برميل النفط نصف فارغ أم نصف ممتلئ؟

الأسعار تبقى العامل الحاسم الوحيد لمستقبل النفط

time reading iconدقائق القراءة - 8
رافعة مضخة في ميدلاند، تكساس، الولايات المتحدة - بلومبرغ
رافعة مضخة في ميدلاند، تكساس، الولايات المتحدة - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

«تذكّر: البرميل نصف ممتلئ دائماً». هذه هي الرسالة المكتوبة على لوحة إعلانية إلكترونية ضخمة في مدينة ميدلاند بولاية تكساس، عاصمة ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة. المعنى واضح: خلال فترات الازدهار والانهيار، ينبغي أن يظل العاملون في قطاع النفط الأميركي متفائلين بشأن المستقبل. مع ذلك، فإن هذه المعنويات الإيجابية تكاد تكون مفقودة اليوم. إذ ترى الصناعة حالياً أن البرميل نصف فارغ بشكل كبير.

قال سكوت شيفيلد، وهو أحد رواد قطاع النفط الصخري، في حديث معي بمدينة هيوستن الأسبوع الماضي خلال مؤتمر «أسبوع سيرا»، الذي تنظمه «إس آند بي غلوبال» سنوياً ويجمع قادة قطاع الطاقة الأميركي: «التفاؤل أقل بكثير حالياً».

يبدو هذا التشاؤم غريباً بعض الشيء؛ إذ إن دونالد ترمب أعاد شعار «احفر، يا عزيزي، احفر» إلى البيت الأبيض، كما عيّن شخصية من داخل القطاع النفطي وزيراً للطاقة، وهو كريس رايت، المسؤول التنفيذي السابق في صناعة النفط. لذلك كان من المتوقع أن يكون المزاج في هذا الحدث السنوي، الذي يستقطب نحو 10 آلاف مدير تنفيذي ومصرفي ومتداول، في حالة عالية من التفاؤل. لكن لم تكن هذه هي الحال مطلقاً. 

قلق من ضغوط ترمب لخفض أسعار النفط

صحيح أن الجميع يظهرون في العلن سعادتهم بتخفيف القيود التنظيمية، وتوقعات خفض الضرائب، فضلاً عن تجنب الإدارة الأميركية الحالية الخوض في ملف التغير المناخي، لكن في الجلسات المغلقة، يشعر المسؤولون التنفيذيون بالقلق الشديد من ضغوط ترمب لخفض أسعار النفط، واحتمال حدوث ركود اقتصادي ناتج عن حرب تجارية. إذا كان هناك من يحتاج إلى تذكير بهذا الأمر في هيوستن، فقد صرّح ترمب في واشنطن مع بدء فعاليات المؤتمر قائلاً إنه «سعيد جداً» بانخفاض أسعار النفط.

فيما يتعلق بكل العوامل التي تؤثر على صناعة النفط، سواء مستويات الإنتاج، أو التكاليف، أو الضرائب، أو السياسات والتشريعات، أو التطورات الجيوسياسية والعقوبات، يبقى العامل الحاسم الوحيد الذي يحدد ما إذا كان البرميل نصف ممتلئ أو نصف فارغ، هو السعر.

خلال أسابيع قليلة فقط منذ تعيين كريس رايت، أدركت الصناعة أيضاً أنه ليس «رجلنا»، كما افترض الكثيرون خطأً، بل هو «رجل ترمب». من ثم، فإن المسؤول التنفيذي السابق المتخصص في عمليات التكسير الهيدروليكي سينفّذ ما يريده البيت الأبيض. إذا كان هذا يعني أن ينخفض سعر النفط إلى 50 دولاراً للبرميل، وإفلاس شركات النفط الصخري، فليكن كذلك. كما أخبرني شيفيلد، الذي باع شركته «بايونير ناتشورال ريسورسز» (.Pioneer Natural Resources Co) إلى شركة «إكسون موبيل» (.Exxon Mobil Corp) العام الماضي مقابل حوالي 60 مليار دولار: «من الصعب حقاً تحقيق أرباح عند مستوى 50 دولاراً للبرميل».

من يقرأون مقالاتي بشكل منتظم يعلمون أنني كنت متشائماً بشأن أسعار النفط منذ أواخر عام 2023، عندما كان خام برنت يحوم حول 100 دولار للبرميل. لم يكن تشاؤمي متعلقاً بنمو الطلب، الذي لا يزال قوياً، بل بنمو المعروض القوي، وحقيقة أن تحالف «أوبك+» سيضيف عاجلاً أم آجلاً المزيد من البراميل إلى السوق. بعدما أعلن التحالف هذا الشهر أنه سيزيد الإنتاج، انخفض سعر برنت إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل. كما قال لي مصرفي النفط في هيوستن، دان بيكيرينغ: «أحلام الأسعار الثلاثية بعيدة المنال». لا يسعني إلا أن أتفق تماماً مع ذلك، فهي بعيدة جداً.

أسعار النفط رخيصة تاريخياً

من الناحية التاريخية، سعر النفط بات رخيصاً بالفعل. فإذا نظرنا إلى مخطط الأسعار خلال ربع القرن الماضي، نجد أن خام "برنت" يُتداول اليوم عند المستويات نفسها التي كان عليها قبل عقدين. وذلك حتى عند احتساب الأرقام بالقيمة الاسمية. أما بعد الأخذ في الاعتبار التأثير التراكمي للتضخم، فإن النفط بالقيمة الحقيقية يعادل مستواه منذ 25 عاماً، بل إنه أقل من مستواه في عام 1982، عندما كان رونالد ريغان رئيساً.

على الرغم من أنني لا أزال متشائماً، فمن الواضح أن المجال لمزيد من الهبوط بات محدوداً، بعد عمليات بيع تسببت في تراجع الأسعار بنحو 30 دولاراً للبرميل خلال 18 شهراً. ربما يمكن أن نشهد تراجعاً إضافياً يتراوح بين 5 إلى 10 دولارات للبرميل، وربما نرى خام "غرب تكساس الوسيط"، وهو المعيار الأميركي، يُتداول لفترة وجيزة عند مستويات تبدأ بالخمسينات. فهل يمكن أن يصل إلى 50 دولاراً للبرميل، وهو المستوى غير الرسمي المستهدف من البيت الأبيض؟ لا تقل أبداً «مستحيل»، لكنني أعتقد أن ذلك سيتطلب دخول الاقتصاد في حالة ركود، وانهيار «وول ستريت» للوصول إلى هذا المستوى.

نفط محدود من خارج "أوبك+"

إذا أوفى «أوبك+» بخطته لزيادة المعروض شهرياً حتى سبتمبر 2026، فإن التحالف سيضيف أكثر من مليوني برميل يومياً، وهو ما يكفي لتغطية كامل الزيادة المتوقعة في الطلب خلال عامي 2025 و2026. وبما أن العديد من دول «أوبك+» تتجاوز حصص الإنتاج، من خلال ضخ مزيد من الإمدادات نظرياً، فإن كميات إضافية من النفط تتدفق إلى السوق، ما سيترك مجالاً ضيقاً للغاية لأي إمدادات إضافية من خارج «أوبك+»، والتي لا تزال تسجل نمواً ملحوظاً. بالتالي، سيكون هناك حاجة لأسعار أقل لإبطاء نمو الإنتاج، وتجنب فائض في السوق. 

بالفعل، بدأ نمو إنتاج النفط الأميركي يتباطأ، لكن دولاً مثل البرازيل، وغيانا، والأرجنتين، وكندا ستواصل إضافة المزيد من البراميل العامين الجاري والمقبل. صحيح أن بعض هذه الإمدادات قد لا تصل في المواعيد المتوقعة، لكن في نهاية المطاف، ومع تراكمها، سيكون تأثيرها ثقيلاً. أضف إلى ذلك ضعف الاقتصاد الصيني، فالصورة الكاملة تشير إلى سوق نفطية أضعف.

السؤال الأساسي الآن: ما طبيعة الدورة التي سيواجهها قطاع النفط خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة؟ أظهرت عدة فصول من تخفيضات الإنتاج التي نفذها «أوبك+»، إلى جانب انخفاض الأسعار، أن التحالف لم يعد قادراً على خلق سوق صاعدة فقط عبر تقليص الإمدادات. عندما دفع التحالف الأسعار إلى ما فوق 80 دولاراً للبرميل وأكثر، كان ببساطة يُقدّم دعماً لمنافسيه.

ما النتيجة؟ 

النتيجة هي أن أسعار النفط بحاجة إلى أن تكون أقل من متوسط 87 دولاراً للبرميل، المسجل بين يناير 2022 وديسمبر 2024، وإلا فإن «أوبك+» لن يتمكن فقط من زيادة المعروض، بل قد يُضطر أيضاً إلى خفضه. فما هو مستوى السعر المتوازن الجديد؟ خلال آخر دورة انهيار بين 2015 ونهاية 2017، بلغ متوسط سعر النفط 51 دولاراً للبرميل. هذه المرة، لن يكون هناك حاجة لهبوط مماثل لفترة طويلة، نظراً لأن سنوات النمو القوي في الإمدادات الأميركية أصبحت شيئاً من الماضي. لكن السوق بحاجة إلى عدة فصول، وربما عامين من الأسعار المعتدلة، لإبطاء نمو الإمدادات من خارج «أوبك+»، وإعادة التوازن إلى السوق.

يبقى هناك عامل واحد قد يُعيد توازن سوق النفط على المدى القصير، وهو العقوبات الأميركية على إيران، التي قد يفرضها ترمب. لكن حتى هذا الإجراء قد لا يكون كافياً إذا استمر التحالف في ضخ المزيد والمزيد من النفط.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان
Javier Blas

Javier Blas

Energy and commodities columnist at Bloomberg.
للإتصال بكاتب هذا المقال:@JavierBlas

تغيير حجم الخط

واشنطن

10 دقائق

11°C
غيوم متفرقة
العظمى / الصغرى 10°/12°
14.8 كم/س
57%

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.