بلومبرغ
لا يمكن إيقاف الارتفاعات بسوق العقارات الأغلى في العالم. فعلى الرغم من تعثر الاقتصاد وموجة الهجرة بعد سنوات من الاضطرابات السياسية التي تشهدها هونغ كونغ يبقى هناك طلب كبير على المنازل بدءاً من القصور الفاخرة إلى الشقق الصغيرة لتستمر حالة القلق بشأن السوق.
اقتنص المشترون 45 شقة جديدة بقيمة إجمالية قدرها 248 مليون دولار هونغ كونغ (32 مليون دولار) في غضون ساعات قليلة من بدء الحجز بمشروع "ذا أبر ساوث" التابع لشركة "هندرسون للتطوير العقاري" يوم الأحد الماضي. كذلك تشهد المرحلة الثالثة من مشروع "بافيليا فارم" التابع لشركة "نيو وورلد ديفلوبمينت" إقبالا كبيرا للحد الذي تنافس فيه 88 مشتريا على شقة واحدة، ما يجعله المشروع الأكثر طلباً منذ عام 1997.
تقترب أسعار العقارات بالمدينة من أعلى مستوياتها على الإطلاق والتي سجلتها منتصف العام 2019. تشير التقديرات إلى تجاوز صفقات السوق الثانوية في أكبر 10 مجمعات سكنية 20 مليار دولار هونغ كونغ خلال النصف الأول من عام 2021 لتسجل بذلك أعلى مستوياتها منذ 23 عاما وفقاً لوكالة "سينتالين العقارية".
لا تقتصر حالة الهوس العقاري في هونغ كونغ على أسعار الفائدة المتدنية وحدها، لكن تأتي مرونة السوق كسبب آخر.
فقد شهد السوق بعض التخوفات نتيجة ما أثارته الاحتجاجات الشعبية في عام 2019 وتمرير قانون الأمن القومي في العام التالي، الأمر الذي أثار القلق بشأن مستقبل المدينة، وكذلك بسبب الهجرة المحتملة للمقيمين إلى بريطانيا عبر برنامج تأشيرات المواطنين البريطانيين في الخارج.
مخاوف واهية
يبدو في الواقع أن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة في المدينة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 7.5 مليون نسمة، حيث المساحات ثمينة وغير متوفرة ولا يزال الطلب يفوق المعروض من المنازل.
قال نيلسون وونغ رئيس الأبحاث في شركة "جونز لانغ لاسال" في الصين: "زيادة معدلات الهجرة قد يكون غير داعم لأسعار المنازل، ولكن من المرجح أن يكون التأثير السلبي طفيفاً، حيث لن يكون كافياً لعلاج المأزق الحالي المتمثل في الاختلال الحاد في التوازن بين العرض والطلب".
يقدم تماسك السوق مؤشرات إيجابية للمطورين وكذلك الاقتصاد في هونغ كونغ، لكنه يطرح مشاكل أيضاً. حيث تزيد استمرار الارتفاعات في الأسعار من الضغط على الحكومة لجعل تكلفة السكن في المتناول في المدينة التي لا يملك فيها سوى 52% من المواطنين شققا للسكن. كما تطالب الصين المسؤولين والشركات المحلية بالحفاظ على استقرار أسعار عقارات الطبقة المتوسطة والتي تمثل أصل السخط الاجتماعي من وجهة نظر الرئيس شي جين بينغ.
قال إيفان تشوي أستاذ السياسة في جامعة هونغ كونغ الصينية: "الآن بعد أن أدركت بكين أن المشاكل السياسية في هونغ كونغ قد تم حلها، تحول تركيزها لمعالجة القضايا الاجتماعية وخاصة المتعلقة بالسكن". وأضاف تشوي: "أصبحت أسعار المنازل التي اخترقت مستويات قياسية سبباً لتدخل حكومة هونغ كونغ" وإظهار قدرتها على تهدئة المواطنين من خلال معالجة هذه المشكلة.
بدأت حكومة هونغ كونغ التحرك بالفعل. حيث أدى تسارع وتيرة طرح الأراضي في المناطق الجديدة إلى زيادة العرض، وتزامن ذلك مع التلميح بفرض ضريبة على الوحدات الشاغرة التي لم يتم بيعها. كما يجري العمل على مشروع جزيرة اصطناعية بقيمة 80 مليار دولار للمساعدة في تخفيف أزمة العقارات، لكن المشترين في المشروع سيضطرون لانتظار الحصول على المنازل حتى عام 2030 حتى ينتهي العمل في المشروع.
قدمت الحكومة تسهيلات للحصول على قروض لشراء المنازل. حيث خفضت في عام 2019 نسبة الدفعات المقدمة المطلوبة لبعض قروض الرهون العقارية.
قال باتريك وونغ المحلل في بلومبرغ إنتليجنس، إن تخفيف شروط الرهن العقاري والسماح للبنوك بإقراض المزيد دون تحمل مخاطر ائتمانية إضافية يؤدي إلى زيادة الأسعار في ظل ارتفاع الطلب على شراء الوحدات السكنية رغم موجة الهجرة إلى بريطانيا.
استقبل برنامج تأشيرة BN (O) عدد 34300 طلب حتى نهاية الربع الأول، وفقاً لوزارة الداخلية في بريطانيا. وتبلغ تقديرات بلومبرغ إنتليجنس لمن سيغادرون نحو 16300 من أصحاب المنازل فيما ستبلغ قيمة عقاراتهم التي قد يطرحونها للبيع 19 مليار دولار.
يعد تضخم أسعار المنازل في هونغ كونغ معتدلا بالمقارنة بمناطق أخرى في نيوزيلندا وكندا، حيث احتلت المرتبة 46 وجاءت في الربع الأخير ضمن قائمة الدول التي ارتفعت أسعار عقاراتها على مؤشر "نايت فرانك". كما شاعت حروب المزايدات في ضواحي الولايات المتحدة وارتفعت الأسعار بأكبر قدر على الإطلاق في الأشهر الثلاثة الماضية.
ينعكس التفاؤل تجاه سوق العقارات على أسهم شركات التطوير العقاري الأربعة الكبار في هونغ كونغ. شهدت أسهم "صن هونغ كاي بروبيريتيز"، و"سي كيه أسيت هولدنغ"، و"هندرسون لاند"، و"نيو وورلد" ارتفاعات ملحوظة هذا العام بصدارة سهم "سي كيه أست هولدنع" الذي ارتفع بنسبة 32%.
استمرار تراجع المعروض
يرجع انخفاض المعروض من المساكن في المدينة إلى الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 عندما جمدت الحكومة المعروض من الأراضي لدعم سوق العقارات.
قال لينغ كار مدير التخطيط الحكومي السابق إنه لم يستأنف إعادة توزيع الأراضي بشكل جذري حتى عام 2008 تقريباً. ما أدى إلى أزمة ومشاكل بقطاع الإسكان حتى اليوم. وقال لينغ الذي يعمل في جامعة "هونغ كونغ للفنون التطبيقية": "خسرنا 10 سنوات".
يستمر تراجع المعروض من المنازل الجديدة. حيث انخفض عدد الوحدات الخاصة الناتجة عن تطوير قطع الأراضي المتاحة من الذروة البالغة 25500 قبل ثلاث سنوات، لتصل إلى 13020 وحدة هذا العام، وفقًا لمركز أبحاث "أور هونغ كونغ فاونديشن".
يزيد المشترون الصينيون من الطلب على المنازل؛ حيث استحوذوا على 11.2% من إجمالي قيمة المشتريات في الأشهر الأربعة الأولى من العام بزيادة 10.5% على أساس سنوي، وفقًا لشركة "ميدلاند ريالتي". ويؤدي ذلك إلى شيء واحد هو ارتفاع الأسعار.
تتوقع "كوشمان اند ويكيفيلد" ارتفاع قيمة المساكن 5% لتسجل مستوى قياسي في النصف الثاني من العام.
قال لينغ "تطوير الأراضي يحتاج إلى برنامج مستمر. الأمر ليس مثل طهي المعكرونة سريعة التحضير".