بلومبرغ
لفهم حجم أزمة الرهن العقاري المتصاعدة في الصين، يكفي النظر لما حدث مع يانغ هويان.
فمع بداية العام، كانت الرئيسة المُشاركة لمجلس الإدارة في شركة "كانتري غاردن هولدنغز" أغنى امرأة في آسيا. حيث تجاوزت ثروة هويان البالغة 23.7 مليار دولار، إجمالي ثروة زميلتيها على قائمة المليارديرات من النساء في الصين، وهما: "فان هونغوي" و"وو ياجون" بواقع 13 مليار دولار في ذلك الوقت، وفقاً لـ"مؤشر بلومبرغ للمليارديرات".
أزمة سيولة
حتى بالرغم من كون مشروعات "كانتري غاردن" غير المكتملة استطاعات حتى الآن عدم التأثر بأزمة مقاطعة تسديد أقساط الرهون العقارية التي ضربت الصناعة وكلفتها 2 تريليون يوان (296 مليار دولار)، هي بصدد مواجهة اختبار عملي الآن. فقد كشفت الشركة، التي اعتُبرت "نموذجاً يحتذى به" في قطاع البناء الصيني في وقت من الأوقات، عن حجم أزمة السيولة التي تعانيها يوم 27 يوليو، قائلةً إنها تتطلع إلى جمع 2.83 مليار دولار هونغ كونغ (361 مليون دولار) من خلال بيع أسهم جديدة بسعر مخفض.
وتراجعت ثروة يانغ بأكثر من النصف إلى 11.3 مليار دولار في سبعة أشهر فقط، بما في ذلك انخفاض بنحو 2 مليار دولار يوم 27 يوليو وحده، ما عرض موقعها على رأس تصنيفات الثروة للخطر. ويؤكد هذا التراجع السريع على مخاوف إضرار أزمة الرهن العقاري بنظام الصين المالي وقنوات التمويل في نهاية المطاف، حتى بالنسبة لشركة "كانتري غاردن" المطورّة العقارية الأكبر في البلاد.
تعليقاً، قال كيني نغ، المحلل الاستراتيجي في "إيفربرايت سيكيوريتيز إنترناشونال" للاستشارات المالية في هونغ كونغ: "يشعر المستثمرون بالقلق حول امتداد مقاطعة تسديد أقساط الرهون العقارية إلى "كانتري غاردن" كونهم يلاحظون تزايد أعداد مشاريع المقاطعة بسرعة. فيما لا يزال لدى الشركة ديون كبيرة، كما أنها سجلت نمواً أبطأ للمبيعات على أساس شهري في يونيو، على الرغم من استئناف الصين نشاطها".
مشكلة القطاع
وكانت جهود الصين لكبح أسعار العقارات بالإضافة لحملة الرئيس شي جين بينغ "الرخاء المشترك" ساهمتا في وقف النمو السريع في قطاع العقارات الذي استمر على مدى سنوات، وهو قطاع يستأثر بنحو 70% من ثروة الأسر الصينية. مؤخراً اتخذت أزمة العقارات التي عصفت بالمطورين في بداياتها، منعطفاً جديداً، إذ امتنع مئات الآلاف من مشتري المساكن عن سداد أقساط الرهن العقاري على المشاريع المتوقفة.
وبينما صمدت أوراق "غاردن كانتري" المالية بشكل جيد نسبياً في وقت مبكر من أزمة العقارات، إلا أن أسهمها تتجه الآن لتحقيق أسوأ شهر لها منذ عام 2011، فيما هبط أحد سنداتها إلى مستوى قياسي خلال الأسبوع الماضي. كما انخفض سهمها بنسبة 15% في هبوط يُعدّ الأكبر منذ مارس، منهياً انتعاشاً دام ليومين معلقاً على أمل أن تساعد الحكومة المطورين على تجاوز الأزمة.
يتمثل أحد أكبر التحديات التي تواجهها "كانتري غاردن" في وقوع معظم المشاريع التي أطلقت حديثاً داخل ما يسمى بالمدن التابعة لنطاقي 3 و4، حيث يكون مشترو المنازل من ذوي الدخل أقل، ما يرجح تخلفهم عن دفع أقساط الرهن العقاري عندما يتباطأ الاقتصاد.
قالت كريستي هونغ، كبيرة المحللين في "بلومبرغ إنتليجنس"، إن هذا "يمكن أن يجعل "كانتري غاردن" الأكثر عرضة للتراجع في الأسواق".
تصنيف سلبي
في غضون ذلك، تراجعت عقود مبيعات الشركة بنسبة 40% تقريباً لتصل إلى 185.1 مليار يوان خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري. وتقدّر "بلومبرغ إنتليجنس" أن "كانتري غاردن" ستحتاج إلى إنفاق ما يصل إلى 337 مليار يوان- أكثر من نظيراتها- لتسليم العقارات التي باعتها مقدماً ولكنها لم تسجلها بعد.
في الشهر الماضي، خفضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لشركة "كانتري غاردن" إلى "غير مرغوب فيه" وغيرت نظرتها المستقبلية بخصوص شركة العقارات الصينية إلى سلبية، مشيرة إلى تدهور الوضع المالي وضعف الوصول إلى التمويل طويل الأجل.
مسيرة بناء
رداً على الأسئلة، قالت "كانتري غاردن" إنها لم تترك أي مشاريع دون إكمال، وإن هناك إما نقصاً في المساكن أو المعروض بمستويات معقولة في المدن التابعة لنطاقي 3 و4 التي دخلت فيها.
يذكر أن يونغ كووك كيونغ، كان قد أسس "كانتري غاردن" في مدينة فوشان الجنوبية، حيث نمت الشركة بسرعة على مدار العقود الثلاثة الماضية مع ازدهار سوق الإسكان في البلاد. وساعد شعارها الجذاب "احصل على منزل من فئة الخمس نجوم" على صناعة اسمها في مقاطعة غوانغدونغ المتاخمة لهونغ كونغ، وكذلك في توسعها عبر البلاد. وكان لدى "كانتري غاردن" أكثر من ثلاثة آلاف مشروع في 299 مدينة صينية وبعض المشاريع القليلة في ماليزيا بحلول نهاية العام الماضي.
وكان يونغ نقل حصته إلى ابنته الثانية يانغ في عام 2005 بعد انضمامها إلى الشركة كمساعد شخصي له لتتعلم أصول الإدارة تمهيداً لخلافته بنهاية المطاف. وأصبحت خريجة "جامعة ولاية أوهايو" أغنى امرأة في الصين وهي في الخامسة والعشرين من عمرها. وشغلت يانغ منصب نائب رئيس مجلس إدارة "كانتري غاردن" في عام 2012، ثم رئيسة مجلس الإدارة المشاركة لها في عام 2018.
تمتلك يانغ، وهي الآن في أوائل الأربعينيات من عمرها، حوالي 60% من "كانتري غاردن" وحصة تبلغ 43% في وحدة الخدمات الإدارية التابعة لها. ويشغل كلاً من زوجها وأختها وابن عمها مناصب في مجلس إدارة الشركة، لكنهم مثل يونغ ظلوا بعيداً عن الأنظار وتجنبوا إجراء المقابلات الإعلامية.
وللمساعدة في نزع فتيل ما قد يشكل أكبر ثورة يشهدها قطاع الرهن العقاري في تاريخ الصين، تعهدت الجهات التنظيمية المصرفية بضمان تمكين مطورو العقارات من إكمال بناء المنازل المباعة مسبقاً. فذكر تقرير أن الحكومة الشعبية المركزية وافقت على خطة لإنشاء صندوق يدعم بعض المطورين والشركات العقارية.
مع ذلك، يتعين على المسؤولين إرسال إرشادات واضحة للبنوك حول كيفية التعامل مع الأزمة. وهو ما قد يدفعهم إلى إعادة صياغة تعاملهم مع القطاع واتباع نهج أكثر حذراً لتجنب الديون المعدومة، ما سيصعب عملية جمع التمويل بالنسبة لشركات البناء الخاصة.
وعلّق نغ من "إبفربرايت" قائلاً: "انتقلت أزمة العقارات في البر الرئيسي كما تأثير الدومينو في سلسلة رأس المال بالقطاع بأسره، وستظل الشكوك تخيم عليه".