يقع مشروع "لو مايزون" السكني الذي يضم 14 منزلاً فقط على شارع ناسيم المُزهر بين منطقة التسوق الصاخبة وطريق أورتشرد من جهة، وهدوء حدائق سنغافورة النباتية من جهة أخرى. وصف موقع "بيزنيس إنسايدر" (Business Insider) نسيم بأنَّه يماثل بيفرلي هيلز في مدينة الأسد. ترتفع حالياً أسعار العقارات الممتدة على مسافة 1.5 كيلومتر من هذا الطريق الطويل.
باعت شركة "شن تاك" (Shun Tak) للتطوير العقاري، التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، شقة تبلغ مساحتها 565.9 متر مربع في ميزون ناسيم في مايو. تدير كلٌّ من بانسي وديزي ومايسي الشركة، وهنَّ بنات الراحل ستانلي هو، قطب القمار في ماكاو. بيعت الشقة لقاء 37 مليون دولار سنغافوري (27 مليون دولار)، محققة رابع أعلى سعر للمتر المربع على الإطلاق لشقة جديدة في سنغافورة، وفقاً لشركة الوساطة العقارية "أورانج تي آند تاي" (OrangeTee & Tie).
صعود مبيعات المنازل في سنغافورة رغم تدابير تهدئة زخم القطاع
لم تُعرف هوية المشتري، لكنْ من وقَّع الشيك قد يكون أحد أثرياء سنغافورة. ربما كان منزل لو ميزون واحداً من 84 مسكناً اشتراها الأجانب في مايو، مما يمثل عودة هائلة للاهتمام العالمي بالعقارات في سنغافورة بعد هدوء الربع الأول. لن يكون الأمر مفاجئاً إذا كان مصدر المال من مصرفي أجنبي يقيم هناك، فقد اشترى المقيمون الدائمون 142 وحدة في مايو مقارنة مع 79 في الشهر السابق.
لم يكن يفترض أن يحدث ذلك هذا العام، فقد رُفعت الرسوم الإضافية في ديسمبر لكلٍّ من الأجانب والمقيمين الدائمين. يتعيّن على الأجانب دفع ضريبة بنسبة 30%، بينما يدفع المقيمون الدائمون الآن 25% على منازلهم الثانية، و5% ثابتة على المنازل الأولى.
طلب مرتفع
يتم إعفاء مواطني سنغافورة الذين يشترون منازلهم الأولى من الرسوم الإضافية فقط، التي تأتي في قمة المعدل القياسي المتدرج الذي يرتفع إلى 4% كحد أقصى للتعاملات التي تفوق قيمتها السوقية 1 مليون دولار سنغافوري. برغم هذه الضرائب المرتفعة؛ إلا أنَّ ثمة وفرة مفاجئة في عدد مشتري المساكن في سنغافورة من المحليين والأجانب. إنَّ الاستنتاج الذي لا مفر منه هو فقدان تأثير القيود العقارية الأخيرة للمدينة.
هل ستحتاج السلطات السنغافورية لفرض مزيد من القيود الصارمة؟ ربما ليس هذا العام، شريطة أن يظل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي متشدداً بما يكفي لتحقيق زيادة ثانية قدرها 75 نقطة أساس في أسعار الفائدة في يوليو.
صناديق العقارات في سنغافورة تضاعف نشاطها الخارجي إلى 12 مليار دولار
بذلت سنغافورة 11 محاولة لكبح جماح المضاربة في سوق العقارات السكنية، وذلك منذ بداية عصر الأموال الرخيصة العالمية في 2009. كان هدف ذلك منع ارتفاع الأسعار بسرعة كبيرة بأقرب مما يجب، وتراوحت الأدوات التي استخدمتها الدولة من رسوم أختام أعلى إلى حدود أقل لقروض الرهن العقاري نسبة للقيمة ومعدلات خدمة دين أشد على مشتري المساكن. لكنَّ تأثير ما يسمى بإجراءات التهدئة لا يدوم. قالت كريستين صن، نائبة الرئيس الأولى للأبحاث والتحليلات لدى "أورانج تي آند تاي": "عادة ما يتعافى الشعور العام بعد شهرين إلى ستة أشهر بعد كل جولة".
عودة الطلب
عادت الأحوال للمعتاد هذه المرة بعد خمسة أشهر، فقد ارتفعت أسعار المنازل في سنغافورة 0.7% فقط في الربع الأول بعد ارتفاعها 10.6% في 2021. مع ذلك؛ يبدو أنَّ مبيعات المطوّرين لمايو تشير إلى طلب مكبوت. كما يبدو أنَّ النشاط يشتد بالرغم من أنَّ الاقتراض ليس رخيصاً، فقد رفع بنك "دي بي إس غروب" (DBS Group)، أكبر مصارف الجزيرة، سعر الفائدة مؤخراً على حزمة السعر الثابت لمدة عامين بمقدار 0.3 نقطة مئوية إلى 2.75% سنوياً، وفقاً لصحيفة "ذا ستريتس تايمز" (The Straits Times). لقد جعلت البنوك الأخرى بالفعل خطط الرهن العقاري الخاصة بها مُكلفة.
إنَّ الارتفاع الهائل في الإيجارات هو أحد الأسباب التي تجعل مشتري الشقق المحتملين متحمسين. ترتفع أسعار الإيجارات بين 20% و40% في المتوسط للمنازل الخاصة التي يستأجرها الأجانب المقيمون، وفقاً لاستبيان "بلومبرغ نيوز" لوكلاء العقارات. بدأ المستأجرون يعودون مجدداً، فقد قال موقع "بروبرتي غورو" (PropertyGuru)، الذي يدير بوابة عقارات شهيرة على الإنترنت: "بدأ الأجانب يعودون إلى المدينة ببطء، ولكن بثبات، فقد زادت الدولة من تخفيفها لإجراءات إدارة السلامة وفتح حدودها".
فقاعات الأسعار في أسواق الإسكان تهدد بركود الاقتصادات حول العالم
يغيّر ذلك من معادلة الشراء أو الإيجار لمن يرغبون أن يقيموا في المساكن حتى عند ارتفاع معدلات الفائدة على الرهن العقاري؛ يمكن أن تجلب أيضاً استثمارات تسعى لتحقيق عائد أو على الأقل تعويض تأثير ضرائب العقارات السنوية المرتفعة على المقيمين من غير المالكين اعتباراً من 2023. على عكس رسوم الأختام؛ فإنَّ ضرائب الملكية ليست إجراءً يهدف للتثبيط لأنَّ هدفها الرئيسي هو الحد من عدم المساواة في الثروة في المركز المالي.
يجذب العرض المحدود للمنازل الجديدة المشترين نحو المشاريع الجديدة التي تُطلق. باعت شركة "سيتي ديفيلوبمنتس" (City Developments)، التي يملكها الملياردير كويك لينغ بينغ، وشريكتها "إم سي إل لاند" (MCL Land)، نحو 77% من 407 وحدات طُوّرت بشكل مشترك في عقار "بيكاديلي غراند" (Piccadilly Grand) خلال عطلة نهاية أسبوع واحدة في مطلع مايو بمتوسط سعر 2,150 دولار سنغافوري للمتر المربع.
أسعار المنازل في سنغافورة تسجل أعلى مستوياتها منذ 2010
ربما تكون العقارات النادرة الواقعة على طريق ناسيم باهظة. يقع عقار "بيكاديلي غراند" في موقع مركزي على طريق ناسيم، وهو ما يكفي ليستحق علاوة سعر. لكن إذا كان ذلك مثل العام الماضي، وإنْ بلغت بدايات الفقاعة منازل الطبقة الوسطى والضواحي؛ فسيتعيّن على السلطات تهدئة الوضع. ربما تنتظر السلطات حالياً حتى يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي بهذه المهمة.
لكن هل سيفعل ذلك؟ تُظهر إعادة الانفتاح السريع في سنغافورة بعد الوباء تناقضاً صارخاً مع منافستها اللدودة هونغ كونغ. تُقدر "بلومبرغ إنتليجنس" (Bloomberg Intelligence) أنَّ مبيعات المنازل الجديدة في المنطقة الإدارية الخاصة الصينية قد تنخفض 20% هذا العام. قد يكون لارتفاع تكلفة رأس المال تأثير كبير في هونغ كونغ وليس في سنغافورة، وذلك لأنَّ ضعف النشاط الاقتصادي يعني طلباً فاتراً على الاستئجار. قد يتجه إلى سنغافورة الملاك الذين يتوقَّعون عائد إيجار بنسبة 2.2% على عقار استثماري، ويدفعون سعر فائدة عائماً للرهن العقاري بنسبة 2.2% قابلاً لزيادة كبيرة. يبدو أنَّهم يتجهون إليها بالفعل.