بلومبرغ
يتعرض الاقتصاد العالمي الذي يواجه بالفعل معدلات التضخم الحادة، واضطرابات أسواق الأسهم، وحرباً منهكة، إلى تهديد آخر يتمثل بتدهور هائل في انتعاش سوق الإسكان.
فمع زيادة البنوك المركزية عالمياً لأسعار الفائدة بشكل متسارع، تؤدي صعود تكاليف الاقتراض بالأشخاص الذين كانوا بالكاد يستطعون تحمل تكلفة شراء منزل، إلى الوصول لحد يفوق قدرتهم على ذلك. وتتضح التأثيرات بشكل كبير في دول مثل كندا والولايات المتحدة نيوزيلندا، حيث تحولت أسواق عقاراتها السكنية التي كانت نشطة في وقت من الأوقات إلى الضعف بشكل مفاجئ.
فيما يعد ذلك انقلاباً حاداً بعد أعوام شهدت صعوداً في أسعار العقار المدعومة من أسعار الفائدة المتدنية على الرهون العقارية وبرامج التحفيز الحكومي، بجانب وباء كورونا الذي أسفر عن نظام العمل عن بعد ودفع بمشتري المنازل للبحث عن مساحات أكبر. ويبين تحليل أجرته "بلومبرغ إيكونوميكس" أن 19 دولة من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية شهدت ارتفاعاً في كلاً من معدل الإيجارات، ومعدلات أسعار المنازل إلى الدخل، حيث بلغ هذان المؤشران مستويات أعلى مقارنة بما قبل الأزمة المالية عام 2008، وهو ما يعد مؤشراً على أن الأسعار ابتعدت عن مسارها المفترض وفقاً للقواعد الاقتصادية.
مخاطر تباطؤ الإسكان
في هذا الإطار، يعدّ كبح جماح أسعار المنازل التي بلغت مستويات مرتفعة جزء أساسي من أهداف العديد من صناع السياسات النقدية في إطار جهود خفض تسارع معدل التضخم الأعلى منذ عقود. لكن، مع قلق الأسواق من احتمالات الدخول في ركود اقتصادي عالمي، من الممكن أن يسفر التباطؤ في قطاع الإسكان عن عواقب مضاعفة تؤدي إلى تعميق الركود الاقتصادي.
فمن الممكن أن يؤدي هبوط أسعار المساكن إلى تآكل ثروات الأُسر، ويضعف ثقة المستهلكين ويعرقل التنمية المستقبلية. حيث إن قوة النشاط الاقتصادي تضعف عادة عندما يتعين على الناس تكاليف سداد أعلى للأصول التي تخسر قيمتها. ويعدّ تشييد وبيع العقارات من العوامل المحفزّة بشدة للنشاط الاقتصادي في أنحاء العالم.
اقرأ أيضاً: شبح فقاعة المساكن الوهمي في 2008 يلاحقنا اليوم
يقول روب سوبارامان، رئيس وحدة أبحاث الأسواق العالمية في شركة "نومورا" القابضة: "يتمثل الخطر في هبوط الدورات التجارية والمالية في آن واحد، الأمر الذي من الممكن أن يسفر عن حدوث ركود لأمد أطول". وتابع: "زاد عقد من تطبيق برامج التيسير الكمي من نشاط أسواق الإسكان ذات الأسعار المرتفعة، ومن الممكن أن ينعكس هذا الوضع قريباً، حيث زادت القدرة على تحمّل تكاليف الإسكان، وقد تصعد معدلات خدمة الدين بطريقة حادة".
وسيسفر سيناريو من هذا النوع عن عرقلة عمليات الإقراض البنكية في ظل تنامي مخاطر القروض الهالكة، ما يؤدي إلى خنق تدفقات الائتمان الهامة لاستمرار الاقتصادات في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وكان تحطم سوق الإسكان سابقاً المرتبط بالأزمة المالية قد أدى لإعاقة الأنظمة البنكية والحكومات والمستهلكين على مدى أعوام.
تراجع الثروات
مما لا شك فيه، أن انهيار 2008 لا يعد أمراً مرجح حدوثه الآن. حيث شدد المقرضون من الشروط المطلوبة للقروض، ومن جهة أخرى لاتزال مدخرات العائلات تتسم بالقوة، ولا تزال دول عديدة تعاني من نقص المساكن. كما أن أسواق العمل تتمتع بالقوة أيضاً، وتقدم جدار حماية مهماً لتخفيف الصدمات.
لكن بالرغم من ذلك، يقول تويلي ماكول، رئيس وحدة اقتصاديات آسيا والمحيط الهادئ في شركة "سكوتيا بنك" (Scotiabank): "سيحدث تراجع الأسعار أثراً مباشراً على الإنفاق الاستهلاكي والاقتصاد بالكامل، حيث تمثل العقارات عادة جزءاً ضخماً من ثروة العائلات". وتابع: "مع ذلك، نظراً لأن الميزانيات العمومية للعائلات في أسواق كبرى عديدة لا تزال سليمة، فأنا لا أشعر بالقلق لا سيما إزاء المخاطر المرتبطة بأسعار المنازل والاقتصاد على مستوى العالم".
مع ذلك، يقول نيراج شاه، من "بلومبرغ إيكونوميكس" في لندن، إن خطر وقوع هبوط حاد في الأسعار يكون أكثر وضوحاً عند وجود تشديد عالمي متزامن في السياسة النقدية. وقد رفع أكثر من 50 بنكاً مركزياً أسعار الفائدة بما لا يقل عن 50 نقطة أساس دفعة واحدة خلال العام الحالي، مع توقع حدوث رفعات أكثر. وفي الولايات المتحدة، زاد الفيدرالي الأميركي الأسبوع الماضي من سعر الفائدة الأساسي بمقدار 75 نقطة أساس، وهي الزيادة الأكبر منذ عام 1994.
الأسواق الأكثر تضرراً
من جهة أخرى، تصنّف أسواق الإسكان في نيوزيلندا، وجمهورية التشيك، وأستراليا، وكندا من بين الأسواق الأكثر معاناة من فقاعات الأسعار حول العالم، وهي عرضة بصفة خاصة لتراجع الأسعار بحسب "بلومبرغ إيكونوميكس". كما أن البرتغال عرضة للخطر بطريقة خاصة في منطقة اليورو، في حين أن النمسا وألمانيا وهولندا قد تظهر هذه المخاطر المستقبلية.
على صعيد آسيا، فإن أسعار المنازل في كوريا الجنوبية تعد عرضة للخطر أيضاً، بحسب تحليل قامت به وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد اند بورز". حيث أشار ذلك التقرير إلى المخاطر الناجمة عن نسبة ديون العائلات إلى الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، ومعدل نمو ديون العائلات، وسرعة زيادة أسعار المساكن. كذلك، في أماكن أخرى من أوروبا، شهدت السويد تحولاً جذرياً في حجم الطلب على الإسكان، ما أثار حالة من القلق في دولة يبلغ فيها الدين 200% من مستوى دخل العائلات.
وكتب خبراء الاقتصاد في مصرف "غولدمان ساكس" في تقرير صدر الأسبوع الماضي أن العلامات التي تظهر من مبيعات المنازل تسبق الأسعار عادة بحوالي 6 شهور، ما يدلل على أن دولاً عديدة ستشهد على الأرجح تراجعاً أكثر في قيم المساكن. يعد التباطؤ الهائل في أسواق الإسكان سبباً هاماً يقف وراء احتمالية حدوث تراجع في نمو الاقتصادات المتقدمة، بحسب خبراء الاقتصاد وفي مقدمتهم يان هاتزيوس.
تشديد القروض
كتب خبراء الاقتصادي في مصرف" غولدمان ساكس": "يدل التدهور السريع للغاية في القدرة على تحمل التكاليف والتراجعات الهائلة في مبيعات المنازل على أن الهبوط الحاد يمثل مخاطرة كبيرة، خاصة في نيوزيلندا وكندا وأستراليا، رغم أن هذا لا يعد الأمر المرجعي بالنسبة لنا بالنظر إلى التشديد الراهن في البنوك".
في هذه الأثناء تُصدر البنوك المركزية تحذيراتها الخاصة. حيث قال بنك كندا المركزي خلال الشهر الحالي في مراجعته السنوية للنظام المالي إن المستويات المرتفعة من ديون الرهون العقارية تثير القلق لا سيما في ظل صعود أسعار الفائدة، ومعاناة مزيد من المقترضين في سداد الفواتير. وقال تقرير الاستقرار المالي النصف سنوي الصادر عن الاحتياطي النيوزيلندي إن احتمال حدوث تهديد شامل للنظام المالي ضعيف، إلا أنه توجد إمكانية لحدوث تراجع "حاد" في أسعار المنازل، ما قد يقلص من الثروة بطريقة هائلة، ويسفر عن حدوث انكماش في إنفاق المستهلكين.
تعليقاً قال شاه من "بلومبرغ": "في ظل صعود تكاليف الاقتراض، تتعرض أسواق العقارات لاختبار مفصلي". وتابع: "في حال اتخذ رؤساء البنوك المركزية إجراءات تتسم بالقوة المبالغ فيها، فإن بمقدورهم زرع بذور الأزمة القادمة".
نورد أدناه ما يبرز في أسواق الإسكان ذات فقاعات الأسعار حول العالم:
نيوزيلندا
في حال كان عام 2021 هو العام الذي وصل فيه نمو أسعار المنازل في نيوزيلندا إلى ذورته، بارتفاع سنوي يصل إلى 30%، فإن عام 2022 يتجه ليصبح العام الذي يتوقف فيه كل شيء، وهذا التغيّر السريع جعل الناس يتخبطون.
اقرأ أيضاً: نيوزيلاندا تراجع طريقة تطبيق البنوك لقانون قروض الإسكان
فخلال شهر مارس الماضي، اتخذ جوناثان ميلن قراراً ببيع منزل عائلي يقع في ضاحية أونيونغا في أوكلاند، وبشراء منزل أكبر بمقابل يصل تقريباً لمليوني دولار نيوزيلندي (1.3 مليون دولار). وكان هو وزوجته جورجي متفائلين إزاء بيع منزلهما القديم بسرعة وبسعر مناسب، والذي حددت الحكومة المحلية سعره بمبلغ 1.8 مليون دولار نيوزيلندي.
لكن، تبدل كل ذلك في شهر أبريل الماضي، عندما فرض الاحتياطي النيوزيلندي تدابير صارمة للتصدي لارتفاع معدلات التضخم، وزاد سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس ليصل إلى 1.5%، في أكبر عملية رفع فائدة له منذ 22 عاماً. وسريعاً أعقب ذلك ارتفاع آخر بمقدار 50 نقطة أساس خلال شهر مايو، ومن المتوقع أن يبلغ سعر الفائدة مستوى الذروة عند نحو 4% خلال العام المقبل.
وفي حين كان من المنتظر بيع منزل ميلن في مايو من خلال المزاد، وهو أسلوب السائد لبيع المنازل في نيوزيلندا، لم يظهر أي مقدم عرض خلال المزاد.
ويقول ميلن، الذي يعمل كمدير تحرير موقع إخباري ويبلغ من العمر 47 عاماً: "ما لم نتوقعه هو أن يكون تسويق منزلنا وبيعه أمراً صعباً". وتابع: "كنا نعلم بأن كل أسبوع يمر يعني خفض 100 ألف دولار نيوزيلندي من سعره".
ومع نهاية الشهر الماضي، وافق الزوجان على عرض شراء اعتبره ميلن أقل "بشكل هائل" من سعر التقييم الحكومي.
يتوقع خبراء الاقتصاد تراجع أسعار المنازل في نيوزيلندا بحوالي 10% خلال السنة الحالية، وقد تهبط في نهاية الأمر بنسبة 20% عن الذروة التي وصلتها في أواخر 2021. وفي حين يشكل هذا تراجعاً محدوداً بالنسبة للعديد من ملاك المنازل مقارنة مع ارتفاعات الأسهم الهائلة في غضون الأعوام الأخيرة، إلا أنه ستكون هناك على الأرجح عواقب على نطاق أوسع. حيث يتوقع بنك "أيه إن زد" تراجعاً في الإنفاق الاستهلاكي بسبب الأشخاص الذين سيشعرون بأنهم أصبحوا أقل ثراءً نتيجة هبوط أسعار المنازل، وبسبب تأثير أسعار الفائدة العالية على التدفق النقدي كذلك، بالإضافة لارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، بحسب شارون زولنر، كبيرة خبراء الاقتصاد النيوزيلندي في البنك.
ويقول جارود كير، كبير خبراء الاقتصاد في "كيوي بنك" (Kiwibank) في أوكلاند :"سيكون هناك مشترو منازل التحقوا بالكاد بالسوق خلال السنة الماضية، أو نحو ذلك، ممن اشتروا على أساس سعر فائدة على الرهن العقاري بلغ 2.5%، وبطريقة مفاجئة تحولوا إلى فائدة على الرهن العقاري تصل إلى 6%". وتابع: "من المؤكد سيكون هناك الكثير من الشكاوي".
كندا
تبدل الحال في سوق الإسكان في كندا بسرعة هائلة، ما أدى لأن يخسر بعض المشترين أموالاً في عقاراتهم حتى قبل إنهاء إجراءات البيع.
يقول مارك موريس، محامي العقارات المقيم في مدينة تورنتو: "يسعى الأشخاص جاهدين للتخلي عن الاتفاقات"، واستشهد بأحد النماذج التي كانت فيها القيمة المقدرة للعقار أقل بمقدار 200 ألف دولار كندي (155 ألف دولار) من سعر الشراء المتفق عليه منذ شهرين فقط. وقال إن ذلك جعل المشتري يستعد للتخلي عن مقدّم البيع البالغ 100 ألف دولار كندي لتفادي إتمام الاتفاق. وأضاف: "أتلقى اتصالات عديدة يومياً من قبل أفراد يقولون إنهم دفعوا الكثير".
هذه الحالات تحدث منذ شهر أبريل الماضي مع تعرض كندا لأول تراجع على المستوى الوطني في أسعار المنازل منذ عامين، وهو ما تبعه هبوط آخر في شهر مايو الماضي. ورغم أن الشكوى تتركز حتى الآن في نطاق الأسواق التي شهدت أكبر تفش لوباء كورونا - وهي تورنتو والمناطق المحيطة بها – إلا أن المتاعب بدأت بالانتقال إلى الأسواق النشطة سابقاً والتي تقع في نطاق فانكوفر.
على غرار الدول الأخرى، نَجَمَ الاضطراب في سوق الإسكان الكندية عن حملة قوية لزيادة أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي. حيث زاد سعر الفائدة الأساسي من 0.25% في بداية العام الحالي إلى 1.5% حالياً. في ظل توقع أسعار فائدة أعلى، ويقول بعض خبراء الاقتصاد إن أسعار المساكن قد تهبط بنسبة تبلغ 20% في أكثر الأسواق نشاطاً.
اقرأ أيضاً: التضخم في كندا يرتفع خلال مايو بأكبر معدل منذ عام 1983 إلى 7.7%
يعد ذلك بمثابة تغيير جذري في دولة شهدت صعوداً في الأسعار بما يفوق 50% خلال العامين الماضيين منذ اندلاع وباء كورونا. مع تقدم الأسعار بطريقة سريعة على النمو في الأجور، كان يوجد أمل لدى بعض المشترين في دخول السوق بسبب أسعار الفائدة المتراجعة، وهي التي بدأت ترتفع في الوقت الراهن.
أوضح ماثيو أرسينو، نائب كبير خبراء الاقتصاد في "ناشيونال بنك أوف كندا"، (National Bank of Canada) أن أسعار المنازل على المستوى الوطني من المحتمل أن تتراجع بنسبة 10%، وأضاف: "المشتري الهامشي هو الذي يراقب تقييمات السعر الراهنة، لذلك من الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث تأثير هائل على سوق الإسكان". وتابع: "هل سيكون بإمكان المشترين الجدد تحمل أسعار المساكن مع أسعار الفائدة هذه؟"
الولايات المتحدة
تقول مابيل ميليندي، التي تعمل في مجال العقارات، إن سوق الإسكان في كيب كورال بولاية فلوريدا، يتباطأ، وذلك عقب مرور أسبوع بدون تسلمّها أي استفسارات أو عروض حول منزل جرى تشييده حديثاً وتسجيله في منتصف شهر أبريل الماضي. وكانت قبل ثلاثة أشهر فقط، حصلت على عرض لعقار مشابه خلال 3 أيام من طرحه للبيع في السوق.
لكن الآن، بعد تخفيضها للسعر حتى 3 مرات - قلصت السعر المطلوب للمنزل إلى 425 ألف دولار من 510 آلاف دولار - ومرور ما يزيد عن شهرين من التسجيل المبدئي، ما تزال تفتش عن مشترين في منتصف شهر يونيو. وأخفق أحد العروض المقدمة خلال عطلة نهاية الأسبوع في يوم الذكرى، عقب تعذّر تأهل المشتري للحصول على قرض عقاري ضخم بما فيه الكفاية.
اقرأ أيضاً: حفل سوق الإسكان الأميركي أوشك على الانتهاء
عن ذلك، قالت ميليندي: "غالبية الناس غير مؤهلين لما اعتادوا أن يكونوا مؤهلين له من قبل".
وارتفعت أسعار الفائدة على الرهون العقارية خلال العام الحالي بأسرع وتيرة منذ بدء تدوين السجلات التي يعود تاريخها إلى نصف قرن، بحسب وكالة "فريدي ماك". ووصل متوسط فائدة على القرض لمدة 30 عاماً 5.78% خلال الأسبوع الماضي، وهي أعلى فائدة منذ عام 2008. ما أسفر عن تراجع في الأسعار بالنسبة لكل من شركات التشييد وبائعي المنازل، في ظل هبوط الطلب بطريقة سريعة.
وخفّض نحو 20% من بائعي المنازل في الولايات المتحدة الأسعار خلال فترة الأربعة أسابيع المنتهية في 22 مايو، وهو ما يعتبر أكبر نسبة تخفيض منذ أكتوبر من عام 2019، ذلك بحسب شركة الوساطة "ريد فين" (Redfin). وكانت النسبة أعلى في بعض الأسواق التي باتت وجهات نشطة خلال فترة تفشي الوباء للأفراد الذين يبحثون عن منازل بأسعار مناسبة. ففي مدينة بويسي بولاية إيداهو مثلاً، خفّض 41% من البائعين الأسعار خلال شهر أبريل الماضي. وفي كيب كورال، قام بائع من كل 3 بائعين بخفض السعر.
تعليقاً على الأمر، قالت داريل فيرويذر، كبيرة خبراء الاقتصاد في شركة "ريد فين" إن شركات البيع تتفهم أن الأسعار قد لا تواصل الصعود بنفس الوتيرة التي حدثت في السابق، حيث يواجه المشترون ضغوطات متنامية. وأضافت: "يتعين أن تتراجع الأسعار لتتماشي مع الطلب".
عقب صعودها بنحو 18% في عام 2021، من المنتظر أن تنمو أسعار منازل العائلة الواحدة في الولايات المتحدة بوتيرة أشد اعتدالاً بنسبة تبلغ 10% في عام 2022، و5% في عام 2023، بحسب وكالة "فريدي ماك". وقال لين كيفر، نائب كبير خبراء الاقتصاد في الشركة: "إنه تباطؤ هائل للغاية، لكنه ينجم عن النمو الحاد بأسعار المنازل". وأضاف أن النقص في المنازل المعروضة للبيع، والطلب المكبوت من الأشخاص الذين يبحثون عن مساحة أكبر، علاوة على المشترين من جيل الألفية الذين يكبرون ويبدأون بتكوين الأسر، يعني أن الأسعار لا تزال تتجه صوب ارتفاعات أعلى على المستوى الوطني.
رغم ذلك، فإن عواقب تباطؤ الطلب تنعكس على قطاع العقارات، حيث أعلنت شركة "ريد فين" وشركة "كومباس" (Compass) خلال الأسبوع الماضي إنهما ستسرحّان موظفين عقب التباطؤ المفاجئ في السوق.
التشيك وهنغاريا
يقول فيت هراديل، كبير خبراء الاقتصاد في شركة الاستثمار "سايروس" (Cyrrus) والتي يقع مقرها في براغ، إن التشيك تتفرد في أوروبا بصعود معدّل تملك المنازل، ومعدلات التضخم المتسارعة، والبطالة المتراجعة. بالإضافة لنظام تصاريح البناء الفريد من نوعه والطلب المتصاعد من قبل الوافدين الباحثين عن عمل في العاصمة، جعل البلاد تواجه ارتفاعات مهولة في الأسعار تجاوزت مستوى نمو الدخل بطريقة هائلة.
فصعد المقياس الموسمي لأسعار المنازل في التشيك بنسبة بلغت 26% خلال شهر ديسمبر مقارنة بالعام السابق، بحسب شركة تحليل البيانات "سي إي آي سي داتا" (CEIC Data) في لندن. ويعتبر الفارق بين متوسط دخل المواطن وأسعار العقارات في البلاد حالياً من بين الأوسع في الاتحاد الأوروبي، ما يثير مخاوف خطيرة تتعلق بتكون فقاعات أسعار.
لكبح معدل التضخم الذي وصل إلى 16% خلال شهر مايو، كان البنك المركزي التشيكي شن حملة تشديد للسياسية النقدية أسفرت عن صعود أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1999، قبيل انعقاد اجتماع آخر خلال الأسبوع الحالي.
اقرأ أيضاً: اقتصادات العالم تدفع ثمن أخطاء البنوك المركزية المدمرة
عن ذلك، قال هراديل: "نتوقع بأن تسفر أسعار الفائدة هذه عن تراجع الطلب، لكن في ظل معدلات تضخم أعلى من ذلك كثيراً، فإنها لا تجدي نفعاً"، مضيفاً أن الاشخاص في البلاد يعتبرون سوق الإسكان وسيلة للتحوط من التضخم، ويفضلون الاستثمار في سوق العقارات عوضاً عن سوق الأسهم.
في براغ، أقلعت منتجة الفيديوهات، ميرا سانكار، عن فكرة شراء منزل. حيث كانت تهدف بداية للعثور على شقة بغرفة نوم واحدة في وسط المدينة مقابل 3 ملايين كرونة (130 ألف دولار)، ومع أن المواطنة المولودة في أيرلندا ضاعفت من ميزانيتها في نهاية الأمر، لكنها لم تتمكن من ايجاد شقة تلبي شروطها. فما عثرت عليه إما يحتاج إلى عملية تجديد شاملة، أو يقع في منطقة نائية أو غير آمنة إلى حد ما.
وقالت: "مقابل هذا الحجم من المال، باستطاعتك الحصول على منزل ضخم من 4 غرف نوم قرب مدينة كورك في أيرلندا، أو شقة مساحتها 150 متراً مربعاً في مسقط رأس والدي في الهند". وتابعت: "إنها فقط أسعار غير منطقية".
تحتل التشيك المرتبة الثانية في مقياس ترتيب فقاعة الأسعار من "بلومبرغ إيكونوميكس"، يعقبها جارتها الإقليمية، هنغاريا، حيث أقدم رئيس الوزراء، فيكتور أوربان، على توفير حوافز ملكية المنازل في إطار مساعي زيادة معدلات المواليد في البلاد.
وكانت الأسعار ارتفعت في هنغاريا بنسبة 20% تقريباً في غضون الشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2021، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام السابق، بحسب وكالة بيانات الاتحاد الأوروبي "يوروستات". وتدهور الوضع جراء الحرب في أوكرانيا، التي أسفرت عن صعود تكاليف الطاقة ومحدودية توافر عمال التشييد. وخلال الأسبوع الماضي، زاد البنك المركزي بطريقة مفاجئة من سعر الفائدة الأساسي بمقدار 50 نقطة أساس.
المملكة المتحدة
بدأ سوق الإسكان في المملكة المتحدة في التراجع عقب عامين من تحقيق مستويات نمو تاريخية. كجزء من التدابير المرتبطة بوباء كورونا، وجرى إعفاء مشتري المساكن من "ضريبة الدمغة" على العقارات التي تصل قيمتها إلى 500 ألف إسترليني (ما يعادل 614 ألف دولار) بين شهر يوليو من عام 2020 وشهر يونيو من العام الماضي، ما أسفر عن زيادة الأسعار بطريقة أكبر، وجعل العقارات السكنية منفصلة كما يبدو عن بقية العقارات"، بحسب ما ذكر توم بيل، رئيس قسم أبحاث العقارات السكنية في المملكة المتحدة في شركة "نايت فرانك".
في الوقت الراهن، زاد بنك إنجلترا المركزي أسعار الفائدة 5 مرات خلال الأشهر الأخيرة، مع وجود توقعات بمزيد من عمليات الرفع. وقال بيل إن هذا قد يهدد بحدوث تباطؤ في سوق العقارات لباقي العام الحالي، مع وفرة معروض أكثر، حيث يهرع أصحاب المنازل للتغلب على التراجع في القيم.
وبالفعل، تراجعت الموافقات الصادرة لقروض الإسكان الحديثة إلى أدنى مستوياتها منذ نحو عامين. وانحسرت طلبات المشترين في شهر مايو الماضي عقب صعودها لمدة 8 شهور متتالية، بحسب مسح أجراه المعهد الملكي للمساحين القانونيين.
عن ذلك، قالت أنيشا بيفريدج، رئيسة وحدة الأبحاث في شركة "هامبتنز إنترناشونال" (Hamptons) العقارية في المملكة المتحدة: "يساور الأفراد القلق إزاء الاقتصاد، وكيف ستؤثر الحرب في أوكرانيا على الأسعار والزيادة في تكاليف المعيشة". وتابعت: "إنهم أكثر حذراً".
اقرأ أيضاً: إيجارات المنازل في إنجلترا تسجل مستوى قياسي جديد وترتفع 9%
وأصدر بنك إنجلترا المركزي خلال الأسبوع الحالي قراراً بإلغاء اختبارات قدرة تحمل التكاليف، والتي تقيس قدرة المقترضين على سداد قروضهم العقارية، اعتباراً من الأول من شهر أغسطس. ومن الممكن أن يزيد ذلك من مخاطر إقدام مشتري المساكن لأول مرة على القيام بعمليات شراء غير قادرين على تحمل تكاليفها.
رغم ذلك، فإن مناطق على غرار "لندن الكبرى" تبلي بلاء حسناً، كما قال بيل، حيث يتدفق المستثمرون الأجانب إلى الوجهة الدولية ويعود الطلاب إلى المدينة عقب وباء كورونا. كذلك تسجل المدن الثانوية على غرار برمنغهام وليفربول ومانشستر صعوداً بوتيرة أسرع في أسعارها مقارنة مع العاصمة.
أخيراً، قال بيل: "ما دام يُنظر إلى المملكة المتحدة على أنها دولة ذات سيادة قانونية، ولديها مدارس جيدة، وتحترم حقوق الملكية الخاصة، فإن الأموال ستستمر بالتدفق دائماً".