بلومبرغ
دخلت العاصمة البريطانية لندن الأيام الأخيرة من عام 2020 بموقع متضائل كمحرك أساسي للنمو الاقتصادي في المملكة المتحدة، وذلك بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى صراعها لاحتواء فيروس كورونا.
ويُعَدُّ قرار فرض قيود قاسية على العاصمة بسبب "كوفيد-19" تتويجاً لسنة شهدت أكبر ضربة سجَّلها الفيروس لسوق العمل في لندن بالمقارنة مع مناطق أخرى. كما تشهد المدينة، التي تستأثر بأكثر من خمس اقتصاد المملكة المتحدة، تحويل مصارف عالمية بعض موظفيها وأصولها إلى بلدان أوروبية أخرى.
وأظهرت الأرقام التي نُشرت مؤخراً من قِبل معهد الدراسات المالية أنَّ الإنفاق الاستهلاكي في لندن لا يزال دون مستواه السابق للأزمة في نوفمبر بنسبة %10، أي أكثر من ثلاثة أضعاف معدَّل الهبوط في كل أنحاء المملكة البريطانية.
وأثارت التحديات الأخير التي تعيشها العاصمة البريطانية تساؤلات حول إمكانية تأقلم لندن بعد أكثر من ثلاثة عقود شهدت خلالها نمواً مدهشاً يقوده تدفُّق رأس المال العالمي إلى المصارف، والعقارات، والمشاريع غير المحدودة بها، التي انبثقت لتلبّي احتياجات مركزها المالي.
ويقول ريتشارد برغ، المدير التنفيذي لغرفة التجارة والصناعة في لندن: "إنَّ ضعف التعافي الاقتصادي من (كوفيد-19)، وقيود المستوى الثالث المفروضة، فضلاً عن التأثير السلبي المحتمل الناتج عن (بريكست)، هي جميعها عوامل تبدو كأنَّها تتسبَّب بعاصفة عارمة في سماء لندن".
النداء الأخير للحانات
تواجه واحدة من أصل أربع حانات خطر الإغلاق، وتتصادم التهديدات في المنطقة المصرفية في المدينة. فبدلاً من أماكن عمل تعجُّ باحتفالات عيد الميلاد وزينته، تبدو الشوارع بها شبه خالية، كما أنَّ بعض الحانات لم يفتح أبوابها حتى للطلبات الخارجية. وفي غروفلاند كورت، وهو ممر صغير شكَّل في أحد الأيام منزلاً لعمدة لندن، كانت كل من حانة "Williamson’s Tavern"، وحانة الكوكتيل الشهيرة به "The Four Sisters Townhouse" مغلقتَين.
انخفاض الإنفاق الاستهلاكي
وفي حين أنَّ انخفاض الإنفاق الاستهلاكي يعني زيادة المدَّخرات التي ستُنفَق عند فتح الاقتصاد من جديد؛ ربما لا تستفيد لندن من ذلك بالكامل بسبب التغييرات التي طرأت على عادات العمل.
وقد شهدت العاصمة نسبة عودة قليلة إلى المكاتب بالمقارنة مع مناطق مثل هونغ كونغ، وفرنكفورت في ألمانيا، وقلَّل ذلك من تدفُّق المتوجِّهين إلى مركز المدينة من أجل العمل من الاثنين إلى الجمعة كالمعتاد، مما حرمها من سيل الناس الذين كانوا بمثابة وقود لمتاجرها، ومطاعمها، وحاناتها المنتشرة بالأحياء.
وعلاوة على ذلك، وبموجب قيود المستوى الثالث، تغلق الحانات والمطاعم أبوابها، ماعدا طلبات توصيل الطعام، وعن ذلك يقول ويل بيكيت، مؤسّس مطاعم الستيك "Hawksmoor steakhouses"، إنَّ ذلك "يولِّد مشكلات كبيرة مرتبطة بالمخزون لهذه المنشآت، إذ إنَّ بعض المطاعم والحانات كانت تستعد للأسبوع الأكثر ازدحاماً في السنة، بالإضافة إلى العمال الذين كانوا يعتمدون على عائدات هذَين الأسبوعَين المزدحمَين".
وأضاف: "سيكون الأمر مكلفاً للغاية، وسيدفع مزيداً من المنشآت في قطاع الضيافة إلى الإغلاق بشكل دائم".
مصير القطاع المالي
ويقول المسؤولون، إنَّ القيود المتزايدة كانت ضرورية لوقف تزايد حالات الفيروس. وقال وزير الصحة مات هانكوك، إنَّ هذه القيود "ستساعد على تجنُّب مشكلات مضرَّة وطويلة الأمد لاحقاً".
وفي حين أنَّ التقدُّم المحرز في اللقاحات يعطي أملاً للعام المقبل، فقد أظهرت مفاوضات "بريكست" أنَّ مصير القطاع المالي لا يشكِّل أولوية للهيئات السياسية في المملكة المتحدة.
ويبقى الخطر الطويل الأمد متمثلاً في أنَّ لندن ستشهد إضعاف مكانتها العالمية بسبب الفشل في الاتفاق على الوصول إلى الأسواق المالية مع الاتحاد الأوروبي.
أما بالنسبة إلى بعضهم، فكان النموذج الذي يعطي الأولوية لقطاعات الخدمات على التصنيع، ويعطي لندن أولوية على بقية البلاد، جاهزًا للتغيير. فخلال السنوات التي تلت رفع الضوابط التنظيمية في ثمانينيات القرن الماضي، شهدت الطفرة الاقتصادية في لندن ارتفاع نصيب الفرد من الناتج الاقتصادي إلى 70% فوق متوسط دخل الفرد في باقي مناطق المملكة المتحدة.
وبلغ متوسط التوسع السنوي 3% سنوياً خلال هذا القرن، وهو المعدَّل الأسرع من أيِّ منطقة أخرى.
ودفع هذا الانقسام الهائل رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى جعل "الارتقاء بمستوى البلاد" تعهداً رئيسياً للحملة التي أكسبته أغلبية برلمانية ساحقة العام الماضي.
ومع كل هذه المعطيات يبقى نجاح القطاع المالي مهماً للمملكة المتحدة، فهو يستأثر بـ7% من اقتصادها، بالإضافة إلى أكثر من مليون وظيفة.
وقد قالت الشركة الاستشارية "إرنست ويونغ" (EY)، لقد أدَّت كلٌّّ من "بريكست" وإدارة المملكة المتحدة للجائحة إلى أنَّ 10% فقط من شركات الخدمات المالية الكبرى تخطط لإنشاء أو توسيع عملياتها في المملكة المتحدة خلال العام الحالي، إذ انخفضت هذه النسبة من 45% في أبريل. كما أنَّ فنادق المدينة، التي تكون عادةً مليئة برجال الأعمال خلال الأسبوع ومسافري الترفيه في نهاية الأسبوع، قد تضرَّرت بشكل كبير.
ووفقاً لـ"STR"، شركة البيانات التي تركِّز على السياحة والفنادق، فقد انخفض أحد المقاييس الرئيسية للربحية على مستوى القطاع بأكثر من %80 خلال العام الماضي، كما أنَّ انخفاض الطلب على الإيجارات عبر موقع "إير بي إن بي" (Airbnb Inc) المختص بالإيجارات القصيرة دفع بالعديد من أصحاب العقارات إلى عرض منازلهم على المستأجرين للمدى الطويل، مما أسهم في انخفاض بنسبة 25% في الإيجارات في وسط لندن.
ويقول إيدي كورزون، مدير اتحاد الصناعات البريطاني في لندن، وهو أحد مجموعات الضغط: "إنَّ الأعمال، لا سيَّما في قطاعات، مثل البيع بالتجزئة والضيافة، ستعتمد على حافز في الفترة الاحتفالية ليساعدها على تخفيف أشهر من المشقة، وقد تكون مئات الوظائف، وسُبل العيش عرضة للخطر".