
الشرق
في خطوة اعتبرها البعض تحولاً في الموقف الغربي تجاه سوريا، رفعت المملكة المتحدة العقوبات عن مصرف سورية المركزي و23 كياناً اقتصادياً، بينها 13 شركة في قطاع الطاقة. هذه الخطوة تأتي ضمن نهج تدريجي بدأته بعض الحكومات الغربية بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي، بهدف دعم الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع وإعادة بناء الاقتصاد السوري المنهك.
لكن هل يعني هذا القرار أن قطاع النفط السوري سيعود إلى الإنتاج بقوة، أم أن التحديات لا تزال قائمة؟
شلل قطاع النفط السوري والاعتماد على إيران
عانت سوريا من شلل شبه تام في قطاع النفط منذ فرض العقوبات الغربية. قبل اندلاع الصراع، كانت البلاد تنتج حوالي 400 ألف برميل يومياً بين عامي 2008 و2010، لكن الإنتاج انهار إلى 15 ألف برميل يومياً في عام 2015. وفي عام 2023، بلغت التقديرات نحو 30 ألف برميل يومياً. وتقدّر خسائر قطاع النفط السوري بنحو 86 مليار دولار.
يقول الخبير النفطي رياض النزال: "رفع العقوبات البريطانية لن يكون كافياً لإعادة القطاع إلى ما كان عليه قبل الحرب، فحتى قبل سقوط نظام الأسد كانت سوريا تعتمد بشكل شبه كامل على النفط الإيراني، مع توقف عمليات الاستكشاف باستثناء بعض المحاولات غير المثمرة من الشركات الروسية والإيرانية."
اطلع على الملف المفصّل للعقوبات على النفط السوري.
هل يمكن لسوريا تصدير النفط مجدداً؟
رغم رفع العقوبات البريطانية، فإن تصدير النفط السوري لا يزال غير مجدٍ اقتصادياً في المدى القريب، وفق النزال، الذي يوضح أن "في عام 2010 كانت مبيعات الخام السوري تساهم فقط بحوالي 5% من إيرادات الخزينة، بينما كان الإنتاج المحلي يسد 65% من حاجات السوق الداخلي من المشتقات النفطية".
ويضيف: "الأولوية اليوم ليست للتصدير، بل لتأمين حاجة السوق المحلية من الوقود والمشتقات النفطية، خاصة مع توقف الاستيراد الإيراني عقب سقوط النظام."
إعادة تأهيل النفط السوري تتطلب وقتاً طويلاً
رياض النزال
أحد أبرز الأسئلة المطروحة بعد القرار البريطاني هو هل ستشجع الخطوة الشركات الأجنبية على العودة إلى سوريا؟ ويرى النزال يرى أن الأمر يعتمد على الاستقرار السياسي وتوافر الظروف المناسبة، لكنه يوضح أن العقوبات الأميركية على سوريا لا تزال العقبة الأكبر.
"رفع العقوبات عن مصرف سورية المركزي قد يسمح للحكومة الجديدة بمساحة أكبر للتحويلات المالية واستيراد المشتقات النفطية من الخارج، لكنه ليس كافياً لإعادة الاستثمارات الأجنبية، فالمشكلة الأساسية تكمن في استمرار العقوبات الأميركية التي تستهدف الكيانات المالية السورية."
شركات الطاقة السورية الخارجة من العقوبات
من بين شركات الطاقة السورية التي شملها القرار البريطاني شركة الفرات للنفط، وهي مشروع مشترك بين الحكومة السورية و"شل"، بالإضافة إلى شركة دير الزور للنفط (التي كانت شراكة مع "توتال" الفرنسية)، وشركة دجلة للنفط التي تعمل بشراكة مع "غلف ساندز" البريطانية.
يوضح الخبير النفطي أن هذه الشركات كانت تعمل في أبرز الحقول النفطية بمحافظتي الحسكة ودير الزور، مما يجعل رفع العقوبات خطوة مهمة، لكنه يستدرك:
"عودة هذه الشركات للاستثمار المباشر في القطاع النفطي لا تزال مرهونة بتوفر بيئة استثمارية مستقرة، وإجراء مراجعة شفافة لعقود الخدمة الناظمة لعمل هذه الشركات."
بقية الشركات هي: الشركة السورية للنفط، وشركة محروقات، ومؤسسة بانجيتس الدولية، وشركة سوريا لتجارة النفط، وشركة التجارة النفطية الخارجية، وشركة إلبا للنفط، والمؤسسة العامة للنفط، والشركة السورية لنقل النفط، وشركة مصفاة بني ياس، وشركة مصفاة حمص.
هل سيؤثر القرار على سوق النفط الإقليمية والعالمية؟
فيما يخص تأثير القرار على السوق العالمية، يستبعد النزال وجود تأثير مباشر، إذ أن سوريا تحتاج إلى سنوات لإعادة تأهيل منشآتها. ويوضح: "الدمار الجزئي أو الكلي للمنشآت النفطية في سوريا يعني أن عودتها إلى مستويات الإنتاج السابقة ستتطلب وقتاً طويلاً، ولن يكون لها أثر يُذكر على سوق النفط العالمي."
أما إقليمياً، فيرى أن سوريا قد تعتمد على حلول مرحلية مثل استيراد الخام العراقي عبر خط كركوك–بانياس أو الربط الكهربائي مع تركيا والأردن.
تبقى السيطرة على الحقول النفطية في شمال شرق سوريا موضع جدل، حيث تخضع هذه المناطق لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المدعومة من الولايات المتحدة.
ويلفت النزال إلى أن المؤسسة العامة للنفط لا تزال الجهة الوحيدة المخولة قانونياً بإدارة هذه الحقول، موضحاً أن "العقد الذي أبرمه النظام السابق مع وحدات حماية الشعب الكردية عام 2011 لحماية المنشآت النفطية لا يخولها للتعاقد الداخلي أو الخارجي للاستثمار في هذه الحقول، والذي يبقى محصوراً بالحكومة السورية".
ويضيف: "عودة الشركات الأجنبية والكوادر الوطنية للعمل في الحقول النفطية في الحسكة ودير الزور مشروطة ببسط سلطة الدولة السورية على هذه المناطق."
العقوبات الأميركية هي العائق الأكبر
رياض النزال
أصدرت الولايات المتحدة في يناير الماضي تصريحاً مؤقتاً يسمح بإجراء معاملات مع مؤسسات الدولة السورية وبيع الطاقة إلى البلاد. وفي الشهر الماضي، علق الاتحاد الأوروبي العقوبات على سوريا جزئياً في قطاعات محددة من بينها الطاقة والبنوك. لكن كلا الجانبين لم يرفعا القيود بالكامل.
رغم ترحيب النزال بالقرار البريطاني، إلا أنه يرى أن استمرار العقوبات الأوروبية والأميركية يعيق عودة الاستثمارات بشكل كامل.
"رفع العقوبات الأوروبية والبريطانية شرط لازم، ولكنه ليس كافياً، فالعقوبات الأميركية تستهدف بشكل مباشر الكيانات الاقتصادية السورية، مما يجعل من الصعب على الشركات الأجنبية العودة دون مخاطر قانونية"، وفق النزال.
هل يشكل القرار تحولاً حقيقياً؟
رفع بريطانيا للعقوبات عن قطاع النفط السوري قد يكون مقدمة لانفتاح غربي أكبر، لكنه لا يعني بالضرورة انتعاشاً سريعاً. إعادة تأهيل البنية التحتية النفطية تتطلب استثمارات ضخمة واستقراراً سياسياً، في حين أن استمرار العقوبات الأميركية يمثل تحدياً رئيسياً أمام الشركات الأجنبية الراغبة في العودة إلى السوق السورية.