الشرق
تواجه شركات عقارية في مصر تحدياً لإنهاء المشاريع وفق مواعيد التسليم التي التزمت بها للعملاء، بسبب ارتفاع تكاليف البناء جراء تحرير سعر صرف الجنيه. ويطالب مطورون الحكومة بمهلة إضافية -بدون أعباء مالية- لإتمام المشاريع القائمة على غرار ما حدث إبان جائحة كورونا.
بحسب 5 مطورين عقاريين تحدثوا لـ"الشرق"، فإن شركاتهم تحتاج إلى مهلة إضافية لتسليم المشاريع في ظل انقضاء مواعيد التسليم القانونية دون إتمام عمليات الإنشاء. مرجعين هذا التأخير إلى خلافات مع شركات المقاولات على المستحقات جرّاء ارتفاع التكلفة بعد تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار.
سبق للحكومة المصرية أن منحت الشركات والجمعيات والنقابات خلال كورونا، مهلة إضافية استثنائية لإتمام المشاريع الواقعة في "المدن الجديدة" مدتها 6 أشهر دون تحمل غرامات.
تضع غالبية الشركات العقارية في مصر مدة سماح لنفسها لتسليم الوحدات في العقود المبرمة مع العملاء تتراوح بين 6 أشهر إلى عام.
صغار المطورين "الأكثر تضرراً"
يؤكد طارق شكري، رئيس غرفة التطوير العقاري التابعة لاتحاد الصناعات المصرية، أن الشركات العقارية حديثة العهد بالسوق لديها مخاوف من التأخر في التسليم عن المدة القانونية، باعتبار أن "هذه الشركات ملاءتها المالية ضعيفة، ولا تمتلك محفظة متنوعة من المشاريع تمكنها من تعويض أية خسائر، على عكس كبار المطورين". مُعتبراً أن "تأجيل مواعيد التسليم لعامٍ إضافي يُعدُّ أمراً مقبولاً في ظل التغيرات التي تشهدها السوق".
تهاوت العملة المصرية بنحو 60% في ليلة واحدة عقب تحرير سعر الصرف في مارس الماضي. ومنذ ذلك الحين تشهد ثالث أسوأ العملات أداءً أمام الدولار خلال العام الجاري تذبذبات في نطاق يتراوح بين 46.8 و49.6 جنيه لكل دولار.
تأخر مستحقات المقاولين
يتوقع محمد سامي، رئيس الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، عدم قدرة الشركات العقارية على تسليم مشاريعها للعملاء في المواعيد القانونية "في ظل تأخرها عن سداد مستحقات المقاولين، خاصةً بعد تراجع مبيعاتها من الوحدات العقارية منذ تحرير سعر صرف الجنيه".
سامي أوضح لـ"الشرق" أن تأخر شركات التطوير العقاري في سداد تعويضات خسائر العملة "سيدفع المقاولين لوقف العمل بالمشاريع واللجوء إلى التحكيم، وهو ما سيؤدي إلى تأخير مواعيد التسليم بين عامين إلى ثلاثة أعوام".
وإذ رأى أن المطور العقاري يعاني حالياً من فجوة تمويل بين أسعار البيع والتكلفة، قال إن "التسليم في المواعيد القانونية مرهون حالياً بشكل كبير بحل الأزمة القائمة بين شركات التطوير العقاري من جانب والمقاولين من جانب آخر، والمتعلقة بصرف التعويضات وفروق الأسعار الناتجة عن تحرير سعر صرف الجنيه".
ومن المقرر أن تجتمع شركات المقاولات وغرفة التطوير العقاري للخروج بآليات تضمن سداد مستحقات المقاولين، لضمان استمراريتهم في تنفيذ الأعمال المتعاقد عليها مع المطورين، كما كشف سامي.
تسبب اضطراب سوق المقاولات في مصر مؤخراً في توجه الشركات المحلية لتوسيع أعمالها خارج البلاد بهدف اقتناص المشاريع بالدول التي ترصد استثمارات مليارية للإعمار والتنمية، لا سيما العراق وليبيا. وذلك وسط تباطؤ الاستثمارات الحكومية المصرية في مجالي البنية التحتية والمقاولات، ضمن خطة لإفساح المجال للقطاع الخاص.
خفضت الحكومة المصرية إنفاقها الاستثماري بميزانية العام المالي الجاري 2023-2024 بنحو 15%، لكنها استثنت المشاريع التي تجاوزت نسبة الإنجاز فيها 50%. وتم حظر إبرام أية تعاقدات على مشاريع سواء بالأمر المباشر أو المناقصات العامة حتى نهاية السنة المالية الحالية.
تسريع التنفيذ لتجنب ارتفاع التكلفة
يرى عبد الله سلام، الرئيس التنفيذي لشركة مدينة مصر، أن المطورين العقاريين سيسعون خلال الفترة المقبلة لتسريع البناء والتسليم بأسرع وقت تجنباً لارتفاع التكلفة، موضحاً أن "تسريع الإنشاءات في مصلحة المطور أكثر من العميل نظراً لتغير التكلفة بشكل مستمر".
وأوضح أن المطور "عادةً ما يتأخر في التسليم عاماً عن المدة المذكورة في العقد، وهو أمر طبيعي بسبب متغيرات السوق، ولكن إذا زادت مدة التأخير عن عام فهناك مشكلة لدى المطور".
تصريحات سلام اتفق معها هيثم عبد العظيم، الرئيس التنفيذي لشركة "أورا ديفلوبرز"، بقوله إن "المطورين اتجهوا أخيراً لتسريع عمليات البناء لتجنب حدوث فجوة بين أسعار البيع وتكلفة التنفيذ".
وينوّه رئيس الشركة المملوكة للملياردير المصري نجيب ساويرس بأن التعامل مع المقاولين بنظام السداد العاجل للمستحقات هو "الضامن الحقيقي للالتزام بالجداول الزمنية الموضوعة، كما يمنع حدوث أزمات مالية".
من جانبه، يلفت جاسر بهجت، الرئيس التنفيذي لشركة "ميلي" للتطوير العقاري، إلى أن الشركات تتجه حالياً للتوسع في بنود العقد لتشمل فترات سماح أطول للتسليم، وأضاف "تأخر التسليم من قِبل بعض الشركات في المدة الأخيرة أمراً طبيعياً، فهو لا يزال في النطاق الآمن والمقبول".
ويفصح بهجت أن التأخيرات في التسليم ستكون في حدود عام إلى عام ونصف، "وهي مدة مقبولة لدى العملاء، لكن الأزمة الحقيقية ستكون لدى الشركات التي باعت وحداتها قبل عام 2022 وبدأت في تنفيذها الآن"، على حد قوله.