بلومبرغ
تضع لعبة دبلوماسية النفط عالية المخاطر المملكة العربية السعودية في مواجهة حليفتها التاريخية أبوظبي، إلا أنَّ نتيجة هذه المواجهة لن تُؤثِّر فقط على سعر النفط للعام المقبل، وإنَّما على مستقبل صناعة الطاقة حول العالم.
في هذا الصدد، أحبطت دولة الإمارات العربية المتحدة يوم الجمعة اتفاق "أوبك+" الذي أبرمته روسيا والسعودية من أجل زيادة الإنتاج، وطالبت بشروط أفضل لنفسها.
بعد يومين من المحادثات الصعبة، ومع كون الإمارات، هي الدولة الوحيدة الرافضة، علَّق الوزراء المفاوضات حتى يوم الإثنين، تاركين الأسواق في حالة من عدم اليقين، فقد واصل النفط ارتفاعه فوق 75 دولاراً للبرميل.
خياران كلاهما مُر
وتجبر أبوظبي حلفاءها على موقف صعب، إما قبول مطالبها، أو المخاطرة بتفكيك تحالف "أوبك+"، إذ قد يؤدي الفشل في التوصل إلى اتفاق للضغط على السوق الضيقة بالفعل، الذي قد ينتج عنه ارتفاع حادُّ في أسعار النفط الخام.
لكن هناك سيناريو أكثر دراماتيكية قد يتحقق أيضاً؛ إذ من المحتمل أن تنهار وحدة "أوبك+" تماماً، مما قد يؤدي إلى المخاطرة بمنافسة دون قيود، وبالتالي انهيار أسعار النفط في تكرار لأزمة العام الماضي.
كما هو الحال في جميع المفاوضات، قد يكون هناك عنصر خداع، ففي أواخر العام الماضي، طرحت أبوظبي فكرة مغادرة "أوبك"، وفي حين لم تكرِّر دولة الإمارات تهديدها هذه المرة، إلا أنَّه لا يوجد في قلب المحادثات مَن هو متأكِّد مما قد يحدث في حال فشلت المفاوضات يوم الإثنين.
ومن شبه المؤكَّد أن يؤدي انسحاب الإمارات من "أوبك+"، إلى حرب أسعار، وفي هذا السيناريو سيخسر الجميع، في حين يكمن الخداع في إظهار أنَّ بلدك مستعدٌّ لتحمُّل الألم بشكل أفضل من الآخرين.
لكن هناك أيضاً لعبة أكثر عمقاً؛ ومن هذا المنطلق، تمتلك دولة الإمارات بعض الأوراق؛ إذ تريد الدولة ضخ المزيد من النفط بعد إنفاق المليارات لزيادة طاقتها الإنتاجية، وفي مرحلة ما، ربما يتعيَّن على الآخرين في التحالف الاعتراف بوضع أبوظبي الجديد، وإعادة رسم شروط المشاركة للسماح لها بضخِّ المزيد.
يقول روجر ديوان، محلل النفط في شركة "آي إتش إس ماركت ليمتد": "في هذه المرحلة، ستدفع الإمارات بقوة من أجل استخدام هذا الاجتماع للحصول على إقرار بطاقتها الإنتاجية الفائضة، وتوظيفها في السوق.
وما من شكٍّ في أنَّ التسوية موجودة، والمسألة هي الطريقة التي ستسعى بها الدولة للاستفادة من طاقاتها، وليست فيما إذا كانت ستفعل ذلك أم لا".
حسابات "أوبك"
توجد في قلب النزاع كلمة رئيسية لاتفاقيات إنتاج "أوبك+"، ألا وهي: خطوط الأساس. إذ يقيس كل بلد تخفيضات الإنتاج، أو الزيادات مقابل خط الأساس، وكلما زاد هذا الرقم، زاد عدد البلدان المسموح لها بالضخ.
في هذا الصدد، تقول الإمارات، إنَّ مستواها الحالي المحدَّد عند حوالي 3.2 مليون برميل يومياً في إبريل 2020، منخفض جداً، وترى أنَّه يجب أن يكون 3.8 مليون.
من جهته قال بن كاهيل، الزميل البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "كانت هذه معركة حتمية؛ فالاختلافات حقيقية ودولة الإمارات ستستمر في إحداث ضجة حتى تحقق خطَّ أساس أعلى".
وتنتهي اتفاقية إنتاج "أوبك+" الحالية في إبريل 2022، حينها ستكون كل دولة قادرة على إعادة التفاوض بشأن خط الأساس الخاص بها، ولكن الآن، تريد المملكة العربية السعودية وروسيا، بدعم من جميع أعضاء "أوبك+"، تمديد الاتفاقية حتى نهاية العام المقبل، إلا أنَّ الإمارات ترفض فكرة تمديد الاتفاقية، وذلك إنْ لم يتم تغيير خط الأساس الخاص بها، مما أدى فعلياً إلى قتل الاقتراح الذي تفاوضت عليه موسكو والرياض.
وقبلت أبوظبي في إبريل 2020 خط الأساس الحالي، إلا أنَّها لا تريد أن يبقى الوضع على حاله لفترة أطول؛ فقد أنفقت أبوظبي بكثافة لتوسيع طاقتها الإنتاجية، وجذبت الشركات الأجنبية بما في ذلك شركة النفط الفرنسية العملاقة "توتال إنرجيز إس إي" (TotalEnergies SE).
ومع احتمال عودة إيران إلى سوق النفط قريباً في حال توصلت إلى اتفاق نووي؛ فإنَّ الصبر على الحصول على شروط جديدة ينفد.
أوراق جيدة
ما من شكٍّ في أنَّ المطالبة بخط أساس أعلى تختلف عن وجود واحد؛ إذ غالباً ما تُصدر البلدان تصريحات غريبة عن كمية النفط التي يمكنها إنتاجها - فقط من أجل الحصول على صفقة أفضل، كما أنَّ قليلين يأخذون هذه التأكيدات على محمل الجدِّ.
من جانبها، أثبتت دولة الإمارات العام الماضي أنَّ لديها براميل إضافية، فخلال حرب الأسعار، ضخَّت 3.84 مليون برميل يومياً، وفقاً لتقديرات "أوبك". وتقول أبوظبي، إنَّها أنتجت أكثر من أربعة ملايين. وقبل ذلك، لم تكن تنتج أكثر من 3.2 مليون، إذ يعتقد القليلون أنَّها قادرة على إنتاج أكثر من ذلك بكثير. ويمكنها الآن أن تثبت أنَّها تمتلك البراميل، مما يقوي موقفها في المفاوضات.
ما من شكٍّ في أنَّ اقتراح دولة الإمارات سوف يُفيد المملكة العربية السعودية، التي يمكن أن تُؤمِّن لنفسها أيضاً خطَّ أساس أعلى. إلا أنَّ الرياض رفضته، وستكون روسيا الخاسر الأكبر، إذ ستشهد هدف إنتاج أقل بكثير. وفي الحقيقة، فإنَّ المملكة العربية السعودية بحاجة إلى روسيا إلى جانبها.
بصرف النظر عن حسابات التحالف، تلعب التوترات الجيوسياسية دوراً أيضاً، فقد كان ولي العهد محمد بن زايد، يتمتَّع بعلاقات وثيقة مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ولكن يبدو أنَّ العلاقة بين "الوريثين" شهدت فتوراً في الأشهر الأخيرة، إذ تستعرض أبوظبي عضلاتها لدرجة بعيدة عن سوق النفط أيضاً من خلال تحرُّكات جيوسياسية جريئة من اليمن إلى إسرائيل.
وفي علامة أخرى على التوتر مع اشتداد أزمة "أوبك" مساء الجمعة، تحرَّكت السعودية لتقييد سفر مواطنيها إلى دولة الإمارات، متذرعة بالجائحة.
توقيت سيىء
عاش تحالف "أوبك" مثل هذا الواقع من قبل، وغالباً ما يكون هناك احتكاك في الدول الأعضاء بين وزارة النفط، التي تتعامل مع التحالف، وتلتزم بالحصص، وشركات النفط الوطنية، التي غالباً ما تكون أولويتها زيادة الطاقة الإنتاجية. وفي هذه الحالة، قاد سلطان الجابر، رئيس شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" عملية زيادة الطاقة الإنتاجية.
وفي تسعينيات القرن الماضي، كانت شركة "بتروليوس دي فنزويلا إس إيه"، الشركة المملوكة للدولة في أمريكا اللاتينية، هي التي دفعت قدماً في التوسُّع الهائل في الطاقة الإنتاجية.
ومع نمو الطلب على النفط ببطء في التسعينيات، تصادمت كاراكاس والرياض، فقد أدى النزاع في النهاية إلى اندلاع حرب أسعار في عام 1998، التي شهدت انخفاضَ خام برنت إلى ما دون 10 دولارات للبرميل.
وكان من المقرَّر توقيع مذكرات تفاهم لـ 14 صفقة تجارية خلال زيارة الأمير، إلا أنَّ المسؤولين البريطانيين لا يتوقَّعون قراراً بشأن مَن سيستضيف الطرح العام الأولي لشركة النفط الحكومية "أرامكو".
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فعلت شركة الطاقة الوطنية الجزائرية العملاقة "سوناطراك" الشيء نفسه، إلا أنَّها استفادت من توقيت أفضل؛ فقد سمح ازدهار الطلب الصيني على النفط برفع الإنتاج بنسبة 60% من عام 1996 إلى عام 2006 بموافقة ضمنية من "أوبك".
نُشير إلى أنَّ جهود "أدنوك" اصطدمت بعاملين هما: إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، ووباء فيروس كورونا، وكلاهما قللا من الطلب على براميل "أوبك" على مدى السنوات الخمس الماضية. وفي الواقع، أخطأ الجابر في قراءة السوق، أو كان غير محظوظ بالتوقيت.
وقد تعتمد نتيجة مَن سيفوز في المواجهة هذه المرة على الحظ، وعلى القليل من المخادعة، وعلى مَن يخشى أن يخسر أكثر من تفكك "أوبك".