بلومبرغ
يفقد الغاز الطبيعي شعبيته بين المستثمرين القلقين من الانبعاثات بوتيرة أسرع من الفحم، مما أخذ بعض مولدي الطاقة على حين غرة، وتركهم عالقين بأصولٍ
لا يمكن بيعها بقيمة مليارات الدولارات.
ويعدُّ "سيتي غروب"، و"جى بي مورغان" من بين البنوك التي شدَّدت قيود التمويل لشركات الفحم الحراري، تحت ضغط من المساهمين الذين يريدون تجنُّب الوقود، وتدور التوقُّعات حول أنَّ الغاز هو الوقود التالي.
ويقول بعض المديرين التنفيذيين في بعض الشركات الغربية الأوروبية، إنَّهم بالفعل يعانون من أجل بيع المرافق التي تعمل بالغاز.
تراجع شعبية الغاز
وقال خوسيه إجناسيو سانشيز غالان، المدير التنفيذي في "إبيردرولا"، في إسبانيا: "إذا وجدت شخصاً مستعداً لتقديم سعر جيد لمحطاتنا التي تعمل بالغاز في إسبانيا، فنحن مستعدون للبيع، لأنَّنا لا نجد أي أحد".
انخفضت تكلفة مصادر الطاقة المتجددة بحدَّة خلال العقد الماضي، مما جعل المحطات التي تعمل بالغاز أقل تنافسية.
يمثِّل التخلص التدريجي من الغاز في توليد الكهرباء مجرَّد خطوة أولى. أما خفض استخدام الوقود في التدفئة، والنقل، والقطاع الصناعي، فمن شأنه أن يلحق المزيد من الضرر المحتمل.
تريد أوروبا الوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول 2050، وهو ما يتناقض مع خطط بناء العديد من مشروعات البنية التحتية، مثل: خطوط الأنابيب والمحطات.
وإذا بُنيت هذه المشروعات ثم لم يعد هناك حاجة لها، من المحتمل أن تبرز مخاطر أصول عالقة قيمتها 87 مليار يورو (104 مليار دولار)، وفقاً لحسابات "غلوبال إنرجي مونيتور".
التخلص من الفحم تدريجياً
في إيطاليا، توجد خطط لبناء 14 غيغاوات من القدرات الإنتاجية الجديدة للغاز، لتحلَّ على الأغلب محلَّ الفحم، وفقاً لـ "كاربون تراكر انشياتيف".
ويعدُّ أكبر مرفق أوروبي، "إنيل"، منتج طاقة متجددة عالمي، ومع ذلك لا تزال حوالي 40% من قدرة الشركة البالغة 88 غيغاوات تتشكَّل من الفحم، والبترول، والغاز.
ولكن تخطط الشركة الإيطالية لتقليص توليد الفحم بنسبة 74% في 2022. وبرغم أنَّها ستخفض الغاز في مرحلة ما في المستقبل، فإنَّ لديها خططاً لبناء المزيد من القدرة.
وقال سالفاتور بينرنابي، مدير توليد الطاقة العالمية في "إنيل"، في مقابلة: "أهم شيء أنَّ الاتجاه واضح، ولن يتغير، ويتعيَّن على الجميع فهم أنَّنا لا نستطيع تغيير العالم في يوم واحد".
أسرع من الفحم
كان التخلُّص من الفحم بطيئاً وتدريجياً في الدول، إذ يوفِّر قطاع التعدين آلاف الوظائف، أما التخلي عن الغاز سيكون أسرع، إذ لا ترتبط به التقاليد نفسها، كما أنَّ مصادر الطاقة المتجددة بديل فعَّال من ناحية التكلفة، وفقاً لـ"كاربون تراكر".
وقالت كاثرينا هيلينبراند فون دير نيين، رئيسة الأبحاث في الشركة التي تتخذ من لندن مقرَّاً لها: "سيشهد الغاز مصير الفحم نفسه، ولكن بوتيرة أسرع.. وعندما ننظر إلى توليد الطاقة، نرى أنَّ ذلك يحدث بسرعة كبيرة حقاً".
يحدث الأمر بالفعل في بريطانيا، إذ من غير المرجَّح بناء أي محطات غاز واسعة النطاق بدون تكنولوجيات خفض الانبعاثات -مثل احتجاز الكربون-، وقالت شركة "اس اس ايه"، المدرجة في المؤشر البريطاني "فوتسي 100"، إنَّها لا ترى مستقبلاً لمحطات الغاز الجديدة التي لا تتبنَّى تكنولوجيا احتجاز الكربون أو الهيدروجين.
ولن تُشغِّل شركة كهرباء فرنسا بعد الآن أي محطات توليد طاقة تعمل بالوقود الأحفوري في بريطانيا، بعد أن أعلنت عن بيع آخر محطاتها العاملة بالغاز لشركة الملكية الخاصة "إي آي جي غلوبال انرجي بارتنرز"، وتاريخياً كان انخراط شركة ملكية خاصة يعني ضغط الأصل (الغاز) لاستخراج كل القيمة المتبقية.
ضغوط المستثمرين
سيزيد المستثمرون أصحاب أجندات الحوكمة البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات الضغوط على الشركات للتخلُّص من الغاز. وتعدُّ "بلاك روك"، ومجموعة "فانغارد" من بين أكثر من 40 شركة استثمار تعهَّدت بخفض صافي الانبعاثات في محافظها إلى صفر بحلول 2050.
وقالت أكبر شركة مرافق في البرتغال، "إنرجياس دو بورتغال"، إنَّ استراتيجيتها تتمثَّل في الخروج من أخر محطتي فحم بحلول 2025 من خلال إغلاق واحدة، وبيع الأخرى. وقال ميغول ستلويل دو أندرادى، المدير التنفيذي للشركة، في مقابلة: "هناك كميات متزايدة من الأموال التي لا تُحب الفحم أو لا تستثمر في الشركات ذات أعمال الفحم". وأضاف: "لن ننتظر حتى يخبرنا الناس أنَّ الغاز لن يُستخدم بعد الآن، وسنحرص على التخلي عنه قبل هذه المرحلة".
ومن جهته، قال فرانس تيمرمانس، نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية، إنَّه
لا جدوى من بناء أصول الآن، إذ لن يكون لها فائدة خلال سنوات قليلة، ويمكن أن تتخطى أوروبا هذه المرحلة الانتقالية، وتتجه مباشرة إلى الأصول النظيفة من خلال الإنفاق على المشروعات الصحيحة من الآن.
وأوضح: "نحتاج ضخ الاستثمارات لخلق مجتمعات مستدامة.. وعدم إنفاق رأس المال بشكل صحيح سيخلق أصولاً عالقة قريباً جداً، وسيضع عبئاً مالياً لا يطاق على أكتاف أولادنا".
التحول في الولايات المتحدة
في الولايات المتحدة سيكون التحوُّل أبطأ على الأرجح، نظراً لأنَّه لا يوجد تكليف فيدرالي بالانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، كما أنَّ الغاز متوفر بكثرة ورخيص بفضل طفرة التكسير الهيدروليكي في الدولة، الذي ساعد على انهيار الفحم.
بحلول 2016، كان الغاز هو مصدر الطاقة المهيمن في الدولة.
وقال ريان وبروك، مدير ائتمان في "موديز" لخدمات المستثمرين: "يتحدَّث الجميع عن الانتقال وليس السقوط عن منحدر.. وفي هذه المرحلة سيكون من الصعب جداً الانفصال عن النظام الحالي بالكامل".
لكن الآن، هناك علامات على وصول الطلب في الولايات المتحدة إلى ذروته قبل الموعد المتوقَّع بعقود في ظلِّ انخفاض أسعار الطاقة المتجددة، ودفع الأهداف صفرية الانبعاثات لأجندة شركات المرافق، وبحسب تقديرات "مورغان ستانلي" ستصبح الطاقة المتجددة المصدر الرائد في الشبكات الأمريكية بحلول 2028.
الفرص المتبقية للغاز
تتضمَّن خطَّة البنية التحتية، والطاقة للرئيس الأمريكي جو بايدن، والبالغة قيمتها 2.25 تريليون دولار ، حوافز للطاقة المتجددة، وشبكة نقل هائلة من شأنها تسريع التحول عن أنواع الوقود الأحفوري.
مع ذلك، قد يوفِّر التقدُّم على صعيد تكنولوجيا احتجاز الكربون شريان حياة للغاز، مما يعني أنَّ المحطات يمكن أن تخدم كمحطات دعم عندما يكون هناك نقص في الشمس، أو الرياح، أو الطاقة المائية، وتحرص بعض شركات الطاقة على استمرار إمكانية استخدام الغاز بدلاً من تخليص محافظهم من أنواع الوقود.
وقال بنجامين كولي، مدير المشروعات في "أوروا" لأبحاث الطاقة في أوكسفورد: "يعدُّ اكتساب المرونة للتعامل مع متغيرات الإنتاج من المصادر المتجددة صعباً للغاية إذا لم يكن لديك أي توليد قائم على الغاز".
لا يزال من المتوقَّع أن ينمو الطلب الأوروبي على الغاز بنسبة 3% العام الجاري، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة. ولكن على المدى القريب من المقرَّر أن ينهي البنك الأوروبي للاستثمار جميع تمويلاته لأنواع الوقود الأحفوري في ديسمبر. وقال رئيس البنك الأوروبي للاستثمار، فيرنر هوير، خلال مؤتمر صحفي في يناير: "بعبارة ملطَّفة انتهى عصر الغاز، وبدون نهاية للاستخدام الذي لا يهدأ للوقود الأحفوري لن نتمكَّن من تحقيق أهداف المناخ".