الشرق
ورث محمد وإخوته عقاراً مكوناً من 5 طوابق في وسط العاصمة المصرية القاهرة، وعلى مدار عدة عقود كان الورثة يحصلون على قيمة إيجارية ثابتة لا تكفي لشراء ربطة خبز، ولكن يبدو أن معاناة محمد وملايين الملاك قد تنتهي قريباً مع صدور حكم تاريخي اليوم بعدم دستورية تثبيت إيجار الوحدات السكنية.
المحكمة الدستورية العليا في مصر برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر، أصدرت اليوم حكماً "تاريخياً" بعدم دستورية بعض الأحكام المتعلقة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ويشمل ذلك بطلان تثبيت الأجرة السنوية للوحدات السكنية، وذلك بحسب ما أوردته وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية.
لا توجد إحصائية دقيقة عن أعداد المنازل الخاضعة لقانون الإيجار القديم، لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قدرها بنحو مليوني وحدة سكنية شاغرة بقيمة تقديرية تريليون جنيه (20.6 مليار دولار)، يقع أغلبها في القاهرة والإسكندرية، وتخضع العلاقة الإيجارية في هذه العقارات لقوانين استثنائية صدرت منذ عام 1952، وامتدت بموجبها الإقامة في الشقة المؤجرة حتى بعد وفاة المُستأجر الأصلي، لـ5 أجيال من بعده، إلى أن جاءت المحكمة الدستورية العليا، ففضَت الاشتباك عام 2002، بقصر التوريث لجيل واحد فقط.
محمد عبداللاه مالك عقار إيجار قديم قال لـ"الشرق" إنه يمتلك وإخوته عمارة سكنية بها 8 شقق إيجار قديم، تبلغ قيمة الإيجار الشهري للشقة الواحدة نحو 12 جنيهاً (نحو ربع دولار فقط) في حين يتراوح إيجار الشقق بنظام "القانون الجديد" في نفس العقار مابين 10 إلى 15 ألف جنيه، معتبراً أن الوضع المستمر منذ الستينيات "ظلم كبير وكان قد فقد الأمل في تعديل القانون"، واصفاً الحكم الجديد بأنه "إعادة الحق لأصحابه".
المحكمة الدستورية العليا في مصر، هي هيئة قضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، ومهمتها مراقبة تطابق القوانين مع مواد الدستور، وتقوم بإلغاء القوانين التي تخالف نصوص ومواد الدستور.
تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر
رضا فرحات، محافظ الإسكندرية الأسبق، قال لـ"الشرق" إن الحكم الصادر اليوم سيحرر العلاقة بين المستأجر والمالك، معتبراً أن الأخير لم يكن متمتعاً بأملاكه، ومُقيداً بقوانين استثنائية جعلت المستأجر "متغولاً"، وأضاف أن الحكم سيجبر مستأجري الوحدات السكنية المغلقة، إما على إعادة استعمالها بعد التفاوض مع المالك، أو ترك الوحدة نهائياً.
يبدأ تطبيق أثر الحكم من اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي لمجلس النواب، (خلال شهرين تقريباً) وأوضحت المحكمة أنها أعطت مهلة للمجلس التشريعي لحاجته إلى مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الوحدات السكنية طبقاً للمناطق الجغرافية.
تحدث الرئيس المصري في وقت سابق على ضرورة إعداد قانون متكامل للإيجار القديم، مفسراً سبب ذلك أن المستأجر الأصلي للوحدات قد يكون توفي لأن القانون المنظم للعلاقة بين المستأجر والمؤجر صدر في 1962، والذي يستفيد من الوحدات في الوقت الحالي هم الورثة.
وفندت المحكمة المصرية في حكمها أسباب عدم دستورية تثبيت الإيجار الشهري قائلة: "فيما يتعلق بتحديد الأجرة، فيجب أن يستند إلى ضوابط موضوعية تهدف إلى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، وهو ما يستوجب تدخل المشرع لضمان هذا التوازن، بحيث لا يُمكّن المؤجر من فرض قيمة إيجارية استغلالاً لحاجة المستأجر إلى مسكن، كما لا يجب أن يُهدر عائد الاستثمار في الأرض والمباني نتيجة لتثبيت الأجرة".
وشدد فرحات على أن مجلس النواب، قد أصبح مُلزماً قبل نهاية دور الانعقاد التشريعي الحالي، بإصدار قانون ينظم الحكم الصادر، وإذا انتهت المدة دون إصدار القانون، فسيكون من حق المالك اللجوء إلى المحكمة المدنية المختصة، لإقامة دعوى لرفع القيمة الإيجارية الخاصة بوحدته.
كما أن قانون الإيجار القديم، الذي وُضِع لحماية المستأجرين من الزيادة المفاجئة في الأسعار، أدى إلى تدني قيمة الإيجارات بشكل ملحوظ مقارنةً بأسعار السوق الحالية، مما منع الكثير من الملاك بعدم صيانة عقاراتهم ما أدى إلى مخاطر تتعلق بالسلامة.
إصدار تشريع جديد
قبل عامين، بدأ مجلس النواب مناقشة تعديلات تشريعية على قانون الإيجار القديم جديداً، تسمح بزيادة الإيجارات القديمة للأماكن المؤجرة للاستخدام غير السكني بنسبة 15% سنوياً لمدة 5 سنوات على أن تنتقل الوحدة بعدها إلى المالك بقوة القانون.
أكد إيهاب خليل، المحامي المتخصص في قضايا الإيجار القديم لـ"الشرق"، أن الحكم ألزم مجلس النواب بإصدار تشريع جديد في موعد أقصاه اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي، على أن يتضمن التشريع تحديد فئات زيادة الأجرة سنوياً، مع مراعاة قيمة الإيجارات الواقعية حالياً وذلك خلال فترة انتقالية، بحيث ينتهي الأمر بحرية المالك في تحديد القيمة الإيجارية، طبقا لقانون العرض والطلب.
أضاف خليل أن الحكم جاء متوافقاً، مع مشروع تعديل قانون إيجار الأماكن المعروض حالياً على مجلس النواب، وذلك بغرض الانتهاء من أزمة استدامة وتوريث عقود الإيجار، بحيث تتحرر العلاقة فيما بين المالك والمستأجر.
وقال نجيب ساويرس، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة أوراسكوم للاستثمار القابضة، في تصريح لـ"الشرق" اليوم تعليقاً على حكم المحكمة الدستورية العليا، إن "الأساس في القانون هو العدل، وبالتالى قرار المحكمة الدستورية العليا يرفع الظلم عن الملاك، ويعمل حساب التضخم وغلاء الخدمات"، مضيفاً أن "هذا الحكم يلغي قرار ثبات الإيجار الظالم"، بحد وصفه.
من جانبه، رأى محافظ القليوبية أيمن عطية، في حديث لـ"الشرق"، أن "القوانين في مصر باتت تستهدف فرض السلم العام بين شرائح المجتمع في كل المجالات من ضمنها الإيجارات"، مشيراً إلى أنه "تم تأجيل العمل على قانون الإيجارات لفترة طويلة، لكن اليوم بات من الضروري أن نعمل عليه".
تعديل قانون الإيجار القديم يمثل حلاً طال انتظاره لمالكي العقارات القديمة، لكنه قد يؤدي إلى أزمة جديدة تفاقم التكاليف على كاهل شريحة عريضة من المستأجرين، وهو ما حدا بالمحكمة الدستورية للإشارة إلى حاجة مجلس النواب إلى مهلة زمنية لوضع البدائل والضوابط المناسبة.