ضبط هولندا للإيجارات يفاقم أزمة السكن

قانون كان هدفه جعل إيجارات المنازل أقرب لمتناول الأسر فاقم النقص في المساكن

time reading iconدقائق القراءة - 8
ناين مورال - المصدر: بلومبرغ
ناين مورال - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

انتقلت ناين مورال ونجلاها قبل سنتين ليسكنوا في شقة بها غرفة نوم واحدة في منطقة مريحة قرب مدينة أوترخت الهولندية بجوار عائلتها وأصدقائها. وقّعت حينها عقد إيجار لسنتين فقط، لأنها كانت تتوقع تمديده إلى أن تتمكن من الانتقال إلى واحدة من الشقق الكثيرة في هولندا الخاضعة لضبط الإيجارات.

لكن أبلغها مالك الشقة في الربيع بأن عليها أن تخليها بحلول نوفمبر بما أن تأجيرها لم يعد مربحاً. قالت مورال، وهي معلمة بلغت من العمر  33 عاماً: "كل الجهود المضنية والبحث عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمكالمات الهاتفية وزيارة الوكلاء العقاريين وهيئات الإسكان" لم تجد نفعاً لأن "المشكلة ليست مسألة سعر بل نقص حقيقي في أعداد المساكن".

قانون جديد

مورال واحدة من عدد ينمو من الهولنديين الذي يواجهون صعوبة في العثور على مساكن للإيجار بعد إصدار قانون جديد كان يهدف في الأساس لجعل أسعار السكن أقرب لمتناول الأسر، فانتهى به الأمر مفاقماً أزمة شحّ المساكن في البلاد.

لقد عمدت الحكومة في يوليو إلى فرض ضوابط على إيجارات آلاف الشقق في مسعى لحماية المستأجرين منخفضي الدخل، وصنّفت العقارات استناداً إلى عوامل مثل حالتها العامة ومساحاتها وكفاءة استهلاك الطاقة. وقد شمل ضبط الإيجارات بموجب "قانون الإيجارات الميسرة" 300 ألف شقة لم تعد جزءاً من السوق غير الخاضعة للقيود.

وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تضمّ هولندا أعلى نسبة من المنازل الخاضعة لضبط الإيجارات في أوروبا، يعود ربعها تقريباً إلى ملّاك أفراد، بينما تملك البقية جمعيات سكنية أشبه بالتعاونيات. 

وتبيّن أرقام صادرة عن وزارة الإسكان أن دخول القانون الجديد حيز التنفيذ قد رفع نسبة العقارات الخاضعة لضبط الأسعار من 80% إلى 96% من أصل 3 ملايين عقار للإيجار. تحدد هذه التدابير سقف الإيجارات لحوالي 2.5 مليون منزل عند 880 يورو (980 دولاراً) شهرياً للأسر التي يقل دخلها عن 52671 يورو. بينما تفرض على بقية العقارات المشمولة بالقانون حداً أقصى للإيجار يبلغ 1158 يورو شهرياً، وفيما لا تشترط حداً أقصى للدخل، فإنها تستهدف الأسر ذات الرواتب المتواضعة.

لمواكبة الزيادة السكانية، تحتاج هولندا إلى حوالي 100 ألف وحدة سكنية جديدة سنوياً، لكن على مدى العقد الماضي، لم يُشيّد وسطياً إلا ثلثا هذا العدد. لقد أدى النقص إلى ارتفاع أسعار الشقق غير الخاضعة لضبط الإيجارات بما يقارب 30% منذ 2012. وبعد دخول عديد من الشقق السوق الخاضعة لضبط الإيجارات بموجب القانون الجديد، قرر كثير من الملاك أن يبيعوا عقاراتهم.

وقال ميكيل فريمان، الذي يدير عمليات شركة "هيمستادن بوستاد" (Heimstaden Bostad) السويدية في هولندا، حيث تملك 13500 شقة تعتزم بيع حوالي خمسها: "الحقيقة المحزنة هي أنه أصبح العثور على عقار للإيجار في سوق تعاني الشح أصلاً، أصعب من أي وقت مضى على الباحثين عن مساكن".

أما مؤيدو القانون، فهم يرون أنه كان ضرورةً بعد سنوات من ارتفاع الإيجارات وزيادة الخصخصة في سوق الإسكان. قال وزير الإسكان السابق الذي تقدّم بالتشريع هيوغو دي يونغيه إن الهدف كان حماية السكان ذوي الدخل المنخفض والمتوسط من ملاك انتهازيين تعاظم جشعهم. وقال في حديث مع محطة إذاعية محلية في يونيو: "علينا تصحيح ما حصل من انحراف، ولا يمكن تحقيق ذلك بدون تحمل بعض الألم".

 

القلق يمتد للأجانب أيضاً

لا تعتزم الحكومة التي تشكّلت في يوليو إدخال تعديلاتٍ على التشريع الذي حظي بدعم الحكومة السابقة. قال ديك شوف، رئيس الوزراء الجديد، للصحفيين في 16 أغسطس إن "الأوان ما زال مبكراً" لتعديل هذا التشريع، لكنه أضاف أن إدارته ستقيّم القانون قريباً و"سندخل عليه تعديلات إن لزم الأمر".

من جانبها، دعت شركة "إيه إس آر نيديرلاند" (ASR Nederland) التي تملك حوالي 15 ألف شقة في جميع أنحاء البلاد، الحكومة إلى إعادة النظر في القانون. وأوضح رئيسها التنفيذي يوس بايتين أن جلّ محفظة الشركة العقارية قد أُدخلت ضمن السوق الخاضعة للتنظيم منذ الأول من يوليو، ما دفعها للتخلي عن خططها لشراء المزيد من العقارات السكنية. وقال: "هناك الآن فئات استثمارية أخرى تبدو أكثر ملاءمة".

ينص أحد بنود القانون على حظر عقود الإيجار قصيرة الأجل، ويشترط أن تكون جميع العقود مفتوحة الأمد، وهذا ما دفع بعض العاملين في القطاع إلى التحذير من أن هذا التغيير قد يجعل الملاك يفضلون تأجير عقاراتهم لأجانب، إذ إنهم يُرجح أن يغادروا بعد بضع سنوات، ما يمنح الملاك هامشاً من المرونة.

مع ذلك امتد القلق إلى الأجانب أيضاً. فقد استأجر شاهمي وهاب الدين منزلاً في لاهاي مقابل 1400 يورو شهرياً طوال العام الماضي. وبعد دخول القواعد الجديدة حيز التنفيذ، قرر مالك العقار بيع المنزل، فاضطر للبحث عن مسكن جديد لعائلته المكونة من أربعة أفراد.

وقال وهاب الدين، وهو مبرمج من سريلانكا بلغ من العمر 34 عاماً: "أشعر بكثير من اليأس وأفكر جدياً بإعادة عائلتي إلى بلادنا... لا أعرف إن كان أمامي حلّ آخر".

سوق مغرية للبيع

تبدو السوق اليوم مغرية لملّاك المنازل الراغبين في البيع. فقد بلغ متوسط سعر المنزل في هولندا 468 ألف يورو في الربع الثاني، بزيادة 7.2% عن الربع السابق، وفقاً لمجموعة "إن في إم" (NVM) الناشطة في القطاع العقاري، وهي أكبر زيادة خلال ما يقرب من ثلاثة عقود. إلا أن هذه الأسعار تعني أن معظم الأسر ذات الدخل المتوسط لن تكون قادرة على الشراء، وفقاً لشركة الأبحاث العقارية "كالكازا" (Calcasa)، إذ يتوجب أن يكون دخل المشترين اليوم لا يقل عن 95 ألف يورو سنوياً، أي أكثر من ضعف متوسط الدخل، ليتمكنوا من شراء منزل عادي.

لا شك أن المشترين أصحاب الدخل المتوسط يواجهون تحديات صعبة، إلا أن المستأجرين من هذه الفئة هم من تلقوا الضربة الموجعة نتيجة القانون، بحسب ياسبر دي خروت، الرئيس التنفيذي لموقع "باراريوس" (Pararius) للإعلانات العقارية.

فيما سيستفيد الأشخاص في أدنى سلّم الدخل من السقف الصارم لأسعار الإيجارات، فإن الأشخاص من مستويات اقتصادية أفضل قليلاً  باتوا محاصرين في سوق ضيقة جداً. قال دي خروت: "ربما خلال عام، سنرى الناس يتظاهرون في الشوارع احتجاجاً على هذا الوضع، بما أن العثور على شقة للإيجار يزداد صعوبة، ولأن الأسعار في السوق غير الخاضعة للقيود ستزيد بفعل الارتفاع الكبير في الطلب".

تصنيفات

قصص قد تهمك