المتخصص بالتقارير والمعلومات الاقتصادية جايمي إنغرام، في تصريح لـ"الشرق" إلى أن تحقيق هذا الأمر "ممكن بالتأكيد"، معتبراً أن هناك الكثير من الوقت قبل انطلاق البطولة. مضيفاً أن المملكة تعمل على تعزيز السياحة في إطار رؤيتها طويلة الأمد، لذا فإن استضافة كأس العالم تتماشى بشكلٍ تام مع أهداف المملكة الاستراتيجية. 

الوصول إلى التمويل

أما ما يتعلق بالتمويل، فإن خفض الإنفاق على بعض المشاريع، في حال حدوثه، لا يعني توقفها، خصوصاً أن المملكة تعيد ترتيب الأولويات بما يتناسب مع رؤيتها للاقتصاد، مؤكدةً مواصلة الإنفاق على المشاريع الكبرى ذات العائد الاقتصادي المستدام، إضافةً إلى زيادة الصرف على البنية التحتية والخدمات العامة.

القطاع الخاص، ولاسيما القطاع المصرفي، قد يتدخل لحل هذه المشكلة عبر منح تمويلات. وبدأت ملامح هذا التدخل تظهر، إذ يُتوقّع أن تسرّع البنوك السعودية وتيرة إصداراتها للديون إلى مستوى قياسي جديد هذا العام، لتلبية الطلب المتنامي على القروض، لاسيما لتمويل المشاريع، وتنويع مصادر الأموال.

منذ بداية العام حتى منتصف نوفمبر، وصل حجم إصدارات الديون من جانب البنوك السعودية إلى ما يناهز 14 مليار دولار، وفق تقرير أعدّه كبير المحللين في "بلومبرغ إنتلجنس" إدموند كريستو. 

العمري يشير إلى أن التمويل لا يعتبر مشكلة بالنسبة للسعودية خصوصاً في ظل خطط تطوير هذه القطاعات المجدية اقتصادياً، معتبراً أن "الباب مفتوح" بالنسبة للقطاع الخاص المحلي والعالمي للدخول والمساهمة في تطوير هذه المشاريع. ولوحظ في الأشهر القليلة الماضية دخول العديد من المستثمرين الأجانب إلى السوق السعودية، وخصوصاً سوق البناء والتشييد والقطاعين السياحي والفندقي.

وهوّن العمري من هذه التحديات معتبراً أنها "بسيطة"، لكن التحدي الأكبر يتمثل في تطوير وتوسيع وسائل النقل العام. ولفت إلى أن بعض المدن مثل الرياض وجدة قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال، خصوصاً مع إعلان بدء تشغيل قطار الرياض مؤخراً، وقرب تشغيل "طيران الرياض" وبناء مطارات جديدة في مدن مثل نيوم والبحر الأحمر. لكن هناك بعض المدن المساندة في استضافة البطولة مثل حائل والشرقية، تحتاج إلى مزيد من الاستثمارات في مجال البنية التحتية.

ما بعد "المونديال"

لعل التحدي الأبرز الذي يمكن أن ينشأ عن استضافة المونديال يأتي بعد انتهاء فعاليات البطولة. إذ واجهت قطر مشكلة تعثر الاقتصاد في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي، إثر انتهاء طفرة البناء التي صاحبت كأس العالم. 

لكن سونيل كانسال، رئيس الاستشارات في شركة "شاسات" في لندن والذي قدم استشارات اقتصادية خلال استضافة المملكة المتحدة للألعاب الأولمبية عام 2012، شكك في إمكانية حدوث ذلك. وأضاف في تصريح لـ"الشرق" أن السوق المحلية الكبيرة في المملكة العربية السعودية، ومشاريع "رؤية 2030" قادرتان على دعم النمو. 

النقطة الثانية التي قد تجنب السعودية حدوث تباطؤ في الاقتصاد بعد المونديال تتمثل في توقف الإنفاق الضخم قبل البطولة بسنوات. ووفقاً لملف استضافة السعودية للبطولة، فإن جميع الملاعب المخصصة لاستضافة الأحداث سيتم الانتهاء منها بحلول عام 2032، أي قبل عامين من انطلاق البطولة. أما الغرف الفندقية، فإن "رؤية 2030" ستضيف 320 ألف غرفة، وهو رقم أعلى من عدد الغرف المطلوبة في البطولة، ما يعني أن السعودية ستكون حققت هدفها للبطولة قبل 4 أعوام من انطلاقها.

من جهته، أشار فواز اللبدي شريك في وحدة إدارة التحول في "بي دبليو سي الشرق الأوسط" (PWC) في تصريح لـ"الشرق"، إلى أن استضافة كأس العالم "تؤكد التزام السعودية بالاستثمارات القائمة على تحقيق القيمة، والتي تتماشى مع رؤيتها الاستراتيجية طويلة المدى، حيث تم تصميم الرؤية لخلق فرص تحولية عبر مختلف القطاعات، مما يوفر عوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة تمتد إلى ما بعد البطولة".

وأضاف أن المشاريع التي ستنبثق من استضافة كأس العالم "تظل جزءاً لا يتجزأ من هذه الرؤية"، مشيراً إلى أن معظم المشاريع المرتبطة بتحديث وتوسيع البنية التحتية الرياضية، "كانت ستتم بغض النظر عن التوجه لاستضافة كأس العالم".

التحديات البيئية 

يشير تقييم "فيفا" لملف استضافة السعودية لكأس العالم إلى وجود العديد من التحديات البيئية المرتبطة بهذا الحدث. من بين هذه التحديات الآثار البيئية لعمليات الإنشاءات، بالإضافة إلى الاعتماد المتوقع على السفر الجوي بين المدن، والتوسعات الكبيرة في البنية التحتية للنقل العالم، مما قد يؤدي إلى زيادة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. 

الملف يشير أيضاً إلى المتطلبات العالية للمياه لصيانة الملاعب وأنظمة التبريد، بالإضافة إلى الزيادة المتوقعة على الطاقة، بفعل تشغيل الملاعب والمرافق عالية التقنية.

تعمل السعودية على معالجة هذه التحديات، إذ تعهدت، وفق الملف، بتبني نظام إدارة الاستدامة "ISO 20121" للفعاليات، وضمان الممارسات الصديقة للبيئة، بالإضافة إلى وضع خطط من شأنها تعظيم استخدام الطاقة المتجددة في تشغيل الأنشطة المرتبطة بالبطولة، فضلاً عن استضافة العديد من المباريات ضمن نطاق جغرافي قريب، للحد من انبعاثات السفر. 

كما تعمل المملكة على تطوير أنظمة النقل العام، بما في ذلك شبكات القطار في الرياض، فضلاً عن تنفيذ التقنيات المستدامة وإصدار الشهادات لبناء الملاعب لضمان الفوائد البيئية طويلة الأجل.

الحرارة الشديدة في فصل الصيف من بين التحديات الأخرى، حسبما رأى الرئيس المشارك لقسم الضيافة والترفيه والرياضة في شركة "شوميكر للمحاماة" الأميركية روبرت بولاند، في تصريحه لـ"الشرق". ويضيف أن طلب السعودية لاستضافة المونديال "يركز على ريادة المملكة في المبادرات الخضراء، وقد تركز الاستضافة على الاستدامة والحياد الكربوني في المنطقة".

وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم أفاد في 10 ديسمبر، بضرورة مراعاة الظروف المناخية والأحداث الرياضية والثقافية عند تحديد موعد كأس العالم 2034 في السعودية، مشيراً إلى أن الملف السعودي لم يحدد فترة زمنية مقترحة، بل أكد التعاون مع "فيفا" لضمان نجاح البطولة، مع الأخذ في الاعتبار عوامل مثل درجات الحرارة، شهر رمضان، وموسم الحج. ومن المرجح أن يتم تذليل عقبة حرارة الصيف بتنظيم كأس العالم 2034 في أشهر الخريف، أسوةً بما حدث في "مونديال 2022" الذي استضافته قطر جارة المملكة من 20 نوفمبر إلى 20 ديسمبر.

ساهمت في هذا التقرير: رهام الشايب riham.elchayeb@asharq.com

تصنيفات

قصص قد تهمك