رفع "الاحتياطي الفيدرالي" أسعار الفائدة بأعلى وتيرة منذ عام 1994 للحد من ارتفاع التضخم، فيما قد تدفع سياساته بنهاية المطاف إلى تعزيز -وليس الحد من- أحد العوامل الرئيسية المسؤولة عن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين، وهو تكلفة الإيجار.
في ما يلي السبب وراء ذلك، فمع ارتفاع الفائدة على قروض الرهن العقاري في المتوسط إلى نحو 6%، واستمرار ارتفاع أسعار المنازل، يرتفع إجمالي المدفوعات بمئات الدولارات شهرياً، ويزداد أعداد الأميركيين غير القادرين على امتلاك منزل، وبدلاً من الشراء يُضطر كثير منهم إلى الاستئجار، ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإيجار.
قال تايلور مار، نائب كبير الاقتصاديين في "ريدفين" (Redfin) المتخصصة في العقارات، في وقت سابق من هذا العام إن "مدفوعات الرهن العقاري تجاوزت إيجارات عديد من المنازل، ورغم ارتفاع تكلفة الإيجار هذا العام فإنه أصبح أكثر جاذبية من الشراء لدى عديد من الأميركيين".
تُظهِر بيانات "ريدفين" (Redfin) ارتفاع متوسط الإيجارات في الولايات المتحدة في مايو 15% على أساس سنوي، متجاوزة المستوى القياسي البالغ 2000 دولار، مع ارتفاع الإيجارات المطلوبة بنسبة 50% تقريباً في أوستن وتكساس، وبأكثر من 30% في سينسيناتي وسياتل وناشفيل.
اقرأ أيضاً: معركة إخلاء المنازل الأميركية من مستأجريها تشتعل مجدداً
ما لم يزدَد المعروض من الشقق والمنازل، ستبقى الإيجارات مرتفعة، حتى في حالة حدوث بعض الركود الاقتصادي، الذي سيدفع البعض إلى الحصول على رفقاء في السكن، والعيش في مساحة أقل.
نقص المعروض
يرجع جزء كبير من المشكلة إلى نقص المعروض من المساكن في الولايات المتحدة، عقب سنوات من عدم البناء بوتيرة تلبي الطلب. هناك مؤشرات على أن رفع الفائدة يُثني شركات بناء المنازل عن البدء في مشاريع جديدة، وذلك عكس المطلوب تماماً لخفض التكلفة.
انخفضت وتيرة بناء المنازل الجديدة في الولايات المتحدة خلال مايو، مع تراجع عدد المشاريع السكنية الجديدة بنسبة 14.4% لتسجل أدنى مستوى خلال أكثر من عام.
من منظور أوسع، ومنذ عام 2008، يتخوف المطورون العقاريون بشكل كبير من ضخ استثمارات كبيرة، لأن المساهمين لم يدعموا ذلك، وفي المقابل أعطوا قوة الميزانيات العمومية الأولوية، وكذلك تدفق المدفوعات من شركات الإسكان، التي انهارت في الأزمة المالية عام 2008.
اقرأ أيضاً: شراء منزل في أميركا الآن أصعب وأغلى من أي وقتٍ مضى
وكما قال كونور سين، كاتب مقال في "رأي بلومبرغ"، بإيجاز خلال مناقشة في بث حي على "تويتر" يوم الجمعة الماضي، فإنّ "الأمر صعب حقاً لأننا نرى أن شركات بناء المنازل تعمل بالفعل في قطاع العقار السكني، لكن في مرحلة معينة تصبح مجرد مستثمر يطبق القاعدة التي تقول: كل ما يهمني هو العودة، ولا أهتم بالقطاع الذي أعمل فيه".
من الناحية النظرية، لا تزال توجد طريقة للسياسات النقدية التي يتبناها الاحتياطي الفيدرالي لخفض الأسعار، من دون مزيد من البناء. فهناك رأي شائع بأن معدلات الفائدة المرتفعة على الرهن العقاري ستؤدي في النهاية إلى انخفاض أسعار العقارات، وقد بدأت أجزاء من سوق الإسكان في الولايات المتحدة بالفعل في التراجع إلى حد ما، إذ يجري تسجيل مبيعات أقل مع مزيد من تخفيضات أسعار المنازل.
اقرأ أيضا: التضخم في أميركا يرتفع إلى أعلى مستوى منذ 40 عاماً ويسجل 7.9%
ارتفاع الإيجارات
لكن فترة الركود لم تؤثر في أسعار المنازل بشكل كبير حتى الآن، وقد لا تؤدي إلى ذلك خلال السنوات القادمة، لأن عديداً من الملاك اشتروا المنازل عندما كانت فائدة الرهن العقاري منخفضة، ويمكنهم ببساطة الاستمرار في تلك المرحلة من الدورة الاقتصادية. كذلك فإن المضاربات تتراجع، ويضخ المستثمرون مزيداً من رأس المال في العقارات خلال فترة نقص المعروض، ما يؤدي إلى إبعاد عديد من العائلات عن ملكية المنازل وإرغامها على الاستئجار.
في غضون ذلك، سوف يزيد ارتفاع الإيجارات صعوبة تباطؤ مؤشرات التضخم الرئيسية، إذ يمثل الوزن النسبي لتكاليف السكن أكثر من 30% من مؤشر أسعار المستهلكين، فيما يركز مجلس الاحتياطي الفيدرالي على مؤشرات أخرى، تعطي ارتفاع الإيجار أولوية أقل، فالمؤشر الرئيسي للتضخم يركز على العوامل التي تحدّ من توقعات التضخم، كما قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في المؤتمر الصحفي يوم الأربعاء الماضي، عقب الإعلان عن قرار زيادة أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس.
اقرأ أيضاً: نقص المعروض يقود أسعار المنازل الأميركية إلى الارتفاع بأسرع وتيرة منذ 2005
يبقى احتمال ارتفاع تكاليف الإسكان الشهرية عقب الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة فكرة يصعب التعامل معها وتثير الإشكاليات، لكنها تسلط الضوء على عدم مراعاة الأداة التي يستخدمها الاحتياطي الفيدرالي معالجة ديناميكيات التضخم الدقيقة والمتعددة الأوجه.
في نهاية المطاف، تظل الطريقة الوحيدة التي يمكنها إبطاء زيادات الأسعار، دون تدخّل مادّي –يتمثل التدخل في إضافة مزيد من المنازل في هذه الحالة- هي تحفيز الانكماش العميق للدرجة التي تغير مستوى معيشة الناس بشكل ملموس، في المدى القصير على الأقل.
وخلال تلك الفترة وحتى يحدث ذلك الانخفاض في الطلب، تواصل سياسات الاحتياطي الفيدرالي تشديد الخناق على الجميع، خصوصاً أصحاب الدخل المنخفض، الذين يستأجر معظمهم المنازل التي يسكنونها.