بلومبرغ
ارتفع الطلب الأمريكي على النفط إلى آفاق جديدة في تحوُّل ظاهر عمَّا كان عليه قبل عام فقط، عندما دفع الوباء الاقتصاد الأمريكي إلى الهبوط، وتدهور الطلب على الخام.
قفز المتوسط المتحرِّك لإجمالي المعروض من المنتجات النفطية بالولايات المتحدة، وهو مؤشر على الاستهلاك، إلى أعلى مستوى موسمي، وفق بيانات حكومية تمتد ثلاثة عقود، في الأسبوع الى الثاني من يوليو.
في حين عاد الطلب على البنزين والديزل إلى مستويات ما قبل الوباء؛ فإنَّ ارتفاع استخدام النفط لإنتاج اللدائن، والإسفلت، ومواد التشحيم، والاحتياجات الصناعية الأخرى، يدفع عملية التعافي.
قالت ريبيكا بابين، كبيرة متداولي الطاقة في شركة "سي آي بي سي برايفت ويلث مانجمنت" (CIBC Private Wealth Management) بالولايات المتحدة :"هناك الكثير من الصناعات تعود إلى العمل مع عودة الاقتصاد للنشاط. يتزايد الطلب أيضاً على الأنواع الأخرى من المنتجات البترولية إضافةً إلى البنزين والديزل". تهدد عودة الاستهلاك الأمريكي بتسريع عجز الإمدادات عالمياً، فقد فشل تحالف "أوبك+" بالوصول لاتفاق لزيادة الإنتاج، وفي الوقت ذاته يفضِّل منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة الانضباط المالي على زيادة الإنتاج. يأتي انتعاش الطلب مع استمرار استخدام وقود الطائرات بنسبة تقل 24 % من مستوى يوليو 2019، مما يشير إلى أنَّ الأسواق قد تضيق أكثر، وقد ترتفع الأسعار عندما يرجع السفر الجوي إلى مألوفه.
تموضع جيد للاستفادة من الوباء
استثمر منتجو البتروكيماويات بكثافة في التصنيع بالولايات المتحدة على مدار 10 أعوام، بعد أن أدت تقنية التكسير الهيدروليكي إلى زيادة إنتاج النفط والغاز، بالإضافة إلى سوائل الغاز الطبيعي منخفضة التكلفة. وكانت النتيجة تتمثَّل في إقبال شديد على صناعة البلاستيك على طول ساحل الخليج الأمريكي خلال السنوات الأخيرة.
كان منتجو البلاستيك في تموضع جيد في بداية تفشي وباء كورونا، وهذا يؤهلهم للاستفادة من الحاجة إلى مزيد من العبوات والأغلفة بفضل إقبال المستهلكين على توصيل المنتجات. كما أنَّه كانت هناك حاجة ملحة لتوفير معدات وقائية للعاملين في مجال الرعاية الصحية.
قال كوين كيلي، مدير محفظة في شركة "تورتواز" (Tortoise)، وهي شركة تسوِّق ما يناهز 8 مليارات دولار من الأصول المرتبطة بالطاقة: "نسمع روايات عن ارتفاع الطلب على المواد الأولية للبتروكيماويات". وأضاف: "إذا كنت تفكر في زيادة الطلب على معدات الوقاية الشخصية والبلاستيك الذي لا تمسه الأيدي نظراً للمسائل المتعلِّقة بالوباء، فهذا أمر منطقي".
تشمل المكاسب الأخرى للاستهلاك إلى جانب البنزين والديزل أكثر من 12 منتجاً، بما في ذلك البيوتان لمزج البنزين، وزيوت المعدات الثقيلة. كما ارتفع الطلب على البروبان مع بقاء الأمريكيين في منازلهم، وإقبالهم على الشواء إبان الوباء أكثر مما مضى.
قال فرناندو فالي، محلل شؤون النفط في "بلومبرغ إنتلجينس"، إنَّ الارتفاع الكبير في الطلب على السلع المعمرة كان أيضاً محرِّكاً رئيسياً في الطلب على زيوت التشحيم والزيوت الأساسية. لكنَِّ التضخم وانخفاض الدخل المتاح للإنفاق، بعد خفض إعانات البطالة، قد يعرقلان الاتجاه الصعودي (للاستهلاك) في الآونة الأخيرة، وفقاً لـِ"فالي".
شحٌّ في الإمدادات
ستظلُّ سوق النفط الخام شحيحة، في حين يحوم الإنتاج الأسبوعي الأمريكي حول 11 مليون برميل يومياً لشهور أو أقل بنحو 2 مليون برميل مما كان عليه في أوائل عام 2020، ولن يزيد تحالف "أوبك +" إنتاجه حتى أغسطس على أقرب تقدير.
يشهد وضع الإمدادات الأمريكية شحَّاً لدرجة أنَّ العقود الآجلة لخام غرب تكساس ارتفعت في وقت سابق من يوليو إلى أقوى مستوى لها مقارنة بمؤشر برنت القياسي الدولي منذ أكتوبر.
في الواقع، تجد بعض المصافي في منطقة روكي ماونتين صعوبةً في الحصول على النفط الخام، لأنَّ الإنتاج هناك كان الأبطأ في التعافي.
أدى الطلب القوي على النفط الخام إلى انخفاض المخزونات في كوشينغ بولاية أوكلاهوما، نقطة تسليم العقود الآجلة " نايمكس" إلى أدنى مستوى منذ مارس 2020.
قال أرتيم أبراموف، الشريك ورئيس أبحاث النفط الصخري في "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy)، إنَّ الحاجة إلى النفط الخام لمواكبة الطلب يجب أن تبقي النفط داخل الولايات المتحدة، وتجذب الواردات.
تأتي القفزة في الاستخدام الصناعي على رأس الانتعاش القوي لكلٍّ من البنزين والديزل، إذ مايزالان يمثِّلان غالبية الطلب على النفط.
شهد الأسبوع الذي يسبق عطلة عيد الاستقلال، تسجيل كميات البنزين المتاحة أسبوعياً رقماً قياسياً جديداً في بيانات إدارة معلومات الطاقة.
بلغ متوسط إمدادات الديزل المتاحة 4.07 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوياته الأسبوعية منذ 2017.